**الفصل 82**
رأيتُ الوحشَ المرعبَ وهو ينزفُ دمًا غزيرًا. عندما انعكسَ وجهي في عينيه الحمراوين، شعرتُ بضيقٍ لا يُحتمل.
في البداية، ظننتُه مجرّدَ وحشٍ عاديّ. لكنّ وجودَ الجنودِ في القصر مُسبقًا، ومجيئه إلى هنا خصّيصًا ليخطفَ جيني، جعلني أتساءل.
‘هل يُعقل…؟’
“من أنت؟”
ضَخ!
بينما كنتُ أنظرُ مشوّشةً وأفكاري تتشابك، هبطتْ ومضةٌ حمراء من السماء كالصاعقة، فغطّتِ الوحشَ بالكامل. وسطَ الضوءِ المتدفّق، تلاشى الوحشُ كالدخان، وتبادلتُ معه نظرةً أخيرة.
رأيتُ دموعًا سوداء تسقطُ من عينيه الحمراوين.
‘ساعديني.’
في لحظة، شعرتُ وكأنّ العالمَ توقّف.
خلفَ يده الممدودة، أصبحتْ عينا الوحشِ غائمَتَين، ثمّ سقطتا إلى الأرض.
حتّى بعدَ وصولهما إلى الأرض، ظلّتا تنظرانِ إليّ. بدأ جسدُه الضخم، الذي ظلّ واقفًا رغمَ فقدانِ رأسه، يميلُ ببطء، ثمّ انهارَ على جانبه بصوتٍ مدوٍّ.
هل كانَ إنسانًا حقًا؟ إنْ كانَ كذلك، مَنْ هو؟ وأيَّ مساعدةٍ أراد؟ لم يكنْ هناك وقتٌ لأسأل، فقد ماتَ قبلَ أنْ أفعل.
“آه، آه…”
كنتُ في حالةِ ذهول. بينما كنتُ أُطلقُ تنهّداتٍ بلا معنى كآلةٍ معطّلة، أمسكَ دانتي ذراعي برفق.
“هل أنتِ بخير؟”
“ذلك الوحش… طلبَ منّي المساعدة. لكنْ لماذا سمعتُ كلامه أنا؟”
بدتْ عينا دانتي الزرقاوان، وهو ينظرُ إليّ وأنا أتحدّثُ بلا ترتيب، مظلّلتَين بالقلق.
في تلك اللحظة، سمعتُ صوتًا من خلفي.
“يا لعظمةِ قدّيسةِ يناير! قضتْ قدّيستُنا على الوحشِ بضوءِ التطهير، وأنقذتِ الطفلة! هيّا، فلنُصفقْ جميعًا!”
كانتِ الأنظارُ والتصفيقُ موجّهةً نحو غالا، التي كانتْ ترتدي زيَّ الكهنةِ الأبيض.
رأيتُ عينيها الحمراوين تعودانِ إلى لونهما الفضّيّ الطبيعيّ. يبدو أنّ تلك الومضةَ الحمراء كانتْ قوّتَها.
اقتربتْ غالا منّي، وهي تُربتُ على رأسِ جيني الباكية لتهدئتها، ثمّ نظرتْ إليّ بقلق.
“ميا، هل أنتِ بخير؟ لحسنِ الحظّ، لم نصلْ متأخّرين. هل أُصبتِ؟”
“…أنا بخير.”
لم أقلْ لها شيئًا. لم أسألْ أيضًا.
مغادرتُها بحجّةِ أمرٍ ما، ووجودُ الجنودِ في القصر كأنّهم توقّعوا ظهورَ الوحش، كلّ ذلك جعلني أشعرُ بالحيرة. حاولتُ تهدئةَ أفكاري المضطربة.
فجأة، تقدّمَ كاهنٌ واقفٌ بجانبِ غالا، ونظرَ إليّ بنظرةٍ مريبة.
“ما اسمُكِ أنتِ؟”
يبدو أنّه من كبارِ الكهنة. لكن… “أنتِ”؟ عبستُ قليلًا وأجبتُ.
“ميا فورتونا.”
“لا أشعرُ بأيّ قوّةٍ منكِ، يبدو أنّكِ مجرّدَ مدنيّة. هل يمكنكِ توضيحُ سببِ منعكِ قتلَ الوحش؟”
ماذا رأى بالضبط؟ قرّرتُ التظاهرَ بالجهلِ أولًا.
“متى قلتُ توقّف؟”
لحسنِ الحظّ، يبدو أنّه لم يرَ قوّتي في إبطالِ السحرِ أو وهجَ القلادة.
“كنتُ أتحدّثُ إلى الوحش. ربّما سمعتَ خطأً؟”
حاولتُ التظاهرَ بالبراءةِ قدرَ إمكاني. حدّقَ في عينيّ كأنّه يتحقّقُ من صدقي، لكنّني قابلتُ نظرتَه بثبات، عازمةً على عدمِ التراجع.
في تلك الأثناء، اقتربَ كيليان وهو يُعيدُ سيفَه إلى غمده.
“كانَ ذلك فقط لجذبِ انتباهِ الوحش. هل هناك مشكلة؟”
غيّرَ الكاهنُ سؤالَه، وهو ينظرُ إليّ مباشرة.
“بالمناسبة، لماذا توجدُ مدنيّةٌ هنا؟ لمَ لم تُخلِ المكان؟”
“حتّى المدنيّون يمكنهم التضحيةَ من أجلِ إنقاذِ طفلةٍ في خطر. بدلًا من مكافأةِ شجاعتها، تُشكّكُ بها؟”
تردّدَ الكاهنُ بعدَ إجابتي، ثمّ تنحنحَ بحرج.
“أين كنتِ في الأصل؟”
“ألم تَسمعْ من القدّيسة؟ كنتُ معها، ثمّ افترقنا، ورأيتُ الطفلةَ تُخطَفُ فتبعتُها.”
نظرَ الكاهنُ إلى غالا بنظرةٍ ماكرة، ثمّ جالَ بنظره بين دانتي، كيليان، إيجكيل، وإليورد.
“حسنًا. سمعتُ أنّ سيّدةً شوهدتْ تخرجُ من فندقٍ قريب. هذا يعني أنّكِ هنا منذُ الأمس. لماذا ذهبتِ إلى الفندق؟”
هزّتْ غالا رأسَها، كأنّها تقولُ إنّها لم تُخبرْه.
‘بالتأكيد، الكهنةُ الذين صادفتُهم صباحًا هم مَنْ أخبروه. لكنّني أخبرتُهم أيضًا أنّه كانَ يومًا خاصًا، أليس كذلك؟’
شعرتُ بنيّةٍ خبيثةٍ في سؤاله. ابتسامةُ الكاهنِ الماكرة، ونظراتُ السخريةِ على وجوهِ الكهنةِ والجنودِ المحيطين، أكّدتْ ذلك. رأيتُ عينيْ دانتي تشتعلانِ غضبًا، ويدَ كيليان تتحرّكُ نحوَ سيفه. أشرتُ لهما بالانتظار. ليسَ الوقتُ بعد.
تذكّرَ دانتي وعدَه بضبطِ النفسِ ثلاثَ مرّات، فأومأَ برأسه قليلًا.
“هل هذا سؤالٌ مهمّ؟ إنّه أمرٌ شخصيّ، وليسَ عليّ الإجابة.”
أظهرتُ انزعاجي وأنا أنظرُ إليه، لكنّه لم يُخفِ سخريته.
“تبدينَ مجرّدَ فقيرة. ما هذه الوقاحةُ مع كاهنٍ من الطائفة؟”
“كاهنٌ يُفترضُ به العدلُ بين الناس، يحتقرُ الفقراء؟ هذا صادمٌ حقًا. سأتذكّرُ وجهَكَ جيّدًا. أعرفُ صحفيًا يُحبّ المبالغةَ في الأخبار.”
ما شأنُه إنْ كنتُ مخطوبةً لعدّةِ أشخاصٍ أو ذهبتُ إلى فندق؟ لا أريدُ الإعلانَ عن حياتي، لكنّني لم أخالفِ القانون، فلماذا أخاف؟ مع ذلك، لم أستطعْ تجاهلَ النيّةِ الخبيثةِ في أسئلته.
“التطفّلُ على حياتي الخاصّةِ بفضولٍ شخصيّ؟ هذا مقزّزٌ حقًا. سأتقدّمُ بشكوى رسميّة، وأنظّمُ مظاهرةً بمفردي، وأجمعُ الصحفيّينَ وسياسيّي حزبِ الشعبِ لمناقشةِ هذا الأمرِ على مستوى الإمبراطوريّة. من أيّ طائفةٍ أنتَ، وما اسمُك؟”
قالَ دانتي إنّ هذا عصرٌ تُحدّدُ فيه الجماهيرُ السلطة.
أظهرتُ عزيمتي لإثباتِ ما سيحدثُ إنْ أسأتَ إلى الشعب. تراجعَ الكاهنُ متردّدًا وبدأَ بالاعتذار.
“لم أقصدْ ذلك. أحيانًا يتسلّلُ سحرةٌ من أعداءِ الدولةِ أو الهراطقةِ [الذين يستدعون الوحوش]…”
قبلَ أنْ يكملَ الكاهنُ كلامه، أمسكَ دانتي برقبتِه، ورفعَه عن الأرض. في الوقتِ ذاته، وضعَ كيليان سيفَه على رقبته. تلوّى الكاهنُ وهو يحاولُ التنفّس.
“آخ! السيدُ الجنرال، السيدُ القائد… لماذا تفعلانِ هذا؟”
مالَ دانتي رأسَه ببطء، بوجهٍ خالٍ من التعبير.
“لأنّكَ أسأتَ إلى زوجةِ الدوقِ المستقبليّة. ثلاثَ مرّاتٍ على الأقلّ. هل ستفهمُ بعدَ أنْ تُكسرَ رقبتُك؟”
يبدو أنّه حاولَ ضبطَ نفسِه بجهد، لكنّه لا يزالُ يبدو متهوّرًا. ولم تكنْ عينا كيليان، من خلفِ خوذته، أقلَّ حدّة.
“من أينَ تعلّمتَ هذا السلوك؟ هل تعرفُ مَنْ هي؟ إنّها امرأةٌ عظيمة، تهتمّ بالناسِ والبيئة، وتواجهُ الظلمَ بنفسِها.”
قدّمَني كيليان كأنّني مرشّحةٌ سياسيّة.
“هل هؤلاء الذين رأيناهم الليلةَ الماضية؟ كانَ الظلامُ يحجبُ الرؤية.”
“نعم، من أسلوبهم، بدوا من الأعيان.”
سمعتُ حديثَ الجنودِ الذين راقبونا بالأمس. مع ذلك، أصبحتْ تصرفات الكهنةِ والجنودِ الآخرين أكثرَ احترامًا.
تحتَ تهديدِ الرجلين المرعب، ابيضّ وجهُ الكاهنِ وبدأَ بالاعتذار.
“أنا آسف، لم أقصدْ ذلك. أرجوكما، سامحاني.”
نظرَ دانتي وكيليان إليّ، كأنّهما يسألان: ‘نقتله، يا سيّدتي؟’
“ما الذي تريدينَ فعله؟”
وقفتُ متردّدة، وأنا أفكّرُ بعقابه، متظاهرةً بالتفكير.
“يا خطيبي، يكفي هذا. سامحه برحمة.”
ما إنْ انتهيتُ من كلامي، رمى دانتي الكاهنَ أرضًا.
“يا كاهن، ألم تعلمْ أنّنا مخطوبان؟ لقد أخبرتْكَ غالا بالفعل. قلتُ لكَ إنّ هذا الرجلَ يصبحُ عنيفًا إذا غضب، فلمَ تستفزّه؟”
نظرتْ غالا إلى الكاهنِ المُلقى على الأرض وسألتْه. نهضَ الكاهنُ على ساقين مرتعشتين، وهو يلوّحُ بيديه مرتبكًا. كانتْ آثارُ يدِ دانتي الحمراء لا تزالُ على رقبته.
“كنتُ أتأكّدُ فقط…”
“هل تعني أنّكَ لم تصدّقْ غالا، فخاطرتَ بحياتِكَ للتحقّق؟ أم أنّكَ حاولتَ إهانتَها وسخرتَ منها، فانقلبَ السحرُ عليك؟”
“هذا سوءُ فهم. ليسَ كذلك.”
شعرتُ بالحيرةِ وأنا أرى غالا تُوبّخُ كاهنًا من طائفتِها. هذا ردٌّ طبيعيّ، لكنّ شيئًا ما جعلني أشعرُ بالارتباك. لم تلحظْ غالا حيرتي، فابتسمتْ بمرح.
“كلّ هذه الأسئلةِ التافهة! دعنا ننهي الأمرَ بسرعة. أريدُ تناولَ الطعام.”
‘تأكلينَ مجدّدًا؟ ألم تَقُلي إنّكِ لستِ جائعةً منذ قليل؟’
“يا قدّيسة، الطعامُ ليسَ الأهمّ الآن…”
تجمّدَ وجهُ غالا عندَ هذه الجملة. نظرتْ إليه بنظرةٍ مخيفة، فأغلقَ الكاهنُ فمه ولم يكملْ كلامه.
دهشتُ من هذا الجانبِ الجديدِ منها، وتسمّرتُ مكاني.
“إذن، ما الأهمّ؟ إهانةُ صديقتي والسخريةُ منها؟”
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 82"