2
2
لم يكن هناك موتٌ بالإرهاق، ولا شاحنةُ إعادةِ ميلاد،
بل تلبّسٌ مفاجئٌ بلا مقدّمات.
إنْ أردنا البحث عن سببٍ منطقي،
فربّما كان ذلك التعليق الذي تركتُه على حساب الكاتبة في وسائل التواصل،
حيث عبّرتُ عن أسفي لنهايةٍ خالفتْ توقّعاتي في الرومانس الفانتازي المفضّل لديّ «كيف تجعل بطل القرن زوجك».
«لعلّها نهايةٌ تأمّلتْها الكاتبة طويلًا.
لكنّني، كقارئةٍ رافقتُ الشخصيتين طويلًا وهما تتعثّران دون أن تتلاقيا،
وجدتُ النهاية مفاجئةً جدًّا، ناقصةً التفسير إلى حدٍّ مؤلم.
كنتُ أرجو، ولو يومًا، أن أشرب شيئًا منعشًا، ولو عصير جريب فروت حلوًا مرًّا،
بعد كلّ تلك السنوات التي ابتلعتُ فيها البطاطس الحلوة المزعجة بصمت.
كلّ تلك الأيام تبدو الآن حزينةً جدًّا.
لو كان الأمر هكذا، فلماذا منذ البداية…»
كنتُ أعلم أنّ الكلمات قد تؤذي الكاتبة،
لكنّني، بعد ليالي عملٍ متتالية وحالةٍ صحيّة متدهورة،
برّرتُ لنفسي أنّه تعبيرٌ عن حبّي للعمل،
وتماديتُ حتى في التدخّل في السرد، قائلةً إنّه كان يمكن للقصّة أن تكون أقصر لو اتّخذت مساراتٍ أخرى.
لحسن الحظّ، أو لسوئه، استعادتُ رشدي قبل أن تمرّ دقيقةٌ على الضغط على زرّ النشر.
هرعتُ لحذف التعليق،
فوجدتُ تحت كلماتي ردًّا قصيرًا من الكاتبة نفسها:
«أنا آسفة لأنّني خيّبتُ ظنّك.
أتمنّى أن تجدي أنتِ نهايةً ترضيكِ أكثر من نهايتي.»
شعرتُ بقشعريرةٍ تركضُ في ظهري.
هل كان ذلك وهمًا؟
«يا إلهي… هل جرحتُها حقًّا بهذا القدر؟»
أردتُ أن أعتذر، أن أقول إنّني تجاوزتُ الحدّ،
لكنّ ردّ الكاتبة كان قد اختفى بالفعل.
حذفتُ تعليقي، ثم استلقيتُ أحاول تهدئة شعوري المزعج،
دون أن أدرك أنّ تلك التصرّفات ستؤدّي إلى هذه النتيجة.
وعندما فتحتُ عينيّ،
وجدتُ نفسي أمام سقفٍ غريب،
وتحيطُ بي وجوهٌ ترتدي ملابس غريبة، تنظر إليّ بقلقٍ بالغ.
“ناتالي! هل استعادتِ وعيك؟”
“يا آنستي! هل أنتِ بخير؟ لقد أغمي عليك فجأة، أفّ، كدنا نموت خوفًا!”
غريبٌ أنّني لم أنزعج كثيرًا.
ما إن استعدتُ وعيي، حتى تدفّقت ذكريات ناتالي فيريرا في رأسي كالسيل.
رمشتُ عدّة مرّات، غير مصدّقة،
ثم فهمتُ وضعي بسرعة.
كان التأقلمُ سريعًا.
لم أضرب خدّي لأتأكّد أنّه حلم، ولم أضيّع الوقت منتظرةً الاستيقاظ.
بعد أن طمأنتُ الخدم وأرسلتهم خارجًا،
كان أوّل ما فعلته أن أرتب ذكرياتي عن الأحداث الأصلية قبل أن تتلاشى.
صنّفتُ الأحداث التي يمكنني تغيير مسارها، ورتّبتُ النتائج المتوقّعة.
بفضل عملي السابق في تحليل البيانات والتنبّؤ بالنتائج، لم يكن الأمر صعبًا.
‘ماذا عن عملي الآن؟
غيابٌ غير مبرّر وانقطاعٌ عن التواصل… هل سيطردونني تلقائيًّا؟
بعد شهرٍ واحد فقط كنتُ سأكمل عشر سنوات خدمة وأحصل على مكافأة الأقدمية…
لا يمكنني أن أبقى هنا هكذا.’
ليس لديّ ذكرى موت، إذًا يجب أن أتمكّن من العودة.
شغّلتُ دائرة الأمل بكلّ قوّة.
الهدف: العودة في أسرع وقتٍ ممكن.
مهما فكّرتُ، السبب الوحيد المحتمل للتلبّس هو ذلك التعليق.
إذًا، إن صنعتُ نهايةً سعيدةً ترضي الجميع،
فستعود حياتي الأصلية إليّ، أليس كذلك؟
حاولتُ أن أصدّق ذلك بكلّ ما أوتيتُ من قوّة.
بينما أهدّئ قلقي، بحثتُ كيف أحلّ مشاكل ناتالي بطريقةٍ تليق بها.
وفي لحظات القلق التي لا مفرّ منها،
كنتُ أعزّي نفسي بأنّني لم أتلبّس شريرةً مكروهة، ولا شخصيةً ثانوية لا حول لها ولا قوّة.
‘هذه الأيام، تلبّس الشخصيات الثانوية أو الشريرات هو الموضة في روايات التلبّس…
فما بالك بتلبّس بطلة القصّة؟’
ناتالي موهوبة، جميلة، وسمعةٌ طيّبة.
أيّ مسارٍ، حتى لو كان كليشيهيًّا، يمكنني تحويله بسهولة.
المشكلة الوحيدة كانت توقيت التلبّس.
بالذات بعد إفلاس أعمال والد ناتالي مباشرة،
فلم يبقَ لديّ وقتٌ كافٍ للتحضير.
ناتالي ساحرةٌ موهوبة، تخرّجت من الأكاديمية بتفوّق،
والآن باحثةٌ مبتدئة في برج السحر،
لكنّ ذلك لا يكفي لسداد ديون أبيها الهائلة.
‘قريبًا ستنتشر الشائعات أنّ عائلة كونتٍ بلا وريثٍ ذكر على وشك الانهيار بعد فشل تجاري.’
بسبب بند ضمان رأس المال في عقد الاستثمار،
ضغط الدائنون لاسترداد أموالهم،
فانهار والد ناتالي مريضًا،
واشتعلتْ فجأة منافسةٌ شرسة بين النبلاء الأقلّ رتبة للزواج منها والاستيلاء على اللقب.
بالطبع، كان هناك حلٌّ لذلك أيضًا.
لو انتظرتُ قليلًا،
كان بطل القصّة، ماكلين، سيثور لغيرةٍ من بيعها رغمًا عنها،
فيدفع الديون كلّها ويعرض زواجًا تعاقديًّا.
كان يجب أن يحدث ذلك.
لو حدث فقط، لما واجهتُ أيّ مشكلة.
“لماذا هذا الرجل بهذه السرعة؟ أين قال إنّ المقابلة؟”
هرعتُ ناتالي خلف الرجل الذي اختفى داخل المبنى.
* * *
عندما وصلتُ إلى مكان المقابلة بعد سؤالٍ تلو الآخر،
كانت المقابلة قد انتهت لتوّها.
رأيتُ شابًّا نحيفًا جدًّا، بل واهنًا، يخرج للتوّ من القاعة،
فتنفّستُ الصعداء واتّجهتُ إليه.
“منذ زمنٍ لم أرك، تومي ماكأفوي. يا لها من صدفة!”
“ها؟ ناتالي فيريرا؟ كيف… هل أنتِ هنا لمقابلة منصب ساحر قتالي أيضًا؟”
لكن تومي هزّ رأسه بنفسه قبل أن أجيب، كأنّ الفكرة مستحيلة.
“لا، مستحيل. قالوا إنّ المتقدّم الوحيد هو أنا.
وأنتِ تمّ تجنيدكِ في برج السحر قبل التخرّج حتى، وسمعتُ أنّكِ صرتِ نجمةً صاعدة هناك.
ما الذي أتى بكِ إلى مقابلة مقاتلين؟ آه! هل جئتِ للقاء السير ماكلين ليندهارت؟ أنتم تعرفان بعضكما، أليس كذلك؟”
“لا، ظنّك صحيح. جئتُ للمقابلة.”
“حسنًا، المقابلة… ماذا؟ المقابلة؟ وماذا عن برج السحر؟ هل تركتِه؟”
نظرتُ ناتالي إلى تومي الذي فغر فاه من الصدمة،
ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة.
“لم أتركه بعد، لكن رؤيتك جعلتني أفكّر أنّه إن أردتُ الاستقالة، فعليّ إيجاد خلفٍ أوّلًا.”
“مَ، ماذا؟ ما الذي تقصدين؟”
نظرتُ إليه وهو يرفّ عينيه محاولًا فهم ما سمعه،
ثم أنزلتُ طرفيّ عينيّ بأسفٍ مصطنع وسألتُ:
“لكن تومي، أليس من الصعب عليك مغادرة العاصمة طويلًا الآن؟
سمعتُ أنّ حال السيدة مارييل لم تتحسّن. يجب أن تبقى بجانب والدتك.”
“……هذا بالضبط ما يقلقني.
لا يوجد من يعتني بها سواي، والأدوية تكلّف كلّ شهر، ومدّخراتي نفدت تقريبًا.
لستُ موهوبًا مثلكِ لأدخل برج السحر.
يجب أن أعمل بأيّ شيء، وها هم يعاملونني معاملةً جيّدة لأنّني الساحر الوحيد المتقدّم.”
نظرتُ ناتالي إلى كتفيه المنهارتين ووجهه الكئيب،
ثم رفعتُ صوتي بمبالغة:
“يا إلهي، وما شأن موهبتك؟
تخرّجتَ ضمن العشرة الأوائل! أنت مؤهّل تمامًا لبرج السحر.
سأوصي بك بشدّة، وأعطيك كلّ النصائح الذهبية، وأسلّمك المهام تسليمًا كاملًا، فممّ تخاف؟
الآن بالذات ميزانية البحث وفيرة جدًّا، والدخل أفضل بكثير من التجوال مع هؤلاء.”
“أنتِ، أنتِ… هل تقصدين أنّكِ ستُدخلينني إلى برج السحر…؟”
“نعم، ولهذا أريد أن أتحدّث إليك على انفراد،
لكن كما ترى، يجب أن أدخل هناك قليلًا أوّلًا.
هل تنتظرني هنا لحظة؟”
“ب، بالطبع! اذهبي، لا تتعجّلي!
سأنتظرك في مقهى الجهة المقابلة حتى تنتهي تمامًا.”
ابتسمتُ لتومي الذي بدأ وجهه يشرق، وأومأتُ له،
ثم مشيتُ بهدوء نحو غرفة المقابلة.
من خلال الباب الموارب،
كانت أصوات الرجال تتدافع بخشونة.
“هذا الشخص هو الساحر الوحيد الذي تقدّم لمنصب المقاتل، يا قائد. ليس لدينا خيار آخر.”
“إن أخذنا هذا الضعيف، سينهار قبل أن نصل إلى أرض التآكل.”
“سألتُ في كلّ مكان، لا يوجد ساحر لائق.
أنت تعلم يا قائد، عدد السحرة قلّ جدًّا الآن، وكلّ من لديه قدرة يدخل برج السحر مباشرة.
إن لم يكن هو، سأحمله على ظهري وأدلّله حتى نصل.”
“حتى لو أخذناه، سيصبح عبئًا.
إذا واجهنا شيطانًا واحدًا، كيف سنقاتل؟ رأيتَ كيف كان يرتجف لمجرّد ذكر الشياطين.”
“صحيح، لكن مع ذلك…”
سمعتُ صوت ماكلين العنيد،
فدفعْتُ الباب برفق ودخلتُ.
رجلٌ أشقر طويل تفاجأ بوجود امرأة، فسأل باستغراب:
“من أين دخلتِ؟”
“يا إلهي، ناتالي، أنتِ حقًّا…”
تغضّن وجه ماكلين المنحوت فجأة، ثم قام واقفًا.
تجاهلتُ ناتالي نظرته التي تقول «طاعونٌ عنيد لا يسمع الكلام»،
وفتحتُ فمي بصوتٍ يبدو فيه أقصى درجات الكفاءة والذكاء:
“تحيّة طيّبة.
أنا ناتالي فيريرا، جئتُ لأنّني سمعتُ أنّكم تبحثون عن ساحر قتالي.
أقترب من الدائرة السابعة، بلا عنصر، أستطيع كلّ أنواع الهجمات، والعلاج، والتطهير.
أعمل حاليًّا في برج السحر، لكنّني وجدتُ خلفًا لي،
ويمكنني الانضمام ابتداءً من بعد غد.”
عند تقديمها المذهل، أطلق الرجلان على يمين ويسار ماكلين تنهيدتي إعجابٍ واضحتين.
رسمتْ ناتالي ابتسامةً أعمق قليلًا، وأكملت:
“أرجو ألّا يكون بينكم من يقول إنّ هذه المواصفات لا تكفي للانضمام…
فقط لأنّ صاحبها امرأة، أليس كذلك؟”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 2"