**الفصل 89**
اتّسعتْ عينا الفيكونتِ موراي. الجيشُ الخاصّ؟ مكانٌ يُعطي مبالغَ طائلةً عندَ الانضمام، مع رواتبَ مرتفعة.
بينما كانَ يفكّرُ بسرعة، أكملتْ غالاتيا حديثَها بنعومة.
“إذا أُصبتَ واعتزلتَ، تحصلُ على تعويضٍ يصلُ إلى خمسِ مئةِ مليونِ غيب. وإذا متَّ، حوالي ملياري غيب. لكنْ بما أنّهم تابعونَ للمختبر، فلن يُشاركوا في الحروب، لذا لا داعي للقلقِ بشأنِ الموتِ أو الإصابة.”
‘ملياران!’ فغرَ الفيكونتُ فاهُ من هذا المبلغِ الهائل.
لن يصبحَ من كبارِ الأثرياء، لكنْ هذا المالُ يكفي ليُصنّفَ ضمنَ العشرةِ بالمئةِ الأعلى في الإمبراطوريّة. بالطّبع، لا يرغبُ في موتِ ابنِه، لكن…
المالُ الذي سيحصلُ عليهِ من الجيشِ يكفي ليعيشَ دونَ همّ، وبما أنّه لن يُقاتل، فلا مخاطرَ الموت. هذا ما هدّأَ ضميرَه.
زالَ غضبُه السّابقُ تمامًا، وظهرتْ السّعادةُ على وجهِ الفيكونت. نسيَ كلَّ كلامِها المقلقِ عن السّعادةِ والتّعاسةِ بسرعةٍ أمامَ هذا العرضِ المغري.
“حقًا؟ شكرًا، يا قدّيسة. تُرشدينَني وتُساعدينَني هكذا! حكيمةٌ بحقّ.”
ابتسمتْ غالاتيا بسخريةٍ وهي ترى الفيكونتَ يفركُ يديهِ بنفاق.
“النّقدُ والسّخريةُ أصبحا إرشادًا؟”
تظاهرَ الفيكونتُ بالحرجِ وسأل.
“لمَ تُساعدينَ ابني الضّعيف؟ لم أتبرّعْ كثيرًا للطّائفة.”
“أليسَ من واجبِ القدّيسةِ مساعدةُ المحتاجين؟”
“ليسَ هذا قصدي…”
ظهرَ قلقُه من وجودِ شروطٍ خفيّةٍ على وجهِه. لمستْ غالاتيا شعرَ أوفيليا، قدّيسةِ ديسمبر، التي كانتْ تقفُ كدمية، وقالت.
“للزّواجِ وإنجابِ الأطفال، يحتاجُ المرءُ إلى عمل. كلُّ ما تريدُه لاتيه هو أنْ يحضرَ النّاسُ الصّلواتِ بانتظامٍ ويُعزّزوا إيمانَهم.”
—
ما زلتُ مريضةً وممدّدةً على السّرير، غارقةً في التّفكير.
لو كانتِ النّساءُ الثّلاثُ الكبرياتِ في المجتمعِ الرّاقي سيأتينَ فقط، لدعوتُهنَّ بسرور. لكنْ للأسف، غالاتيا، القدّيسة، ستكونُ معهنَّ. أتردّدُ في دعوةِ شخصٍ مشبوهٍ إلى منزلي.
لا يُمكنُني دعوتُهنَّ دونَها، ولا أستطيعُ رفضَ طلبِ زيارةِ النّساءِ الثّلاث. هنَّ شخصيّاتٌ بارزةٌ في المجتمعِ الرّاقي، وحلفاءُ أقوياءُ سيدعمونَ نشاطاتي.
‘وهنَّ أوّلُ صديقاتي!’
‘أريدُ الذّهابَ إلى المقهى معهنَّ، وتناولَ الطّعام، وإقامةَ حفلةِ بيجامات! إنْ رفضتُ، قدْ تفترُ علاقتُنا.’
“سيّدتي، لا بأسَ بدعوتِهن. سنتولّى التّحضيراتِ جيدًا.”
أجابَ دانتي، الذي كانَ يُطرّزُ بجانبي، بموافقةٍ سريعة، وكأنّه صاحبُ المنزل.
“حقًا؟ إنّها مجرّدُ زيارةٍ لتناولِ الحلوى والشّاي والاستمتاع.”
“نعم، سنُعدُّ حفلةَ شايٍ مثاليّة.”
‘خدمُ منزلي موثوقون، لذا سيكونُ الأمرُ بخير. يمكنُني طلبُ عدمِ ظهورِ ماتياس.’
‘حسنًا، انتهى التّفكيرُ في هذا.’
لكنْ قلقٌ آخرَ ظلَّ يُراودُني. تحدّثتُ إلى دانتي بحذر.
“سيّد دانتي، إنْ أخبرتُ سيّد كيليان أنّ الوحشَ كانَ والدَ جيني، هل سيتأثّرُ كثيرًا؟ سمعتُ أنّه تركَ الفيلقَ لأنّه يكرهُ قتلَ الوحوشِ الذينَ كانوا بشرًا.”
‘رجلٌ يخفي قلبًا رقيقًا تحتَ درعٍ مخيف.’
لكنْ دانتي هزّ رأسَه بوجهٍ خالٍ من التّعبير.
“لو لم يتحمّلْ ذلكَ قائدُ فيلقٍ سابق…”
تشينغ!
أذهلَني صوتُ تحطّمِ مزهريّة. التفتُّ فوجدتُ كيليان يقفُ عندَ البابِ المفتوح، يغطّي فمَه بيديه.
‘لقد سمعَ كلَّ شيء…’
“سيّد كيليان!”
صحتُ وهو يهربُ راكضًا، لكنّه لم يلتفت.
‘ما العمل؟ كانَ سيعلَمُ عاجلًا أم آجلًا، لكنْ ليسَ بهذه الطّريقة!’ كنتُ أنوي إخبارَه برفقٍ مع شايٍ مهدّئٍ وموسيقى هادئةٍ لتهدئةِ قلبِه الحسّاس!
“انتظر!”
نهضتُ فورًا وجريتُ وراءَ كيليان. ‘كيفَ يركضُ بهذه السّرعةِ في درعٍ ثقيلٍ كهذا؟ أم أنّني بطيئة؟’ ركضتُ بجهد، لكنّه اختفى من أمامي.
بينما كنتُ أجري في الممرّاتِ بحثًا عنه، صادفتُ إليورد قادمًا نحوي.
“السّيّدةُ المُهذّبةُ لا تجري داخلَ المنزل. لكنْ رؤيتُكِ تركضينَ بعدَ شفائِكِ تُظهرُ أنّ الحقنةَ كانتْ فعّالة.”
“نعم، تعافيتُ تمامًا. هل رأيتَ كيليان؟”
“ربّما في الحديقة. لماذا؟”
شرحتُ له الأمرَ باختصار، فنظرَ إليورد باستغراب.
“لمَ يتأثّرُ بمثلِ هذا؟ ليستْ المرّةَ الأولى. أليسَ بعضُ الوحوشِ عائلاتٍ لأحدهم؟”
لم يكنْ لديّ وقتٌ لإقناعِ شيطانٍ بلا تعاطف. هرعتُ إلى الحديقة، ووجدتُ كيليان جالسًا على كرسيٍّ يُربتُ على الكلبِ ألكسندر ليهدّئَ نفسَه.
“سيّد كيليان، البستانيُّ الموقّر.”
ناديتُه بحذر، فرفعَ رأسَه ببطءٍ ونظرَ إليّ.
“…أعتذرُ عن إظهارِ ضعفي.”
“لا، كنتُ سأشعرُ بالمثل. أنا أيضًا لستُ بخير.”
جلستُ على كرسيٍّ خشبيٍّ بجانبِه وتنهّدتُ. أمسكَ كيليان بألكسندر، الذي كانَ يلهث، وقال.
“بعضُ الوحوشِ التي اخترقتِ الحواجزَ ودخلتِ المدينةَ كانتْ أصحابَ قوىً جاؤوا للقاءِ عائلاتِهم. ربّما كانَ بينَ الوحوشِ التي قضيتُ عليها أمثالُهم.”
‘هل هذا ما جعلهُ يتألّم؟’ لم أعرفْ كيفَ أواسيه. رفعتُ عينيّ إلى السّماءِ الزّرقاءِ الصّافية.
“قالَ جدّي إنّ للحياةِ مقدارًا محدّدًا من السّعادةِ والتّعاسة. يختلفُ التّوقيتُ بينَ النّاس، لكنَّ الحزنَ والفرحَ يُوزّعانِ بالعدل.”
استمعَ كيليان بهدوء. خدشتُ خدّي وابتسمتُ بإحراج.
“كبرتُ بصعوبةٍ دونَ والديّ. قالَ إنّني مررتُ بالمحنِ في سنٍّ مبكّرة، وأيّامٌ سعيدةٌ تنتظرُني في المستقبل.”
“هل أنتِ سعيدةٌ الآن؟”
أومأتُ دونَ تردّد. لا مجالَ للمقارنةِ مع أيّامِ الجوعِ في العليّةِ القديمة.
“بعدَ حياةٍ غيرِ عاديّة، تعلّمتُ أنْ أفرحَ بالأشياءِ الصّغيرة. تناولُ طعامٍ لذيذ، النّومُ في سريرٍ دافئ، ارتداءُ ملابسَ نظيفة، ولقاءُ أناسٍ طيّبين… هذه حياةٌ سعيدة.”
نظرَ كيليان إليّ بهدوءٍ وخدشَ خوذتَه.
“حقًا. ربّما كنتُ أعتبرُ سعادتي في فعلِ ما أريدُ أمرًا مفروغًا منه.”
“السّعادةُ نسبيّة. إنْ كنتَ تمرُّ الآنَ بفترةِ تعاسة…”
أخرجتُ حلوىَ كراميلَ من جيبي ووضعتُها في يدِه.
“يمكنُ لشخصٍ آخرَ أنْ يُساعدَكَ على تحمّلِها. تقاسمُ الهمومِ والحزنِ يُخفّفُ منهما، أليس كذلك؟”
في تلكَ اللّحظة، هبّتْ نسمةٌ منعشة، وسمعتُ حفيفَ الأعشابِ وأوراقِ الأشجار. نظرَ كيليان إلى الكراميلِ بصمتٍ وأومأَ برأسِه قليلًا.
“شكرًا على مواساتِكِ، سيّدتي.”
“عندَ الحزن، تناولْ شيئًا حلوًا.”
“حسنًا.”
أدخلَ الكراميلَ تحتَ خوذتِه وحدّقَ في الفضاءِ بصمت.
شعرتُ أنّ لديهِ المزيدَ ليقول، فانتظرتُ بهدوء.
“سيّدتي، ليسَ لأنّ الوحشَ كانَ والدَ جيني هو ما يُؤلمني.”
‘ماذا يعني؟’ بدتْ عيناهُ الفضّيّتانِ داخلَ الخوذةِ فارغتين.
“بل لأنّني لم أعدْ أشعرُ بما كنتُ أشعرُ به سابقًا. مع مرورِ السّنين، بدأتْ مشاعري تتلاشى.”
أكملَ بنبرةٍ كتنهيدة.
“أصحابُ القوى الشّيطانيّة، كلّما استهلكتهم قوّةُ الشّيطان، يفقدونَ إنسانيّتَهم مع تقدّمِ تحوّلِهم إلى وحوش. أنْ يأتيَ الوحشُ بحثًا عن جيني كانَ آخرَ بقايا مشاعرِه البشريّة.”
‘إذنْ، شعرَ بالألمِ لأنّه لم يشعرْ بشيء؟’
لم أستطعْ تخيّلَ شعورَ فقدانِ المشاعر. هل فقدَ الوحشُ كلَّ مشاعرِه البشريّةِ عدا شوقِه لعائلتِه؟
‘إنْ تحوّلتُ إلى وحش، ماذا سيبقى لي وأنا بلا عائلة؟’
أخفيتُ وجهي الشّاحبَ بسرعةٍ ووضعتُ يدي على ذراعِه. لم أشعرْ إلّا ببرودةِ المعدنِ بلا أيِّ دفء.
“هل… يمكنُ إعادةُ الأمورِ إلى ما قبلَ التحوّل؟”
“يمكنُ تأخيرُه، لكنْ لا عودةَ إلى ما كان. لكنْ لا بأسَ الآن. هذا الدّرعُ يمنعُ تقدّمَ التحوّل. لقد تركتُ الفيلق، والآنَ أستمتعُ برعايةِ الحديقة.”
كانَ كيليان محاصرًا في تعاسةٍ لا يستطيعُ الخروجَ منها.
بدا وهو جالسٌ بحزنٍ كرجلٍ صفيحٍ فقدَ قلبَه. ‘هل سيأتي يومٌ أستطيعُ فيه إنقاذَه كساحرِ أوز؟’
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 89"