1
1
“يا، وأنتَ أيضًا؟”
“ما الذي كنتِ تريدين سؤالي عنه منذ زمنٍ بعيد، يا آنسة فيريرا؟”
حثَّها الرجلُ بصوتٍ خالٍ من الاكتراث.
بالأحرى، كان صوتًا يقطرُ مللًا واضحًا، وكأنّه يقول: «أنا أموتُ من الضجر».
رغم أنّ شعره كان مبلّلًا بالعرق ومتشابكًا، كأنّه انتهى للتوّ من تدريبٍ عنيف،
إلّا أنّ الرجلَ كان جميلًا إلى حدٍّ يبدو متعمّدًا، كأنّه صُمّمَ ليبدو هكذا.
ناتاليا رفعتْ نظرها إلى وجهه الوسيم الذي يليق تمامًا ببطل الرواية،
ثم تظاهرتْ باللامبالاة وسألت:
“اسمعْ يا ماكلين ليندهارت… أنتَ مُتلبّس، أليس كذلك؟”
“مَ، ماذا؟!”
عند سؤالها، تصدّعَ وجهُه الخالي من التعبير لأوّل مرّة.
ابتسمتْ ناتاليا في داخلها وهي ترى ارتباكه للمرّة الأولى، ثم تابعت:
“لا أنوي إيذاءك. أنا أيضًا مُتلبّسة مثلك، لهذا أسأل.”
لكن ارتباك الرجل لم يدم طويلًا.
بدلًا من الجواب، حدّق فيها بعينين ضيّقتين لبضع لحظات.
نظراتٌ تحاول قياس نواياها.
ردّت ناتاليا نظرته بهدوء، ثم هزّت كتفيها.
“صادقةٌ تمامًا. لا نية أخرى لديّ. فقط فكّرتُ: لمَ لا نتحد نحن المتلبّسين لنعود إلى عالمنا الأصلي؟”
على عكس كلامها الهادئ، كانت ناتاليا في غاية اليأس.
ففي الأصل، كان يفترض أن يكون «ماكلين ليندهارت» الآن قلقًا على البطلة التي قد تُباع لأيّ رجل،
ويهرع ليقدّم لها زواجًا تعاقديًّا…
لكن هذا الرجل لا يُظهر أدنى بوادر لذلك.
‘هل سقطتْ إعداداتُ حبّه للبطلة منذ الطفولة أثناء عملية التلبّس؟’
مستحيل.
بينما غرقتْ ناتاليا في أفكارها لحظة، وبّخها الرجل بصوتٍ متضجّر:
“كيف عرفتِ أنّني متلبّس؟ هل كنتِ تراقبينني؟”
“مراقبة؟! ولمَ الجهد؟
الوضع معقّد جدًّا الآن، فالأخبار تصل إلى أذني دون أن أبحث عنها.
على أيّ حال، هذا لا يهمّ.”
خفضت ناتاليا صوتها أكثر، واستبدلت كلمة «متلبّس» بـ «ذلك الشيء»،
لأنّ أصوات الخدم كانت تُسمع من خلف باب الصالون.
“رأيتك مصادفةً تستخدم نافذة الحالة.
هذا العالم ليس عالم صيادين، والشيء الوحيد الذي يستطيع استدعاء نافذة الحالة هو المتلبّس.”
“ها… يا للعجب…”
عبس الرجل بين حاجبيه، وتنهّد تنهيدة خفيفة.
عندما مرّر يده بعنف في شعره المبعثر، بدا وكأنّه يلوم نفسه على تهوّره.
نظرت إليه ناتاليا برهة، ثم سألت بفضول:
“لكن… نافذة الحالة تظهر لك فعلًا؟
أنا لا أملكها.
كلّنا متلبّسون، فلماذا يعطون البعض نافذة ويحرمون البعض الآخر؟ هذا ظلمٌ كبير!
لو كانت لديّ لاستخدمتها ببراعة…”
تمتمت كأنّها تتحدّث إلى نفسها أمام الرجل الصامت،
ثم فجأة رفعت عينيها وحدّقت مباشرة في عينيه الزمرديّتين اللامعتين تحت حاجبين معقودين قليلًا.
ثم انفجرت بسؤال كانت تكبته منذ عرفتْ بحقيقته:
“بالمناسبة… هل ليس لديك أيّ رغبة في العودة إلى عالمك الأصلي؟
لماذا تُعنى بالتدريب والمغامرات فقط، كأنّ عليك رفع المستوى، ولا تهتمّ بالنهاية أبدًا؟
هذا ليس لعبة، فكيف…!”
هزّت رأسها كأنّها لا تفهم شيئًا،
فاخترق صوت الرجل البارد أذنيها:
“إنّها لعبة.”
“ماذا؟”
ردّت ناتاليا بذهول تام، وكأنّها لم تفهم ما سمعت.
نظر إليها الرجل بنظرةٍ تحمل شيئًا من الشفقة،
ثم قال بصوتٍ منخفض، ينطق كلّ حرفٍ بثقل:
“ما تلبّستُ به هو لعبة فعلًا.
لذا، عندما أصل إلى المستوى الأقصى… سأعود إلى عالمي الأصلي.”
هذه المرّة، كانت ناتاليا هي من فقدت الكلام.
لم تستطع إغلاق فمها المفتوح، ولا إخفاء ذهولها.
ابيضّ عقلها تمامًا من الجواب الذي لم تتوقّعه في أحلامها.
فقط حينها تذكّرت:
الرواية التي تلبّستُها، «كيف تجعل بطل القرن زوجك»،
كان عالمها قويًّا جدًّا، حتى صُنعت منه مانها ثم لعبة فيديو.
واللعبة تشاركت الشخصيات والعالم فقط،
لكنّها كانت لعبة آر بي جي مغامرات تقاتل فيها الشرّ وتستكشف الأبراج المحصنة وتنمو.
نظر ماكلين إلى ناتاليا التي لا تزال غارقة في الصدمة والفوضى،
ثم سأل بفضولٍ هذه المرّة:
“إذًا… أنتِ، ما الذي تلبّستِ به إن لم تكوني في لعبة؟”
“أنا… أنا في رواية ويب رومانسية فانتازية.”
عند جوابها، أطلق ماكلين ضحكة ساخرة خفيفة.
كان من المفترض أن تغضب من سخريته الواضحة،
لكنّ ناتاليا لم تكن قد استردّت عقلها بعد لتهتمّ بذلك.
بدأ تفكيرها يعود تدريجيًّا فقط بعد كلامه التالي:
“آه، رومانس… لهذا كنتِ ترسلين لي الغمزات طوال الوقت إذًا.”
“لا، غمزات؟! متى…!”
أرادت أن تقول: متى أرسلتُ لك غمزات؟! أنا لستُ مهتمّة بك أبدًا!
لكنّها لم تستطع فتح فمها.
لأنّها فعلًا كانت ترسل الغمزات.
كانت تنظر إليه كلّما سنحت الفرصة بعيون تقول:
«ارحم هذه البطلة المسكينة! هي ما تبحث عنه! تعال اشترها من هنا إلى هناك!»
ولم تكتفِ بذلك، بل رتّبت متابعة سريّة لتحرّكاته،
وخطّطت للقاءات «عرضيّة» لتصنع نقاط تواصل.
مجرد التفكير في كيف بدت كلّ هذه الجهود في عيني رجل تلبّس لعبة…
كان كفيلًا بأن يجعلها تموت خجلًا.
ثم خطرت لها فجأة فكرة:
على أيّ حال، يجب أن أجعله البطل وأحقق نهايتي.
رومانس مغامرات يزداد فيه الحبّ والثقة مع المخاطر والصعاب؟ شيء من هذا القبيل؟
لكنّها لم تقتل وحشًا في حياتها قط.
جاءها صداعٌ مفاجئ.
غمرها الندم لأنّها كشفت عن كونها متلبّسة دون أيّ تحضير،
ظنًّا أنّه سيقبل عرضها بالتعاون لصنع نهاية رومانسية سعيدة بكل سرور.
لكنّها وجدت نفسها الآن في موقف عليها فيه القتال…
شيء لم تجربْه لا قبل التلبّس ولا بعده.
بينما كانت تعضّ شفتها وتفكّر،
نهض الرجل كأنّه لم يعد يتحمّل الانتظار.
“إن انتهى أمرك، فسأنصرف.
كنتُ في طريقي لمقابلة مرشّحين للفريق… أقصد، مقابلة مقاتلين للريد.”
قبل أن تقول ناتاليا شيئًا، أومأ برأسه،
ثم قام وقلب ظهره بلا أدنى تردّد.
أمسكت ذراعه بسرعة، وعضّت على أسنانها وقالت:
“أنا سأفعلها.”
“ماذا تقصدين؟”
“عضو الفريق… أقصد المقاتل. أنا سأكون ذلك.
لا تستهن بي، أنا ساحرةٌ ناجحة جدًّا.”
تسارعت كلماتها من شدّة القلق.
لم يعجبها أن تتعلّق به هكذا،
لكنّه كان الحلّ الوحيد الذي خطر لها في اللحظة.
“همم… صحيح أنّنا نبحث عن ساحرٍ الآن…”
سمعتْ في نبرته أنّ هناك رفضًا قادمًا،
فقاطعته بسرعة لتُروّج لقدراتها التي تُذهل أيّ أحد، مع ميزة المتلبّس:
“صحيح أنّني أركّز على البحث الآن،
لكنّني بلا عنصر، أستطيع استخدام هجمات سحريّة متنوّعة.
أيّ ساحر يتقدّم للقتال لن يكون أعلى من الدائرة الرابعة أو الخامسة، أليس كذلك؟
أنا على وشك الوصول إلى الدائرة السابعة،
أستطيع تقديم قوّة هجوميّة تفوق السحرة العاديين بمرّات.
وكمتلبّسة، سرعتي في النموّ مرعبة.”
“همم…”
رغم سردها مواصفاتٍ مذهلة، أصدر الرجل صوتًا متردّدًا.
أضافت ناتاليا بسرعة:
“أستطيع أيضًا دروع الحماية الأساسية، والكشف و التعقب، والشفاء.
لا أريد أجرًا، فقط أن نذهب معًا حتى النهاية…”
لكنّ الرجل كان أكثر حسمًا ممّا توقّعت.
هزّ رأسه هزّة قصيرة كأنّه يقول «مستحيل»،
ثم قال بصوتٍ حازمٍ بل وقاطع:
“آسف، لكنّني لا أنوي إدخال امرأة في الفريق.”
“انتظر لحظة…!”
فتحت فمها لتعترض،
لكنّه رفع زاوية فمه بسخرية وأكمل:
“وأؤكّد لكِ تمامًا: لن أصنع معك نهاية رومانسية أبدًا. إلى اللقاء.”
بـ«خبطة» عالية، أغلق باب الصالون،
فظلّت ناتاليا تحدّق فيه مذهولة،
وتفكّر:
‘سأغيّر نوع هذا الرجل بالقوّة…
من تلبّس لعبة… إلى رومانس فانتازيا.’
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 1"