### الحلقة 77
كان دانتي، الذي جلس معي على الأريكة، يعيرني كتفه ويحجب ضوء الشّمس عنّي، ينظر إليّ.
يبدو أنّه اغتسل في تلك الأثناء، فشعره الأسود كان مبللاً ولامعًا.
“لا أصدق، أنا المسؤولة عن الخطّة وأظهر مثل هذا الإهمال… لا أستطيع مواجهة وجهك، سيّد دانتي.”
“أفهم ذلك، فأنتِ تنامين في العاشرة ليلاً. لقد تحمّلتِ كثيرًا.”
نهضتُ من مكاني بحرج وتردّد. مدّ لي دانتي منشفة وقال.
“مع حلول الصّباح، تغيّرت نوبة الجنود، لكن لا حركة مميّزة أخرى. يمكنكِ الاستحمام.”
“نعم…”
خرجتُ من الحمّام مسرعة، فسلّمني دانتي كيسًا ورقيًا.
لم يكن يرتدي القميص الأبيض السابق، بل بدلة أنيقة بصدريّة بنيّة رماديّة وسروال رسمي وربطة عنق.
“ما هذا؟ بالمناسبة، غيّرتَ ملابسك أيضًا. استعدادك مذهل.”
“هذه ملابسكِ.”
ملابسي؟ أخرجتُ الثياب من الكيس واتّسعت عيناي. بلوزة حريريّة بحواف دانتيل ناعمة، تنّورة خضراء مزرقّة، ودبّوس بشريط أخضر مزيّن بالزمرد.
واو، هذا أسلوب “مظهر الحبيبة” الرائج في الإمبراطوريّة. متى اشتراها؟
“وه، هل هذا ذوقك، سيّد دانتي؟ لطيف جدًا.”
“حضّرتها لأنّها ستناسبكِ. اخترتها حسب لون عينيكِ.”
“حقًا؟ أعجبتني كثيرًا. شكرًا. سأحتفظ بها وأرتديها بعناية، ثمّ أورّثها كتذكار لحفيدتي.”
“لا أعرف إن كانت ستبقى سليمة حتّى ذلك الحين… لكن أفهم نيتكِ. اذهبي وارتديها الآن.”
ذهبتُ إلى غرفة الملابس، ارتديتُ ما أهداني إيّاه، ونظرتُ إلى انعكاسي في المرآة.
“الشفق.”
تخيّلتُ شفق الأبسنت الذي رآه دانتي في صباه وأنا أنظر إلى عينيّ الخضراوين. في حياتيّ المتعدّدة، لم أرَ الشفق قطّ.
ضوء ملون يتدلى كستارة في سماء الليل، كم سيكون جميلاً؟ أريد رؤيته مرّة واحدة. لكن تلك الأماكن تُزور في شهر العسل…
“آه.”
يا لها من فكرة مشينة. الحمد لله أنّ خيالي توقّف عند تخيّل ركوب قطار إلى وجهة شهر عسل مع قائد الثوّار ووضع خطّة للأطفال.
“كيف تبدو، هل تناسبني؟”
خرجتُ مسرعة من غرفة الملابس وأظهرتُ الملابس لدانتي الذي كان يقرأ الصّحيفة.
“نعم.”
نظر إليّ من فوق الصّحيفة ثمّ عاد إليها.
ما هذا، ردّ بارد كأسلوب ماتياس؟
“يبدو أنّها ليست جيّدة كما توقّعت!”
تمتمتُ لنفسي وجلستُ على الأريكة بثقل.
عادةً في الرّوايات أو الأفلام، ينظر البطل إلى البطلة بعمق وتعبير متأثّر… آه، أنا لستُ البطلة، أليس كذلك؟
شعرتُ ببعض الإحباط. هل عندما تظهر البطلة الحقيقيّة، سينشأ بينها وبين دانتي علاقة كراهية وحبّ غريبة؟
في القصّة الأصليّة، كان يكره البطلة لكنّه ينقذها كلّما تعرّضت للخطر.
‘لا أستطيع ترك جسدكِ يُصاب أو يموت.’
كان هناك حوار مشابه لهذا المعنى. قرّرتُ عدم التفكير في أمور لم تحدث، لكن هذا ليس سهلاً.
بينما كنتُ أحدّق في السّقف شاردة، شعرتُ بنظرة فجأة وأدرتُ رأسي بسرعة.
“نظرة…؟”
رفع دانتي الصّحيفة بسرعة.
ما هذا؟ أمَلتُ رأسي متعجّبة. طوى دانتي الصّحيفة بهدوء ونهض من مكانه.
“لنخرج الآن. من الأفضل تناول الطّعام ثمّ التجوّل لمراقبة المنطقة.”
“نعم، إنّها منطقة تجاريّة، وقد غيّرنا ملابسنا، والجنود الذين رأيناهم أمس ربّما عادوا بعد التّبادل.”
التجوّل في وضح النّهار لن يبدو مشبوهًا على الأرجح.
بينما كنّا نخرج إلى ردهة الفندق، فتح دانتي الباب وقال.
“تناسبكِ جيّدًا.”
“…”
قبل أن أدرك المديح العابر، اقترب المدير بوجه ودود.
“أيّها الاثنان، هل قضيتما وقتًا ممتعًا؟ زورونا مجدّدًا. إذا كتبتما تعليقًا في مجلّة إنستيلا، ستدخلان في سحب لربح إقامة مجانيّة في جناح الحبّ الملكي.”
“نعم، نعم. سأضع ذلك في الاعتبار.”
آه، هل سأعلن عن موعد غراميّ مثير في الفندق؟ يا لها من فكرة مشينة.
لكنّ الأمر تحوّل إلى “صف مشاعرك عند لقاء شخص تعرفه فور خروجك من الفندق (5 درجات)”.
* * *
“ميا، مرحبًا! يا لها من مصادفة.”
اصطدمتُ بالقدّيسة غالاتيا بثوبها الكهنوتي الأبيض وهي تمرّ أمام مدخل الفندق. كان خلفها كهنة بنفس الزيّ. لم يكن لقاءً عابرًا، بل موقفًا محرجًا اكتُشفنا فيه ونحن نغادر الفندق.
باستثناء غالاتيا المبتسمة، نظر الكهنة إلينا كأنّهم يقولون “ما هذا السّلوك الفاسد منذ الصّباح؟”.
نظر دانتي إليهم بوجه متضايق، كأنّه يقول “كلمة سخيفة واحدة وأقتلكم”.
“مرحبًا، صباح الخير.”
قرّرتُ التظاهر باللامبالاة. لا يجب أن أرتبك، فنحن لم نفعل شيئًا، وقضينا الليل في مراقبة بنيّة سليمة. وبعد كلّ شيء، يمكنني الذهاب إلى فندق مع خطيبي الوسيم، ما المشكلة؟
“لاتيه كانت ذاهبة لشراء شطيرة صباحيّة. وأنتِ؟”
سألتْ غالاتيا بوجه مشمس. هل تتجاهل خروجنا من الفندق، أم تتعمّد السخرية بطريقة غير مباشرة؟ لا أعرف.
“كنتُ أفكّر في تناول دونات للفطور.”
“آه، الدونات في متجر ‘دوناتس ترامب’ القريب لذيذ. زاره رئيس الجمهوريّة الاتّحاديّة، وهناك تواقيع مشاهير…”
تُعرّفني بمتجر باسم مستعار كوميديّ بجدّيّة كهذه؟ فردتُ كتفيّ ورأسي لأبدو واثقة قدر الإمكان.
“شكرًا على التّوصية، قدّيستي. أراكِ لاحقًا.”
أردتُ المغادرة بسرعة، لكن غالاتيا لم تبدُ مستعدّة لتركنا بسهولة.
“هل أنتما ذاهبان لموعد غراميّ؟”
“نعم، إنّه يوم خاص. الذكرى الـ22 لعلاقتنا، ذكرى مهمّة.”
ابتكرتُ عذرًا مقنعًا.
“واو، ذكرى تحمّلكِ هذا الرجل لـ22 يومًا؟ رائع، ومبارك!”
صفقت غالاتيا بحماس واقتربت منّي بخفّة.
“ربّما… موعدكما الغراميّ، هل يمكنني الانضمام؟ لاتيه جاهلة بهذه الأمور. أنا فضوليّة عن المواعيد الغراميّة. رأيتُ النبلاء يذهبون في مواعيد مع عدّة أشخاص.”
ما الذي رأته بالضّبط؟ هل خلطتْ بين المواعيد الجماعيّة والتّعارف؟ من ينضمّ إلى موعد ذكرى شخص آخر؟
تمنّيتُ أن يوقفها الكهنة، لكنّهم بدَوا لا يعرفون صحّة أو خطأ الانضمام لموعد، ربّما لأنّهم عزّاب أيضًا.
فركتْ غالاتيا أصابعها وأحمرت وجنتاها.
“لم أعش قصّة حبّ أبدًا… وليس لديّ أصدقاء. أردتُ رؤية كيف يقضي العشّاق وقتهم. في الحقيقة، لا أعرف ما الذي يجعل الحياة ممتعة سوى الأكل واللعب مع الأطفال.”
ماذا؟ لا أصدقاء؟ لا تعرف متعة الحياة؟
بدأت مشاعري تترنّح.
تنهّدتْ بخفّة، خفضتْ رموشها، وبدتْ حزينة وهشّة ومثيرة للشفقة.
لكن عقلي صفع عاطفتي بقوّة وصرخ أنّها قد تتظاهر بالبراءة لتتحقّق إن كنّا عشّاقًا حقًا ولتعيق هدفنا بذكاء.
لكن لم أجد طريقة لطيفة لرفضها. نظرتُ إلى دانتي بطرف عينيّ، مرسِلة إشارة صامتة.
ارفضها بدلاً منّي! لا أستطيع!
لا أردتُ أن أصبح “ميا فورتونا، الشيطانة الشريرة التي أبكت القدّيسة الجميلة البريئة”. صانعو الشائعات المجهولون سيصيغون قصصًا مثيرة مجدّدًا. لا شكّ أنّ منتجي المونتاج الشيطانيّ يختبئون في كلّ مكان.
مع شائعات أنّني أدير منافسة بين 40 خطيبًا، لن تكون رؤيتي مع خطيبي المفترض في فندق شيئًا كبيرًا.
ردّ دانتي على نظرتي اليائسة بنظرة باردة إلى غالاتيا وقال.
“إذا أردتِ الانضمام لموعد، هناك قواعد. ممنوع التّحدث بصخب، ممنوع طلب الأكل هنا وهناك، ممنوع التّصرّفات المفاجئة، ممنوع التّعبير عن رأيكِ. إذا خرقتِ أيّ قاعدة، سأطردكِ فورًا.”
بدَتْ بالنسبة لي رفضًا حاسمًا وتحذيرًا، لكن غالاتيا أضاء وجهها ولمعَت عيناها.
“حقًا؟ ستقبلانني؟ ما ألطفك اليوم، سيّد الجنرال.”
نظر إليها دانتي بذهول، ثمّ تحدّث إليّ.
“سيكون الأمر كسيرٍ في موعد مع قائدة العدوّ وأسيرة، لنكسر معنويّات جيشها. ما رأيكِ؟”
ماذا يعني؟
كان يقول بطريقة غير مباشرة أنّ اصطحاب غالاتيا، شخصيّة الطائفة، سيسمح لنا بمراقبة الجوار دون شكّ، مع تعزيز فكرة أنّنا عشّاق حقًا.
أومأتُ برأسي بوجه جادّ.
“نعم، قدّيستي. انضمّي إلينا.”
“واو، شكرًا لقبولكِ، ميا!”
فرحتْ غالاتيا كطفلة وصفقَت يديها. بدَت براءتها كأشعّة الشّمس، فشعرتُ أنّ شكوكي تجعلني الشريرة ذات النّفس الفاسدة.
“سيّد الجنرال، هل يمكنني العودة للبيت في منتصف الموعد؟”
تشبّثتْ بذراعي وأمسكتني، وقالت.
هل أرادت اللعب معي فعلاً؟ زمتْ ببهجة، وبدَت متلهّفة حقًا، فشعرتُ بتأنيب الضّمير مجدّدًا.
“سأرهقها بقسوة حتّى تتركنا بنفسها.”
تمتم دانتي بطريقة مخيفة.
…ألن أُرهق أنا أيضًا؟
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 77"