غطّت دوروثيا أذنيها بكلتا يديها وحدّقت بي بعينين واسعتين.
“أنا آسفة، أنا ضعيفةٌ أمام الظواهر النفسية …”
بينما حاولتُ على عجلٍ إيجاد عذر، انقلبت الدمية فجأة. ثم بدأت تتّجه نحوي.
“آه!”
نهضتُ على الفور، واختبأتُ خلف كارلوس لتجنّب الدمية.
تردّدت الدمية ثم ارتفعت ببطءٍ في الهواء.
“ما الذي يحدث بحق الجحيم؟”
“الروح التي كانت عالقةً داخل الدمية تصعد الآن إلى السطح لتتحدّث.”
شرحت دوروثيا بهدوء.
وثقتُ بكلمات دوروثيا وانتظرتُ بأقصى قدرٍ ممكنٍ من الهدوء حتى تصبح الدمية جاهزةً للتحدّث.
{أختي؟}
بعد حوالي خمس عشرة دقيقة، تكلّمت الدمية أخيرًا.
انقلبت الدمية المقلوبة مرّةً أخرى. وقفت على الفور، تحدّق بي بعينيها اللاتي تتكوّنان من أزرار.
{ماذا حدث لأبي؟ هل مات؟}
“… نعم.”
لم يكن لديّ سببٌ أو وقتٌ للكذب، فأجبتُ بوضوحٍ قدر استطاعتي.
ثم غطّت الدمية وجهها بيديها الصغيرتين.
{أبي …….}
شعرتُ بعدم الارتياح. بدا أن كارلوس ودوروثيا يشعران بنفس الشعور، وقد أظلم وجهاهما.
{إذن، لا أحد في هذا العالم يريدني بعد الآن؟}
سألت الدمية سوزانا بصوتٍ حزين.
“هذا ….”
كانت الإجابة أصعب من عندما سألتني إن كان أيوس قد مات.
{ألا يمكنني استدعاء أبي باستخدام السحر؟}
“لا.”
{لكنني سأبقى وحدي حينها.}
“أنتِ أيضًا، عليكِ أن تذهبي إلى حيث يفترض أن تكوني.”
{أين يُفترض بي أن أذهب؟ الجحيم؟}
هذا مستحيل، لكن بطريقةٍ ما بدت الدمية وكأنها تضحك ساخرة.
{قتل والدي عشرات الأشخاص لإعادتي، لذا سأذهب إلى الجحيم حتمًا.}
كانت تقول أشياءً منذ فترةٍ لا أستطيع الإجابة عليها.
لم أعرف ماذا أفعل، لذا حدّقتُ بالدمية بصمتٍ فقط.
خطر ببالي أن محاولة إقناع سوزانا بالحديث ربما كانت خطّةً حمقاء منذ البداية.
{ما الخيارات المتبقّية لي؟}
أجابت دوروثيا.
“أن تكوني داخل تلك الدمية للأبد.”
{…….}
“الذهاب إلى حيث يُفترض بكِ الذهاب، الجنة، الجحيم، المطهر، لا أعرف، المهم أن تذهبي إلى المكان الذي يفترض بكِ الذهاب إليه.”
(المطهر: في المفهوم الديني المسيحي، هو مرحلة مؤقتة بين الحياة الدنيا والجنة، حيث يُمنح الناس فرصة للتكفير عن أخطائهم وتنقيتهم روحياً قبل أن يكونوا مستعدين للراحة الأبدية في الجنة.)
{……..}
“أو الاختفاء فقط.”
تفاجأتُ بكلمة ‘الاختفاء’، فنظرتُ إلى دوروثيا.
“لم تقولي شيئًا كهذا سابقًا، أليس كذلك؟ قلتِ إنكِ تستطيعين التحدث معها فقط …”
“لقد غيّرتُ رأيي.”
هزت دوروثيا رأسها.
“ظننتُ أنها قد تختار الاختفاء.”
“هاه؟ لا يمكن …”
{أختي، سأختفي فحسب.}
كنتُ على وشك أن أجادل بأن هذا غير صحيح، لكن سوزانا قاطعتني.
“ماذا؟ ماذا تقصدين؟ الاختفاء؟ قد تذهبين إلى الجنة أو المطهر.”
{وقد أذهب إلى الجحيم. بالإضافة إلى …}
توقّفت سوزانا عن الكلام.
حدّقت، وهي على شكل دمية، من النافذة بنظرةٍ فارغة.
{لم أعد أرغب في الحياة، أو الوجود.}
“… لماذا؟”
{لأن الشخص الوحيد في هذا العالم الذي أراد لي الحياة، الذي اهتمّ بوجودي، قد مات.}
“لكن لا يزال بإمكانكما أن تلتقيا روحيًا. ألا تعتقدين أن الاستسلام هكذا مضيعة؟”
{لم أعد أريد الاستمرار في البحث عن شخصٍ ما. أنا متعبة.}
كلمة ‘متعبة’ ألجمت لساني.
لم أستطع إلّا أن أفكّر في المصاعب والمعاناة التي تحمّلتها الطفلة حتى الآن.
“مع ذلك، لا يمكننا اتّخاذ قرارٍ هكذا بسرعة البرق، لذا فكّري في الأمر طوال اليوم. وإذا لم يتغيّر رأيكِ، عندها سأجعلكِ تختفين حقًا.”
قلتُ هذا محاولةً كسب بعض الوقت.
ضحكت سوزانا بخفّة، وكأنها تستطيع أن ترى ما أفكّر فيه بوضوح، وأومأت برأسها.
{جيد. سأفكّر في الأمر حتى الغد.}
عندها، انهارت الدمية. وبهذا، انتهى وقت حديث سوزانا.
“إذن، ستبقون في لارغا حتى الغد.”
قالت دوروثيا وهي تحمل الدمية القماشية.
“معذرةً، هل يمكنكِ أن تُرشّحي لنا مكانًا للإقامة في هذه المدينة؟”
“هناك نُزُلٌ تُديره تلميذتي صوفيا. إنه نظيفٌ نسبيًا والطعام جيد، لذا أنصحكِ بالإقامة فيه.”
“حسنًا. إذن سنعود غدًا صباحًا.”
بما أنني طلبتُ مقابلة الأمير الثاني، فقد اضطررتُ لمغادرة لارغا صباح اليوم التالي.
سِرنا كما أرشدتنا دوروثيا، وسرعان ما وصلنا إلى نُزُلٍ صغيرٍ وجميل.
التعليقات لهذا الفصل " 119"