توقّفتُ عن التّنفّس دون قصد عند سماع صوته المنخفض المنساب بنعومة.
“لماذا تحبّه؟”
شعرتُ بوخز غريب، فأشحتُ بنظري بسرعة وسألت. حتّى لو كان الجوّ غريبًا، لا أستطيع كبح فضولي.
“عندما أُرسلتُ إلى كرومسيل في المنطقة القطبيّة، رأيتُ شفقًا قطبيًا في ليلٍ طويل. كان ضوء الأبسنت الذي ينير عالمًا بلا نهار جميلاً، لا يزال عالقًا في ذاكرتي.”
أشار دانتي إلى النّافذة المصبوغة بضوء الفجر الباهت.
“لا يُرى في الإمبراطوريّة، لكن أريد أن أريكِ إيّاه يومًا ما. ستحبّينه بالتأكيد، سيدتي.”
“نعم… سأريكِ أنا أيضًا كلب هاسكي رائع يعيش في سيبيريا في المرّة القادمة.”
خدشتُ مؤخرة رأسي بحرج وقلتُ أيّ شيء.
“مشاهدتكِ تُسعدني، سيدتي.”
أطلق دانتي ضحكة خافتة. ظهرت أسنانه البيضاء من بين شفتيه المفتوحتين قليلاً.
يبدو وجهه الضاحك كصبيّ. حدّقتُ في ابتسامته التي كأنّها تذيب الجليد، ثمّ انتبهتُ فجأة.
“أم… متى ستُريني إيّاه؟ الشفق.”
“بعد أن ننهي ما يجب تسويته، وبعد أن تفتتحي أنتِ وإيجيكل المخبز. سآخذكِ حينها. متى ستأخذينني أنتِ؟”
“إذا ذهبنا في يومين متتاليين في نفس الفترة سيكون مناسبًا. سيبيريا وكرومسيل متجاورتان كالجيران على أيّ حال.”
كنتُ أعلم أنّنا لا نستطيع الذّهاب الآن. تلك منطقة صراع حاليًا. هل ستنتهي الحروب في كلّ مكان بحلول ذلك الوقت؟
الإمبراطوريّة… ستبدأ الحرب مجدّدًا قريبًا.
“بالمناسبة، متى ذهبتَ إلى المنطقة القطبيّة؟”
عند سؤالي، تحرّكت نظرة دانتي الممزوجة بذكرى خافتة في الهواء، ثمّ عادت إليّ.
“منذ زمن. كنتُ في السابعة عشرة.”
كان صوته هادئًا، لكنّه أصبح أثقل نهايةً.
كم تحمّل ليتحوّل من صبيّ إلى شابّ بأكتاف عريضة وطولٍ شاهق؟
رغم أنّه رجل أكبر منّي بكثير، شعرتُ برغبة في التّربيت عليه.
“كان البرد قارسًا بالتأكيد.”
هل لأنّني أعرف ماضيه الذي يريد إخفاءه؟ لم أجد تعليقًا مناسبًا للمواساة.
رفعتُ كوب القهوة البارد لأخفي تعبيري الكئيب.
“الجنود لا يشتكون من البرد.”
مدّ دانتي يده فوق الكوب، فدفئت القهوة وتصاعد منها البخار.
كأنّه يحاول تغيير الجوّ الثقيل، بدأ موضوعًا آخر.
“الخدمة الاجتماعيّة في الملجأ أو دور الرّعاية لن تكفي، لذا سأضطرّ لتقديم طلب خدمة دوريّة.”
“لا مفرّ من ذلك. سأحاول التّرتيب قدر الإمكان.”
ابتسمتُ بأسف.
نظر إليّ بهدوء وهو يفحّص تعبيري وقال.
“أعلم أنّكِ تريدين فعل ذلك بنفسكِ ولا تحبّين مثل هذه المساعدة، لكن سأدعم جزء التّبرّعات.”
“أحبّ هذا النوع من المساعدة الأخلاقيّة.”
لم أرفض مساعدته لأنّ الأمر كان يقلقني منذ فترة. التّمسّك بالكبرياء قد يؤخّر كلّ شيء.
أمسكتُ يده الكبيرة دون وعي وضيّقتُ عينيّ بجدّيّة.
“شكرًا. سأسدّد المال تدريجيًا. أخبرتني سابقًا عن دانيلوف، موظّف وزارة الثقافة، أليس كذلك؟ لا أعرف هويّته الحقيقيّة، لكنّه يجلب المال شهريًا.”
“لا داعي للتّسديد…”
“سأحصل على جزء من التّبرّعات ببيع أغراض القصر. سأفتّش القبو بالكامل. قد أجد حجر الحكيم. رغم أنّه من غير المرجّح أن يكون شيء مهمّ مدفونًا هناك.”
“سيدتي، لا تفعلي هذا.”
نظر دانتي بلا تعبير إلى أصابعي التي تتحسّس يده بنهم.
“حتّى لمس اليد يفعل ذلك؟ أنت مليء بالحيويّة. آسفة.”
لم أكن بريئة على الإطلاق، ففهمتُ كلامه جيّدًا. نظرتُ بطرف عيني إلى قلب الورود على السرير، مدركة أنّ هذا ليس جوًّا للإمساك باليد من أجل قضيّة نبيلة.
هذا الرجل حسّاس للأجواء.
“إذا أردتِ البقاء بمفردكِ، يمكنني الخروج قليلاً…”
“لا داعي.”
لا أعرف لماذا، لكنّه بدا متضايقًا قليلاً.
“ماذا ستفعلين إذا وجدتِ حجر الحكيم؟”
جاء سؤاله فجأة. أجبتُ دون تفكير.
“أليس لماتياس أصلاً؟ يجب إعادته. إذا سبقتُ أشخاص الطائفة الجشعين، قد يكافئني بحلّ اللغز بموقع كنز مليء بالذهب. نهاية سعيدة لأصبح غنيّة.”
هل تفاجأ بإجابتي؟ سعل دانتي بخفّة.
“…سأغيّر السؤال. إذا أعطاكِ قوّة هائلة مقابل إيجاده، ماذا ستفعلين؟”
شعرتُ وكأنّه يقول ‘لنثِر ثورة معًا إذا حصلنا على قوّة عظيمة!’ لا أعرف سبب الثورة بالضّبط، لكن إذا كان دافعنا متشابهًا…
“همم… ربّما أستخدمها لمعاقبة الأشرار الذين يؤذون الأطفال؟ أو لحماية أو إنقاذ شخص ما. يبدو أنّني أتظاهر بالطيبة، لكن ليس لديّ استخدام آخر. لا طموح عظيم كالسيطرة على العالم.”
إذا استطعتُ تحرير دانتي وكيليان وإيجيكل وأصحاب القدرات من معاناتهم.
لكن لذلك، يجب أن تتوقّف الحرب أوّلاً. ليس لأنّني أسعى للخير، بل لأنّني لا أريد البقاء وحيدة.
كلّ الطّرق المتفرّعة تؤدّي إلى هدف واحد: العيش مع الجميع بحياة عاديّة.
لكن لا أملك أيّ دليل عن مكانه. لا خيار سوى البحث في سجلّات الإمبراطوريّة السابقة أو ذكريات ريلكه.
لمع شيء في عيني دانتي الزرقاوان وهو ينظر إليّ بهدوء.
كنتُ سأسأله لماذا ينظر إليّ بهذا العمق، لكن سمعتُ صوت إليورد.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات