لأوّل مرّةٍ منذ فترة، لم أكن مضطرّة للعمل، لذلك كنتُ عالقةً في المنزل أتناول الوجبات الخفيفة. هكذا هي الحياة.
بالطبع، لم أكن قلقةً بشأن ما يحدث في الخارج.
لكن لم يكن هناك ما يدعوني للقلق.
دق، دق.
“إيليا، أنا هنا.”
“آه، الماركيز الشاب. ماري، افتحي الباب.”
“أجل، آنستي!”
فتحت ماري الباب وظهر مايكل.
نظر إلى الروايات وأكوام الوجبات الخفيفة على مكتبي بتعبيرٍ مذهول، ثم تنهّد.
“لقد حُدِّد موعد إعدام أيوس.”
“هل حان الوقت؟”
“بالنظر إلى الاضطرابات في الساحة، فقد فات الأوان. وصاحب السمو الأمير الثاني يُبقي الجميع متّحدين.”
لم يطن هناك ما يدعوني للقلق، لأن الأمير الثاني ومايكل كانا يعملان بجدٍّ لتسوية الأمور.
“منذ ذلك الحين، ظلّ السير إيباخ منعزلاً ولم يأتِ إلى مقرّ الفرسان قط.”
بالطبع، كانت هناك مشاكل … لكن كان عليّ أن أتعامل معها بنفسي.
“ماذا حدث في ذلك اليوم؟”
دخل مايكل الغرفة، وجلس قبالتي، وسألني بنظرةٍ مُحبَطة.
“ما الذي حدث بحقّ السماء حتى لا يتمكّن أكثر شخصين يثيران ضجّةً في الوسام الثالث من مغادرة منزلهما؟”
حسنًا، هذا هي المسأ لة. أودّ أن أُخبِرك، لكنني لا أستطيع.
“كانت مجرّد ضجّةٍ بسيطة. على أيّ حال، من الجيد سماع أن سمو الأمير الثاني يُسيطر على الأمور. يقول إنه لا يُخطّط لأن يصبح ولي العهد، أليس كذلك؟”
ضاقت عينا مايكل. كان يعلم أنني أُطيل الحديث لتغيير الموضوع عمدًا.
“إذا استمرّت الأمور على هذا النحو، فسيُصبح سمو الأمير الثاني ولي العهد بطبيعة الحال. إلّا إذا حدثت أيّ ظروفٍ غير متوقّعة.”
لحسن الحظ، امتثل مايكل لتغييري للموضوع دون اعتراضٍ يُذكَر.
إذن، سيصبح الأمير الثاني ولي العهد في النهاية.
بصرف النظر عن تردّده في الظهور علنًا، فهو شابٌّ طيب القلب وذكيٌّ للغاية، فلا داعي للقلق من أن يصبح طاغية.
عندما أتذكّر المعاناة التي واجهتُها أثناء عودتي بسبب رفض الأمير الثاني أن يصبح ولي العهد، شعرتُ ببعض الظلم.
لكنني لا أستطيع إجبار كارلوس، بعد أن تعرّض للإهانة من الإمبراطور، بأن يصبح وليًا للعهد.
إلى جانب ذلك، إذا أصبح كارلوس وليًّا للعهد، فسيتّضح أنني طُبِعتُ عليه، وستكون هناك مشاكل في اختيار وليّة العهد. ليس لديّ الثقة الكافية للتعامل مع كلّ هذا.
بطريقةٍ ما، إنه أمرٌ جيد.
“كم من الوقت سأبقى قيد الإقامة الجبرية؟”
الآن كلّ ما تبقّى هو إخراج كارلوس من جحره.
“لا أعرف.”
أمال مايكل رأسه عند سؤالي.
“أعتقد أن الإقامة الجبرية ستُرفَع بمجرّد انقضاء يوم إعدام أيوس. هل تخطّطين للذهاب إلى السير إيباخ؟”
“أعتزم على ذلك.”
“هذا، إيليا. بخصوص السير إيباخ …”
غيّر مايكل هيئته فجأةً وواجهني.
“نعم، ما الأمر؟”
ابتلعتُ فطيرة الكاسترد التي كنتُ آكلها وسألتُه.
“هذا …”
توقّف مايكل عن الكلام، واختفى صوته، كما لو كان على وشك النطق بشيءٍ مُعقَّد للغاية.
ما الخطب؟ ما الذي يحدث؟
… هل تسرّبت أخبار أن كارلوس من سلالة عائلة جيروكا الملكية؟!
استفاق عقلي فجأةً بسبب شعور الخطر.
“أيّها الماركيز الشاب، هل يُمكن أن يكون…”
“هل صحيحٌ أنكِ أنتِ والسير إيباخ عشيقان؟”
“…؟ كح كح.”
كان السؤال غير متوقّعٍ لدرجة أن الفطيرة التي كنتُ أمضغُها كادت أن تطير من فمي.
فجأة، عادت بي ذكرى حدثت منذ زمنٍ بعيد، عندما كانت القديسة لا تزال في الخارج، سمعتُ أن شائعاتٍ قد انتشرت عني وعن كارلوس.
هل يُمكن أن تكون تلك الشائعات …..
“في البداية، كانت مجرّد شائعة أنكما منجذبان لبعضكما البعض. لا، كان الرأي السائد أنها مشاعر السير إيباخ من طرفٍ واحد.”
تحدّث مايكل، وهو يُراقب تعبير وجهي عن كثب.
“لكن بعد ذلك، في مرحلةٍ ما، أصبحت تلك الشائعات أكثر واقعية، وفي النهاية، بدأت الشائعات تنتشر بأنكما تتواعدان.”
عبس مايكل.
“لا أريد التدخّل في حياة أختي العاطفية، ولا أريد أن أعود للوغد ذي الرأس المتحجّر الحسّاس مرّةً أخرى، لكنني ما زلتُ قلقًا.”
أذهلتني كلمات مايكل .
… ماذا عليّ أن أفعل حيال هذا؟
“أولاً، نحن لسنا في علاقة.”
كافحتُ لأتحدّث. كان من الأفضل توضيح ذلك، من أجل كارلوس.
تجعّد حاجبا مايكل قليلاً عند كلامي.
“إذن، هل كلّ هذه مجرّد شائعات؟ أم أنه لا يوجد دخانٌ بدون نار؟”
“…..”
ضاقت المسافة بين حاجبا مايكل أكثر مرّةً أخرى.
“أليس كذلك؟”
يا إلهي، لماذا أتعرّض لمثل هذه المِحَن؟
“إيليا، أتمنّى أن تتوقّفي عن الاهتمام بآراء الآخرين وأن تكوني صادقةً مع مشاعركِ.”
عجزتُ عن الكلام، فأمسكتُ رأسي وأنا أُعاني عندما سمعتُ شيئًا غير متوقّعٍ تمامًا.
“ماذا؟”
“بالطبع، هذا لا يعني أنكِ مغرمةٌ بكارلوس إيباخ.”
“ما الذي …”
“لكن هذا لا يعني أن عليكِ كبتُ مشاعركِ من أجل ما أعتقده أنا، أو والدكِ، أو أيّ شخصٍ آخر.”
حدّق بي مايكل باهتمام.
“أو حتى لو أعاقتكِ الظروف، لا تتخلّي عن مشاعركِ. يمكنكِ التغلّب عليها.”
“لا، أنا فقط …”
“ألا تحبّينه إطلاقًا؟ هل أبدو وكأنني أنظر إلى النار الخطأ؟”
“…..”
عندما سأل ذلك، لُجِم لساني ولم أستطع الرّد.
لم أعترف بعدُ بـ ‘أنا أحبّه!’، لكن من المؤكد أن لديّ مشاعرٌ تجاه كارلوس.
“لا تندمي لاحقًا، فقط اتبعي قلبكِ الآن.”
* * *
في تلك الليلة، لم أستطع النوم لحظة.
‘اتبعي قلبكِ؟’
لو كان الأمر بهذه السهولة، فلماذا وُجِدت رواياتٌ رومانسيةٌ في العالم يا سيد مايكل؟
حتى لو افترضنا مئة مرّةٍ أنني أنا وكارلوس أشخاصًا طبيعيين، لكنتُ أظهرتُ له مشاعري، لكننا مرتبطان ببصمة.
إذا أسأتُ التصرّف، فسنقع أنا وكارلوس في مستنقعٍ لا رجعة منه.
مع هذه الفكرة، تقلّبت في فراشيٍ لفترةٍ من الوقت.
رأيتُ ضوء القمر يتسلّل من خلال فجوةٍ صغيرةٍ بين الستائر المُغلَقة.
«أتمنّى أن تكوني صادقةً مع مشاعركِ.»
على مرأى لمعان ضوء القمر، عادت كلمات مايكل إلى ذهني.
مشاعري.
الأهم.
تذكّرتُ كلّ اللحظات التي شاركتُها مع كارلوس.
الفرحة التي شعرتُ بها عندما اعترف بي لأوّل مرّةٍ كفارسةٍ جيدة، شعور الإصابة بسهم النار مكانه، الرابطة العميقة التي شعرتُ بها عندما شكّلنا البصمة، الإحساس الذي شعرتُ به عندما أمسكتُ بيده …
“هااااااه.”
تنهّدتُ طويلاً وبعثرتُ شعري حنقًا.
إنه لأمرٌ صعب، صعبٌ حقًا!
* * *
في صباح اليوم التالي، عندما استيقظتُ، جاءني مايكل على الفطور ليخبرني أن موعد إعدام أيوس قد حُدِّد.
التعليقات لهذا الفصل " 116"