سأل تين ، الّذي كان يترقّب ردّة فعله ، “يا سموّك. هل وجدتَ الدوقة؟”
عبس دوهان بجدّيّة.
“تين”
“نعم يا سموّك”
“ألا تعرف لماذا سأترك هذه القلعة الّتي تشبه جنّة على الأرض و أذهب للعيش في قصر غريويك ذاك العَفِن ، أو أيًّا كان اسمه؟”
“أوه؟”
لمعتْ عينا تين.
على الرّغم من أنّه كان يعيش ككبش فداء بشكل غير مقصود لأنّ خَدَم دوهان كانوا جميعًا مُمتازين للغاية ، إلّا أنّه كان في الواقع يمتلك ذكاءً حادًّا.
“سمعتُ أنّه ربّما يكون هذا الشّيء مخبّأ في مكان ما في قصر غريويك الكبير”
خفض تين صوته ، منغمسًا في قصّته الخاصّة.
“الحجر الأزرق السّحريّ. قيل إنّ من يضع يده عليه يمكنه السّيطرة على المنطقة الغربيّة من فالتيجا”
“نعم. لقد التقطتَ معلومات جيّدة من مكان ما”
أعطاه دوهان مدحًا لم يكن يبدو كمدح على الإطلاق.
كان تين على حقّ.
شيرمان ، المنطقة الغربيّة من فالتيجا ، الّتي سيطرت عليها عائلة الكونت غريويك لأجيال مُنذ فترة طويلة جدًّا.
بعد وفاة الكونت و زوجته في ظروف غامضة في يوم واحد ، هرع النّاس من جميع أنحاء الإمبراطوريّة للسيطرة على شيرمان ، لكنّهم جميعًا ماتوا أو تعرّضوا للإعاقة لأسباب غير معروفة.
قيل إنّ من يضع يده على آخر إرث للزّوجين ، و هو الحجر الأزرق السّحريّ ، يمكنه الحصول على شيرمان.
كان دوهان يهدف إلى العثور على هذا الشّيء ، الّذي لم يعثر عليه أحد بعد.
… هذا كلّ شيء.
ما الّذي يمكن أن يكون هناك غير ذلك؟ هل هناك سبب آخر للعيش هناك؟
… و لكن مرّة أخرى ، عاد وجهها يطفو أمامه.
“أنت”
“نعم يا سموّك”
“هل رأيتَ وجه سيليا من قبل؟”
سأل دوهان و هو يرفع أحد حاجبيه قليلاً.
“لا. سمعتُ عنها شائعات فقط ، لكن لم أرها شخصيًّا”
تردّد تين قليلاً ثمّ أضاف ، “حتّى اللّيلة الماضية كانت تركض مُغطّية وجهها بقناع—”
“ششش”
أصدر دوهان صوتًا صارمًا.
“ألم أقل ألّا تتحدّث عن أمر الأمس؟”
“أُفّ. نعم ، أنا آسف.
“هل تريد أن يُشاع أنّ زوجتي مجنونة؟”
“بالتّأكيد لا!”
عندما لوّح تين بيديه ، أعاد دوهان رأسه كما لو كان غير راضٍ و لكنه سيتجاهل الأمر.
كان من الطّبيعيّ ألّا يرى تين وجه سيليا.
كانت امرأة مُغطّاة بالغموض ، إذ كانت الشّائعات منتشرة فقط عن جمالها الآسر ، لكنّها كانت تتجنّب الخروج إلى أقصى حدّ ، و نادرًا ما كانت تظهر في الأوساط الاجتماعيّة.
ألم يُقرّر هو نفسه الزّواج دون رؤية وجهها؟
كان هذا هو السّبب في أنّه أمر بتغطية وجهها.
حتّى لا يرى أحد وجهها قبله ، باستثناء المسؤولين الثّلاثة الّذين شاركوا في اختيار العروس.
بغضّ النّظر عن حقيقة أنّه زواج بلا حبّ ، فقد أصبحت الآن ملكه.
“على الرّغم من أنّني لم أرها شخصيًّا ، إلّا أنّني سمعتُ شائعات مفادها أنّها جميلة جدًّا لدرجة أنّه من الصّعب حتّى النّظر في عينيها”
لم يُجب دوهان ، فأضاف تين بلطف و هو يتحسّس ردّة فعله ، “ألن تكون الشّريكة المثاليّة لسموّك؟”
لوى دوهان زاوية فمه بفتور.
“حسنًا. كانت الشّائعات تقول ذلك”
“… همم؟ هل هذا يعني أنّ الواقع ليس كذلك؟”
“ماذا أقول”
تذكّر دوهان مظهر سيليا الّذي رآه قبل ساعات قليلة.
“إنّها نوعًا ما”
“نوعًا ما؟”
“نعم”
“ماذا؟”
وجهها الّذي رآه أخيرًا.
سيليا ، الّتي كانت ترتدي نظّارات فظيعة و تتمتم باستمرار و هي تنظر إلى الفراغ ، كانت باختصار … نوعًا ما.
“ماذا يعني “نوعًا ما”؟”
‘لن أُقبّل هذه المرأة أبدًا’
دوهان ، الّذي فكّر في الأمر في نفسه ، نظر فجأة إلى تين بحدة مرعبة.
تقلّص تين على الفور كالخنفساء ، و قال ، “ما ، ما الّذي أزعجك يا سموّك؟”
“إلى متى ستستمرّ في الثّرثرة؟”
“آه ، أُف! كنتُ على وشك الذّهاب للمساعدة في التّحضيرات!”
سخر دوهان و هو ينظر إلى ظهر تين الّذي كان يركض على عجل.
“…….”
تلاشت سُخرية دوهان بسرعة ، و بدأ ظلّ أسود يرتعش عند قدميه.
التفّ الظّلّ ، الّذي كان يتلوّى مثل شيطان يبتلع الأرواح ، بشكل غريب و صعد على ساق دوهان.
ألم حادّ و حارق.
جاء ألم مُبرِّح و كأنّ سكينًا مُحمّاة بالنّار تُقطّع جسده قطعة قطعة.
لو كان شخصًا عاديًّا ، لكان صرخ و التوى جسده ، لكنّ دوهان ، الّذي اعتاد على الأمر ، أغمض عينيه و تأوّه بهدوء.
“أُف”
كان ينتظر مرور الألم فحسب.
و لحسن الحظّ ، توقّف الظّلّ عند خصره و عاد إلى شكله الأصليّ.
<دوهان بيرنيكر. أيّ امرأة مجنونة ستحبّك؟>
في طفولته—قالت والدته بوجه مليء بالاشمئزاز ، “أنت الّذي أصابتك لعنة فظيعة”
… حسنًا. لا يهمّ.
على أيّة حال ، لن يقع في حبّ أيّ شخص في هذه الحياة.
***
لماذا تشرق شمس الصّباح بأمانة كلّ يوم؟
“هه”
كنتُ مُستلقية على السّرير كزومبي ، إذ لم أنم جيّدًا في اللّيل.
حدّقتُ في السّقف بعينين مُجهدتين ، و أنا أمزّق حافة اللّحاف بأصابعي العشرة.
أضاء ضوء الشّمس السّاطع الغُرفة القديمة.
كان الغبار العائم في الهواء يتلألأ و كأنّه غبار ألماس.
كوني في عالم اللّعبة ، تتكشّف أمامي أحيانًا مشاهد جميلة تشبه الرّسوم المتحرّكة ، و من المؤسف أنّه ليس لديّ متّسع من الوقت للاستمتاع بها.
“سأجنّ ، حقًّا!”
نهضتُ بسرعة و جلستُ ، و تفحّصتُ ساعة الحائط مثل شخص مُصاب بالبارانويا.
السّادسة صباحًا—
لا أعرف متى سيأتي دوهان بالتّحديد ، لكن بمجرّد أن يفتح باب هذا القصر الكبير و يدخل ، يجب أن أعترف بأنّني أريد الـ قبـ … ذلك الشيء.
“هل هذا يحدث في الواقع؟”
يا إلهي.
“لشخص مجنون قيّد يدي و قدمي خطيبته و وضع قناعًا على وجهها. يجب أن أقول إنّني أريد الـ قبـ … ذلك الشيء”
و عند دخوله مباشرة—!!
و كأنّني كنتُ أنتظره بفارغ الصّبر!
“آآآآآك!”
بمجرّد أن صرختُ بألم و أمسكتُ برأسي ، فُتِحَ الباب فجأة.
“يا دوقة! ما الّذي يحدُث!”
كانت تيشا.
مددتُ يدي بسرعة إلى الطّاولة الجانبيّة و ارتديتُ نظّاراتي.
لأنّه لو اكتشف دوهان وجهي الخالي من المكياج ، فقد أُعاقَب بعقاب المبيت القاسي.
مددتُ رأسي و نظرتُ إلى الخارج ، و لكن لحسن الحظّ لم يصل بعد ، و كانت تيشا هي الوحيدة الموجودة.
“يا دوقة. هل هناك خطب ما؟”
أمسكتْ تيشا بكتفيّ و قرّبت وجهها و سألت.
“مهلاً ، لحظة”
هذا مُربك ، مُربك جدًّا!
كانت المسافة قريبة جدًّا لدرجة أنّني شعرتُ بدرجة حرارة أنفاس تيشا الدّافئة.
دفعتُ جسدها برفق ، لكنّها لم تتزحزح و كأنّها صخرة.
“هل أنتِ مريضة؟”
كان موقفها و كأنّها لا تهتمّ بأيّ شيء آخر سوى سلامتي.
استسلمتُ و سألتُها و يديها على كتفيّ.
“مُنذ متى و أنتِ في الخارج؟ تبدين مُتعبة ، هل لم تنامي؟”
“استيقظتُ لأنّني سمعتُ الدوقة تتقلّب”
“… لماذا؟”
“خشيتُ أن تكون هناك حاجة لي”
لمع جنون في عيني تيشا.
“هاها … شكرًا لكِ ، لكن لا أحتاج شيئًا—”
“هل تُريدين تناول الفطور؟”
كانت لديها حماسة و كأنّها ستُعدّ لي وجبة كاملة بنفسها.
شعرتُ بالارتباك مرّة أخرى و غيّرتُ الموضوع قليلاً.
“هل ، هل تناول الجميع الإفطار؟”
نظرتُ إلى السّاعة ، و كانت لا تزال السّادسة و خمس دقائق صباحًا.
“آه. الوقت مبكّر جدًّا. لا بدّ أنّهم ما زالوا نائمين”
عندما أجبتُ على سؤالي ، هزّت تيشا رأسها.
“لا”
“ماذا؟”
“الجميع مُستيقظ”
“حقًّا؟”
“تحدّثي براحة. أنا و جميع الخَدَم تحت إمرة الدوقة”
“آه …”
ظهر وجه بنسون الشّائب و أوليفا المرأة المُتوسّطة العمر بالتّسلسل.
في الدّاخل ، كانت “أنا” الّتي تؤمن بتقاليد الاحترام تُعاني قليلاً ، و لكن كما يقول المثل ، “عندما تكون في روما ، افعل ما يفعله الرّومانيّون”
“حسنًا”
“و—”
نظرتْ تيشا حولها و تحدّثتْ بتعبير جادّ للغاية.
“إذا رأتِ الدوقة أنّ رئيسة الخادمات تحمل دفترًا مُجلّدًا بنيّ اللّون ، فلتأخذيه منها”
“ماذا ….”
“يمكنكِ حتّى حرقه بالكامل. لم أتمكّن من فعل ذلك ، لكن الأمر يختلف بالنّسبة للدوقة. و احرصي على توخّي الحذر الشّديد في كلماتكِ أمام السّكرتير الرّئيسيّ بشكل خاصّ”
“السّكرتير الرّئيسيّ ، هل تقصدين كورنيل؟”
“نعم”
أومأت تيشا برأسها.
“ماذا تقصدين بقولكِ إنّني يجب أن أكون حذرة في كلامي؟”
“افترضي أنّ كلّ كلمة تقولها الدوقة ستصل إلى مسامع الدوق الأكبر. و هذا هو الأهمّ”
خفضت تيشا صوتها فجأة و همست في أذني.
“الدوق لديه عادة النّوم عاريًا تمامًا”
“أوه ، أوه …”
لماذا تُخبرينني بهذا؟!
ألقت تيشا معلومات زائدة حرفيًّا ، و أضافت بتعبير جادّ للغاية.
“يمكن القول إنّها اللّحظة الوحيدة الّتي يكون فيها الدوق أعزل”
“……؟”
“أنا من أتباع الدوق و أحترمه كثيرًا. لكن لا يمكنني أن أكون متأكّدة من أنّ الدوق سيكون زوجًا صالحًا ، أليس كذلك؟”
“إذًا ، ماذا؟”
“إذا طلبتِ الطّلاق ، فإنّ الدوق الّذي أعرفه لن يوافق عليه. سيُضايقكِ و هو يقول ، “كيف تجرؤين على طلب الطّلاق منّي؟”
“…….”
“بالطّبع ، أتمنّى أن تكونا سعيدين. و لكن إذا جاء الوقت الّذي لا يمكنكِ فيه تحمّل الزّواج ، فاستهدفي وقت نوم الدوق”
“ماذا تقصدين بـ “استهداف” …”
ابتسمت تيشا بدلاً من الإجابة.
“أنا دائمًا في صفّ الدوقة”
… أنتِ مُخيفة.
تيشا مُخيفة جدًّا!
“حسنًا ، سأساعدكِ في ارتداء ملابسكِ”
“حسنًا”
خرجت مني كلمة احترام بسبب الخوف.
“أخبرتكِ أن تتحدّثي معي براحة”
“آه. حسنًا”
قادتني تيشا من يدي و جلستُ أمام طاولة التّزيين.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"