“أيّتها القائدة!”
رأيتُ إلسون وهو يركض بجنونٍ من بعيد.
“سير إلسون؟”
“قائدة، هذا، هذا … نـ نحن في ورطةٍ كبيرة!”
“ماذا حدث؟”
“عـ على الحدود …”
“ماذا؟ هل ظهر نمرٌ أو شيءٌ من هذا القبيل؟”
“هاه؟ نمر؟ لا.”
“ما الخطب إذًا؟”
“هناك آثارٌ لمُلحِدين.”
“…..!”
قفزتُ واقفةً على قدميّ فورًا.
“أين؟”
“إنه ليس بعيدًا عن هنا.”
“أبلِغ عن بقية الحادثة.”
“أثناء تعقّبنا لدبٍّ بريٍّ هائجٍ لقتله، اكتشفنا آثار خمسة أو ستة أشخاصٍ يُخيّمون في الخارج.”
“كيف تأكّدتَ من أنهم مُلحِدين؟”
“كانت هناك علاماتٌ على محاولة ممارسة السحر.”
“هل تعرّفت على جماعة السحر؟”
“ذلك ….”
راقبني إلسون عن كثب.
“لا تقلق، أخبِرني فقط. لن أقول شيئًا حتى لو لم تتعرّف عليه.”
حاولتُ أن أتخلّص من صورتي كرئيسٍ صعب المراس، لذا قلتُ بابتسامةٍ مطمئنة.
لكن إلسون لم يتردّد خوفًا من أن أُوبّخه.
“ذلك … كانت بالضبط نفس الدائرة السحرية التي اكتُشفت في قبو قصر ولي العهد.”
بل كان متوتّرًا لأن الأمر الذي عليه الإبلاغ عنه كان بالغ الأهمية.
أرسلتُ على الفور شخصًا لإبلاغ كارلوس، الذي كان خارج إنكال.
وقبل أن أفقد أثر الساحر، قُدتُ الفرسان المتواجدين وتوجّهتُ بسرعةٍ إلى الموقع الذي اكتشفه إلسون.
كما قال إلسون، بقيت الدائرة السحرية لسحر البعث في الموقع.
“غادروا منذ فترةٍ قصيرة.”
أبلغ سيزار على وجه السرعة، بعد أن حرّك ما تبقّى من جذوع الأشجار للتحقّق من دفئها.
“إن تتبّعنا أثرهم الآن، فقد نتمكّن من الإمساك بهم.”
“علينا الرحيل. علينا الرحيل الآن.”
دون تردّد، امتطيتُ حصاني. وبينما كان الفرسان الستة يتبعونني، انطلقتُ في اندفاعةٍ جنونية.
كم ركضتُ؟
بينما تجاوزنا نهاية خط الأشجار ودخلنا الصحراء، ظهرت خمسة ظلال، كنقطٍ في الأفق البعيد.
“يبدو أنهم بعيدون جدًا! منذ متى وهم على هذه المسافة؟”
“لا يمكننا تفويتهم. سنطاردهم، حتى لو تطلّب الأمر دفع أنفسنا أكثر.”
بعد هذه التعليمات البسيطة، حفّزتُهم للاستمرار مرّةً أخرى.
بعد قليل، رصدونا هم أيضًا.
بما أن الاختباء كان مستحيلًا في هذا الحقل المفتوح، لم أُبالِ بأن أُرى.
الشيء الوحيد المهم الآن هو ما إذا كنا نستطيع الركض بسرعةٍ كافيةٍ للإمساك بهم.
“هناك هجومٌ قادم!”
صرخ سيزار، إذ لاحظ أحد الظلال، الذي يُفترض أنه ساحر، يرفع يده.
دون تردّد، استللتُ سيفي وصددتُ تعويذة الهجوم القادمة.
“آه!”
بدا الأمر سهلاً عندما نفّذه كارلوس، لكن عندما فعلتُه أنا، شعرتُ أن معصمي سينكسر مجدّدًا.
لكن لا بد أن الأمر بدا مُثيرًا للإعجاب للآخرين، لأن أحد الفرسان الجدد الذين وصلوا للتوّ فتح عينيه على مصراعيهما.
“لا تتراخَ!”
صرختُ على الفارس الجديد، الذي بدا مفتونًا بمهاراتي.
“ها هم قادمون مجددًا!”
انهالت علينا وابلٌ من التعاويذ الهجومية. تمكّنتُ من صدّ معظمها، لكنني لم أستطع صدّها جميعًا.
“يا إلهي … هذا صعب!”
سمعتُ سيزار يلهث لالتقاط أنفاسه وهو يُكافح لتفادي إحدى التعاويذ الهجومية.
رأيتُ الفارس الجديد ينظر إليّ باحترامٍ أكبر.
“سيكون الأمر صعبًا، لكننا سنتقدّم ونحن نتصدّى للتعاويذ الهجومية. لا يمكنهم التحرّك وهم يستخدمون تعاويذهم، لذا سنتمكّن من اللحاق بهم.”
وهكذا، تصدّينا للتعاويذ الهجومية بسيوفنا، راكضين بكلّ قوّتنا ونحن نقترب من مجموعة المُلحِدين.
‘شعرٌ فضيٌّ وعيونٌ زرقاء … إنها كايرا.’
لحسن الحظ، كانت الساحرة التي شنّت الهجوم شخصيةً من القصة الأصلية.
هذا يعني أنني كنتُ أعرف نقطة ضعفها.
“تحمّلوا قليلًا! ستُستنفَد طاقة تلك الساحرة قريبًا.”
امتلكت كايرا اندفاعاتٍ قوية، لكن قدرتها على التحمّل كانت محدودة.
كما هو متوقّع، شحب وجه كايرا بينما استخدمنا تكتيكاتٍ دفاعيةٍ ودخلنا في وضع الصمود.
واصلتُ صدّ تعاويذ كايرا وأنا أفحص المُلحِدين بنظري.
كانوا جميعًا يرتدون قلنسواتٍ منخفضةٍ تحجب وجوههم، لكن يبدو أن ولي العهد اختفى.
‘مع ذلك، إذا أسرنا كايرا، فسنحصل على بعض الأدلّة.’
طمأنتُ نفسي واندفعتُ نحو كايرا المنهكة.
“سير جيروتي! غطِّني!”
صرختُ، فأخلى سيزار طريقي على الفور، واشتبك مع مَن تبقّى من المُلحِدين.
رأيتُ وجه كايرا يشحب.
دون تردّد، رفعتُ سيفي وضربتُها بقوّة.
“اللعنة، اللعنة!”
حاولت كايرا تفادي سيفي وهي تهزّ العصا التي كانت تمسكها بعشوائية.
لكنها لم تكن ندًّا للقتال المباشر، ومع افتقارها للقدرة على استحضار التعاويذ، لم يكن هناك سبيلٌ لهزيمتي.
ضربتُ سيفي بقوّةٍ نحو كايرا، فتعثّرت وأسقطتُها أرضًا. ثم وجّهتُ سيفي إلى حلقها.
نظرت إليّ كايرا، ويداها على الأرض، وهي تنفخ غضبًا.
“الساحرة قد هُزِمت! ماذا عن الباقي؟”
“والباقي أمرهن قد تمّ!”
“أأحضرتُم حبالاً؟ اربِطوهم.”
تحرّك الفرسان في انسجامٍ تامٍّ بأمري.
بفضل هذا، بعد لحظة، تمكّنت من رؤية كايرا ومجموعة المُلحِدين، مقيّدين راكعين في صفٍّ واحد، أمامي.
أولًا، رفعتُ قلنسواتهم لأتفقّد وجوه الجميع.
‘ليس هذا، ليس هذا… توقّعتُ ذلك، لكن ولي العهد ليس هنا.’
لكنني لم أفقد الأمل.
“لماذا حاولتُم يا رفاق استخدام السحر؟”
سألتُ وأنا أنظر إلى المُلحِدين، وخاصّةً كايرا.
“… لا أعرف.”
أدارت كيرا رأسها جانبًا.
“هذا بسبب طلب أيوس، أليس كذلك؟ لابدّ أنه يُصِرُّ على استخدام سحر استحضار الأرواح”
“….!”
ارتجف وجه كايرا قليلًا. بالنّسبة لمُلحِدة، كان من السّهل قراءة ما يدور في داخلها.
“أخبريني عن مكان أيوس، وسأخفِّف عقوبتكم.”
“كم؟”
“من الإعدام إلى السجن المؤبد.”
انقلبت وجوه كايرا والمُلحدين إلى الجزع.
“لذا، إذا أردتِ إنقاذ حياتكِ، فأخبريني.”
“… لا فائدة. نحن أيضًا لا نعرف.”
“ألا تعرفين؟”
“انفصلتُ عن أيوس بالأمس. بعد آخر مرّةٍ جرّبتُ فيها سحر استحضار الأرواح.”
“لماذا؟”
ابتسمت كايرا بمرارة.
“أنا أيضًا لا أعرف ذلك. لقد رأى المقبرة فقط، وعَلِم أن شائعات السحر هناك كاذبة. في اللحظة التي اكتشف فيها الأمر، عاملنا كما لو أننا غير موجودين.”
إذن، قصّة نجاح سحر البعث كذبة.
حسنًا، لو كانت هناك حالةٌ واحدةٌ ناجحة، لما ضلّ ولي العهد طريقه إلى هذا الحد.
“إذن، ليس لديكِ أدنى فكرةٍ عن أين ذهب ولي العهد؟ على الأقل أخبِريني بالاتجاه.”
“لا نعرف حقًّا! كلّ ما نعرفه هو أنه تجاوز الحدود.”
“تجاوز الحدود …”
ضيّقتُ عينيّ، محدّقةً في الأفق البعيد.
هبّت ريحٌ رمليةٌ جافّة. شعرتُ بلسعةٍ حول عيني، فمسح الرمال بيدي.
‘ما وراء الحدود’ كان مكانًا مجهولًا للإمبراطورية.
كان أيضًا مكانًا غامضًا وخطيرًا تسبّب في حالات اختفاءٍ لا تُحصى.
حاولتُ جاهدًا أن أفهم أفكار وليّ العهد الذي توجّه إلى ما وراء الحدود.
لو كنتُ مكانه …
بماذا كان سيفكّر، وقد انكشفت هويّته، وفشل سحره الذي دبّره طويلًا، وما ظنّه دليله الأخير تحوّل إلى معلومةٍ عديمة الفائدة؟
“قائدة!”
بينما كنتُ أتأمّل الحدود الفاصلة للإمبراطورية من منظور ولي العهد، سمعتُ صوت كارلوس من بعيد.
“سير إيباخ.”
“نائب القائد!”
“إنه نائب القائد!”
رحّبنا جميعًا بكارلوس لحظة وصوله.
ترجّل كارلوس وتفحّص الموقف بحدّة.
ظلّت نظراته مُتّجهةً نحو المُلحِدين الراكعين، ثم نحوي. وعندما رآني سليمةً دون إصابات، تنهّد بارتياحٍ.
“ما الذي يحدث بحق السماء؟”
سأل كارلوس، وشرحتُ له الموقف بإيجاز.
“لقد تجاوز ولي العهد حدود الإمبراطورية”
“الحدود.”
عند سماعه لكلامي، رفع كارلوس رأسه وحدّق في الأفق الشاسع.
ضاقت عيناه، ربما بسبب العاصفة الرملية.
“ما قولكِ، أيّتها القائدة؟”
“أنا …”
كنتُ على وشك الإجابة، لكنني لاحظتُ المُلحِدين وفرسان الوسام الثالث يحدّقون بنا باهتمام، فتراجعتُ خطوةً إلى الوراء.
بعد أن ابتعدنا بما يكفي لنكون بعيدين عن مسامعهم، تكلّمتُ مرّةً أخرى.
“يبدو أن ولي العهد يُخاطر بمغامرته الأخيرة.”
“المغامرة الأخيرة؟”
“يقولون إن أشياءً غامضةً تحدث على الحدود.”
من بين تلك الأمور هو وجود أشباح. وقد شهد أولئك الذين جابوا الحدود وتاهوا في تلك المنطقة أن واحدًا على الأقل من كلّ خمسةٍ قد رأى أرواح الموتى هناك.
“لهذا السبب فكّرت. ربما كان ولي العهد يُخطّط لأداء آخر سحرٍ لاستحضار الأرواح له هناك.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 107"