### الحلقة 72

لكنّهم ظلّوا صامتين دون ردّ.  

كنتُ كمؤدٍّ متحمّس أمام جمهور لا يتفاعل، شعرتُ بالإحراج والغرابة للحظة.

“سأنهض أولاً. عليّ الاستعداد لصباح الغد.”  

قال إيجيكل ذلك وهو ينهض من مكانه. لكن غدًا أيضًا مجرّد بيض مطهوّ على أيّ حال!  

نهض كيليان معه، مصدرًا صوتًا معدنيًا من درعه.  

“سأذهب لأرى إن كان توتو وألكسندر بخير.”  

توتو وألكسندر؟ كانا يأكلان طبقين وينامان…  

ثمّ نهض دانتي ببطء كمن كان ينتظر دوره.  

“سأتأكّد إن كانت هناك فتات بسكويت على سريركِ.”  

كيف عرف أنّني أكلتُ الفول السوداني على السرير بمجرّد عودتي؟ كنتُ متأكّدة أنّني لن أُكتشف هذه المرّة!  

لكن لماذا يهرب الجميع؟  

في النهاية، غادر الجميع، وبقيتُ أنا وإليورد وحدنا. نظر إليّ إليورد وهو يبتسم بلطف بعينيه.  

“الجميع مشغولون. أنا متفرّغ، يا سيدتي.”  

نظرتُ إلى هذا الخادم المخلص الذي بقي حتّى النهاية.  

“هؤلاء الناس، لا يريدون الحديث عن الماضي، أليس كذلك؟”  

“ربّما. لقد عاشوا حياة مختلفة تمامًا في الماضي. يبدو أنّهم يفضّلون الأعمال البسيطة التي يقومون بها الآن.”  

أعتقد أنّني أفهم شعورهم. عندما قال دانتي إنّه قتل الكثيرين في الحرب سابقًا، كان تعبيره مليئًا بالمرارة.  

مثلما شعرتُ عندما قابلتُ عائلة عمّتي، أو رأيتُ نفسي الصغيرة في الحلم.  

الذكريات المؤلمة هكذا دائمًا. تعيدك إلى الماضي السيّئ، تجعلك تواجه الألم والمشاعر بوضوح مرّة أخرى.  

ربّما يريدون نسيان تلك الأيّام تمامًا والعيش دونها.  

عندما غرقتُ في الصمت، أشار إليورد إلى رأسه وقال.  

“وربّما يخافون أن تشعري بخيبة أمل منهم. لا أتعاطف مع ذلك، لكنّني أفهمه بعقلي.”  

“لن أشعر بخيبة أمل بسبب شيء كهذا…”  

“قد يبدو الأمر تافهًا للآخرين، لكن من عاشه قد يراه عارًا. التجارب مختلفة، وكذلك الأفكار والمشاعر.”  

صحيح، قد يكره المرء أن يعرف المقرّبون شيئًا كهذا. يخاف أن يتغيّر نظرتهم إليه. ربّما يكون من الأسهل قوله لغريب.  

أنا أيضًا تظاهرتُ باللامبالاة والقوّة لهذا السّبب.  

“يبدو أنّ الأمر كذلك.”  

لو لم أفهم هذا الشعور، لربّما شعرتُ بالإهانة ظنًا أنّهم يستبعدونني أو لا يثقون بي.  

لكن حتّى مع فهمي له، شعرتُ بمرارة بدلاً من الارتياح.  

الأكثر من ذلك، يبدو أنّ هذا الخادم بارع في فهم النّفس البشريّة. حسنًا، الشياطين خبراء في استغلال نقاط ضعف البشر ورغباتهم لعقد الصفقات.  

‘تبدين قلقة، أليس كذلك؟’ ثمّ يقتربون بلطف، يقدّمون النّصح، ويسرقون الرّوح.  

عند التفكير في ذلك، ألم يكن إليورد قد لاحظ رغبتي الشديدة؟ المال، الثروة، النقود…  

نظرتُ إليه بعينين مرتابتين وسألت.  

“تلك الاستثمارات التي أجريتها بمالي سابقًا. أريد معرفة تفاصيل وضعها الآن. أحتاج إلى بعض المال حاليًا.”  

“آه، لقد خسرنا بعض الشيء. الأسهم هكذا دائمًا.”  

“كم؟”  

“فجأة أشتقتُ لرؤية دفتر الحسابات. سأذهب لأتأكّد منه.”  

أدار الخادم الشيطان وجهه محاولاً التهرّب، ثمّ فرّ على الفور.  

وقفتُ وحيدة مذهولة، أرمش بعينيّ، ثمّ صرختُ نحو الجهة التي اختفى فيها ذلك الخادم اللعين.  

“إذا خسرتَ كلّ شيء، سأصادر ساعتك اليدويّة!”  

* * *

غادر دانتي وإيجيكل وكيليان الغرفة وتوجّهوا مباشرة إلى ركن في الحديقة. 

وقف كيليان بين الأشجار المظلمة وتحدّث بحذر.  

“أليس من الأفضل أن نخبر السيدة الآن؟ عن حياتنا في الماضي، وعن ما ننوي فعله لاحقًا.”  

تعاسة أصحاب القدرات اليوم بدأت من قلق الإمبراطور الحالي.  

منذ الإمبراطور الأوّل الذي عقد صفقة مع شيطان وأسّس الإمبراطوريّة، ورث الأباطرة قوّة الشياطين جيلاً بعد جيل.  

لذلك، كان الإمبراطور يظنّ أنّه سينتهي إلى الجحيم بعد موته ليدفع ثمن ذلك، فظلّ قلقًا طوال الوقت.  

لهذا السّبب اختار زوجة تمتلك القوّة المقدّسة كإمبراطورة منذ البداية.  

وعندما اقترب من سنّ الموت، تفاقم قلقه بشكل مرضي. بدأ يعتمد على زعيم الطائفة والقدّيسين الاثني عشر ليطلب رحمة الإله، ممّا أدّى إلى تعزيز قوّة الطائفة بشكل طبيعي تحت ذريعة الخلاص الإلهي.  

الهيكل التمييزي الذي يقدّس أصحاب القوّة المقدّسة ويضحّي بأصحاب القدرات في الحروب كان أيضًا نتيجة قلقه المرضي. لهذا لم يتمكّن إيجيكل ودانتي وكيليان من تجنّب الحرب.  

بالطبع، لم يكن أصحاب القدرات ليقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا الوضع الظالم.

 بدأت تتشكّل مواجهة بين أصحاب القدرات وأصحاب القوّة المقدّسة.  

الأميرة ألكسي هي من عارضت بشدّة استخدام أطفال أصحاب القدرات في الحرب، وسعت لتمرير قانون حماية ومواجهة الطائفة.  

لذا تحالف دانتي ورفاقه مع الأميرة ألكسي ليقطعوا سلسلة الظلم التي يعاني منها أصحاب القدرات، وساعدوها للوصول إلى السّلطة.  

هدفهم النهائي هو وضع الأميرة على العرش بدلاً من الإمبراطور الذي فقد تمييزه، والقضاء على نفوذ الطائفة وإيقاف الحروب.  

في النهاية، سيضطرّون حتماً لمواجهة الإمبراطور. سواء كان ذلك بانتزاع العرش، أو ثورة، أو تمرّد.  

عبس إيجيكل قليلاً وهو يتذكّر الماضي.  

“لماذا نخبرها؟ إذا ارتبطت بنا، ستتعب فقط دون داعٍ. علينا فقط حماية حياتنا العاديّة من الاستغلال. هذا ما سنفعله لاحقًا.”  

وأثناء حديثه، عبث بشعره الوردي وعبس أكثر.  

“حياتنا ليست عاديّة أصلاً، لكن لا يمكننا أن نسمح لها بالسير في نفس طريقنا. وكذلك أطفال أصحاب القدرات الآخرين.”  

ربّما تستغلّ الطائفة أطفال أصحاب القدرات. بل إنّهم أظهروا اهتمامًا بميا، المديرة الجديدة للقصر. يريدون قوّة كبيرة للسيطرة حتّى على العائلة الإمبراطوريّة.  

“إذا كان كشف قدرة السيدة أمرًا مزعجًا، ألا يجب أن تتجنّب خطّة الملجأ هذه؟”  

هزّ إيجيكل رأسه عند سؤال كيليان.  

“قال سيّد القصر إنّ علينا السير في الطّريق الذي نراه صوابًا. قصده أنّ دورنا هو مساعدة ميا دون عرقلتها، طالما أنّها لا تستطيع سوى الدفاع عن نفسها. الطائفة لن ترى فيها قيمة للاستغلال على أيّ حال.”  

تنهّد ووضع يديه في جيوب بنطاله وأكمل.  

“لكن في يوم الصيد، عندما انفتحت البوّابة، شعرتُ أنّ لدى ميا إمكانيّة للاستيقاظ. كأنّ طاقة غريبة كانت تحوم حولها، شيء كامن. القائد ربّما لم يلاحظ بسبب درعه، لكن الجنرال بالتأكيد شعر بها.”  

أومأ دانتي برأسه ببطء وهو واقف باستقامة. كتّف إيجيكل ذراعيه وسأل بجدّيّة.  

“أيّها الجنرال، هل قلادة ميا هي حقًا حجر الحكيم؟”  

“تساعد في استخدام القدرات، لكن لا يمكننا اعتبارها حجر الحكيم.”  

على الأرجح، حجر الحكيم الذي تتوقّعه الطائفة هو قوّة تستدعي أحد الشياطين العظام السبعة وتدمجه في الجسد.  

مثل قدرة الموت التي استخدمتها ريلكه، المديرة الأولى، لقتل رسول الحاكم في حلم ميا.  

“بالأحرى، القلادة تمتلك قوّة تكبح السحر. يمكنها إلغاء القوّة الموجّهة إليها حسب شدتها. ربّما تمنع الاستيقاظ الذي تخشى منه.”  

نظر دانتي إلى إيجيكل بعينين حازمتين.  

“لا يمكننا أن ندع السيدة تكرّر مصير المديرة الأولى.”  

* * *

يوم عمليّة التتبّع المنتظرة.  

غادرتُ أنا ودانتي وإيجيكل وكيليان القصر بملابس غير ملفتة. كيليان، الذي يرتدي الدّروع دائمًا، كان لافتًا جدًا، فارتدى رداءً أسود يغطّي جسده بالكامل.  

“عودوا بسلام. سأدعمكم من المقرّ.”  

قرّر إليورد البقاء في القصر كخادم نموذجي.  

يبدو أنّه لا يريد مساعدة الآخرين مباشرة. يا له من شيطان بارد…  

“سيدتي، هل تسمعينني جيّدًا؟”  

عند سؤال إليورد، لمستُ القرط التّواصلي في أذني وأومأتُ.  

“أسمعك بوضوح شديد لأنّك تتحدّث من أمامي مباشرة.”  

رفع نظارته الأحاديّة ونظر إليّ بجدّيّة.  

“يمكنني إخباركِ بالوضع المحيط حتّى من بعيد، فلا تقلقي. سأحضّر محاميًا مسبقًا تحسبًا لأيّ اتّهام بالتسلّل غير القانوني.”  

دورك هو منع حدوث ذلك أصلاً!  

نظرتُ إلى إليورد بارتياب، فأضاف.  

“كخادم موثوق وكفء.”  

لا إنسانيّة لديه، لكنّه خادم كفء، لذا سيقدّم الدّعم بلا شكّ.  

“اعتنِ بالأمور اللاحقة جيّدًا، يا إل.”  

“بالطبع، يا سيدتي.”  

انحنى إليورد بجذعه نحوي وابتسم بلطف بعينيه.  

المترجمة:«Яєяє✨»