### الحلقة 75
اقترب دانتي بخطوات حازمة كجندي.
“كنتُ أمرّ من هنا فقط. دعني أسأل بدوري، لماذا يسيطر جنود على منزل مدني؟”
تردّد الجنود وتبادلوا النظرات تحت ضغط هيبة دانتي. بدا للجميع كشخصيّة رفيعة بفضل وقفته الموقّرة والمهيبة، مما أربكهم في كيفيّة التّعامل معه.
صدر أمر صارم من دانتي فورًا.
“كرّر رتبتك واسمك. نفّذ.”
“عريف، تشارلز بيريت!”
كأنّ النار أُشعلت تحت قدميه، ردّ الجندي برتبته واسمه تلقائيًا، ثمّ تفاجأ وأنزل يده التي أدّت التّحيّة.
“أمم، أعني… هذا ليس أمرًا يُجاب عنه لمدني.”
“هل هذه منطقة محظورة على المدنيّين؟ لماذا تتحكّمون بالوصول إلى منزل مدني؟”
“لا نتحكّم. جئنا فقط لمهمّة انتقال، ولا يمكننا قول المزيد. من أيّ جهة أنتَ؟ وجهك يبدو مألوفًا.”
بسبب الظلام الخافت، اقترب الجندي ليتأكّد من وجه دانتي.
إذا اكتُشف هويّة دانتي الآن؟ سينكشف أنّنا شككنا في الزوجين اللذين تبنّيا جيني وتبعناهما من الملجأ.
سيستخدم دانتي القوّة لإسكاتهم بالتأكيد، وهذا سيكون مشكلة.
هل حان دوري الآن؟ هيّا، يا براعة الارتجال!
“جهودكم مشكورة.”
وقفتُ متّشحة بالوقار، أنظر إلى الجنود بجدّيّة ويديّ خلف ظهري.
شعر بني عادي جدًا. لون مموّه يصعب تمييزه في الليل. بعد يوم واحد، سينسون شكلي بالتأكيد.
“قلتَ عريف تشارلز بيريت، صحيح؟”
أخرجتُ دفترًا صغيرًا كنتُ أحمله تحسبًا، وتظاهرتُ بتدوين اسمه وسألت.
من يستطيع أن يشعر بضغط أكبر من رؤية شخص يدوّن اسمك أمام عينيك؟
كما توقّعتُ، بدأ الجنود يتردّدون ويتبادلون النظرات، فابتسمتُ بلطف.
“لا تتوتروا. مررتُ فقط أثناء تفتيش مدني. أنتَ لم ترتبك رغم الأسئلة المفاجئة ولم تكشف معلومات عسكريّة، جندي حقيقي.”
مالت رؤوس الجنود بحيرة عند سماع صوتي المهيب.
“من أنتِ؟”
“ستعرفون عندما أعود. بصلاحيّتي، سأمنحكم إجازة مكافأة. تصرّفكم المثالي أثّر فيّ كثيرًا. أتمنّى أن يتعلّم جنود الإمبراطوريّة من هذا المثال روح الجنديّة الحقّة.”
في عالم يوجد فيه أصحاب القدرات، قد يكون هناك مسؤولون شباب مثلي بسهولة.
شاهدتُ برامج عسكريّة في حياتي السابقة، وها هي تؤتي ثمارها أخيرًا. العيش مع دانتي، الجندي الحقيقي، جعلني أتقن اللّهجة العسكريّة أكثر.
“ماذا؟ إجازة مكافأة؟”
بدَوا كمن حصلوا على وسام من القائد العام، يغطّون أفواههم بتعابير متأثّرة.
رفع دانتي ذقنه نحو الجنود وقال.
“لا تتحدّثوا عما رأيتم. نحن في تفتيش مدني الآن. نبحث عن جندي متخلّف ذي قدرات.”
“آه، من قيادة الأمن؟ بالطّبع، لن نتحدّث. سمعنا أنّ المتخلّفين ازدادوا مؤخّرًا.”
لحسن الحظّ، دانتي جيّد في مواكبة الموقف. وقفتُ بصدر مرفوع ويديّ خلف ظهري، وأشرتُ له برأسي.
“لنذهب الآن، النّقيب كايدن. الطّريق أمامنا طويل.”
حتّى تشويه الاسم كان مثاليًا. أدّى الجنود التّحيّة بوقفة مشدودة.
“ظننّا أنّكما متّشابكان كعاشقين بشكل واضح، فشككنا فقط. لم نقصد الإساءة. اذهبا بحذر!”
يبدو أنّ خطّة التظاهر بالعشق لم تكن كاملة.
في طريق العودة، همس دانتي.
“سيدتي، يجب أن نراقب لماذا يسيطر الجنود على محيط القصر ويدورون حوله.”
“نعم، يبدو أنّ الزوجين ليسا مجرّد موظّفين عاديّين. إليورد قال أيضًا أن ننتظر قريبًا. لنتمشّى بطبيعيّة؟”
سرنا بهدوء ودخلنا مبنى قريبًا من القصر.
لكنّه كان فندقًا. رحّب بنا المدير بلطف.
“أهلاً بكما، سنخدمكما براحة.”
“لا، دخلنا بالخطأ…”
“ههه، سأرشدكما بسرعة. بقيت غرفة واحدة فقط، جناح الحبّ الرّائع. يا لها من صدفة.”
غمز المدير لدانتي.
نحن حقًا لم نأتِ لهذا الغرض!
كان جناح الحبّ رائعًا بالفعل. أجواء دافئة تناسب الأزواج في ذكرى خاصّة.
دخل دانتي الغرفة بوجه جادّ وعمليّ، كأنّه يؤكّد براءته.
“لم أقصد ذلك، لكن… لنراقب الحركة من هنا طوال الليل.”
تحوّل الأمر إلى مهمّة مراقبة بشكل غير طبيعي.
أغلقتُ عينيّ بقوّة عندما رأيتُ قلبًا من بتلات الورود على السرير.
التزمنا بالحديث عن الجنود فقط، دون الالتفات إلى الغرفة، لنؤكّد أنّنا لسنا هنا لهذا الغرض، وركّزنا على القصر من النّافذة.
“السّيارة العسكريّة في الزاوية تشير إلى أنّهم يخطّطون لنقل شيء ما، كما قال الجنود.”
قال دانتي وهو ينظر إلى القصر بمنظار. كنتُ أحاول طرد الأفكار الغريبة بتفكير تافه مثل ‘الدونات أساسيّ في مهمّات المراقبة’.
“ماذا يريدون نقلَه؟ لا يوجد سبب لكلّ هؤلاء الجنود…”
“لهذا السبب هو غريب.”
“أليس هذا فخًا لاستدراجنا؟ يوقعون بنا في مكان هادئ ويهاجموننا.”
نظر إليّ دانتي بصمت.
هل كانت فكرتي مبالغة جدًا؟ ابتسمتُ بحرج، فتحدّث ببطء.
“كيف تتوصّلين إلى أفكار بهذه الإبداعيّة؟”
“هل بالغتُ في التفكير خارج الصندوق؟”
“أعني أنّها منطقيّة.”
“إذًا، يمكننا عكسها. نراقب فقط ولا نتبعهم.”
إذا كانوا يحاولون جذب انتباهنا بالجنود، فلا نعيرهم اهتمامًا.
لا يجب أن نطعمهم ردّة فعل.
* * *
تعمّق الفجر، لكن لم تظهر أيّ حركة في القصر.
هل يعكسون عدم اهتمامنا بعدم فعل شيء أيضًا؟ معركة أذهان كهذه، لا أستطيع تحمّلها!
“آه.”
لم أعد أتحمّل النّعاس.
التفتَ دانتي، الذي كان يشرب الشاي عند طاولة النّافذة، إليّ وأنا أتثاءب بشدّة.
“يمكنكِ النّوم.”
جلستُ على الأريكة، هززتُ رأسي بنفي وعبوس جادّ.
“لا. كمسؤولة عن هذه الخطّة، يجب أن أبذل قصارى جهدي حتّى النهاية. أنتظر أخبار إليورد أيضًا. بدا أنّه يراقب الدّاخل بالقرط الذي ألقيته.”
“هل تريدين قهوة إذًا؟”
“نعم.”
حضّر دانتي قهوة بماء سخّنه بالسّحر.
أمسكتُ كوب القهوة الدّافئ وأعجبتُ. القدرات مريحة حقًا.
“هل يمكنني سماع إجابتكِ الآن؟”
مِلتُ رأسي نحوه وأنا أرشف القهوة.
“أيّ إجابة؟”
“ما سألتُه أثناء تسلّلنا إلى الملجأ.”
ماذا سأل؟ تذكّرتُ فجأة، فاحمرّ وجهي. سألني إن كان يبدو رجلاً، أليس كذلك؟
“آه؟ تقصد سؤالك إن كنتَ رجلاً؟”
“كيف تحرّفيه هكذا؟”
تنهّد بخفّة.
ارتبكتُ وقلتُ شيئًا غريبًا!
“بما أنّنا نسمع، يجب أن أعرف لماذا تأكلين وجبات خفيفة على السرير دائمًا.”
أشار برأسه وهو يحثّني. آه! هل يجب أن يسمع هذا أيضًا؟
“ليست وجبات خفيفة، كنتُ أقرأ كتابًا وأكلتُ بعض الفول السوداني…”
بدأتُ أعترف بوجه ثقيل كمجرمة.
جلس دانتي على الأريكة المقابلة، يواجهني بوقفة مستقيمة.
“هل ظننتِ أنّكِ لن تُكتشفي؟ كان الأمر واضحًا جدًا، يمكنني تتبّع مساركِ بالفتات.”
“لن أفعلها مجدّدًا. أقسم. أراهن على كلّ شيء.”
لن أُمسك مجدّدًا أبدًا.
تحوّلت عيناه الزرقاوان إلى إصبعي الصغير الممدود للقسم. نظرة مليئة بعدم الثقة.
“ما الذي ستراهنين عليه؟”
“سأراهن على شارب قطّ الحظّ. يحتاج المرء إلى حظّ كبير ليجده.”
“…كفى.”
حسنًا، بهذا سيتجاوز الأمر. ابتسمتُ بلطف.
“لم تجيبي على السؤال الآخر. كان السؤال الرئيسي.”
كان مصرًا على سماع الإجابة التي يريدها، ينظر إليّ بثبات حتّى شعرتُ بجسمي يتلوّى.
“بالطبع تبدو رجلاً… لأنّك رجل. أنتَ أيضًا تراني امرأة ولست رجلاً، أليس كذلك؟”
“أراكِ سنجابًا.”
وضعتُ تعبيرًا مذهولاً. كيف يمكنه قول ذلك؟ مهارة التهرّب عالية جدًا!
فرك ذقنه وأكمل بجدّيّة دون اكتراث لتعبيري.
“أحيانًا، عند الأكل، تبدين كمن يكسر جوزًا صغيرًا.”
“سيّد دانتي…!”
يجب أن أنتقم. أجد حيوانًا يشبهه بسرعة وأسخر منه بنفس الطريقة.
فحصتُ وجهه بعناية. خطوط وجهه فنيّة. أنفه مستقيم بسلاسة. شفتاه ممتلئتان باعتدال. ياقة قميصه المغلقة بدقّة تعطي إحساسًا بالتقشّف وفي نفس الوقت شيئًا غامضًا…
“لماذا تنظرين بهذا التفصيل، هنا؟”
سأل وهو يشدّ ياقة قميصه.
أدركتُ قربه الشديد، فتراجعتُ مفزوعة.
“كنتُ أبحث عن حيوان تشبهه.”
“هل وجدتِ شيئًا؟”
“بعد التّحليل، تشبه كلب هاسكي سيبيري وسيمًا. لون عينيك كذلك، كبحيرة شتويّة غامضة.”
لأخفي أنّني أمعنتُ النّظر في ياقته كمتطفّلة، أشرتُ بإصبعين على شكل V نحو عينيه.
“عيناكِ بلون الأبسنت، سيدتي.”
(الأبسنت هو مشروب معروف بلونه الأخضر الزمردي)
شعرتُ وكأنّ البحيرة البعيدة اقتربت مجدّدًا. مال بجذعه يفحّص عينيّ وقال.
“اللون المفضّل لديّ.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 75"