لكن تلك اللحظات الهادئة والمريحة انتهت عندما فرغت أكواب القهوة.
بعد موعدنا، عُدنا إلى روتيننا اليومي وعشنا منفصلين لمدّة يومين تقريبًا.
انتشرت الشائعات كالنار في الهشيم.
فجأة، أصبحنا أنا وكارلوس عاشقين تعيسين على وشك الانفصال بقرارٍ إمبراطوري. أو ربما زوجين غريبين، يتفاخران بعاطفتهما دون خجلٍ رغم القرار الإمبراطوري.
“حتى الآن، كلّ شيءٍ يسير كما هو مخطّطٌ له. إذًا، كلّ ما تبقّى هو اللمسة الأخيرة؟”
في اليوم الثالث بعد زيارتنا للمقهى، كنتُ أنا وكارلوس نُجري بعض المُعاملات في المكتب عندما تحدّثتُ.
“أليس اليوم مثاليًا لذلك؟”
“نعم، يبدو اليوم مثاليًا.”
وافق كارلوس، ووقّعتُ على الوثيقة النهائية وغادرتُ.
بينما غادرتُ المكتب مع كارلوس، استقبلني الجميع بنظرات قلق.
“سيدتي، هل أنتِ بخير؟ نعلم أنكِ ونائب القائد لستما بهذا النوع من العلاقات، فلا تقلقي!”
حتى أن سيزار قفز وقال بقلق.
“إذا كان هناك مَن يتفوّه بمثل هذه الترّهات، عنكِ وعن نائب القائد، فسأُسكِتُه بقبضتي!”
معذرةً، لكن، لا … ما علاقتنا بالضبط؟ وما أُريده هو أن تنتشر شائعاتٌ كهذه.
“لا بأس، دع الأمر على حاله.”
لكنني لا أستطيع إخباركَ بكلّ شيءٍ بصراحة.
“سـ سيدتي …!”
صرّ سيزار على أسنانه، ناظرًا إليّ كما لو كنتُ بطلة روايةٍ مأساوية.
لقد قلتُ إن الأمر ليس كذلك.
“أنا والسير إيباخ ذاهبان إلى أرشيف القصر للحظة. لن يطول الأمر، فهل يمكنكَ الاهتمام بأوراق الخروج؟”
لم يكن لديّ وقتٌ للتأخّر، لذلك لم يكن لديّ خيارٌ سوى إنهاء المحادثة هنا.
“عُلِم. أرجو أن تتركي لي أوراق خروج القائدة ونائبها.”
أومأ سيزار برأسه بوجهٍ جادٍّ وودّعنا بتحيّة.
بعد أن تركنا سيزار مسؤولاً نيابةً عنا، توجّهنا بتأنٍّ إلى القصر الإمبراطوري.
حتى في طريقنا إلى القصر، شعرتُ بنظرات الناس تتربّص بنا.
“كنتُ أشعر بذلك طوال الوقت، لكن يبدو أنّكِ لم تتأثّري، أيّتها القائدة.”
“أخبرتُكَ سابقًا. كلّ شيءٍ سيكون على ما يرام.”
“…..”
أشاح كارلوس بنظره عني غارقًا في أفكاره. وظلّ صامتًا حتى وصلنا إلى أرشيف القصر.
“ألستِ السير إيليا؟ والسير إيباخ أيضًا … لماذا أنتما الاثنان هنا …؟”
عندما وصلنا إلى الأرشيف، استقبلتنا أمينة المكتبة، وقد بدت عليها علامات الحيرة.
“أودُّ دخول المنطقة المحظورة.”
“… المنطقة المحظورة؟”
كان ردّ أمينة المكتبة متأخّرًا بعض الشيء بعد إجابتني التس فاجأتها.
“أعتذر، لكن لا يمكنكِ دخول المنطقة المحظورة بدون تصريح.”
“لديّ تصريح.”
ابتسمتُ لأمينة المكتبة وأخرجتُ الوثيقة التي أعددتُها من جيبي.
كانت تصريح المنطقة المحظورة الذي حصلتُ عليه بمساعدة الأمير الثاني.
صُدِمت أمينة المكتبة عندما رأت توقيع الأمير الثاني على الوثيقة.
“هل هذا مناسب؟”
“بالتأكيد. مع ذلك، عند تصفّح كتب المنطقة المحظورة، يجب أن يكون برفقتكِ أمينا مكتبةٍ على الأقل. هل لا بأس لديكِ بهذا؟”
سألت أمينة المكتبة، وهي تراقب ردّ فعلنا.
نظرتُ إلى كارلوس بتعبيرٍ مبالغٍ فيه عن قصد، كما لو كنتُ أشعر بالحرج.
“إذا كانت هذه هي القاعدة، فلا يمكنني فعل شيء.”
مع ذلك، لم أحاول جاهدةً فصل أمينة المكتبة عنا.
كانت أمينة المكتبة تراقب تصرّفاتنا وستنشر الشائعات التس أُريدها بالفعل.
“شكرًا لكِ. وأيضًا …”
سردت أمينة المكتبة قائمةً بالاحتياطات الواجب اتّخاذها عند تصفّح مواد المنطقة المحظورة.
“… لذا، آمل أن تتبعوا ما سبق.”
بعد شرحٍ مطوّلٍ دام حوالي 30 دقيقة، سُمِح لنا أخيرًا بالدخول إلى المنطقة المحظورة، برفقة أمين مكتبةٍ آخر.
لم يكن الدخول إلى هناك هو نهاية الأمر.
“ما الكتب التي ترغبون في قراءتها؟”
بخلاف أرفف الكتب التقليدية حيث يمكننا اختيار وإخراج أيّ كتابٍ نرغب به بحريّة، في المنطقة المحظورة، كان بإمكاننا فقط طلب الكتب التي نُريدها من أمين المكتبة، ويمكننا الاطلاع على كتابٍ واحدٍ فقط في كلّ مرّةٍ تحت إشرافه.
لكنني لم أتذمّر.
هذا ما أردتُه بالضبط.
“هممم.”
وبنظرة ألمٍ عميقٍ على وجهي، حدّقت في الكتب المتناثرة للتهوية.
“هااا.”
تنهّدتُ تنهيدةً ذات مغزى.
عندما ارتسمت على وجهي أميني المكتبة علامات الفضول، تحدّثتُ أخيرًا.
“أودُّ أن أرى كتابًا عن البصمات، تلك القوّة الغامضة التي يُقال إنها تنتقل عبر السلالة الإمبراطورية.”
“بصمة؟ وَيحي.”
أطلق أحد أميني المكتبة صرخة دهشةٍ حادّة، ثم غطّى فمه بسرعة.
لكنه لم يستطع إخفاء دهشته.
‘ربما يظنّ أنه قد تمّ طبع بصمةٍ معي من الأمير الثاني.’
كان هذا تمامًا كما تمنّيتُ.
“أريد أن أعرف كيف أكسر البصمة.”
“كـ كسرها!”
انقطعت أنفاس أمين المكتبة من الصدمة.
استطعتُ أن أرى دراما مليئةٌ بالتوتّر تتكشّف في ذهنه.
“لا أظن أن هناك كتابًا بمثل هذا المحتوى.”
تقدّم أمين المكتبة الثاني، الذي كان يراقب الوضع بهدوءٍ نسبي، وتحدّث نيابةً عن أمين المكتبة الأول.
“ابحث عنه أولاً على الأقل.”
عند سماعه لكلامي، خفض أمين المكتبة الثاني رأسه بتعبيرٍ مضطربٍ واختفى ليجد كتابًا عن البصمة.
“لماذا، امم، لماذا أنتِ فضوليّةٌ بشأن البصمة؟”
واصل أمين المكتبة الأوّل، متظاهرًا بمراقبتنا، التجوال جيئةً وذهابًا، محاولًا بدء محادثةٍ معي.
في العادة، كنتُ سأجد موقف أمين المكتبة الأوّل مزعجًا، لكن ليس الآن.
“إنها قوّةٌ غامضةٌ متوارثةٌ عبر العائلة الإمبراطورية. الجميع سيشعر بالفضول بشأنها، أليس كذلك؟”
“لكن، امم. لا يسعى الكثيرون إلى معرفة كيفية كسرها. عادةً ما يكونون فضوليين بشأن ما يحدث عندما تتمّ الطباعة وتفعيل البصمة.”
ابتسمتُ ابتسامةً خفيفةً عند سماعي لذلك. حتى أنني خفضتُ نظري قليلًا، محاولةً أن أبدو متفهّمةً لوجهة نظره.
“حسنًا، أعرف جيدًا ما يحدث عندما تُطبَع.”
“أ- أنتِ تعرفين …!”
“أليس من المعروف أنه يُقوّي الروابط ويمنع الخيانة؟”
“آه … هذا معروف.”
تمتم أمين المكتبة بصوتٍ ضعيف.
في تلك اللحظة، عاد أمين المكتبة الثاني من بحثه داخل الأرشيف.
“وجدتُ كتابًا عن كيفية كسر البصمة، لكنني لستُ متأكّدًا إن كان يحتوي على ما تبحثين عنه. المكتبة شاسعةٌ جدًا لدرجة أن البحث فيها سيستغرق أيّامًا.”
“على الأقل أعطِني ما وجدتَه.”
وضع أمين المكتبة الثاني كتابًا قديمًا على حامل القراءة الزجاجي وقلّب صفحاته بعناية.
شعرتُ أن ذلك ممكن، لكن كما هو متوقّع، لم تكن هناك طريقةٌ محدّدةٌ لكسر البصمة في داخل الكتاب.
لم يكن هناك سوى عبارةٍ مُجرّدة [كسرها يتطلّب عزمًا هائلًا وجرحًا في الروح.]
“إذا أردتِ البحث أكثر، فستحتاجين إلى تصريحٍ طويل الأمد. التصريح الذي أحضرتيه صالحٌ ليومٍ واحدٍ فقط …”
“فهمت. سأكتفي بهذا اليوم.”
خفضتُ بصري مجدّدًا وقلتُ بعجز، وكأنه ليس بيدي حيلة.
“هذا هو المخرج.”
أخرجنا أمينا المكتبة من الأرشيف.
حالما غادرتُ أرشيف القصر مع كارلوس، سمعتُهما يهمسان خلفي بجنون.
بما أن سجلّات تصفح الأرشيف مُدوّنةٌ على ورق، فحتى لو التزم أمينا المكتبة الصمت، ستنتشر الشائعات في لحظة.
وإذا انتشرت شائعاتٌ بأنني والأمير الثاني قد نكون قد طُبِعنا على بعضنا، فإن … هذه الدراما ستبلغ ذروتها.
“لقد أصبح الأمر لا رجعة فيه الآن.”
عدتُ إلى مقرّ فرسان الوسام الثالث وأغلقتُ باب المكتب حلفي، وتحدّثتُ إلى كارلوس.
لم يُجِب كارلوس لفترة، ربما لأن أفكاره كانت كثيرة.
“هل أنتِ متأكّدةٌ أنكِ بخير؟ قد يبدو الوقت متأخّرًا، لكن لا يزال هناك مخرجٌ من هذا.”
سمعتُ صوت كارلوس القَلِق، فابتسمتُ ابتسامةً خفيفة.
ثم التفتُّ إليه وفتحتُ ذراعيّ.
كانت لفتةً تطلب عناقًا.
“أخبرتُكَ عندما خطّطنا لهذا بالفعل. لا أندم على طبعي معك.”
حدّق بي كارلوس للحظةٍ طويلة، ثم اقترب مني ببطء.
تبع ذلك عناقٌ دافئٌ وحنون، مُخفِيًا الرغبة الشديدة في عيني كارلوس.
مع ازدياد وقت العناق، نشأت بيني وبينه رابطةٌ واضحة، ومن خلال تلك الرابطة، تدفّقت طاقتنا إلى بعضنا البعض.
كان تبادلًا مستقرًّا، على النقيض تمامًا من التبادل غير الكامل السابق.
التعليقات لهذا الفصل " 124"