“لو اضطررتَ لدفع ثمنٍ باهظٍ لما تريد، فماذا ستفعل؟”
بدا كارلوس مرتبكًا من سؤالي.
“لا أستطيع الإجابة إن لم أعرف بالضبط ما سأحصل عليه وما الذي سأدفعه.”
أوه، لا. ربما سألتُ بطريقةٍ مجرّدةٍ أكثر من اللازم.
“ما ستحصل عليه هو شرف والدتك، وما ستدفعه هو أن أُصبح زوجة الأمير الثاني.”
تصلّب تعبير كارلوس، الذي كان يستمع بهدوء، فجأة.
“هل يُعقل … أن الإمبراطور طلب منكِ أن تصبحي وليّة العهد مقابل استعادة شرف والدتي؟”
“هاه؟ حسنًا، باختصار …”
سار كارلوس نحوي بخُطًى واسعة.
“لستِ مضطرّةٍ لقبول هذا العرض، أيّتها القائدة.”
ثم نظر إليّ مباشرةً وقال.
“لستِ مضطرّةً للذهاب إلى هذا الحد … من أجلي.”
ازدادت نبرة كارلوس انزعاجًا.
“ما أقوله هو، لستِ بحاجةٍ للتضحية بنفسكِ، أيّتها القائدة.”
صرّ على أسنانه. لا بد أنه ظنّ أنني أمرّ بهذا بسبب تقصيره.
“لا، لا. سي، إيباخ، اهدأ.”
لوّحتُ بيدي نافيةً على عجل.
“أعتقد أنكَ مخطئ.”
“في ماذا أخطأت؟”
“لم أقل أبدًا أنني سأُضحّي بنفسي.”
“… هاه؟”
ارتجفت عينا كارلوس كما لو أن زلزالًا قد ضرب المكان.
“إذن كنتِ تفكّرين جديًّا في طلب زواج الأمير الثاني …”
“قطعًا لا، هذا ليس صحيحًا!”
قاطعتُه بسرعةٍ مانعةً أيّ سوء فهمٍ قد يفكّر فيه.
“سألتُ تحسّبًا، وفعلتُ الصواب. أنا أيضًا، ظننتُ أنه من غير اللائق استخدام نفسي كضمانةٍ لأُصبح زوجة الأمير.”
أنا أيضًا أرغب بشدّةٍ في استعادة شرف والدة كارلوس البيولوجية.
لكنني شعرتُ أن هذا ليس الحل الأمثل.
لم يكن من الواضح أن كارلوس سيشعر بالذنب فحسب، بل قد يغيّر الإمبراطور رأيه حالما أُصبِح زوجة الأمير.
“لكن لا يمكنني الجلوس مكتوفة الأيدي.”
كانت استعادة شرف والدة كارلوس مَهمّةً لا أستطيع التخلّي عنها.
“لهذا كنتُ أفكّر. كيف يُمكننا تحقيق أهدافنا دون أن يتلاعب بنا الإمبراطور؟”
رفعتُ سبابتي أمام عيني كارلوس.
ثم، بتعبيرٍ واثق، تكلّمتُ مرّةً أخرى.
“وبعد أن أرهقتُ ذهني طوال طريق العودة من القصر إلى مقرّ الفرسان، توصّلتُ إلى حلٍّ رائع.”
“ما … ما هو؟”
“لنقم بمسرحية.”
“مسرحية؟”
سأل كارلوس بملامح مذهولة.
“لقد فعلناها بالفعل مرّةً، أليس كذلك؟ عندما قبضنا على أيوس.”
خفضتُ سبّابتي وابتسمتُ ابتسامةً مشرقةً لكارلوس. للحظة، خالج وجه كارلوس الدهشة، وامتلأ بمعنًى مختلف.
“لنُعِد التمثيل مرّةً أخرى. مع أننا سنكون وحدنا على المسرح هذه المرّة.”
شرحتُ لكارلوس متطلّبات الخدعة التي سنفعلها وحصلتُ على موافقته.
راجعتُ أيضًا الفحوصات الأساسية التي يجب إجراؤها قبل بدء المسرحية.
وفي اليوم التالي، بدأنا العمل بالفعل.
* * *
في اليوم التالي، قدّمتُ على الفور طلبًا لمقابلة الأمير الثاني.
وافق الأمير الثاني بتردّد.
“سمعتُ أن والدي فعل شيئًا شنيعًا.”
عندما جلسنا معه، خفض الأمير الثاني رأسه، مرتبكًا كأنه لا يعرف ماذا يفعل.
“أشعر بالخجل الشديد … لم أكن أعلم أن الأمر سينتهي هكذا. ظننتُ أنني أخفيتُ الأمر، ولكن مَن كان ليظنّ أن أحدهم سيُسرِّب المعلومات؟”
“لماذا لا تغتنم هذه الفرصة لاستبدال جميع مُقرّبيك؟”
نصحتُه، بدافع الإخلاص المُطلَق للعائلة الإمبراطورية بالطبع.
كان هذا أمرًا ظننتُه ضروريًا منذ أن هاجم بارباراك الأمير الثاني.
“لن أقبل نصيحة السير إيليا …”
وجد الأمير الثاني صعوبةً في الاعتراف بوجود عيوبٍ في دائرته المقرّبة، لكنه في النهاية قَبِل نصيحتي وقرّر إصلاحها تمامًا.
“وسأتولّى أمر والدي بطريقةٍ ما. سأتأكّد من عدم تلقّيكِ أيّ مطالب غير معقولة.”
“سموّك، بخصوص هذا الأمر …”
“ما الأمر؟”
سأل الأمير الثاني بنبرةٍ تستشعر الشؤم القادم.
“لا شيء. إذا كان سموّكَ ينوي مساعدتي حقًا، فأعتقد أنه من الأفضل أن تمنحني معروفًا واحدًا.”
“معروف …”
أمال الأمير الثاني رأسه بفضول.
* * *
بعد أن حصلتُ على كلّ ما أحتاجه من الأمير الثاني، همهمتُ وأنا أغادر القصر.
“هل وافق الأمير الثاني على هذا بسهولة؟”
“لم يكن الأمر سهلاً. لو لم يشعر الأمير الثاني بالذنب تجاه ما فعله الإمبراطور، لكان من الصعب الحصول عليه.”
“لكنكِ حصلتِ عليه في النهاية.”
“صحيح.”
أومأتُ برأسي لكارلوس، وأخرجتُ الوثائق من جيبي، وناولتُها له.
وضع كارلوس الوثائق في الخزنة تحت طاولة مكتبي، ونظر إليّ بنظرةٍ جادّة.
“حان وقت المرحلة الثانية إذًا.”
جعلتني نبرة كارلوس أصبح جادّةً أيضًا.
تتطلّب المرحلة الثانية أقصى درجات التمثيل في هذه الخطة.
“حسنًا إذًا …”
أخذتُ نفسًا عميقًا وأومأتُ برأسي لكارلوس استعدادًا.
و …..
“هيا بنا، إلى موعدنا.”
كانت المرحلة الثانية هي إعلان مواعدتنا أنا وكارلوس للعالم.
* * *
بالطبع، بما أن الجميع كان يتحدّث عنّي كزوجة الأمير، لم أكن أنوي إظهار أيّ مشاعر عاطفيةٍ علنية.
كل ما أردناه هو شهودٌ يروون قصصًا بليغةً كما توحي الشائعات، مثل ‘كان هناك شيءٌ ما يحدث بينكما’.
بعد تفكيرٍ طويلٍ لجمع هؤلاء الشهود، قرّرنا أنا وكارلوس تمثيل مشهدٍ حيث نشرب الشاي والقهوة معًا في مقهى.
“يا إلهي، هذا هو شارع شان جيرمان؟ إنه رائعٌ كما يوحي اسمه.”
وقفتُ أمام أشهر مقهًى في العاصمة، أُحدِّقُ في المبنى بدهشةٍ حقيقية.
كان مقهى شان جيرمان الضخم مكانًا خلّابًا، أبيضُ بالكامل، تتخلّله نقوشٌ ذهبية.
“أنتما الاثنان … هيك؟”
أطلق موظّف المقهى، عندما تعرّف عليّ وعلى كارلوس، شهقةً لا إرادية.
بدا عليه الحيرة من سبب وجودي، التي يُشاع أنني سأتزوّج الأمير الثاني، هنا مع رجلٍ آخر.
لو كان أحدنا يرتدي زيًّا رسميًا، لافترض أننا في مَهمّةٍ رسمية، ولكن بما أننا كنّا نرتدي ملابس مدنية، ازداد الموظّف حيرة.
“هل هناك طاولة؟ أريد بعض القهوة.”
أومأ الموظّف، محاولاً السيطرة على تعبيره، ثم حاول إرشادنا إلى أبعد مكانٍ في المقهى، الأقلّ وضوحًا.
“ليس هنا. مكانٌ ذو مساحةٍ مفتوحةٍ سيكون أفضل. ويُفضَّلُ أن يكون بإطلالةٍ على النافذة.”
“مـ معذرةً، هـ هل أنتِ متأكّدةٌ من ذلك؟”
تلعثم الموظّف عند طلبي الجريء.
“لم لا؟ أريد فقط الاستمتاع بالمناظر في يومٍ جميلٍ مع صحبةٍ طيّبة.”
تحدّثتُ بصوتٍ عالٍ بشوش، متعمّدة.
عندها، خفض الأشخاص الذين كانوا ينظرون إليّ بحذرٍ رؤوسهم وبدأوا بالثرثرة بنهم. يا إلهي، كلّ هذا الاهتمام! أشعر وكأنني عدتُ إلى أيام الشقاء.
نظرتُ حولي إلى الناس المنغمسين في الثرثرة بسعادة. أرشَدَنا الموظّف، الذي بدا عاجزًا عن منعنا، إلى مقعدٍ بجانب النافذة.
“أريد قهوة. وأنت؟”
“سأطلب قهوةً أيضًا.”
“أريد كعكةً أيضًا، هل لا بأس بهذا؟”
“كُلي ما تشاءين.”
أومأ كارلوس برأسه موافِقًا، وطلبتُ موس الشوكولاتة الشهير بمشاقه اللذيذ بشان جيرمان، ومعه تارت الفاكهة.
راقبتُ المارّة من النافذة، واستمتعتُ باهتمام مَن هُم داخل المقهى. وسرعان ما وصلت قهوةٌ غنيّةٌ عَطِرةٌ والحلوى الفاخرة التي طلبتُها.
“يا إلهي، هذا المكان رائع للحلويات.”
قضمةٌ من موس الشوكولاتة الكريمي الحلو، وقضمةٌ من التارت المزين بالتوت الطازج، ثم رشفةٌ من القهوة الغنية بالنكهة، شعرتُ وكأني في الجنّة.
لم يلمس كارلوس الحلوى حتى، بل اكتفى باحتساء قهوته والتحديق بي.
كانت نظراته حارّة أكثر ممّا يليق بموعدٍ زائف، وللحظة، لم أستطع ابتلاع الحلوى بسهولة.
لكن ذلك لم يدُم طويلاً، انتهيتُ من الحلوى بسرعة. واصلتُ النظر من النافذة وأنا أرتشف قهوتي باستمتاع.
إنه لأمرٌ مريحٌ للغاية.
“… أحيانًا، شيءٌ كهذا يكون جميلًا حقًّا.”
كنتُ على وشك النهوض، معتقدةً أن الناس قد نشروا ما يكفي من الشائعات عنّا، عندما قال كارلوس فجأةً وهو يضع فنجان قهوته جانبًا.
لا أدري لماذا.
كانت مجرّد مسرحية، لكن للحظة، شعرتُ أنني أحببتُ هذه اللحظة، وهذا الوقت الذي قضيناه سويًّا، حقًّا.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 123"