### الحلقة 73
* * *
فجأة، أصبحت السّماء ملوّنة باللون البنفسجي، واختفى القمر خلف الجبال.
في تلك اللحظة، وصلنا إلى الغابة خلف الملجأ مباشرة.
كان داخل الغابة الممتلئة بأشجار طويلة مظلمًا كالليل، فصنع إيجيكل كرة ضوء ليضيء الطّريق وتقدّم أمامنا.
“هذه الغابة… تبدو وكأنّ أشباحًا ستظهر فيها. أشعر أنّ هناك قصّة مخفيّة، ويشعرني ذلك بالقشعريرة.”
حتّى وأنا أعيش مع كائنات شبه أشباح وثوّار محتملين، الخوف يبقى خوفًا. ربّما بسبب الأجواء الموحشة للغابة العميقة.
تشبّثتُ بذراع إيجيكل بقوّة وأنا أنظر حولي باستمرار، فهزّ ذراعه الممسكة وتذمّر.
“اتركيني. هذا يعيقني.”
“إذًا امسك يدي قليلاً.”
“كم مرّة أخبرتكِ ألّا تتصرّفي كطفلة؟ إذا واصلتِ النّزوات، سأترككِ هنا.”
تحدّث كأمّ توبّخ طفلها.
بينما كنتُ أحاول الإمساك بيده وهو يتهرّب منّي بكلّ الطّرق، توقّف دانتي فجأة عن المشي.
“تلقّيتُ للتوّ رسالة من إسايا.”
يبدو أنّ الفتى ذا التخاطر أرسل رسالة إلى دانتي. نظرتُ إليه بعينين متّسعتين.
“ماذا قال؟”
“قال إنّه ينتظر عند الباب الخلفي. لنسرع.”
شقّقنا الظّلام متّبعين دانتي الذي تقدّم أمامنا، وخرجنا من الغابة، ثمّ توقّفنا عند نهاية ممرّ ضيّق يؤدّي إلى الباب الخلفي للملجأ.
“إذا مددتِ يدكِ هنا، سيزول الحاجز.”
لم أرَ شيئًا بعينيّ. على أيّ حال، مددتُ يدي إلى الهواء كما أشار دانتي.
شعرتُ باهتزاز خفيف في أطراف أصابعي، وفي نفس اللحظة، تحطّم الحاجز كما لو كان زجاجًا رقيقًا شفّافًا.
“واو.”
نظرتُ إلى شظايا الحاجز المتلألئة التي تجمّعت ثمّ تفرّقت وأنا معجبة. شعرتُ وكأنّني فتاة ساحرة. إذًا، دانتي هو القطّ الأسود، الرفيق في قصص الفتيات الساحرات… لكن ليس تمامًا.
أنا، التي كنتُ شخصًا عاديًا، أصبحتُ مديرة القصر واكتسبتُ هذه القدرة. قدرة تلغي السّحر أو تكبته.
لكن، أليست هذه القدرة غير مفيدة جدًا لإدارة قصر؟ لا يمكنها إزالة الغبار على أيّ حال.
“لكن ألن يلاحظوا في الملجأ اختفاء الحاجز؟”
“بما أنّه اختفى تمامًا، لن يعرف صانعه حتّى.”
أجابني إيجيكل على سؤالي.
“من الآن، انتبهوا للأصوات.”
حذّرنا كيليان، الذي يصدر أعلى ضجيج بسبب درعه الثقيل عندما يتحرّك.
تقدّمنا نحو مبنى الملجأ بخطوات خافتة. رأيتُ فتى أشقر يقف عند الباب الخلفي. كان إسايا، الفتى ذو التخاطر.
“إسايا، مرحبًا. هل انتظرتَ طويلاً؟”
هزّ إسايا رأسه بخجل عندما سلّمتُ عليه.
“لا. وصلتُ للتوّ. لكنّ الذين سيتّبنون جيني سيأتون قريبًا.”
أمسكتُ يد إسايا بقوّة وابتسمتُ بلطف.
“شكرًا لمساعدتك. إذا كانت جيني في خطر، سأنقذها بأمان، فلا تقلق كثيرًا.”
“أنا من يشكركِ.”
في هذه الأثناء، كان إيجيكل يراقب ملابس إسايا بهدوء. ثمّ ارتدى نفس القميص والرّباط والسروال القصير والجوارب وقال.
“لندخل الآن.”
على الرّغم من أنّه يشبه أطفال الملجأ في العمر والملابس، شعرتُ بشيء غريب.
أمَلتُ رأسي، ثمّ أدركتُ السّبب وأشرتُ إلى شعره الوردي.
“إيجي، أليس لون شعرك مميّزًا جدًا؟ لم أرَ طفلاً بشعر وردي عندما جئنا آخر مرّة.”
“حقًا؟”
عبس إيجيكل ومرّر يده على شعره، فتألّق بلمعان وتحوّل إلى أسود. كان الشّعر الأسود الهادئ يناسبه أيضًا.
“وه، الأسود لطيف أيضًا. ألوان أخرى قد تكون لطيفة كذلك.”
“كلّ شيء يناسبني. لكن قولكِ ‘لطيف’ لرجل هو إهانة.”
ثمّ استخدم السّحر ليُظهر شعرًا بنيًا وأشقر. كلّ شيء يناسبه حقًا. تذكّرتُ عبارة “الشّعر يكتمل بالوجه”.
“هذا لون شعر كيليان.”
قال إيجيكل وهو يحوّل شعره إلى فضّي كالثلج.
“كان شعر السّيّد كيليان فضّيًا؟ جميل.”
“ميزة الأجانب.”
أجاب كيليان بدلاً منه وهو ينزل رداءه قليلاً.
لم أرَ وجهه تحت الخوذة، فكيف كنتُ لأعرف؟
“بالمناسبة، القدّيسة غالاتيا لها شعر فضّي أيضًا، أليس كذلك؟”
“هي أيضًا من الأجانب. فقدت والديها وتاهت حتّى وصلت إلى العاصمة.”
تذكّرتُ تعبيرها المرير وهي تحكي عن ماضيها، لكن كيليان تقدّم إلى الأمام.
“سأنتظر بالقرب من مدخل الملجأ.”
توجّه إلى الباب الأمامي محيطًا بالجدار، بينما دخلتُ أنا ودانتي وإيجيكل مع إسايا إلى الدّاخل.
شرح إسايا الوضع وهو يمشي.
“الآن، ربّما يودّعون جيني جميعًا.”
“حقًا؟ إسايا، هل سمعتَ شيئًا آخر عن الزوجين اللذين سيتّبناها؟”
لمس إسايا ذقنه النحيف وأجاب على سؤالي.
“سمعتُ أنّهما موظّفان في البلديّة.”
“حسنًا، شكرًا.”
وصلنا أمام غرفة المدير، ووقف إيجيكل بجانب إسايا أمام الباب وقال.
“سأراقب الرّدهة، فادخلا وابحثا عن الوثائق. سأنشر ستار التّخفّي، فلا تندهشا أو تتحرّكا إذا جاء أحد. إذا ارتبكتِ، قد يفشل التّخفّي.”
“حسنًا. سأندهش قليلاً فقط.”
نظر إليّ إيجيكل بعدم ثقة.
لا يمكنني ألّا أندهش أبدًا. أنا متوترة بالفعل ويديّ رطبتان!
“لكن هذا التّخفّي، أليس سحرًا متعبًا؟ لن تتقيّأ دمًا، أليس كذلك؟”
“لماذا تعاملينني دائمًا كضعيف؟ أستطيع فعل ذلك بسهولة.”
تركتُ تذمّر إيجيكل خلفي، ودخلتُ أنا ودانتي إلى غرفة المدير.
كانت مليئة بكتب دينيّة وزخارف دينيّة على جانب كامل. شعرتُ بالذّنب من التسلّل بسبب الجوّ.
ثمّ رأيتُ خزنة حديديّة بجانب المدفأة، تبدو وكأنّها تحتوي على أشياء مهمّة.
“بالطّبع، لا تُفتح.”
جرّبتُ تدوير القفل الدّائري، لكن لو كان يُفتح بسهولة لما كان خزنة.
أشار دانتي وكأنّه يقول اتركيها لي.
“سأتولّاها.”
“وه، كما يليق بجندي سابق.”
في الأفلام، يضعون أذنهم على الباب ويديرونه ليجدوا الرّمز.
بدا ظهره وهو يمشي نحو الخزنة موثوقًا ومطمئنًا.
كنتُ أتوقّع رؤية محترف يفتح الخزنة ببراعة…
صرير!
على عكس توقّعاتي، فتحها بالقوّة مباشرة.
نظرتُ إلى باب الخزنة المعجن كورقة بذهول.
رجل خطير يستخدم يديه أوّلاً. سلاح بشري بحدّ ذاته. يجب ألّا أتلاعب بهذا الرجل أبدًا.
“سيّد دانتي، لماذا قوّتك بهذا الشكل؟”
“يمكنكِ فعل ذلك أيضًا. مئة تمرين ضغط، مئة تأرجح بالسيف، وخمسة كيلومترات ركض يوميًا…”
لو اتّبعتُ هذا التدريب القاسي، سأصبح صلعاء قريبًا!
“لكن إذا أتلفتَها هكذا، سيعرفون أنّ أحدًا عبث بها.”
“سيصلحها إيجيكل لاحقًا.”
رجل يفعل ثمّ يترك العواقب للآخرين.
“طفل مسكين نهض من مرضه مؤخّرًا…”
“هذا لا بأس به. انظري ما بداخل الخزنة الآن.”
تبعتُ دانتي ونظرتُ داخل الخزنة. كانت مليئة بأوراق نقديّة ووثائق مجهولة مرتبة بعناية.
أمسك دانتي بحزمة وثائق وفحصها بدقّة.
“معلومات عن أطفال الملجأ، بما فيهم من ذهبوا للتبنّي، مدوّنة هنا.”
“لماذا يحتفظون بها في خزنة؟”
“قالوا إنّ معظم الأطفال هنا أصحاب قدرات، لذا يُفهم احتفاظهم بالوثائق في خزنة، لكن…”
أظهر لي ورقتين. في الزاوية العلويّة اليسرى، كُتب حرف “F” بالأحمر.
“يبدو أنّ الأطفال غير المستيقظين يُصنّفون بـ’F’، والمستيقظون بـ’A’. أوراق ‘F’ أقلّ بكثير من ‘A’. هناك معلومات عن الوالدين أيضًا، بما في ذلك قدراتهم.”
إذًا، معظم الأطفال هنا ولدوا لآباء أصحاب قدرات. هل يدرّب الملجأ من لديهم إمكانيّة الاستيقاظ، ويرسلون غير المستيقظين إلى مكان آخر؟
في تلك اللحظة.
‘المدير قادم.’
رنّ صوت إسايا في رأسي. سمعَه دانتي أيضًا، فأمسك ذراعي واختبأنا خلف المكتب.
“آخ…”
“هش.”
شعرتُ بأنفاسه المنخفضة على رقبتي.
كنتُ جالسة منحنية بين ذراعيه. شعرتُ بدوّار خفيف من ارتفاع صدره مع كلّ نفس، ورائحته الممزوجة بأنفاسه.
في الحقيقة، هذا الوضع أربكني أكثر من ظهور أحدهم.
جلستُ على ركبتيه متصلبة، مستندة برأسي إلى صدره، وفكّرت.
أليس هذا وضعًا للعشّاق الذين تجاوزوا مئة يوم معًا؟
“آه.”
عندما أدرتُ رأسي، كان وجهه الجانبي المنحوت قريبًا جدًا، فأعدتُ وجهي للأمام بسرعة.
هذا حادث.
مثل ذلك اليوم الذي استيقظنا فيه على سرير واحد، دقّ قلبي قليلاً بسرعة.
منذ وقت ما، أصبحتْ رائحته دافئة.
عندما التقينا أوّل مرّة، كانت رائحته حادّة تناسب انطباعه القوي كضابط شجاع. لكن الآن، تشبه رائحة قمصان آباء الأطفال.
أدركتُ مجدّدًا مدى صلابة صدره وذراعيه الواسعتين، فانكمشتُ قدر الإمكان. إلى متى سأظلّ هكذا؟
همستُ له محرجة وسألت.
“هل من الضروري أن نكون متلاصقين هكذا؟”
“عندما تخافين أو ترتبكين، تميلين إلى التشبّث بشخص ما لتشعري بالأمان، أليس كذلك؟”
صحيح. في عينيه، أبدو كأخطبوط جبان.
نظر إليّ دانتي بهدوء وأكمل.
“سيدتي، وجهكِ أحمر.”
عادةً، يسأل الأبطال الذكور ببلاهة ‘هل أنتِ مريضة؟’ أو ‘هل تعانين من عدم انتظام النبض؟’ أو ‘هل أنتِ تفّاحة؟’.
لكنّه قال.
“هل تشعرين بي كرجل؟”
انظر إلى تلك النّظرة المغرية.
ليس بريئًا على الإطلاق-
بل رجل بمهارة ثعلب ذي تسعة ذيول.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 73"