1
“إلى أين تذهبين في هذا الوقت؟”
اخترق صوت عميق الصمت فجأة.
كان صوتًا متراخيًا، لكنه يحمل تهديدًا واضحًا، دون أي أثر للنعاس.
استدرت برأسي، مجبرةً على رسم ابتسامة هادئة.
وكما توقعت، كان الأمير كلود واقفًا على الدرَج حيث كنت قبل لحظة.
قامته الطويلة، وكتفاه العريضان، وشعره الأسود الفاحم كانوا لافتين، لكن أكثر ما يميزه كانت عيناه الحمراوان كالياقوت – جميلتان لكن باردتان، تحملان السكون وقسوة الوحش في آن واحد.
حدق في وجهي بنظرة مسح شاملة، وكأنه يبحث عن شيء ما.
شعرت بقطرة عرق تنزلق على ظهري من شدة توتر تلك النظرة.
لقد ضاعفتُ جرعة دوائه اليوم، فكيف استيقظ بهذه السرعة؟
مهما حدث، عليّ أن أبقى هادئة. يجب أن أعيده إلى غرفته لتنفيذ خطتي.
أخذت نفسًا قصيرًا وتحدثت:
“استيقظت مبكرًا اليوم. الدواء يحتاج إلى ساعة أخرى ليأخذ مفعوله الكامل. يجب أن تعود إلى غرفتك وتستريح.”
“آسلين…”
“لم تُجِبيني بعد. إلى أين تذهبين؟”
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي الأمير كلود الوسيم.
ذلك التعبير… كان علامة تحذير واضحة.
أجبرت نفسي على الابتسام مجددًا ورددت بسرعة:
“أنا فقط سوف أتمشى قليلًا وأتفقد الأعشاب الجديدة في الدفيئة!”
رفع كلود حاجبًا واحدًا، وأطلق ضحكة خافتة.
“بهذا؟”
تبعًا لنظرته، نظرت للأسفل فرأيت الحقيبتين الثقيلتين في يدي.
كانتا كبيرتين وممتلئتين بوضوح.
كنت متوترة لدرجة أنني نسيت أمرهما تمامًا.
لكنني تداركت الأمر بسرعة، وهززت الحقيبتين وكأنهما خفيفتان.
“اه، هاتان؟ مجرد أدوات أعشاب بسيطة. كنت سأخزّنها في مستودع الدفيئة. أحتاج لتحضير دواء للربو من أجل لوان.”
تحدثت بهدوء وبدأت أنزل الدرج بسرعة، محاوِلة الهرب.
لكن ما إن وطأت قدمي الدرجة الأخيرة، حتى توقفت.
نظرت للأسفل، فرأيت يد كلود الكبيرة ملتفة حول خصري.
صُدمت، وأجبرت نفسي على ابتسامة محرجة محاوِلة إزالة يده.
لكن كلما حاولت، زاد من إحكام قبضته.
“ماذا سنفعل إذا ساءت حالتك مرة أخرى؟ يجب أن تعود وتحصل على بعض الراحة.”
رغم محاولتي اللطيفة لإقناعه، لم يتحرك كلود من مكانه.
ثم، بصوته العميق الساحر، تمتم:
“أنتِ تعلمين أنني لا أستطيع النوم دونك بجانبي.”
“لقد تحسنت حالتك. والأرق سيزول قريبًا أيضًا. إن كنت تعاني من صعوبة في النوم، هل أحضر لك منومًا؟”
لكن كلود لم يُجب.
خيم صمت ثقيل جعلني أتنهد داخليًا.
[لستُ بخير على الإطلاق، فإلى أين تظنين أنكِ ذاهبة؟ تذكري هذا – إن رحلتِ عني، فسأتبعكِ حتى نهاية القارة.]
في كل مرة كنت أذكر فيها العقد بيننا وأقول إنني أريد الرحيل، كانت عيناه تظلم بجنون.
في إحدى المرات، أعطيته حتى شهادة تعاف رسمية موقّعة من طبيب القصر.
لكنه أحرقها فورًا، قائلاً إنه لا يستطيع الوثوق بها.
ومنذ ذلك الحين، وهو يدّعي المرض باستمرار، وكأنه يفعل ذلك فقط ليبقيني بجانبه.
ادعى أن لديه صداعًا شديدًا وجعلني أمسك يده طوال الليل.
وأمس، أصرّ على أنه مصاب بالإنفلونزا، وطالب بأن أبقى بجانبه.
وبعد أن رأيت مدى لا منطقيته، اتخذت قراري.
سأهرب بينما يكون الأمير كلود نائمًا.
“أنتِ ترتجفين… كمن يُخفي شيئًا.”
“…أنا لا أُخفي شيئًا. قلت لك بالفعل، أنا فقط أنقل أدوات الأعشاب.”
أطلق كلود ضحكة جافة ساخرة.
ثم، وبلا أي إنذار، أمسك بحقائبي وأفرغ كل ما فيها على الأرض.
ملابس إضافية، وإمدادات تكفي لشهور، تناثرت على السجادة.
سقط قلبي من الصدمة.
وبينما كنت أبحث بيأس عن مخرج، تحدث كلود بصوت منخفض وبارد:
“تحاولين الهرب سرًا؟ هل سئمتِ من معالجتي وتخططين الآن للاهتمام بشخص آخر؟”
كانت نظراته الحادة تحمل نية قتل لا تخطئ.
كان ذلك مرعبًا… كأنه يريد أن يقتلع قلبي.
ومع ذلك، كانت عيناه وهو يتأملني بكسل غريب، أقرب إلى الدلال المريب.
ابتلعت ريقي بصعوبة، وسرعان ما فكرت بخطة.
بما أنني انكشفت، فلا بأس من قول الحقيقة.
رفعت رأسي ونظرت مباشرة في عينيه.
“عقدنا انتهى. أنا فقط أسير في طريقي. احتجازي لن يغيّر شيئًا. سأغادر هذا القصر الآن.”
وبينما خطوت خطوة حازمة إلى الأمام، جاءني صوت كلود الشرير من خلفي:
“…لوان. هل تذهبين إليه؟ إذًا الآن، بدلًا مني، تريدين الاعتناء به؟”
لوان؟ لماذا يذكر لوان الآن؟
استدرت بصدمة، ولمحت في عيني كلود نيران الغضب تشتعل.
“آسلين، أعلم أنكِ ترغبين في شفاء المرضى. لكن ذلك الرجل… محظور.
إنه يملك مشاعر تجاهك بالفعل… لا، مجرد تخيلي أنكِ تعاملينه كما عاملتيني أنا—”
تشوّه وجه كلود وكأنه رأى مشهدًا مرعبًا.
…مستحيل، صحيح؟
أأنتِ تخططين لفعل ما فعلتِه معي؟ النوم معًا، اللمس، اللعق… كل ما فعلناه؟”
أي أحد يسمع هذا قد يفهم كل شيء بشكل خاطئ.
أصابتني نوبة ذعر ونظرت حولي بقلق.
النوم معًا؟ كان فقط لأني كنت بجانبه لأنه لا يستطيع النوم.
اللمس؟ كان فقط للعلاج الطبي.
واللعق؟ كنت ألعق العسل عن إصبعي!
كيف تحوّل ذلك ليبدو بهذه الدلالة الغريبة؟
وبينما كنت عاجزة عن الرد من شدة الصدمة، حملني كلود فجأة بين ذراعيه.
“..ماذا تفعل؟!”
سار بسرعة في الردهة، وهو يأخذني مباشرةً إلى غرفة النوم التي…
لقد نجوت بالكاد من تلك الغرفة.
ارتطم ظهري بالمرتبة الناعمة.
اتسعت عيناي من الصدمة وأنا أحدّق به.
ابتسم كلود من فوقي—ابتسامة خطيرة، ساحرة حدّ الإدمان.
لقد كان يتدرب بلا هوادة منذ تعافيه، وكانت الأوردة البارزة على ساعديه القويين دليلاً قاطعًا على ذلك.
“لن تغادري هذا القصر. ولا خطوة واحدة. إلا بإذني.”
يده الكبيرة مرّت بلطف على زاوية عيني.
“قلت لكِ من قبل—هذه العيون الجميلة يجب أن تنظر إلي فقط.
لكن بما أنكِ حاولتِ الهرب… عليكِ تقبّل عقابك.”
خفض رموشه قليلًا، ونظر في عينيّ.
نظراته كانت عميقة، ثقيلة، مستمرة—كأنها لمسة بطيئة متعمّدة.
قلبي بدأ ينبض بعشوائية.
ثم—ضغط بإبهامه بلطف على شفتيّ.
اقترب، حتى كادت شفتاه تلامسان أذني.
نَفسُه، دافئ ورطب، يداعب جلدي.
“أوصلتيني إلى الجنون… ثم حاولتِ الهرب. هذه المرة، لن أترككِ تفلتين بسهولة.”
حبست أنفاسي بينما كان يقترب من شفتيّ، دون أن يلمسهما.
بابتسامة ساحقة، رفع ذقني للأعلى—برقة، لكن بحزم.
يده الأخرى أمسكت بيدي بإحكام، وكأنّه يحرص على ألّا أتمكن من الفرار.
—-
كان العام 322 من إمبراطورية بيرثا.
تحوّل الرذاذ الخفيف إلى هطول مطر غزير.
تسرّب ماء المطر من سقف البرج، وأنا التفتُ بنفسي في زاوية الزنزانة، ضاغطة ظهري على الجدار الحجري الرطب.
كان برد الشتاء القارس أكثر ألمًا من أي تعذيب مررت به.
نفختُ هواءً دافئًا في يديّ المتجمدتين، حاولت إغلاق عينيّ للنوم—لكن لا شيء نفع.
تسللت الرياح الباردة عبر تمزقات ملابسي الرثّة، حتى شعرتُ وكأن جلدي يُنتزع.
رغم ارتعاش أسناني، أجبرت نفسي على البقاء مستيقظة.
فقط… قليلًا بعد.
سيأتي لأجلي.
زوجي سينقذني.
بعد ليلةٍ قضيتها بلا نوم، لا بد أنني غفوت للحظة.
ثم—صرير.
أيقظني صوت باب البرج وهو يُفتح.
أنصت جيدًا إلى وقع الخطوات التي اقتربت بثبات.
وأخيرًا، حين وقف زوجي، أليكس، أمام زنزانتي، نسيت البرد تمامًا.
ابتسمتُ بسعادة.
“أليكس! قلتَ إنك ستأتي البارحة.
لماذا تأخرت؟ لقد مر شهر، تمامًا كما وعدت.
أنت هنا لتُخرجني، أليس كذلك؟”
أمسكت بقضبان الحديد الباردة بكلتا يديّ.
“.آسلين.”
صوته كان مثقلاً في ذلك الصمت.
انخفض أليكس على إحدى ركبتيه، حتى أصبح بمستوى نظري.
ثم، غطّت يده يدي
تسللت حرارته إلى جلدي المتجمد، وكأنها تخبرني بصمت أنني قد عانيت بما فيه الكفاية.
تغلبت عليّ مشاعري، وتمسّكت بيده، والدموع تتجمّع في عينيّ.
ثم—
صوته، الخالي من أي دفء، حطم كل شيء:
“يجب أن تموتي بدلًا من راشيل.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "1"