استطعتُ أن أشنّ هجومًا جريئًا كهذا لأنني كنتُ أعلم أن كارلوس سيُساندني من الخلف.
وكما هو متوقّع، وفّر كارلوس غطاءً ممتازًا، وصدّ جميع هجمات الآخرين.
بفضل هذا، تمكّنت من مواجهة بارباراك براحةٍ تامّةٍ وجهًا لوجه.
تبادلنا الضربات عدّة مرّات.
استخدم بارباراك أنواعًا مختلفةً من التعاويذ الغريبة للإيقاع بي.
لكن بدعم كارلوس، صددتُ جميع تعاويذ بارباراك.
“كيف … سمعتُ أنكِ لا تستطيعين القتال بشكلٍ صحيحٍ بسبب إصابةٍ في ذراعكِ اليمنى!”
كانت هذه قصّةً منذ زمنٍ ولّى.
كان بارباراك ساحرًا ماهرًا في إلقاء التعاويذ القتالية، ولكن كما هو متوقّع، كان عاجزًا أمام سيفي.
“آه …!”
بعد بضع دقائق، تأوّه بارباراك وجثا على الأرض.
“سموّك، أغمِض عينيك.”
في ظلّ هذه الظروف، ظننتُ أن قتل الساحر أفضل من أسرِه، لذا حذّرتُ الأمير الثاني مُسبَقًا.
“آه، فـ فهمتُ.”
تشانغ!
حالما سمعتُ ردّ الأمير الثاني، لوّحتُ بسيفي نحو بارباراك.
للحظة، عبستُ من المشهد الوحشي غير المألوف.
“قائدة! نائب القائد!”
“سير جيروتي!”
في تلك اللحظة، وقف خمسةٌ أو ستة أعضاءٍ من الوسام الثالث خلف سيزار الذي دخل للتوّ.
“اقبِضوا على هؤلاء الرجال قبل وصول الحرس الملكي!”
أصدرتُ الأمر بسرعة.
شعرتُ ببعض الأسف على الأمير الثاني، لكنني شعرتُ بالارتياح لأن السحرة، بمَن فيهم بارباراك، أشعلوا النار في قصره أولًا، ممّا أخّر انتباه الجميع هناك.
بفضل ذلك، تمكّنا من أسرِ المُلحِدين أولًا.
اتّبع فرسان الوسام الثالث أوامري، وتحرّكوا بتناغمٍ تام، وأخضعوا جميع المهاجمين
ركع المُلحِدين باستسلام.
“لا بدّ أنّها كانت هجمةً محسوبة، وبهذا يمكننا الإمساك بذيل وليّ العهد وإسقاطه.”
تحدّث كارلوس بجانبي، وهو ينظّف شفرته.
“إذا حدث ذلك، فلن أطلب شيئًا آخر.”
لكنني شعرتُ بطريقةٍ ما أن هذه ليست النهاية.
‘من المستحيل أن ولي العهد لم يكن على علمٍ بهذا الوضع. حتى لو استهان بي وبكارلوس، لما ظنّ أنه يستطيع اغتيال الأمير الثاني بهذه القوّة.’
بدا كارلوس وكأنه يفكّر في الأمر نفسه، فقد كانت تعابير وجهه قاتمةً وجديّةً رغم كلماته المتفائلة.
“سير جيروتي، تحسّبًا، تحقّق من قصر ولي العهد. ربما كانت هذا خدعةً للتشتيت، وربما كان الهدف الأصلي تدمير المذبح أسفل قصر ولي العهد.”
“عُلِم، سيدتي.”
“والباقي، رافقوا سموّه وخذوه إلى برّ الأمان.”
“أجل، عُلِم.”
تقدّم الفرسان وساندوا الأمير الثاني.
نظر إليّ الأمير الثاني بنظرة ندم، لكن بدلًا من العناد، اتّبع تعليمات فرسان الوسام الثالث واختبأ.
“إذن، هل نبدأ باستجواب هؤلاء؟”
بعد أن غادر الأمير الثاني، اقتربتُ من المُلحِدين المقيّدين، ومعصميّ المتيبّسين يتأرجحان من جانبٍ إلى آخر.
“أ- أيّها الأوغاد الإمبراطوريون القُساة! وتنوون استجوابنا وأنتم لم تُوارُوا وترفعوا جثّة القائد حتى!”
“علينا أن نُنهي الأمر بسرعةٍ قبل أن يُطالِب الحرس الملكي بحقّ التحقيق. ومَن أنتَ لتتكلّم عن القسوة وأنتم مَن جِئتُم بفكرة التضحيات البشرية؟”
عبستُ حاجبيّ وأجبتُ.
ثم أمسكتُ أقرب مُلحِد من ياقته وضربتُه على الطاولة.
“أخبِرني ما هو هدفك.”
“نحن هنا لاغتيال الأمير الثاني …”
“سير إيباخ.”
“أمركِ.”
تقدّم كارلوس واتّخذ ‘الإجراء المناسب’ ضدّ الرجل المُثبَّت على الطاولة.
“آه، آه! سأُخبركِ بأيّ شيء! سـ سأُخبركِ بأيّ شيء، لذا توقّف الآن!”
بعد أن تعلّم المُلحِد من كارلوس معنى ‘الخوف الحقيقي’، انتفض وصرخ.
“جيد. ما هو هدفكَ الحقيقي إذًا؟”
“نـ نحن …”
أغمض المُلحِد عينيه بإحكام، كما لو كان متردّدًا حتى بعد أن وعد بالإفصاح.
“سير إيباخ؟”
“سـ سأُخبِركِ! هدفنا الحقيقي ليس الأمير الثاني، بل أنتِ، إيليا إلفينجتون!”
“… أنا؟”
رمشتُ للحظةٍ عندما سمعتُ السبب غير المتوقّع.
“لماذا أنا؟”
“لا أعرف. لكن ولي العهد يريدكِ على أيّ حال. وفي المقابل، عقد صفقةً مع القائد وأرسلنا.”
إرسال، يا لها من كلمةٍ لطيفة.
فجأة، صفعتُ المُلحِد على مؤخّرة رأسه.
“آه!”
تلوّى المُلحِد من الألم، لكنني تجاهلتُه، غارقةً في أفكاري.
‘إذا كان ولي العهد يطاردني … فسيكون السبب واضحًا.’
كانت عملية استدعاء سوزانا بالسحر الأسود على وشك النجاح.
كان ولي العهد مهووسًا باستدعاء سوزانا لدرجة أنه من المرجّح جدًا ألّا يهتمّ بوضعه ويحاول الإمساك بي.
… ربما يكون هذا مفيدًا.
“أخبِرني بالمزيد من المعلومات.”
“لا أعرف شيئًا آخر!”
“سير إيليا! سير إيباخ! ابتعدا عن المُلحِد!”
بعد صراخ المُلحِد بلحظةٍ وجيزة، ظهر الحرّاس في الوقت المناسب.
“نحن مَن تعاملنا مع المُلحدين وأسقطناهم.”
“لكن من الواضح أن الأمر حدث في البلاط الإمبراطوري. هذا يعني أنه يجب علينا نحن تولّي التحقيق.”
حاولتُ الدفاع عن حقوقي، تحسّبًا لأيّ طارئ، لكن دون جدوى.
‘ما الذي ينبغي علينا فعله؟’
رأيتُ نظرة كارلوس يسأل بنظراته. كما لاحظتُ توتّر الحرّاس.
همم، لقد حصلنا على كلّ ما في وسعنا من المُلحِد، لذا فإن قتال الحرّاس هنا سيكون مضيعةً للوقت.
لذا ……
“حسنًا. سنسلّم المُلحِدين.”
تنفّس جميع الحرّاس الصعداء عند سماع كلماتي.
رغم أنّهم تصرّفوا بصرامة، إلّا أنّهم في قرارة أنفسهم كانوا يعلمون أنّ الفضل في هذه العمليّة يعود إلينا.
بينما كان الحرّاس يُقيّدون المُلحِدين ويجرّونهم بعيدًا، أخذتُ كارلوس وتوجّهتُ مباشرةً إلى مقرّ الفرسان الثالث.
كنّا هناك في محادثةٍ خاصة.
“ما رأيكَ فيما قاله المُلحِد سابقًا؟”
سألتُه فور دخولي مكتبي.
“هل تقصدين عن استهداف القائدة؟”
“نعم، هذا صحيح.”
“بالنظر إلى نوايا ولي العهد، أعتقد أن الأمر معقولٌ تمامًا.”
“تظن ذلك أيضًا؟”
“نعم.”
خيّم الغموض على عيني كارلوس.
بدا عليه الضيق، وهو يتذكّر كيف تحوّلتُ إلى طفلةٍ وفقدتُ لون عيني.
برؤية كارلوس على هذه الحال، أصبح من الصعب عليّ نطق الكلمات التي كانت تدور في ذهني.
لكن كان عليّ ذلك.
‘الطريقة’ التي توصّلتُ إليها كانت السبيل الوحيد لإنهاء هذا الجمود.
“لذا، ما أُريد قوله هو.”
بدأتُ الكلام بحذر. رفع كارلوس حاجبًا واحدًا باستغراب، كما لو أنه لم يفهم ما أحاول قوله بعد.
هووه، أخذتُ نفسًا عميقًا.
“ماذا عن استخدامي كطُعمٍ لإغراء ولي العهد؟”
ثم فجّرتُ ما أردتُ قوله.
“…..”
صمت كارلوس.
رأيتُه يغمض عينيه لوهلة.
كانت اللحظة التي فكّرتُ فيها ‘ربما لن ينجح هذا’.
“استراتيجيًا، أعتقد أنه الخيار الصحيح.”
لكنني رفعتُ رأسي عندما سمعتُ ردًّا لم أتوقّع أن يخرج من فمه.
“هل أنتَ بخيرٍ مع ذلك؟ لا تبدو سعيدًا!”
“بالطبع لا أريد ذلك.”
قال كارلوس بنبرةٍ تُناقِض موافقته الأوليّة.
“لكن إذا اتّخذتِ هذا القرار، أيّتها قائدة، فسأتبعه.”
“أوه …”
“عندما يتعلّق الأمر بالاستراتيجيات والتكتيكات، فأنا مساعدكِ أيّتها القائدة، ولستُ مَن يُصدِر الأوامر.”
لم أتوقّع أن يقول كارلوس شيئًا كهذا، لذا فوجئتُ تمامًا.
لكن بالتفكير في الأمر بجديّة، وجدتُ أن كارلوس نادرًا ما عارض أو ثار على قراراتي.
ربما كان يعترض أحيانًا على قراراتٍ اعتبرها متهوّرةً أو غير منطقية، لكنه لم يصل أبدًا إلى حد تقويض سُلطتي.
كان شعورًا غريبًا أن أشعر بالاحترام كرئيس.
بالطبع، لم يكن شعورًا سيئًا.
“علاوةً على ذلك.”
درس كارلوس تعبير وجهي، ثم تحدّث مجددًا.
“بعد حادثة تسلّل نهر ساناو الأخيرة، بدأتُ أثق بكِ أكثر.”
“هل بدأتَ تثق بي؟”
“نعم.”
“بأيّ طريقة؟”
توقّف كارلوس للحظةٍ عند سؤالي.
“… في الواقع، عندما اختفيتِ بسبب تعويذة رامادا، تخيّلتُ حدوث الأسوأ.”
بعد لحظة، تحدّث، وعيناه أعمق من ذي قبل.
“لكن عندما دخلتُ القبو، رأيتُ أنكِ قد تعاملتِ مع الموقف بالفعل.”
بالطبع، كانت هناك آثارٌ جانبيةٌ للسحر الأسود لاحقًا، أضاف كارلوس.
“عندها أدركتُ. أنتِ أكثر كفاءةً ممّا كنتُ أظن.”
لماذا؟
في تلك اللحظة، احمرّ وجهي تمامًا
لم تكن كلمة ‘أكثر كفاءةً’ حتى اعترافًا بالحبّ أو شيءٌ من هذا القبيل.
لكن بطريقةٍ ما، بدت لي عذبةً كاعتراف حبٍّ منتظر.
حقيقة أن أحدهم اعترف بي، بجهودي ومهاراتي …
“قائدة؟”
عندما خفضتُ رأسي لإخفاء وجهي المحمرّ، ناداني كارلوس بنظرة حيرةٍ على وجهه.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 101"