“الكاتبة” كانت محتارة من سؤالي . وكانت أعصابي مشدودة مثل أوتار الكمان حيث امكنني أن أشعر بالعقد في معدتي.
“من هم الأبطال؟ حتى لو عرفت ذلك، فلن أغير شيئًا. فأرجوكي قولي لي.”
“هل أنت متأكدة؟”
“بالطبع.”
“الكاتبة” نظرت إلي بحذر، و تأملت إجابتي . نظرت مباشرة إلي في عيني لتقرر أي القرارات ستكون الأفضل.
أجابت: “البطل الذكر هو آريس جوبيتر”
كان ذهني فارغًا.
جاءت الحقيقة مثل صاعقة.
آريس جوبيتر، الرجل الذي احبته حب غير متبادل منذ ثلاث سنوات.
هو البطل الذكر؟
أليس هذا يعني أن مشاعري لن يتم قبولها أبدًا وأن دوري ليس سوى شخصية مساعدة بسيطة…؟
بدأ الهدوء في بحر قلبي يشتعل.
جفت الدموع في جوف عيني قبل أن تنزلق إلى خدي.
“إذًا، لن أكون معه في هذا العالم؟”
“…نعم، أنت على حق.”
“هل هذا هو السبب الذي جعلني أصبح شريرة؟ لأنني كنت غيورة عليه من البطلة التي ستكون معه.”
“صحيح. ستتحولين إلى شريرة معمية بسبب الحب .”
ظهرت كلمة أخرى لم أفهمها، لكنني لم أهتم حتى بذلك.
“إذاً، هل سأعاني طوال حياتي للتغلب على هذا الحب الغير متبادل؟”
“الكاتبة” أومأت وأكدت تخميني.
“وفقًا لروايتي الأصلية، بسبب حبك غير المتبادل، لن تتحملي علاقة أريس جوبيتر مع البطلة وستتدخلين في علاقتهم. في النهاية، سيلاحظ أريس مشاعرك، لكن هذا لن يبرر الأشياء الشنيعة التي فعلتها بالبطلة.”
ضحكت.
كانت مضحكة.
حياتي لا تختلف عن المسرحيات الرخيصة.
استسلمت لمصيري قبل أن أستغيث بـ “الكاتبة”.
” الا يمكنك تعديل محتويات الرواية؟ لن أطلب منك تغيير وفاتي، لكن لا يمكنك أن تخلصيني من هذا الحب على الأقل؟” توسلت بإخلاص.
كانت العذاب أن أعرف أن مشاعري لن تقابل أبدًا.
للأسف، هزت رأسها بشدة برفض نهائي.
كلمات بذيئة انزلقت من فمي، مدمرةً سمعتي النبيلة، لكني لم أستطيع أن أتحكم في نفسي.
لقد جمعت بالفعل ما يكفي من العقلانية لمواجهة هذا الموقف.
“لا، هذه الرواية لي. لقد كتبتها بالمثالية كما أردتها. الرواية لا تكون مثيرة إلا إذا كانت هناك صراعات. إذا وقعت في حب غير متبادل ، ستواجه البطلة بعض الصعوبات قبل أن تصل إلى نهاية سعيدة. إذا لم تكن هناك شريرة في القصة، فسيكون كل شيء مملًا. هذا هو السبب الذي صنعتك لاجله.”
“ولكنني لن أكون الشريرة! البطل والبطلة سيكونان على ما يرام على أي حال، كل ما سأفعله لن يعطب نهايتهم السعيدة!”
“حتى لو توسلت لي، فإنه أمر مستحيل.”
لم يكن الإحباط كافيًا لوصف مشاعري. لماذا كانت هي، ‘الكاتبة’ لهذه الرواية، تقول أنه من المستحيل التعديل على روايتها؟
“لماذا؟ إنها روايتك.”
“منذ دخولي إلى هذا العالم، أصبحت جزءًا من هذا العالم. لتعديل القصة، يجب علي العودة إلى العالم الأصلي.”
“ثم عودي، اصلحيها، وعودي إلى هنا مرة أخرى .”
” الأمر ليس كذلك! قال الرجل ‘القوي’ أنه سيحقق أمنية واحدة فقط وقد أعطيت له نفسي التي كانت في البُعد الأصلي مقابل دخولي إلى هذا العالم…لذلك لا يمكنني العودة.”
فتحت فمي بذهول من هذه المعلومة الغير متوقعة.
“أتقولين أنكِ ميتة في البُعد الأصلي؟”
“لا أعرف وضعي الحالي لأنني لا أستطيع التحقق منه. والمشكلة هي أنني لست في ذلك البُعد ولا يمكنني العودة إلى هناك.”
تظهر مشكلة تلو الأخرى. بشكل موجز، كان من المستحيل عليها العودة إلى العالم الأصلي تعديل المحتوى. وبالتالي، مصيري محسوم. مشاعري ستبقى غير متبادلة إلى الأبد.
“أنا حقا سأجن.”
“الكاتبة” مسحت على رأسي بلطف وقالت: “عيشي حياتك على أكمل وجه. آسفة لجعل الأمور صعبة عليك. لكن الآن أنك تعرف الحقيقة، على الأقل لن تترك هذا العالم بذكرى انك كنت شريرة.”
ضحكتُ بملل. مهما حدث، لن يقع اللورد آريس جوبيتر في حبي. لذا لم يكن لدي ادنى اهتمامٍ طفيفٍ لمعرفة علاقته بالبطلة.
“لستُ فضولية. لن ينتهي بي الامر مع اللورد جوبيتر على أية حال.”
“لكن ماذا لو قررتِ بعد أن تستمعي إلي سواءً كنتِ ستتدخلين في علاقتهم أم لا.”
نظرتُ إلى ‘الكاتبة’ بتعبيرٍ مرتبك.
“هل هوية البطلة مهمة بتلك الدرجة؟ من تكون البطلة؟”
“…ليا ساتورنوس.”
“!”
ارتد جسدي باندهاش عند سماعي لاسمٍ مألوف. البطلة الأنثى هي ابنة البارون، لياه ساتورنوس، التي احتفلت بتقديمها للمجتمع الراقي الأسبوع الماضي؟ كانت حفلة تحولها للبلوغ وعيد ميلادها الثامن عشر، إن لم يخب ظني.
شعرتُ بالغثيان.
“الآن، تلك السيدة الصغيرة التي لا تعرف شيئًا عن العالم الاجتماعي هي البطلة؟ هل أنتِ متأكدةٌ بأنها هي المقدرة لتكون مع اللورد آريس جوبيتر؟!”
لمعت عيون ‘الكاتبة’ باهتمام.
“ما رأيك؟ هل غيرتِ رأيك؟ هل ترغبين في أن تكوني الشريرة؟ هل تعتقدين بأنها لا تستحق اللورد آريس جوبيتر؟”
مرةً أخرى، اندلعت ضحكتي الساخرة في ارجاء المكان.
أوه، كم مرةٍ أخرى يجب أن أشعر بهذا الألم العنيد في قلبي؟
“لا، لن أتدخل في أمورهم.”
“ياللاسف!.”
تبرمت “الكاتبة” وهي تندم على قرارها. يبدو أنها كانت متحمسة لمشاهدة الكثير من الدراما تتكشف، ولكنني لن أفعل ما تريده.
شربت جرعة أخرى ببطء. كنت متشوقًا لمعرفة رد فعلها تجاه رأيي. قلت لها بنبرة عميقة تخفي الضحكة التي كنت أمسك بها.
“بدلاً من ذلك، أعتقد أنني سأشجعهم. آمل أن تزدهر علاقتهم بسلاسة بمساعدتي.”
“يا إلهي!”
أطلقت كلمة غريبة أخرى. كانت ردة فعلها خارجة عن توقعاتي.
سألتني، “ما هدفك؟ لماذا تريدين مساعدة الشاب الذي تحبه في التعامل مع الفتيات الأخريات؟ هل أصبحت مجنونة؟”
أجبت بهدوء: “هذا سؤال رائع. لماذا أفعل ذلك؟ ذلك…”
كنت أرغب في ان اقول ” أردت فقط أن أضايقك”، لكن هذا السبب كان ضعيفًا جدًا من جانبي. قررت أخيرًا أن أخبرها سببًا أكثر نبلًا قائلة: “أرغب في مساعدتهم حتى يتفتح الحب بينهم و يواسي أريس ليا الشابة البائسة!”
“إذا كان يريد أن يكون سعيدًا، فسيتعامل مع السيدة ليا ساتورنوس التي لا يمكن أن تكون أبدًا سيدة أرستقراطية راقية وهي حالمة بشكل يجعلها في بعض الأحيان لا تلاحظ حتى محيطها وتمتلك مظهرًا بسيطًا… فكيف يمكن لها أن تتحمل في هذا العالم الاجتماعي الماكر؟”
” ماذا !! ياللهول!”
“ألن تؤدي تدخلاتي في الروايات إلى نفس النهاية على أي حال؟”
” …. “
الكاتبة” صمتت من إجابتي. رأيتها عاجزة عن الكلام، وشعرت بشعور غريب من الانتصار يحيط بي.
استمريت بنبرة مطمئنة: “لن أتدخل كثيرًا. لا يمكنني أن ألعب أي دور كبير في علاقتهم على أي حال لأنني مجرد شخصية ثانوية.”
“حسنًا.”
ابتسمت بحلو للـ “كاتبة” التي كانت لا تزال تحدق فيّ بتعبير مشوه.
سألتني الـ “كاتبة” وهي تراقبني بذهول وتستند بذقنها على يدها: “هل أنت فضولية بشأن أي شيء آخر؟”
فكرت للحظة ثم اومأت رأسي بابتسامة راضية.
“لا، للآن أعرف معظم الأشياء التي أحتاج معرفتها. إذا كان لدي أي أسئلة، سأسألك لاحقًا.”
“هل تتوقعين أن أجيبك بسهولة على المزيد؟”
إجابتها غير المتوقعة صدمتني.
“هل هذا يعني أننا لن نلتقي بعضنا البعض مرة أخرى؟”
“لماذا تعتقدين ذلك؟”
“أليس لديك فضول لمعرفة كيف ستتطور القصة؟”
“يمكنني معرفة ذلك دون الحاجة إلى لقاءك. ومع ذلك، إذا كنت ترغبين في رؤيتي، سأظهر أحيانًا في هذا المقهى، في هذا المكان”.
شعرت بارتياح. دون أن أدرك، يبدو أنني قد اعترفت وقبلت هذه “الكاتبة” كخالقة هذا العالم. عندما اكتشفت أنها لن تختفي، شعرت بارتياح خفي .
“ألا تنوين أن تخبريني متى ستأتي؟”
ردت : “سأأتي كلما أردت ذلك”.
ضحكت وقلت : “يجب أنني محظوظة جدًا لأنني قد التقيت بك. حسنًا، أعتقد أنه حان وقت الوداع مؤقتًا”.
نظرت “الكاتبة” إلي بتعجب.
“يبدو أن لديك إرادة نفسية قوية أكثر مما توقعت. حتى انا لم أصف شخصيتك هكذا في روايتي”.
تحدثت إلى “الكاتبة” بنبرة قيادية.
“أنت لست إلهاً قادرًا على صنع كل شيء. في الأجزاء التي لم تصفيها، تشكلت حياتي بإرادتي الخاصة، وبعض شخصيتي يجب أن تكون قد تغيرت . من التعجرف أن تعتقدي أنك تعرف كل شيء”.
“نعم، أنت لست مخطئة تمامًا”.
على غير المتوقع، اعترفت هي بنقائصها بسرعة.
أفرغت فنجانها من الشاي قبل أن تقوم.
“حسنًا، سأذهب أولاً. سعدت بلقائك، بيانكا”.
ابتسمت لها ورددت قائلاً: “كان من دواعي السرور مقابلتك أيضًا. أوه، هل يمكنني أن أناديك بـ ‘الكاتبة’؟”
هزت رأسها وضحكت.
“حسنًا، يمكنك أن تناديني ‘الكاتبة'”.
قررت أن أكرم خالقة عالمي بهذا اللقب.
“حسنًا، ايتها ‘الكاتبة’. الى لقاء آخر”.
“هاها! وداعًا!”
ابتسمت “الكاتبة” بسعادة وغادرت.
وقفت بجانب مقعدي المعتاد ونظرت إلى الطريق الذي ذهبت اليه بينما تبتعد، وتلوح بيدها بوجه مبتسم. بعد أن اختفى ظهرها، وقعت على كرسي بتعب.
رأسي سقط بلا حيوية. الحقيقة حول هذا العالم التي عرفتها كانت ثقيلة جدًا على ظهري.
كل ما يجعلني، بيانكا يورانوس، قد خلقته تلك “الكاتبة”.
أن اكون كشخصية داعمة في هذه الرواية الشاملة.
حتى هذا الحب للسيد آريس جوبيتر كان مبتغىً من قبل “الكاتبة”، و لم يكن حقيقيًا.
شعرت بالرطوبة على ظهر يدي بينما كنت أفرك وجهي بدون قصد.
دون أن أعلم، كانت الدموع تسيل على وجهي.
إنها ليست “حقيقية”، لكن لماذا كنت قلقة بهذا الشكل؟ إنها مشاعر مزيفة على أي حال، ولكن… لماذا انا متمسكة بتلك المشاعر بهذه القوة؟
تنهدت بثقل. اجتاحتني كل أنواع الأفكار في قلبي.
بعد لحظات، قررت نسيانها.
حبي للسيد جوبيتر لم يكن حقًا لي على أية حال، فلماذا يجب أن أتمسك به وهو سيجلب لي الكثير من الألم؟
كأنني تخلصت مؤقتًا من ألم قلبي.
لقد توقعت طويلاً أن يتم مقابلة حبي . للأسف، بعد معرفتي بحقيقة هذا العالم، يبدو أن الندم على حبي غير المتبادل أمر سخيف.
لقد لقيت نظرة خاطفة من نافذتي.
هل هذا هو مصير متشابك؟
في الخارج، يمكنني رؤية السيد آريس جوبيتر وهو يدخل مقهى النبيذ “ديونيسوس”.
نظرت إليه وهمست بهدوء في قلبي.
وداعاً. حبي الأول والأخير.
كان آريس جوبيتر في نفس عمري، وتختلف تواريخ ميلادنا ببضعة أيام فقط. هو وريث دوق جوبيتر، نبيل مرموق له تاريخ طويل. رجل ذو شخصية صادقة وأخلاق لطيفة.
ومع ذلك، حتى بدون كل هذه الألقاب، وقعت في حبه من النظرة الأولى.
كان مجرد رؤيته مرة واحدة كافيًا ليجعلني أشعر بالفراشات في معدتي.
ربما كانت مظهره الرائع هو السبب.
ومع ذلك، حتى بدون رتبته ومكانته، كان لا يزال يثير اهتمامي، فهو رجل طيب القلب بحق.
لم أكن أعلم أن هذا الشعور سيستمر لأكثر من سنتين. في هذه النقطة، لا يمكنني أن أقول أنني وقعت في حب مظهره فقط، بل وقعت في حب وجوده بأكمله.
كان مهذبًا تجاه النساء، ولكن ليس إلى درجة العاطفة أو الإغراء. كانت جميع البنات من جيلي يشعرون بالتوتر امامه ويحاولون بلا توقف أن يجعلوه يلقي نظرة على احداهن.
ولم أكن أرغب في الانخراط في المياه العكرة، فقمت بالتظاهر باني غير مهتمة به. وحافظت على وجهي النبيل والعالي.
كان كل ذلك يتعلق بكبريائي وثقتي بالنفس.
لم أكن أرغب في الاعتراف بأنني وقعت في الحب بسهولة، لذا تظاهرت كأنني غير منجذبة إليه.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات