بينما كان كارلوس يُخضع الكافر، كنتُ أُراقب ما حولي عن كثب.
لكنني شعرتُ بشيءٍ غريب.
شعرتُ بشيءٍ مُريبٍ على وشك الحدوث.
ركّزتُ انتباهي وأصبحتُ أكثر يقظة.
لكن الشعور المُريب لم يختفِ، بل ازداد قوّةً.
‘ما هذا بحق الجحيم؟’
لم أكن أعرف، لكنني تأكّدتُ من عدم وجود أيّ تهديداتٍ حولي، واقتربتُ من كارلوس.
كان كارلوس يتفقّد المُلحِد الذي أفقده وعيه.
“لا يوجد شيء. لم أجد أيّ شيءٍ يُعطينا أيّ دليل.”
وقف كارلوس بوجهٍ جاد.
“هناك واحدٌ فقط، صحيح؟”
“نعم، إنه نفس الرجل الذي رأيتُه سابقًا.”
للاحتياط، تحقّقتُ من كارلوس، لكنه لم يشعر بوجود أيّ شخصٍ آخر أيضًا.
… لماذا قد يكون مُلحِدٌ وحيدٌ هنا؟
“هذه ليست النهاية بالتأكيد.”
عندما شاركتُ أفكاري، أومأ كارلوس مُوافِقًا.
“لماذا قد يأتي هذا الرجل إلى هنا؟”
“بالتفكير في سبب قدوم مُلحِدٍ إلى لارغا، فسيكون إمّا لاستهدافنا أو طمعًا في روح سوزانا.”
“لو كان يطاردنا، لكانت أمامه فُرَصٌ أفضل من هذه. لذا يبدو احتمال طمعه في روح سوزانا أكثر احتمالًا.”
“أعتقد ذلك أيضًا.”
“يجب أن نذهب إلى منزل دوروثيا. الدمية هناك.”
بمجرّد أن قلتُ ذلك، لفّ كارلوس ذراعيه حول المُلحِد فاقد الوعي وبدأ يسير ببطء نحو منزل دوروثيا.
على الرغم من أنه كان يحمل رجلًا بالغًا فاقدًا للوعي على ظهره، لم تظهر على كارلوس أيّ علامةٍ على التعب.
لطالما فكّرتُ في الأمر، لكن قدرات كارلوس الجسدية هائلةً حقًا.
بعد قليل، وصلنا إلى منزل دوروثيا دون أيّ عوائق.
“… هل هذا مُلحِد؟”
سألت دوروثيا بنبرة شك، فأومأتُ برأسي.
“لا تقلقي، نستطيع أنا وكارل إبقاءه تحت السيطرة.”
“كنتُ أتساءل منذ مدّة، لكنكِ لستِ شخصًا عاديًا، أليس كذلك؟ هل تُخضِعين مُلحِدًا بهذه السهولة؟ هل أنتِ ربما عضوٌ في فرسان الإمبراطورية؟”
“لنفترض أنه شيءٌ من هذا القبيل. على أيّ حال، نعتقد أن المُلحِد يطارد روح سوزانا. هل حدث أيّ شيءٍ غريبٍ منذ رحيلنا؟”
أجبتُ بغموضٍ متعمّد لإخفاء هويّتنا، ودخلتُ في صلب الموضوع.
“لا شيء مميّز.”
نظرنا أنا وكارلوس إلى بعضنا البعض عند إجابة دوروثيا المُحايدة.
ما الذي يحدث بحق الجحيم؟
“آه، آغه …”
في تلك اللحظة، تأوّه المُلحِد، ااذي طان محمولاً على ظهر كارلوس كجيفة، ثم بدأ يستعيد وعيه.
“هل أنتَ مستيقظ؟ لماذا أتيتَ إلى لارغا؟”
أنزله كارلوس، وكأنه مسرور، على الأرض في الحال وسأله.
نظر المُلحِد إليّ وإلى وكارلوس بعينين خائفتين، ثم جثا على الأرض.
“لـ لم أكن أنوي إيذاءكما. أنا فقط … جئتُ لرؤية روح سوزانا.”
كما توقّعنا، كان هدف المُلحِد هو روح سوزانا.
لكن ما قاله كان غريبًا بعض الشيء.
“جئتَ لرؤية روح سوزانا؟ ألم تكن تطمع وراء روح سوزانا؟”
“ماذا تقصد بـأنكَ جئتَ لرؤيتها؟”
رفع المُلحِد رأسه قليلًا عند سؤالنا المستفسر.
أخذ نفسًا عميقًا وفتح فمه بتعبيرٍ يائس.
“جئتُ لرؤية سوزانا لأنني كنتُ قلقًا عليها.”
“مَن تكون؟”
“أنا خال سوزانا.”
“ماذا؟”
فُوجئت بالكلمات غير المتوقّعة.
“ولي العهد … لا، ذلك الوغد، أيوس، اغتصب أختي دون إذن.”
أكمل المُلحِد شرحه بتعبيرٍ متألّم.
“هربت أختي من المُلحِدين لإخفاء حقيقة أنها وأيوس لديهما طفلة. كنتُ معها حينها، ولكن لظروفٍ قاهرة، اضطررنا للافتراق. وهكذا … مرّ الوقت وها أنا ذا الآن.”
“لماذا لم تأتِ مبكّرًا؟”
“أردتُ المجيء! لكنني كنتُ مطاردًا من قِبل كلٍّ من المُلحِدين وفرسان الإمبراطورية، لذا لم يكن الأمر سهلًا.”
امتلأت عينا المُلحِد بالدموع.
“ثم سمعتُ أخيرًا أنكما قادمان إلى لارغا بروح سوزانا … فقرّرتُ المجيء إلى هنا ولو كان الثمن حياتي.”
لم تبدُ الجديّة في حديثه وكأنها كذبة.
لكنني لم أُصدِّق ذلك أيضًا. قد يكون كلّ هذا فخًّا من المُلحِدين.
بدا أن دوروثيا كانت تُفكِّر في هذا أيضًا، لأنها سرعان ما تكلّمت.
“هناك طريقةٌ لمعرفة ما إذا كان يكذب أم لا.”
“حقًا؟ هل هناك طريقةٌ كهذه؟”
“إذا كان حقًا خال سوزانا من جهة الأم، فلا بد أن تكون أرواحهما متشابهةً نوعًا ما، لكن عليّ فحصُهما.”
“هل هذا ممكنٌ أصلًا؟”
“بلى، ممكن.”
“رائع ….”
ألا يشبه هذا اختبار نَسَبٍ خياليٍّ تمامًا؟
“لماذا لا تفحصين روح هذا المُلحِد؟”
“بالتأكيد.”
أجاب كارلوس، فأومأ المُلحِد برأسه متعاونًا.
حالما سمعت دوروثيا الإجابة، سارت نحو المُلحِد بخطواتٍ واسعة. وضعت إصبعيها السبابة والوسطى على جبهته.
أغمضت دوروثيا عينيها والتزمت الصمت.
بعد دقائق من الصمت الخانق … فتحت دوروثيا عينيها ببطء.
“لا أعرف صلة القرابة بالضبط، لكنني متأكّدةٌ من أن هذا الرجل من عائلة سوزانا.”
أومأ المُلحِد برأسه، كما لو أنه يؤكّد أنه لم يكذب.
كنتُ أنا وكارلوس غارقين في أفكارنا.
في العادة، كان ينبغي إلقاء القبض على المُلحِد فور رصده، وكان من الممكن إعدامه بإجراءاتٍ مُوجزة.
لكن …
“ماذا عن لقاء روح سوزانا بهذا الرجل قبل نقله؟”
سأل كارلوس. بدا هو الآخر متعاطفًا بعض الشيء مع سوزانا، التي أرادت ببساطةٍ أن تختفي.
“أعتقد أنه لا بأس. لكن بشرط أن نراقب عن كثب.”
“بالتأكيد.”
بعد مناقشة الأمر مع كارلوس، التفتُّ إلى دوروثيا.
“ماذا عن ذلك، دوروثيا؟ هل هذا ممكن؟”
“هذا ممكن. ستكون لفترةٍ قصيرةٍ فقط.”
أومأت دوروثيا، التي ربما كانت لا تزال قلقةً على سوزانا، برأسها باستعداد.
بعد ذلك، ربطنا يدي الرجل وقدميه وقُدناه إلى منزل دوروثيا.
أخذت دوروثيا دمية سوزانا، ووضعتها على الطاولة، وبدأت طقوس إخراج روح سوزانا من الدمية إلى السطح.
وقفت الدمية رأسًا على عقب، تدور حول الطاولة.
لا بد أن المشهد كان غريبًا بعض الشيء، لكن الرجل لم يكن خائفًا على الإطلاق. بل بكى بكاءً مريرًا.
{… ماذا؟ لماذا لم أختفِ؟}
بعد لحظة، سُمِع صوت سوزانا، وبدأ الرجل يبكي بصوتٍ عالٍ.
{مَن هذا الشخص؟}
وقفت سوزانا أمام الرجل، تبدو عليها الحيرة.
“سوزانا، أنا خالكِ.”
{خالي … شقيق أمي؟}
سألت سوزانا في حيرة.
{هل تعني أن لديّ عائلةً أخرى غير أمي وأبي؟}
“أنا آسف …”
أطرق الرجل رأسه خجلاً.
“أنا آسف، عزيزتي.”
{… ماذا يحدث؟}
سألت سوزانا بنبرةٍ هادئةٍ بعض الشيء، وشرح الرجل الموقف بالتفصيل.
{لماذا أتيتَ الآن تحديدًا من بين كلّ الأوقات؟}
بعد سماع الشرح كاملاً، سألت سوزانا بنبرةٍ حزينةٍ للغاية.
{لماذا أتيتَ وقد تخلّيتُ عن كلّ شيء؟}
استمرّ الرجل في البكاء.
“أعلم أنه طلبٌ وقح. لكن … لكن من أجل هذا الخال، أرجوكِ لا تختفِ.”
بعد سماع الشرح الموجز منّا عن وضع سوزانا وما سيحدث لروحها، توسّل الرجل إلى سوزانا أيضًا.
أطرقت دمية سوزانا رأسها.
{أحتاج إلى وقتٍ للتفكير.}
بهذه الكلمات، انهارت دمية سوزانا.
ساد الصمت للحظة.
“لنتحدّث للحظة.”
استغلّ كارلوس هذه اللحظة، وقاد الرجل إلى الحديقة.
“مهما اختارت سوزانا، ستُعدَم فور انتهاء هذا. في أحسن الأحوال، سيتمّ الحُكم عليكَ بالسجن المؤبّد.”
تَبِعتُه تحسّبًا، لكنني سمعتُ صوت كارلوس من الحديقة.
توقّفتُ للحظة، ثم تحرّكتُ مجدّدًا مصدرةً صوتًا يدلّ على وجودي.
…هذا صحيح. حتى لو كان خال سوزانا، فمن السخافة ترك مُلحِدٍ وشأنه.
اتسعت عينا الرجل بدهشة، كما لو أنه لم يتوقّع سماع مثل هذه الكلمات.
ولكن بعد ذلك، كما لو أنه عقد عزمه، أصبح تعبير وجهه حازمًا.
“لا بأس.”
قال الرجل.
“مع أنني كنتُ أعرف أنكما هنا، مجئتُ إلى لارغا وأنا مستعدٌّ لهذا منذ اللحظة التي وصلتُ فيها.”
دمعت عينا الرجل من جديد.
“كلّ ما أريده هو ألّا تختفي سوزانا وتذهب إلى المكان الذي تستحق أن تذهب إليه.”
التعليقات لهذا الفصل " 120"