**الفصل 84**
نظرَ إليورد إليّ عن قُربٍ وهو يرفعُ نظّارته الأحادية.
“دعيني أرى… ضغطُ الدّمِ طبيعيّ، ولا أمراض. إذا لم تُدخّني أو تشربي الخمر، ومارستِ الرّياضةَ بانتظامٍ وعشتِ حياةً مُنظّمة، فستعيشينَ أطولَ من المعدّلِ الطّبيعيّ.”
تحدّثَ وكأنّه يُبلّغني بنتائجِ فحصٍ طبّيّ.
“ماذا؟ حتّى لو قُصّرَ عمري، سأعيشُ أطولَ من المتوسّط؟ إذن، هل كانَ من المفترضِ أنْ أعيشَ 300 سنة؟”
“عمرُكِ لن يُقصّر، سيّدتي. إذا أردتِ العيشَ 300 سنة، يمكنكِ عقدُ اتّفاقٍ معي. عادةً لا أفعلُ ذلك، لكنْ بما أنّكِ أنتِ، سأمدّدُ عمرَكِ كاستثناء.”
شعرتُ بالإحباطِ من ردّه، وكأنّ كلّ طاقتي قد نُزعت.
‘ماذا؟ كنتُ أظنّني في وضعِ المريضِ الميؤوسِ منه، ووصلتُ إلى مرحلةِ التّفكيرِ في الوصيّة!’
تحوّلتُ من مريضةٍ ميؤوسٍ منها إلى مَنْ تُبشّرُ بالعيشِ الطّويلِ في 30 ثانية، فبدأتُ أصرخُ غاضبةً.
“آه! تحدّثتَ وكأنّني سأموتُ خلالَ ثلاثةِ أشهر!”
“سألتِ عن ثمنِ القوى، فأجبتُكِ فقط. ذلك ينطبقُ على البشرِ العاديّين، لكنّكِ، سيّدتي، حالةٌ خاصّة، أنتِ ‘مديرةُ القصر’. ربّما كانَ القصرُ نفسه وسيطًا لكِ.”
‘شيطانٌ يُشبهُ الذّكاءَ الاصطناعيّ، يحتاجُ إلى أسئلةٍ دقيقة، لكنّ إجاباتِه دائمًا مبهمة!’ حدّقتُ فيه بنظرةٍ غاضبةٍ وسألتُ مجدّدًا.
“على أيّ حال، باستثناءِ الإغماء، لن يُقصّرَ عمري أو أتحوّلَ إلى وحش، صحيح؟”
“نعم.”
‘مليءٌ بالأسرار، لكنْ طالما لن أموت، فهذا يكفي.’ أمسكتُ بالغطاءِ بقوّةٍ وتذكّرتُ كلامَه قبلَ إغمائي.
“بالمناسبة، ماذا كنتَ تعني بكلامِكَ آنذاك؟ قلتَ شيئًا عن مُتغذٍّ على المشاعرِ وآكلٍ لها. مَنْ هذا الآكل؟”
‘بالتّأكيدِ ليسَ أنا، لكنّ الكلمةَ جعلتني أشعرُ بالذّنبِ قليلًا.’
“أحدُ الشّياطينِ السّبعةِ الكبرى. هناكَ كاهنٌ بينَ الرّهبانِ وقّعَ اتّفاقًا مع شيطان.”
“مَنْ هو؟”
“لا يمكنني الكشفُ عن معلوماتِ العملاءِ أو الشّيطانِ الذي وقّعَ معه الاتّفاق. كلّ ما أعرفهُ أنّه شيطانٌ يتغذّى على مشاعرِ البشرِ من فرحٍ وحزنٍ وغضبٍ وحبّ. أحذّرُكِ فقط لتكوني حذرة.”
‘حسنًا… صناعةٌ مليئةٌ بالأسرار.’
‘كاهنٌ يتعاقدُ مع شيطان؟ بعدَ كل ما حصل للأن، لم يَعُدْ هذا مفاجئًا.’
فركَ إليورد شفتَيه وكأنّه يتذوّقُ شيئًا.
“مشاعرُكِ، سيّدتي، لذيذةٌ بشكلٍ خاصّ. كأنّها مُكثّفة.”
‘هل يقصدُ أنّ مشاعري، بما فيها حياتي السابقة، مُعدّةٌ بعنايةٍ كطبقٍ شهيّ؟’
فكّرتُ لحظة، لكنّ رأسي كانَ لا يزالُ مشوّشًا ودوارًا، فاستندتُ إلى رأسِ السّريرِ وأغمضتُ عينيّ.
“من الآنَ فصاعدًا، لن ألمسَ قوّةَ دانتي…”
“من الأفضلِ ألّا تلمسي قوى كيليان وإيجكيل أيضًا. قدْ يبدونَ الآنَ منشغلينَ بأمورٍ تافهة، لكنّهم من أعلى مستوياتِ أصحابِ القوى.”
“هل يمكنني إبطالُ القوّةِ المقدّسةِ أيضًا؟”
نظرَ إليّ بنظرةٍ غامضة.
“إذا كانتِ القوّةُ التي تستعيرينَها أقوى من حاكم الخصم.”
‘ريلكه كانتْ مختارةً من الإله، لكنّها أُكِلتْ من شيطانٍ عظيم، إذن، القوّةُ التي أستخدمُها ربّما تكونُ شيطانيّة؟’
‘لهذا لا أستطيعُ التّغلّبَ على الطّائفة؟’
بدأ رأسي يؤلمني من التّفكيرِ العميق. فجأة، تذكّرتُ وهجَ القلّادة، فأخرجتُها من تحتِ ملابسي.
“مهلًا؟”
كانَ هناك شقٌّ طفيفٌ على حافةِ الجوهرةِ الحمراء.
‘ماذا؟ هل اصطدمتُ بشيءٍ أثناءَ إغمائي؟ أم أنّها تصدّعتْ لأنّها لم تتحمّلْ قوّةَ دانتي الشّيطانيّة؟’
“عندما أبطلتُ قوّةَ دانتي، أضاءتْ هذه القلّادة. هل تعرفُ ما هي؟”
عدّلَ إليورد نظّارتَه الأحاديةَ ونظرَ إلى القلّادةِ بعناية.
“قطعةٌ سحريّة.”
“وما هي؟”
“ليستْ بالقوّةِ التي تريدها الطّائفة. إنّهم يطمحونَ إلى استدعاءِ شيطانٍ عظيمٍ إلى العالمِ واستخدامِ قوّتِه بحرّيّة. من بينِ القوى المختلفة، القوّةُ الشّيطانيّةُ هي الأقوى بلا منازع. الطّائفةُ تفقدُ نفوذَها بسببِ صراعِ المصالحِ مع أصحابِ القوى الشّيطانيّةِ وتدخّلِ الأميرةِ الإمبراطوريّة، وهي تخشى عودةَ حكمِ الحاكم.”
‘لم أسألْ عن هذا خوفًا من ذكرِ الاتّفاق، لكنّه يشرحُ الآنَ بتفصيل! كانَ يجبُ أنْ أسألَ من قبل.’
تذكّرتُ كلامَ الجدّةِ ليليانا عن عودةِ الحكمِ الإلهيّ، فشعرتُ بقشعريرة. ‘إذا استطاعوا استخدامَ قوّةٍ تُهزمُ رسلَ الحاكم بحرّيّة، ألن يتمكّنوا من ابتلاعِ الإمبراطوريّةِ بل العالمِ بأسرِه؟’
تبعَ ذلك كلامُه الغامض.
“الآن، هي تُستخدمُ فقط للسّيطرةِ على القوى.”
في تلك اللحظة.
طق طق-
سمعتُ طرقًا مهذّبًا لكنّه قويّ، فكنتُ متأكّدةً أنّه دانتي. كما توقّعتُ، فتحَ دانتي البابَ ودخلَ بوجهٍ جادّ، واقتربَ منّي.
“كنتُ قلقًا. بصفتي مديرَ المنزل، كانَ يجبُ أنْ أنتبهَ لحالتِكِ الصّحيّة، هذا خطأي.”
‘لماذا يقومُ مديرُ المنزلِ بذلك؟ هذا عملُ طبيبٍ سابقٍ وخادمٍ شخصيّ!’
“قوّتُكَ الشّيطانيّةُ هي التي جعلتْها تتدهور.”
اتّهمَ إليورد دانتي بوقاحة، وهو المسؤولُ عن الإهمال.
تقلّصتْ جبهةُ دانتي بجدّيّةٍ وهو يشعرُ بالذّنب.
“إذن، ماذا يجبُ أنْ أفعل؟”
“تتوب.”
أجابَ إليورد ببرودٍ وفتحَ حقيبةَ الطّبِّ المربّعة. لا أعرفُ إنْ كانَ لا يزالُ يمتلكُ معرفةً طبّيّةً من جسدِه الأصليّ أم أنّه يعرفُ كلّ شيء، لكنّه ارتدى قفّازاتٍ طبّيّةً رقيقةً كالطّبيبِ المحترف، وأخرجَ شيئًا من الحقيبة.
“للتّعافي السّريع، سأعطيكِ حقنةً مغذّية.”
ما إنْ رأيتُ المحقنَ المعدنيّ المرعبَ في يدِه حتّى استعدتُ وعيي تمامًا.
‘الإبرةُ سميكةٌ جدًا! هل هذه إبرةٌ أم قشّةٌ لشربِ شايِ الحليب؟’
“لا، أنا بخير. سأأكلُ كثيرًا وأنامُ جيّدًا، وسأتعافى.”
“خائفة؟ تحمّلي قليلًا وسيصبحُ الأمرُ أفضل. هيّا، كوني شجاعة.”
“لا يبدو قليلًا! يبدو مؤلمًا جدًا!”
زحفتُ بسرعةٍ تحتَ الغطاءِ واختبأتُ. تحدّثَ دانتي بصوتٍ هادئٍ وكأنّه يُهدّئني.
“إذا تلقّيتِ الحقنةَ بشجاعة، سأُعدُّ لكِ المعكرونةَ الحارّةَ التي تُحبّينَها.”
‘هؤلاءِ الرّجالُ يعاملونني كطفلة!’ أخرجتُ عينيّ من تحتِ الغطاءِ ونظرتُ إلى دانتي.
“هذا مغرٍ نوعًا ما.”
كلانغ كلانغ-
‘هذا الصّوتُ المعدنيّ للطّرق؟ هذا كيليان بالتّأكيد.’
نظرتُ فوجدتُ كيليان يحملُ باقةَ زهورٍ زرقاء، ومعه إيجكيل، توتو، وكلبُ ألكسندر.
‘جاؤوا لزيارتي.’
“سيّدتي، هل أنتِ بخير؟”
هزّ إليورد رأسَه وكأنّه يشتكي.
“انتهى الأمر. إنّها ترفضُ العلاج. حقنةٌ واحدةٌ كفيلةٌ بتحسينِها.”
تحوّلتْ خوذةُ كيليان، شعرُ إيجكيل الورديّ، وروؤسُ توتو وكلبِ ألكسندر إليّ في نفسِ الوقت. كأنّهم ينظرونَ إلى شخصٍ يرفضُ العلاجَ لينهيَ حياتَه.
سمعتُ تنهّدًا يتردّدُ داخلَ خوذةِ كيليان.
“سيّدتي، هل تخافينَ الحقنة؟ الرّجلُ الحقيقيُّ يجبُ أنْ يتلقّى الحقنةَ دونَ أنْ يرفَّ له جفن. هل نسيتِ وعدَكِ بأنْ تصبحي قويّة؟”
لم يكنْ لديّ طاقةٌ لأجادلَ عن أيّ وعدٍ لم نُقسمه. اقتربَ كيليان بصوتِ درعِه المعدنيّ، ومدَّ الباقة.
“تعافي بسرعة. لغةُ هذه الزّهورِ تقول: ‘نتمنّى أنْ تتلقّي الحقنة.’ “
‘لقد اخترعَ لغةَ الزّهورِ الآن، أليس كذلك؟’ فكّرتُ أنّ إيجكيل، الذي لا يزالُ في سنٍّ تخافُ الحقن، قد يتفهّمني.
“لماذا أنتِ جبانةٌ هكذا؟ هذه حقنةٌ للأطفال. تذكّرتُ حقنةَ الجدريّ عندما كنتُ صغيرًا. بما أنّكِ كبيرة، تحلّي بالشّجاعة.”
لم يُظهرْ إيجكيل أيّ تعاطفٍ رغمَ نظرتي المتوسّلة. ‘أيّ طفلٍ يتحمّلُ تلك الحقنةَ بشجاعة؟ طفلٌ أو بالغٌ، كلّهم سيبكونَ منها!’
فجأة، شعرتُ بلمسةٍ خفيفةٍ على أصابعي، فنظرتُ.
“بيي.”
وضعَ توتو زهرةَ أقحوانٍ على كفّي، ونظرَ إليّ بوجهٍ قلق.
‘ما هذا؟ تنينٌ يتركُ فضلاتٍ في الحقلِ ويتصرّفُ بطريقةٍ لطيفة؟’
“شكرًا، أنتَ لطيفٌ نوعًا ما.”
كلبُ ألكسندر، الذي جاءَ بعظمٍ غامض، كانَ ينظرُ إليّ أيضًا بوجهٍ مليءٍ بالقلقِ وعينينِ مثلثتين.
“أوف…”
“من أينَ أحضرتَ هذا، يا صغيري؟ شكرًا على أيّ حال…”
‘هل يقلقونَ لأنّني أرفضُ الحقنة؟’ استسلمتُ أخيرًا، ولوّحتُ بيدي.
“إذا كنتم تريدونَ ذلكَ لهذه الدّرجة، فليكن.”
أغمضتُ عينيّ بقوّةٍ ومددتُ ذراعي. فركَ إليورد ذراعي بقطنةٍ مبلّلةٍ بالمطهّرِ وقال.
“سأجعلُها غيرَ مؤلمة.”
“ألا تبحثُ عن الوريد؟ أينَ الشّريطُ المطّاطيّ والقبضةُ التي أفتحُها وأغلقُها؟”
“أراهُ بعيني، فلماذا؟”
“لا توجدُ محاولةٌ ثانية. فلتُصبْ في المرّةِ الأولى.”
رفعَ إليورد الإبرةَ المعدنيّةَ الضّخمة، التي جعلتْ ذراعي تبدو هشّة، وابتسمَ بعينينِ ضاحكتين.
“ستشعرينَ بوخزٍ خفيف.”
“آه!”
كتمتُ صرختي، وأمسكتُ بيدِ إيجكيل بقوّةٍ باليدِ الأخرى. ‘ألم تقلْ إنّها لن تؤلم!’ شعرتُ بألمٍ خفيفٍ مع دخولِ الدّواء.
عبسَ دانتي قليلًا وهو يرى هذا المشهد.
‘حتّى هذا الرّجلُ القويّ يخافُ الحقن، أليس كذلك؟’
“أحسنتِ حقًا.”
نظرَ دانتي إليّ بفخرٍ وكأنّني أنجزتُ شيئًا عظيمًا.
“سيّدتي، مبروك!”
“أحسنتِ.”
“أحيّي شجاعتَكِ، سيّدتي.”
صفقَ كيليان وإليورد وإيجكيل.
استلقيتُ بلا قوّة، أتلقّى الدّعمَ الحماسيّ، وفكّرتُ.
‘هؤلاءِ يعرفونَ كيفَ يُحرجونَ الآخرينَ بمهارة.’
“من الآنَ فصاعدًا، سأتولّى مسؤوليّةَ صحّتِكِ.”
وضعَ دانتي بعضَ الأشياءِ على الطّاولةِ بجانبِ السّريرِ بعناية.
اتّسعتْ عيناي بدهشة.
“مهلًا، ما هذا؟”
‘حمّص، نوني، أرونيا؟ هذه هي الأصنافُ الثّلاثةُ المفضّلةُ للأمّهاتِ في التّسوّقِ المنزليّ!’
«الحمّص: بقول غنيّ بالبروتين والألياف، شائع في الأكل الصحّي.
النّوني: فاكهة استوائية تُستخدم كعصير طبي لتقوية المناعة.
الأرونيا: نوع من التوت غنيّ بمضادات الأكسدة، مفيد لصحة القلب والمناعة.»
نظرَ إليّ دانتي، الذي تحوّلَ إلى ربّةِ منزل، وأعلنَ بجدّيّة.
“لتقويةِ المناعةِ وتحسينِ الصّحّة، يجبُ أنْ تتناوليها يوميًا.”
‘لا، مستحيل…!’
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 84"