### الفصل 70
“هل لم يُخبرك أحد لماذا يُطلقون عليّ لقب النهمة؟”
خضع الكاهن للجوّ البارد وانحنى بسرعة، مدركًا خطأه متأخرًا.
“أعتذر، أعتذر…”
“لقد سمعت التعليمات، أليس كذلك؟ لا تعبث معي أثناء الأكل.”
ابتسمت غالاتيا مجدّدًا، وضعت آخر قطعة شطيرة في فمها، ثمّ وقفت ببطء. ظلّ الكاهن متجمّدًا دون حراك.
مسحت فتات الخبز عن يدها على ملابس الكاهن وهمست:
“بما أنّك جديد، سأتغاضى. لكن إذا تكرّر ذلك، ستموت، حسنًا؟”
كانت نبرتها لطيفة كأنّها تذيب الجليد بأشعة شمس الصيف، لكن مضمونها قاسٍ للغاية.
“لاتيه قد تأكل الناس إذا جاعت. تأكل كلّ ما يمكن أكله. لهذا يسمّونها لاتيه النهمة.”
تحوّل وجه الكاهن إلى شحوب عند كلماتها الإضافيّة.
“نعم، نعم… سأتذكّر ذلك. أعتذر.”
“أمزح فقط. يا لك من ساذج.”
ضحكت بصوت عالٍ وتوجّهت إلى غرفة الكاهن الأكبر.
عندما فتحت الباب ودخلت، وقف شخص كبير ذو لحية طويلة فور رؤيتها وقال:
“القدّيسة غالاتيا، انتظرتكِ.”
“ما الأمر؟”
عندما قدّم الكاهن الاكبر علبة دونات، أشرق وجه غالاتيا. جلس مجدّدًا وتابع:
“الجنرال دايك وخطيبته ميا فورتونا زارا الدار، أليس كذلك؟ هل التقيتهما؟”
“نعم.”
أومأت غالاتيا وهي تمضغ دونات مرشوش بالسكّر. سعل الكاهن الاكبر بخفّة وقال:
“أريد سماع رأيكِ عن ميا فورتونا. كيف وجدتيها عندما رأيتيها؟ من الصعب جمع معلومات مع وجود الجنرال دايك وسيّد البرج السابق والسيّاف الماهر حولها…”
نظر إليها وهو يخفض صوته، فسألت بوجه متسائل:
“ألستم ترسلون مراقبين من المنظّمات السريّة باستمرار؟ لماذا تسألون لاتيه؟”
“باستثناء قائد العمليّات الذي عاد حيًا في البداية، يختفي كلّ من نرسلهم. منذ أن اقتحم دايك منظّمة فرعيّة بمفرده ودمّرها، أصبحت المنظّمة متردّدة في تخصيص المزيد من الأفراد.”
رفع الكاهن الاكبر حاجبيه وتابع:
“ربّما تمتلك شيئًا يجعلهم يبالغون في ردّ فعلهم هكذا.”
“إنّه مجرّد رجل سيّئ الطباع. متعجرف، لا يطيع الأوامر، كان مشكلة في الجيش أيضًا.”
“…على أيّ حال، كيف هي؟ ميا فورتونا.”
“هم.”
أمسكت دونات بكلتا يديها وغرقت في التفكير.
هل أخبره؟ أنّها من نفس نوعي.
“كانت عاديّة بشكل تافه. لم يكن لديها قدرات مذهلة. لكن حسب نبوءة قدّيس أبريل، أصبح مؤكّدًا أنّها مديرة القصر لهذا الجيل. هل هناك المزيد لمعرفته؟”
مدّ الكاهن الأكبر يده على لحيته وأومأ برأسه وقال:
“ربّما حصلت على حجر الحكيم المفقود منذ زمن. لذا يبقى هؤلاء، بمن فيهم الجنرال، حولها.”
*”امرأة ذات شعر بنيّ وعينين خضراوين، تحمل اسم القدر، ستحمل رسالة القدّيسة وكيلة الحاكم.”*
كانت هذه نبوءة قدّيس أبريل، متلقّي الوحي الإلهيّ.
أرسلت الطائفة أشخاصًا للبحث عن بطلة النبوءة، واعتقدوا أنّ ميا، التي تحمل لقب فورتونا (القدر)، هي تلك الشخصيّة، فراقبوها منذ زمن.
اشتبهوا أنّ القلادة التي ترتديها دائمًا هي حجر الحكيم. ظنّوا أنّ الحجر المفقود اختارها وقادها إلى قصر غارسيل.
فسّروا أنّ وكيلة الحاكم في النبوءة هي مديرة القصر.
مال الكاهن الأكبر بجذعه نحوها وقال:
“القدّيسة، هل رأيتِ القلادة التي ترتديها دائمًا؟ هل يمكن أن تكون حجر الحكيم؟”
سخرت غالاتيا ومرّرت يدها على جبهتها وقالت:
“لا أحد يعرف حتّى لو رآها، أليس كذلك؟ لاتيه لا تعرف أيضًا. لا أحد يعلم سوى سيّد القصر. اسمه فقط بقي، لا شكله. ألم يفشل المدير الثاني في إيجاده طوال حياته؟”
كانت الطائفة تعلم أنّ مدير القصر يرث قدراته عبر رمز المدير السابق. علموا أنّ المدير الثاني، هيكتور، المتحمّس للاستكشاف كدكتور هندسة، بحث عن حجر الحكيم ليرث القدرات.
“نعم، لم يحصل هيكتور على الحجر، لذا انتهت قدرته عند صناعة الأسلحة الهندسيّة، لكنّها قد تكون مختلفة. نحاول معرفة أيّ قدرة حصلت عليها.”
أكلت غالاتيا دونات الشوكولاتة بسرعة وقالت:
“ميا فورتونا تختلف عن المديرين ذوي القدرات السابقين. حتّى لو ورثت تلك الأشياء العظيمة، فكونها عاديّة يعني أنّها تستخدم جزءًا ضئيلاً فقط. لن تكون موهبة تستحقّ استغلال الطائفة.”
بالطبع، الآن.
كانت كلمات غالاتيا مبنيّة على الحقيقة غالبًا، لكنّها بارعة في إخفاء التفاصيل المهمّة.
تنهّد الكاهن الأكبر، الذي يعرف ذلك جيّدًا، وهو يمسك جبهته المجعّدة وقال:
“لأنّ هناك احتمالاً ضئيلاً. خطّتنا لتزويجها من السير كايدن ومراقبتها فشلت، وتعقّدت الأمور بسبب ارتباطها بالجنرال دايك. لا أعلم إن كانوا خططوا لشيء أو أنّه حبّ حقيقيّ. هل ترينها كعاشقة حقيقيّة، يا قدّيسة؟”
“لاتيه لم تعشق، فلا تعرف ذلك. ألا تعرف أنتَ بمجرد النظر؟”
أظهر الكاهن الأكبر تعبيرًا حزينًا كأنّه أُصيب في مقتل وقال:
“65 عامًا من حياة مكرّسة للإيمان، لم أحب مرّة واحدة…”
“حياة الكاهن المتقشّفة. لا طعام لذيذ خارج المآدب، ولا شراب بلا حدود.”
على العكس، كانت غالاتيا، التي انضمّت للطائفة بدافع النهم لا الإيمان، استثناءً. كانت تتناول وجبات دسمة يوميًا مع الخمروالحلويّات بلا قيود.
بالطبع، كان هناك من يعترضون على ذلك سابقًا. لكن بعد اختفاء كلّ من اعترض على أهليّتها دون أثر، لم يجرؤ أحد على الشكوى من هذا الاستثناء.
منذ ذلك الحين، بدأ الجميع يخشونها.
ضحكت غالاتيا، التي لا تخشى شيئًا، بخفّة وقالت:
“قلوبكم مليئة بالطمع القذر، ومع ذلك متصنّعون. ليتهم صادقون مثل لاتيه.”
“ماذا نفعل؟ الإنسان بطبعه دنس.”
“لا تتحدّث كطرف ثالث. أنتَ مشمول أيضًا.”
“…لا تجرحي جد ضعيفًا كهذا أكثر.”
لم يستطع الغضب حتّى عند الإهانة المباشرة. كانت بريئة المظهر لكن ذات طبع شرس.
بل كانت مفرطة في إشباع رغباتها، كشيطان يمتلك الطمع البدائيّ والشرّ المحض.
هل هي بشريّة أصلاً؟ فتح الكاهن الأكبر فمه بعد تفكير عميق وسعل وقال:
“…على أيّ حال، الجميع يعلم أنّ الطائفة تقف خلف ذلك.”
“وماذا بعد؟”
لم يكن وجه غالاتيا سعيدًا وهي تنظر إلى علبة الدونات الفارغة.
شعر الكاهن الأكبر بجوّها المتوحّش وأمر كاهنًا بسرعة بجلب المزيد من الطعام وقال:
“لقد أرسلنا أعضاء المنظّمة إلى القصر ونشرنا شائعات عنها.”
استرخى وجه غالاتيا عند رؤية الحلويّات الجديدة وقالت:
“لمعرفة قدرات ميا فورتونا بإثارتها، أليس كذلك؟ لكن الجنرال والأميرة لاحظا ذلك منذ زمن، فلا فرق. الطائفة مرتبطة بالمنظّمات السريّة.”
أكلت مادلين ليمون، منتفخة الخدّين، وابتسمت بسعادة. أومأ الكاهن الأكبر وقال:
“في الحقيقة، كنا نأمل أن يبدأ الجنرال والأميرة بمواجهة الطائفة أوّلاً. إذا صارعت الطائفة الدين الرسميّ بشكل كامل، سيكون من السهل وصمهما بالخروج عن الدين ودفنهما.”
هل يخطّطون لإزاحة الأميرة ألكسي المناهضة للطائفة وتنصيب قريب آخر على العرش؟ مع التحقّق من قيمة ميا فورتونا أيضًا؟
يعيش الجميع بطمع كبير. وضعت غالاتيا كوب الحليب الذي كانت تشربه وقالت:
“يبدو أنّهم يشكّون في الدار أيضًا. لذا أرسلت الأميرة الجنرال دايك والقائد أوه إلى هناك، أليس كذلك؟ إنّها ملاذي الوحيد، مزعج جدًا.”
نظر الكاهن الأكبر بحذر لنبرتها القاسية وتابع:
“تركنا بعض الثغرات عمدًا. أرجو تفهّمكِ. الجنرال دايك وميا فورتونا سيستمرّان في التطوّع، فستتسنّى لكِ فرصة التواصل. إذا حصلتِ على معلومات، هل يمكنكِ إخبارنا؟ معرفة قدراتها فقط ستكون مثاليّة.”
كانوا ينوون لقاء غالاتيا وميا عمدًا، لأنّها لا تطيع الأوامر.
انتظر الكاهنالأكبر ردّها بقلق، فابتسمت ببراءة ونظرت إليه وقالت:
“لماذا لم تتواصلوا معها مباشرة من قبل؟ كانت هناك فرص كثيرة.”
“كان أمر السيّد الأعلى حينها مراقبتها فقط. لا أعرف السبب. ربّما لمنع تسرب المعلومات للأميرة.”
“هم، بالمناسبة، أنا مهتمّة بها فعلاً. أردتُ أن نكون صديقتين. و-”
على عكس ابتسامتها البريئة، جاء تحذير قاسٍ:
“الوجبات مؤخرًا سيّئة، فأخبروا السيّد الأعلى أن يبذل جهدًا أكبر.”
لم تكشف غالاتيا عن الكيان المخفيّ في ميا فورتونا.
الطائفة، التي تسيطر على السلطة، ترى ميا كوسيلة لتعزيز نفوذها فقط، عمياء بطمع السيطرة عن رؤية أبعد.
*”ستحمل رسالة القدّيسة وكيلة الحاكم.”*
ما كانت رسالة ريلكه تيريزا دي بياسا في الماضي؟
همست غالاتيا وهي تخرج من غرفة الكاهن الأكبر وتمشي في الرواق، ناظرة من النافذة:
“ميا فورتونا.”
في ميا، كانت ذكرى ريلكه محبوسة. بالأدقّ، طاقة شيطان عظيم يحاول السيطرة على جسدها وانتزاعه.
“ما الخيار الذي ستتّخذه؟ أنا فضوليّة.”
إمّا أن تُنهب، أو تنهب.
انخفضت عيناها الفضيّتان الهادئتان. بدأت طاقة سوداء تتسلّق كاحل غالاتيا الواقفة وترتجف.
* * *
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 70"