بمساعدةِ إيجكيل، أرسلتُ الدّعوات. وسرعانَ ما أرسلَ الثّلاثيُّ الكبيرُ، الذينَ تلقّوا الدّعوات، ردودًا مليئةً بمصطلحاتِ الطّبقةِ الرّاقيةِ عبرَ الحمامِ الزّاجل.
“بيرو-رورونغ.”
بمجرّدِ رؤيةِ لونِ الحمامِ الزّاجل، عرفتُ من المرسل.
‘كلُّ الحمامِ لطيفٌ وجميل. أتمنّى لو كانَ لي واحد.’ تويتو في إمبراطوريّةِ البطاطسِ كانتْ رائعةً جدًا.
الرّسالةُ الأولى كانتْ من نيڤي.
[…هذا بمثابةِ حربٍ ضاريةٍ بينَ منظّماتِ البرجوازيّة. تخيّلي منظرَ ساحةِ معركةٍ في أوائلِ الصّيف، حيثُ تتناثرُ الشّايُ الأحمرُ على الأرضِ الخضراء. أنا متأكّدةٌ أنّكِ ستواجهينَ المعركةَ بأعلى درجاتِ الحماس.]
قرأتُ الرّسالةَ التي تشبهُ إعلانَ تجنيدٍ للجنودِ وغرقتُ في الحيرة. ‘هل ستقعُ حربٌ في منزلي؟’ قلتُ إنّها حفلةُ شاي، لم أطلبْ دعمًا عسكريًا لمعركةِ إقطاعيّة!
أمّا رسالةُ غالاتيا، فكانتْ عاديّةً بشكلٍ مفاجئ.
[شكرًا على الدّعوة. لاتيه متحمّسةٌ لدرجةِ أنّها لا تستطيعُ النّوم. سأحضرُ هديّةً أيضًا.]
‘ربّما هديّةُ زيارة.’ هكذا تبدو كصديقةٍ عاديّةٍ من عمري… في الماضي، عندما عشتُ في قريةٍ صغيرةٍ ضيّقة، لم يكنْ لي أصدقاءُ بسببِ نميمةِ أبناء عمتي ذوي الشّعرِ الأحمر.
فجأة، سمعتُ ضجيجًا من خارجِ نافذةِ غرفتي. نظرتُ فوجدتُ المتمرّدينَ يُحضّرونَ لحفلةِ الشّايِ في وسطِ الحديقة.
لا أعرفُ السبب، لكنْ خوذةَ كيليان كانتْ مقلوبة، وكانَ إليورد وإيجكيل يقفانِ وجهًا لوجهٍ كأنّهما يتنازعان.
“أيّها الشّيطانُ اللّعين، لا حاجةَ لاقتراحِكَ باستدعاءِ مغنّي الشّياطينِ من الجحيم!”
“سيحبُّ الجميعُ ذلك! إنّهم مشهورونَ جدًا في الجحيم. حتّى الشّيطانُ العظيمُ أسموديوس أشادَ بهم.”
كانَ إليورد يخطّطُ لحفلةِ شياطينَ مشبوهة، وإيجكيل يحاولُ إيقافَه. أمّا دانتي، المديرُ العام، فقد وقفَ كقاضٍ، متشابكَ الذّراعين.
“أرررغ!”
“بيييك!”
خلفَهم، كانَ ألكسندر الكلبُ الأصفرُ وتوتو يتشبّثانِ بغطاءِ الطّاولةِ ويجذبانهِ حتّى مزّقاه. راقبتُ المشهدَ ومسحتُ تحتَ أنفي، متمتمةً بهدوء.
“ههه، فوضى عارمة.”
أدركتُ فجأةً أنّني أكثرُ هدوءًا وراحةً من قبل، فشعرتُ بغرابة. ‘أنا الآنَ في عينِ العاصفة.’ لكنّني، رغمَ تورّطي في أمورٍ ضخمة، أفضّلُ الوضعَ الحاليّ على الماضي الذي كنتُ فيهِ وحيدة.
يقولونَ إنّ الإنسانَ يشعرُ بالاستقرارِ عندما ينتمي إلى مكانٍ ما. على الأقلِّ، لم أعدْ أشعرُ بالوحدة.
“لهذا ينضمُّ النّاسُ إلى منظّماتٍ سيّئةٍ أو يقعونَ في طوائفَ غريبة… لا، ليسَ هذا.”
أمسكتُ القلادةَ حولَ رقبتي وهمست.
“جدّي، لقد كوّنتُ أصدقاء. متمرّدونَ مستقبليّون، شيطان، حماةٌ غامضة، قدّيسةٌ مشبوهة، وسيّداتٌ مولعاتٌ بالقتال، لكنّهم أصدقاء.”
هبّتْ نسمةٌ تحملُ رائحةَ العشبِ وضوءَ الشّمس، فهزّتِ السّتارة.
شعرتُ كأنّني أسمعُ ضحكةَ جدّي من بعيد.
بدأتْ حفلةُ الشّايِ أخيرًا.
لحسنِ الحظِّ، لم تُقمْ حفلةُ الشّياطين، وتجهّزتْ حفلةُ شايٍ خارجيّةٍ عاديّة.
خرجتُ إلى الحديقةِ مرتديةً بلوزةً وسروالًا أخضرَ قدّمَهما دانتي كهديّةٍ سابقًا.
كانَ إيجكيل ودانتي وإليورد، الذينَ ارتدوا ملابسَ أنيقةً بعناية، ينتظرونَ في الحديقة. اقتربَ كيليان ممسكًا بربطةِ عنقٍ مخطّطةٍ وربطةٍ زرقاءَ داكنة، ورفعَهما أمامي.
“سيّدتي، أيُّ لونٍ يناسبُني برأيكِ؟”
“لا تبدو كأنّكَ سترتديها مع الدّرع… هل ترتدي بدلةً داخلَه؟”
“نعم، طلبتُ مؤخرًا بدلةً مزدوجةَ الصّدر. أفكّرُ الآنَ في لونِ ربطةِ العنق.”
نظرتُ إليهِ بجديّةٍ واضعةً يدي على ذقني.
“لا أرى وجهَكَ، لكنْ أشعرُ أنّ كلًّا منهما سيناسبُكَ. هل لونُ بشرتِكَ دافئ؟”
“هل تقصدينَ الوزن؟ عضليٌّ نوعًا ما، أزنُ حوالي 80 كيلو.”
“لا، أعني إنْ كانتْ بشرتُكَ فاتحةً أو داكنة، فهذا يحدّدُ الألوانَ المناسبة.”
نظرَ حولهُ وأشارَ إلى إيجكيل، الذي كانَ بشرتُه بيضاءَ بشكلٍ لافت.
“مثلُ لونِه.”
“إذنْ، أنتَ من الطّيفِ الباردِ الشّتويّ، والأحمرُ القاتلُ رقم 9 سيناسبُكَ جدًا.”
“الأحمر؟”
“ليسَ أحمرَ عاديًا. لا يوجدُ أحمرانِ متشابهانِ تحتَ السّماء. الخلاصة، ربطةُ العنقِ المخطّطةُ هي الأنسب.”
“معقّدٌ جدًا. علّميني المزيدَ لاحقًا.”
نظرتُ إلى عينيهِ الفضيّتينِ عبرَ فتحةِ الخوذةِ بعيونٍ متلألئة.
“هل ستخلعُ درعَكَ اليوم؟ أنا متحمّسة!”
“لن أخلعَه، لكنْ يجبُ أنْ أحترمَ المناسبة، لذا ارتديتُ البدلة. كويتُها بعنايةٍ بلا تجعيدة.”
‘بالتّأكيدِ سيبدو رائعًا، لكنّه يخفيهِ تمامًا!’ لم أستطعْ إخفاءَ خيبتي.
“أريدُ رؤيتَكَ بلا درعٍ مرّةً واحدة.”
تراجعَ كيليان مفزوعًا وبدأَ يلوي جسدَه.
“ماذا؟ بلا… هذا… يجبُ أنْ أطيعَ أوامرَ السيّدة، لكنّني خجول.”
‘توقّفْ عن الخجلِ كأنّني أطالبُكَ بالتّعري!’
اقتربَ إيجكيل ذو الشّعرِ الورديِّ الباردِ الشّتويّ، يتنهّد.
“توقّفا عن الكلامِ السّخيفِ وتحقّقا من التّجهيزاتِ أوّلًا.”
حينها لاحظتُ غطاءَ الطّاولةِ الأبيضَ المزيّنَ بالورودِ والمأكولات.
“واه!”
أعجبتُ بصينيّةٍ ثلاثيّةِ الطّبقاتِ تلمعُ تحتَ الشّمس، وأكوابِ الشّاي، وإبريقِ الشّاي، والحلوياتِ الملوّنةِ الجميلةِ على الصّحون. ‘مشهدٌ كأنّه من فيلم!’
“إيجي! هل صنعتَ هذا وحدَكَ؟ مذهل!”
مقارنةً بالماضي، حيثُ كانَ يصرُّ على الطّبخِ على نارٍ قويّةٍ لخمسِ دقائقَ بدلَ 20 دقيقةً على نارٍ هادئة، كانَ تقدّمًا هائلًا.
نظرَ إليّ بضيقٍ وأنا أعبّرُ عن إعجابي بحماسٍ مبالغٍ فيه.
“اخفضي صوتَكِ. ساعدَني العميد.”
اقتربَ كيليان بهدوءٍ إلى جانبي، المُغرقةُ في المديح، ووقفَ بأيدٍ مطويةٍ كأنّه ينتظرُ مديحَه.
“المناظرُ الطّبيعيّةُ المنسجمةُ مع الطّقسِ والموسم، ووضعُ الطّاولةِ في أجملِ زاويةٍ للحديقة، دقّةٌ مذهلة. اقتراحُ شايٍ محمّصٍ بأوراقِ القطيفةِ كانَ منكَ، أليس كذلك؟ أرى القطيفةَ المزهرةَ وأعرف. ذوقُكَ رائع!”
“ههه، لا شيءَ يُذكر. أنا سعيدٌ لأنّه أعجبَكِ.”
خدشَ كيليان خوذتَه بخجل. بدا وكأنّ احمرارَ وجهِه ينعكسُ على الخوذة.
بينما كنتُ أبتسمُ بسعادة، سردَ إليورد جدولَ الحفلة.
“…عندَ وصولِ الضّيوف، نشربُ الشّايَ ونتحدّث، ثمّ نذهبُ للتّجديفِ في البحيرةِ القريبة، وننهي بألعابِ بطاقاتٍ في غرفةِ الضّيافة. ثمّ قولي: ‘هل أحضرُ ماءً؟’ وسيفهمونَ ويغادرون.”
‘هل أحضرُ ماءً؟’ أليستْ هذه أقصى درجاتِ التلميحِ للرّحيل؟
بدا إليورد مكتئبًا، ربّما لأنّ اقتراحاتِه رُفضتْ كلّها. وهذا متوقّع، فمعظمُ أفكارِه تستحقُّ العقاب.
“سيّدتي، أنتِ حقًا… ترفضينَ حتّى لطفي باستدعاءِ مغنّينَ شياطينَ وسيمينَ وممشوقي القوام!”
“القدّيسةُ ستحضر! سنُعاقبُ بغضبِ السّماء!”
“الطّائفةُ على أيّةِ حالٍ جماعةٌ فاسدةٌ تطمعُ في السّلطةِ والمال. القدّيسةُ ستقولُ إنّها تكرهُ ذلك، لكنّها ستحبُّه سرًا.”
نظرتُ بذهولٍ إلى الخادمِ الشّيطانيِّ الذي لا ينطقُ إلّا بالغرائب. اقتربَ دانتي وقالَ بصوتٍ حازم.
“أنا من أشرفَ على كلِّ شيءٍ كمديرٍ عام.”
‘إذنْ، امدحيني؟’
فجأة، رأيتُ سيّاراتٍ فاخرةً تتوالى عندَ البوّابة. نظرتُ إليها بقلبٍ ينبضُ بالحماسِ والتّوقّع.
“واه، بدأوا بالوصول. لكن…”
‘هل دعوتُ هذا العددَ الكبير؟’ أصلًا، أصدقائي هم الثّلاثيُّ الكبيرُ وغالاتيا فقط!
حدّقتُ بحيرةٍ في السيّاراتِ التي لا تتوقّفُ عن الدّخول.
“صديقتي ميا، تعزيزاتُكِ وصلت.”
ظهرَ الثّلاثيُّ الكبيرُ بملابسَ عصريّةٍ رائجةٍ في العاصمةِ.
‘هل دعاهم الثّلاثيّ؟’ رحّبتُ بهم بوجهٍ مرتبكٍ وسألت.
“هل دعوتم أنتم أشخاصًا آخرين؟”
“لا، الحضورُ بلا دعوةٍ إهانةٌ كبيرة. قواتُ السّيّدةِ السّابعةِ اقتحمتِ الحفلةَ بوقاحة.”
“لكنْ كيفَ عرفوا؟”
كاركا، ببلوزةٍ صفراءَ وتنّورةٍ طويلة، شابكتْ ذراعيها وهزّتْ رأسَها.
“حفلاتُ الشّايِ جزءٌ من الحروبِ الاجتماعيّة، لذا يجمعونَ معلوماتٍ عن مواعيدِها. سيقتحمونَ الحفلةَ بلا دعوة، يبحثونَ عن ثغراتٍ للهجوم، ثمّ ينشرونَ شائعاتٍ عن سوءِ الحفلةِ لشنِّ حربٍ إعلاميّة.”
‘كأنْ تزورَ حماةٌ فجأةً!’ تتفقّدُ الثلاجةَ بعيونٍ ناقدةٍ وتقول: ‘فارغةٌ تمامًا!’
‘ما الذي فعلتُه ليحدثَ هذا؟’
هل هذا مصيرٌ لا مفرَّ منه لكوني صديقةَ الثّلاثيّ؟ عندما تكوّنُ أصدقاء، تكتسبُ أعداءً تلقائيًا.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 95"