بعد أن أُصيبت وحُرِمت من مستقبلها، عاشت حياةً بائسةً يائسة.

للتوضيح، هذه ليست قصتي، بل قصة إيليا.

مع ذلك، فإن تقبّل هذا الوضع واختيار أفضل مستقبلٍ ممكنٍ من الآن فصاعدًا هو قصّتي بالتأكيد. إنه أذكى خيارٍ لتجنّب الموت.

هل فهم ما في قلبي؟ تردّد كارلوس، عاجزًا عن الكلام بسهولة.

“هيا بنا.”

هذه المرّة، أخذتُ زمام المبادرة بدلًا من كارلوس المُجمَّد.

كانت هذه أوّل مرّةٍ أركب فيها حصانًا، لذلك كنتُ متوترة، لكن جسد إيليا استقرّ بشكلٍ طبيعيٍّ وبخفّةٍ على الحصان الأسود. 

شعرتُ وكأنني أضع قدميّ في الركائب وأتحكّم باللجام. 

قمع المهاجمين يتمّ غالبًا على ظهور الخيل. لم يكن من المُستغرب أن إيليا، التي قضت نصف حياتها في مطاردتهم، كانت ماهرةً في ركوب الخيل.

“هيا بنا.”

 قلتُها مرّةً أخرى واتّجهت إلى مقرّ وسام الفرسان الثالث، متتبّعةً ذكريات إيليا الخافتة. 

بعد حوالي عشر دقائق من الركوب السريع، رأيتُ مقر وسام الفرسان الثالث على الجانب الآخر من الطريق الرئيسي.

 كان مبنى الوسام الثالث للفرسان أكثر تواضعًا مما توقعت. لكن…

‘يا إلهي، إنه كبيرٌ جدًا.’

وفقًا للقصة الأصلية، كانت وسام الفرسان الثالث مكانًا يمكن حتى للعامّة الانضمام إليه، لذلك تم تبسيط المبنى عمدًا على الرغم من كونه جزءًا من الفرسان الملكيين. ومع ذلك، كان لديهم أكبر عددٍ من الأعضاء، لذا احتلّوا أكبر مساحةٍ بين أوسمة الفرسان الملكية الثلاث.

“هيك.”

بينما تذكّرتُ المعلومات من القصة الأصلية واقتربتُ من المقر، شهق حارسٌ يقف عند المدخل مندهشًا عندما رآني.

“القـ، القـائدة؟ ما الذي جاء بكِ إلى هنا في هذه الساعة…؟”

اندهش الحارس بسببي بالطبع.

“ليس لدينا أيّ مشكلة! لا داعي للقلق، أيّتها القائدة!” 

 لم يتخيّل أنني هنا للعمل، وظنّ أنني هنا لتوبيخهم. تنهّدتُ في داخلي ونظرتُ إلى الحارس الذي خاطبني والفرسان الآخرين المتجمّعين حولي. بدوا جميعًا متوترين كالحارس. 

حتى أن بعضهم أظهر عداءً صريحًا.

“حقًا، أيّتها القائدة، نحن أبرياء …”

“اهدأ…”

“إيك!”

… يا إلهي، إيليا. ماذا فعلتِ بهؤلاء الناس؟

تأكّدتُ من بعض الشخصيات الرئيسية من القصة الأصلية بين الوجوه وتحدثتُ.

“أنا هنا للعمل.”

“ماذا؟”

“أنا هنا للعمل. أعلم أنه مرّ وقتٌ طويلٌ منذ أن حضرتُ في الموعد المحدّد، لكن يبدو أنكَ متفاجئٌ جدًا.”

فُتِح فم الحارس.

“هنا للعمل…؟”

إذا كان للعمل، فهو للعمل. ماذا يعني، أن تأتي إلى هنا للعمل غير ذلك؟

 “أجل. إذن، ما لم تكن تريد تأخيري، فلماذا لا تتنحّى جانبًا؟”

“إعتذاري!”

أخيرًا، استعاد الحارس وعيه وفتح البوابة الرئيسية لوسام الفرسان.

دخلتُ ببطء، وأنا أُلقي نظرةً على الداخل.

بفضل كارلوس وفصيله، كان المكان نظيفًا ومنظّمًا. مع ذلك، لم يكن من الممكن إخفاء آثار تمرّد إيليا تمامًا.

 كان نقص المؤن واضحًا بشكلٍ خاص. أنفقت إيليا ميزانية الفرسان على المشروبات، ولم يتبقَّ ما يكفي من المال للمعدّات.

‘آه، إيليا!’

شعرتُ بصداعٍ عندما وصلتُ أمام المبنى الذي يقع فيه مكتبي وترجّلتُ عن الحصان. 

قبل العثور على السيف الأول في كازينو القمار، وإنقاذ البطل الثاني من المزاد غير القانوني، ومساعدة ملازمي سيزار، كان عليّ القيام بشيءٍ ما.

كان ذلك تنظيف وسام الفرسان.

لم يستطع الوسام العمل بشكلٍ صحيحٍ في بيئةٍ سخيفةٍ كهذه.  

“أين لوحة اسمي؟”

بحثتُ عن لوحة اسمي في سجلّ الحضور. ناولني الحارس، الذي كان متفاجئًا سابقًا، اللوحة بسرعة. علّقتُها في خانة ‘الحضور’ وسجّلتُ وقت حضوري. 

راقبني كارلوس والآخرون بصدمةٍ وأنا أُكمل تسجيل الحضور بهدوء.

“هل ستذهبين مباشرةً إلى المكتب؟”

“لا.”

نظر كارلوس بترقّب، ثمّ ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ عارفةٌ عندما قلتُ لا.

“سأذهب إلى الإدارة الملكية.”

تغيّر وجهه بشكلٍ كبيرٍ عندما سمع ذلك.

“الإدارة؟ لماذا هناك …؟”

سأل كارلوس بريبة. هززتُ كتفيَّ كأنني بريئة.

“عليّ تعويض الميزانية التي بدّدتُها. وإلّا فلن يتحسّن وسام الفرسان، أليس كذلك؟”

صُدِم الفرسان مجدّدًا بكلامي.

انتظرتُ حتى تهدأ صدمتهم، وأنا أفكّر فيما عليّ فعله لتأمين الميزانية.

في البداية، خطّطتُ لتغطية ميزانية إيليا التي أنفقتها على المشروبات من أموالها الخاصة، أي ثروة ماركيز إلفينجتون.

لكن ذلك لم يكن ممكنًا.

كانت جميع مخصّصات الميزانية من اختصاص الإدارة الملكية، وكانت الموافقة على ميزانيةٍ جديدةٍ تتطلّب موافقتها. 

وافقتُ على هذا بسرعة. فالسماح لشخصٍ ما بتجديد ميزانية الفرسان من أمواله الخاصة سيؤدّي إلى فوضى في الإدارة. ومع ذلك، كانت هناك مشكلةٌ كبيرةٌ عند التقدّم بطلب ميزانيةٍ من الإدارة …

“لن ترحّب بنا الإدارة.” 

قال كارلوس بحزم.

“هذا صحيح.”

وافقتُ دون جدال.

“لقد سبّبتُ عدّة اضطراباتٍ هناك وحطّمتُ بعض الأشياء. لم يُخصِّص الكونت غونير، من الإدارة، ميزانيةً لوسام الفرسان الثالث لأكثر من أربعة أشهر.”

أينما ذهبتُ، كانوا يخشون إيليا.

كان هذا ينطبق بشكلٍ خاصٍّ على الكونت غونير، الذي كان يُقدِّر أدواته الرصدية، ويكره إيليا بشدّةٍ لدرجة أنه تجاهل توسّلات كارلوس رغم سمعته الطيبة في العائلة المالكة.

“…إقناع الكونت غونير مستحيل. سيكون من الأفضل لو ذهبتُ أنا مرّةً أخرى.”

أشار كارلوس مرّةً أخرى.

لم أجادل هذه المرّة أيضًا.

“ليس لديكَ أيّ أساليب خاصّة، أليس كذلك؟”

بدلًا من ذلك، أشرتُ إلى أن كارلوس كان أيضًا في حيرةٍ من أمره.

“بدلًا من تكرار أفعالٍ لا معنى لها، أليس من الأفضل لو حسمتُ هذا الأمر شخصيًا؟”

“…هل تفكّرين في الاعتذار؟” 

تكلّم بعد صمتٍ طويل، ووجهه مُكفَهر.

“همم، هذه طريقةٌ جيدة، لكنني لن أعتذر.”

فهمتُ سبب تجهّم وجه كارلوس.

“إذا اعتذرتُ، فهذا يعني أن وسام الفرسان الثالث بأكملها سيحني رأسه. قد ينجح الأمر مؤقتًا، لكن على المدى البعيد، ستكون خسارة. سيُنظَر إلينا بازدراء.”

تفاجأ كارلوس، وعبّر عن أفكاره دون أن يُدرك ذلك.

“منذ متى تهتمّين بمثل هذه الأمور، أيّتها القائدة؟”

“منذ الأمس.”

بدا كارلوس مذهولًا.

‘إنه مصدومٌ لأنني أصبحتُ ذكيةً فجأةً رغم قولي إنني سأتغير. … هذا ما يُفكّر فيه. أستطيع أن أرى ذلك على وجهه.’

استطعتُ فهم أفكاره دون أن أسمعها.

تصرّفت إيليا باندفاعٍ دون أيّ تفكير، لذا فاجأت كلماتي المنطقية كارلوس.

عندما رأيتُ وجه كارلوس، تمنّيتُ فجأةً أن أراه ليس مُندهشًا فحسب، بل يشعر بالرهبة أيضًا من أفعالي.

يا إلهي، ما هذا الشعور؟

 “حسنًا. سأرشدكِ إلى الإدارة.” 

نطق كارلوس أخيرًا.

“لكن.”

بينما كنتُ أتبعه، التفت إليّ فجأةً بنبرةٍ ثقيلة.

“إذا سبّبتِ مشاكلَ مرّةً أخرى، فلن أثق بكِ أبدًا.”

كان صوته منخفضًا بما يكفي لأسمعه أنا فقط. لمعت عيناه ذهبيتان للحظةٍ قبل أن تعودا إلى اللون البني. كانت عيناه الذهبيتان ترمزان للعائلة المالكة وسبب تشبّث كارلوس بوسام الفرسان الثالث.

تذكّرتُ القصة الأصلية حيث كان كارلوس الابن غير الشرعي للإمبراطور، يحرق نفسه لإثبات مكانته الحقيقية. 

كان هوس كارلوس بإثبات نسبه هائلًا. في الجزء الأخير من القصة، اقتحم حتى مخبأ المهرطقين وحده.

‘بالنسبة لشخصٍ مثل كارلوس، فإن إرشادي إلى الكونت غونير أمرٌ بالغ الأهمية.’

لذا، عليّ أن أردّ بجديّةٍ هذه المرّة.

“سأتذكّر هذا.”

أمسكتُ بكمّ كارلوس وهو يستدير للمغادرة. هم

ستُ بهدوءٍ كافٍ كي لا يسمعه أحدٌ سواه.  

“شكرًا لثقتكَ بي، ولو لمرّةٍ واحدة.”

وشكرتُه بصدق.

عند سماعي لكلامي، اتّسعت عينا كارلوس مندهشين.

⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄

ترجمة: مها

انستا: le.yona.1