### الحلقة 81
“هل انفتحت بوّابة أخرى؟”
“لا. يبدو أنّ وحشًا من الضواحي اخترق جدار المدينة.”
كدولة عظمى، كانت دفاعات الإمبراطوريّة وأمنها ممتازين. كانت هناك حواجز متينة مزدوجة وثلاثيّة حول المدينة، وجنود قيادة دفاع العاصمة يحرسونها دائمًا لمنع اختراق الوحوش أو الأعداء.
أمسكتُ ذراع دانتي بقوّة وسألتُ.
“كيف… أليس هذا يعني أنّه وحش قويّ؟”
أجاب بوجه هادئ رغم ضغط ذراعه الذي قد يمنع تدفّق الدّم.
“إذا كان وحشًا من الدّرجة العليا أو أعلى، قد يخترق الحاجز الدّفاعيّ، لكن هذا ليس شائعًا.”
كان حجم الوحش واضحًا من ذيله فقط. اهتزّت نوافذ المباني القريبة بمجرّد مروره. كان ذيله مشعرًا عند الطّرف فقط، يشبه ذيل قطّة معتنى بها.
أطللتُ برأسي قليلاً لأرى شكل الوحش كاملاً.
من الخلف، بدا كحيوان مفترس رباعيّ الأرجل. جسده الأسود الضخم يحطّم جدران المباني التي يصطدم بها، وشعلة حمراء تتأرجح. بدا أنّه تعرّض لهجمات كثيرة في طريقه إلى هنا، فكلّ خطوة كانت تُسيل دمًا أسود غزيرًا.
“يبدو أنّ هدفه ذلك المنزل؟ منزل الزوجين اللذين تبنّيا جيني. ربّما كان الجنود يعرفون وينتظرون.”
كما قال إليورد. توقّف الوحش، يهزّ رأسه بقوّة، أمام القصر الذي تُبنّيت فيه جيني.
دويّ-!
عندما رفع الوحش قدمه الأماميّة وحطّم سقف القصر، ابيضّ وجهي.
“جيني، جيني في خطر… آه!”
قبل أن يتملّكني القلق، رفعني دانتي بسرعة تحت ذراعيه وطار في الهواء.
استقرّت رؤيتي الدّائرة على جيني، التي كان الوحش يمسكها من ملابسها بفمه.
“آه!”
صرخت جيني بوجه مليء بالخوف. ضيّق الوحش عينيه بشراسة وبدأ يهرب بها إلى مكان ما.
“سأطارده.”
ركض دانتي، ممسكًا بي تحت ذراعيه، وراء الوحش. كلصّ مهار، قفز فوق الأسطح بخفّة.
“آه!”
صرختُ صرخة قصيرة وأنا محمولة مثله. رأيتُ الناس يفرّون مذعورين تحت قدميّ.
“كييي!”
فجأة، دوّى صوت صراخ كطير بتريّ، وظلّلت المنطقة كأنّ السّحب حجبت الشّمس.
توقّف دانتي للحظة. رتّب شعره المتصاعد ورفع رأسه، فرأينا جسمًا طائرًا ضخمًا يحوم في الجوّ.
“وحش طائر؟”
عند التّمعّن، كان توتو. رفرف توتو بجناحيه الضخمين ومرّ فوق رؤوسنا بسرعة.
لوّحتُ بيدي وصرختُ.
“توتو! انقذ جيني!”
خفّض توتو ارتفاعه، وفي لمح البصر، انتزع جيني من فم الوحش وارتفع إلى السّماء. امساك رائع!
نظر الوحش، الذي كان يزمجر، إلى السّماء وبدأ يطارد توتو.
“سأواصل المطاردة.”
استمرّ دانتي في تعقّب الوحش.
يا إلهي! أيّ خادم يحمل سيّدته تحت ذراعيه ويطارد عدوًا؟ آه، هل دوري هو مكبّر صوت للإلهاء؟
“توقّف هناك! قاتلني بصدق! توقّف عن تدمير منازل المواطنين التي بنوها بجهدهم واستسلم بهدوء!”
صرختُ بأعلى صوتي لأجذب انتباه الوحش.
“توقّف!”
دويّ-!
فجأة، اصطدم الوحش الراكض بجدار غير مرئيّ، وأحدث صوت ارتطام مدوٍّ وسقط.
“غرر…”
خلف الجدار الشفّاف، ظهر توتو، الذي عاد إلى حجمه الصّغير، يعانق جيني.
لحسن الحظّ، لم تكن مصابة، لكن وجنتيها شحبتا من الخوف. بدأت جيني، التي كانت ترتعش وترتجف، تبكي بصوت عالٍ.
عند سماع بكاء جيني، انخفضت أذنا الوحش، الذي نهض متعثّرًا.
ما هذا؟ كأنّه قلق عليها.
“سيدتي، الشجاعة التي أظهرتِها للتوّ كانت رائعة. هكذا يصبح الجميع أقوياء.”
قال دانتي بإعجاب شديد.
هل صرختي “توقّف” خلقت جدارًا غير مرئيّ؟ ربّما أنا قويّة فعلاً؟
“توقيت جيّد.”
كان صوت إيجيكل، الذي ظهر بجانبنا فجأة.
بعد التّحقّق، تبيّن أنّ الجدار الشفّاف الذي أوقف الوحش لم أصنعه أنا، بل إيجيكل.
“سيّدتي، جئتُ للدّعم بسرعة!”
ظهر كيليان معه، وأخرج سيفه وهجم على الوحش. دوّى صوت معدنيّ مخيف، ورذاذ دم أسود تناثر في كلّ مكان. مع ضربة واحدة، فقد الوحش ساقه الأماميّة وصرَخ بألم.
“غوااا!”
أنزلني دانتي وتحدّث إلى إيجيكل وكيليان.
“كلاكما، لا تجهدا أكثر، اتركا التّنظيف لي.”
أومأ كيليان، وسحب سيفه وتراجع. هبط إيجيكل على الأرض وحذّر دانتي.
“إنّها منطقة تجاريّة، فكن حذرًا. إذا لم تتحكّم بقوّتك، ستصبح مشكلة. تعرف كم كلّفت تعويضات تدمير المباني، أليس كذلك؟”
“يمكنكَ دفعها.”
ردّ دانتي كشرير مدمّر للمدن، واقترب من الوحش. ترنّح الوحش المحاصر في زاوية وهو يزمجر.
“ميا! سيّد الجنرال! هل أنتما بخير؟”
فجأة، رأيتُ الثلاثيّ يركضون من بعيد. يبدو أنّهم كانوا قريبين ورأوا الفوضى فجاؤوا مسرعين.
أخرج الثلاثيّ أسلحتهم واستعدّوا للقتال.
كاركا بمسدّس ذهبيّ، نيفي بسيف مغلّف بالأخضر، وليديا بسياط تُصدر طاقة زرقاء.
نظر إليهم دانتي وقال.
“نحن بخير. لكن أرجو حماية المنطقة لمنع إصابة المدنيّين.”
“نعم، اتركوا ذلك لنا.”
أومأ الثلاثيّ بوجه حازم وركضوا إلى جهات أخرى.
“غررر.”
كشف الوحش عن أنيابه وهدّد بشراسة، لكن دانتي لم يخف أو يتردّد. أمسك بندقيّة ظهرت من العدم في الهواء، وصوّب على الوحش وتمتم.
“وحش من الدّرجة العليا.”
شعرتُ ببرودة مخيفة في الهواء، وغُلّفت فوهة بندقيّة دانتي بطاقة زرقاء كثيفة.
لماذا أشعر بهذا الانزعاج؟ أغمضتُ عينيّ دون وعي، ثمّ سمعتُ صوت رجل خافت وغامض.
‘جيني.’
فتحتُ عينيّ متفاجئة ونظرتُ حولي. صوت غريب لم أسمعه من قبل، من نادى؟
‘جيني.’
عندما سمعتُ الصّوت مجدّدًا، التفتّ إلى الوحش. هل الوحش قال جيني الآن؟
هل أسمع خطأً؟
“انتظر!”
صرختُ بسرعة. في نفس اللحظة، رأيتُ الرّصاصة من فوهة البندقيّة تُطلق وترتدّ عن جسد الوحش دون أن تترك أثرًا. اختفت الطاقة الزرقاء التي كانت تغلّف بندقيّة دانتي تمامًا.
“إلغاء؟”
تمتم إيجيكل لنفسه، وفي نفس الوقت، التفتَ إليّ هو وكيليان ودانتي. اظهرتُ تعبيرًا مرتبكًا.
“أنا؟ هل فعلتُ ذلك؟”
بينما كنتُ أسأل دون فهم، شعرتُ بحرارة داخل ملابسي ونظرتُ للأسفل. كانت القلّادة التي وضعتها داخل البلوزة تُصدر ضوءًا.
غطّيتُ الضّوء بيدي لأخفيه. ما الذي يحدث؟
“ما هذا…؟”
لكن الشكّ لم يدم طويلاً، فالحرارة والضّوء الخافتان تحت يدي تلاشيا تدريجيًا حتّى اختفيا.
أليس مقاومة السّحر قدرة موروثة من ريلكه؟ لماذا تتفاعل هذه القلّادة؟
بالمناسبة، ألم تُضيء هكذا عندما اقتحم اللصوص المكان وألقوني في معبد مشبوه، وعندما دخل دانتي غرفتي كرجل خطير؟ كنتُ أشعر أنّ هناك شيئًا ما.
هل يمكنني، بجسد خالٍ من السّحر، استخدام قوّة ريلكه بفضل هذه القلّادة؟ هل هي حجر الحكيم؟
لكن إذا كان كذلك، فقد تلقّيتها من جدّي قبل لقاء ماتياس، وهي تذكار من والدي.
إذًا، أين حجر الحكيم الحقيقيّ؟ قال ماتياس إنّه مفتاح يُورّث بالتأكيد.
لكن الآن ليس وقت التأمّل.
“غرر.”
بدأ الوحش يقترب منّي متعثّرًا.
“سيدتي، تراجعي.”
وقف دانتي أمامي، مصوّبًا بندقيّته نحو الوحش. بردت المنطقة بطاقة مخيفة، وغُلّفت بندقيّته بالطاقة الزرقاء مجدّدًا.
‘جيني.’
سمعتُ الصّوت الذي كان من قبل مرّة أخرى. ربّما يكون صوت الوحش، فأمسكتُ ذراع دانتي بسرعة، وخفّضتُ صوتي لأتجنّب النّظرات.
“انتظر لحظة، من فضلك.”
“ما الخطب؟”
“الوحش تكلّم. ألم تسمع؟”
“لم أسمع شيئًا.”
كان الوحش ينظر إلى ما وراءنا، نحو المبنى الخلفيّ، أو بالأحرى إلى جيني التي كانت تبكي في حضن توتو.
‘جيني، جيني.’
كرّر الوحش اسم جيني وهو يسيل دمًا أسود.
“انظر، إنّه ينظر إلى جيني ويناديها فقط…”
في تلك اللحظة، أدركتُ مصدر شعور القلق والانزعاج الغريب منذ البداية، فسرت قشعريرة في جسدي.
قيل إنّ أصحاب القدرات الشيطانيّة يتحوّلون إلى وحوش تدريجيًا كلّما استخدموا قدراتهم، وفي النهاية يصبحون وحوشًا تمامًا.
“…بشري؟”
هل جاء ليبحث عن جيني؟
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 81"