### الفصل 68
كان الأطفال منهمكين في تأمّل الكعكة طوال الوقت. لحسن الحظّ، بدا أنّ إسايا تخلّص من القلق الذي ظهر عليه قبل قليل وابتسم وهو ينظر إلى الكعكة.
“واه… إنّه فورور! الكعكة رائعة جدًا!”
“أنا من صنعها.”
كان دانتي رجلاً لا بدّ أن يتباهى. ضحك الأطفال بمرح وصفّقوا له بحرارة.
“هل صنعها الأخ الكبير؟ مذهل!”
“كم فرق السنّ بيننا حتّى تناديني أخًا؟”
“إذن، عمّي؟”
“الأخ أفضل على ما يبدو.”
تنهّد دانتي وهو يتحدّث بلا مبالاة، بينما خرج صوت متأثّر من خوذة كيليان:
“الأطفال يحبّونها حقًا. عندما كنتُ صغيرًا، لم أحظَ بحفلة، بل تدرّبتُ على البقاء ثلاثة أيّام في وادٍ تسكنه الشياطين كاحتفال بعيد ميلادي.”
ما هذا… أليس التدريب القاسي الذي تلقّاه مبالغًا فيه؟
كان كيليان يرتدي قبّعة حفل فوق خوذته. أنا وغالاتيا وكايدن كنّا نرتدي قبّعات مخروطيّة منقّطة لا تناسبنا. أمّا دانتي، الذي يهتمّ بالأناقة، فلم يرتدِ شيئًا.
“اجلسوا بسرعة. لنغنّي أغنية عيد الميلاد، يا أطفال.”
عند كلامي، بدأ الأطفال الجالسون حول الطاولة الطويلة بغناء التهنئة. كان أصحاب العيد الثلاثة يرتدون قلادات الحلوى، مرتبكين لكنّهم سعداء.
“بي!”
لعق توتو خدود الأطفال مرّة لكلّ واحد كتعبير عن التهنئة. ضحك الأطفال الذين قبّلهم التنّين بصوت عالٍ.
“تمنّوا أمنياتكم بسرعة. من سيبدأ؟”
ابتسمت غالاتيا وسألت، فرفع صبيّ ذو شعر قمحيّ يده بوجه جادّ وقال:
“سأبدأ أنا.”
“حسنًا، إليوت.”
أصدر الصبيّ سعالاً خفيفًا، ثمّ جمع يديه بتقوى وقال:
“أتمنّى أن أُتبنّى من والدين يدعمان مستقبلي وتعليمي بسخاء، يمتلكان ثروة كافية، ونظرة تربويّة سليمة، وثقافة.”
…هل هذا طفل؟ أليس في الثلاثين؟ أمنيته واقعيّة جدًا.
ألا يتمنّى الأطفال عادةً “اجعلني تنّينًا” أو “اجعلني محاربًا سحريًا”؟ أنا فعلتُ ذلك.
في هذه الأثناء، كادت فتاة ذات شعر بنيّ محمرّ أن تبكي عندما جاء دورها وقالت:
“أفتقد أمّي.”
لا أعرف إن كان والداها متوفّيان أو تخلّيا عنها، لكنّ الحنين الذي ملأ عينيها كان واضحًا.
“جيني، ستنتقلين قريبًا للعيش مع والدين طيّبين، أليس كذلك؟ إنّه يوم سعيد، فلا تبكي.”
ربتّت كوزيت، المعلّمة، على كتف الفتاة بلطف.
“هل تمّ تحديد مكان تبنّيها؟”
عندما سألتُ بهدوء، أومأت كوزيت برأسها وقالت:
“نعم. أشخاص لم يُرزقوا بأطفال زاروا الدار، وقد أعجبتهم جيني كثيرًا.”
في تلك اللحظة، أرسل إسايا نظرة صامتة نحوي، وسُمع صوته:
– *سيأتون لأخذها غدًا مساءً. تغيّر الموعد فجأة.*
تفاجأتُ بصوت الصبيّ يرنّ مباشرة في رأسي، لا عبر أذنيّ. هل هذه قدرة توارد خواطر؟
– *هذه قدرتي، يا سيّدتي. أنا في الحقيقة ذو قدرات شيطانيّة. لم أخبركِ خوفًا من أن تكرهيني. أعتذر.*
كيف يمكن ذلك؟ هززتُ رأسي بنفيّ قاطع، فانتشر الارتياح على وجه إسايا المتوتّر.
– *أنا الوحيد ذو قدرات شيطانيّة في الدار.*
هذا المجتمع يرفض الشياطين ككيانات سلبيّة، لكنّه يستخدم ذوي القدرات الشيطانيّة كمواهب للإمبراطوريّة، وهو تناقض واضح.
لهذا كان قلقًا من الكراهية. وبما أنّ الدار تابعة للطائفة، فهي تعلّم أنّ الشياطين شرّ بحت. ربّما ابتعد الأطفال عن إسايا سرًا.
ربّما لهذا أراد أن يُتبنّى من دانتي، وهو أيضًا ذو قدرات شيطانيّة.
هل يسمع دانتي صوته أيضًا؟ أدرتُ عينيّ فقط لأنظر إلى دانتي خلسة، ثمّ عدتُ إلى الطفل.
سرعان ما تابع صوت إسايا الحزين:
– *جيني هي الصديقة الوحيدة التي عاملتني بطبيعيّة رغم ذلك. وهي لم تستيقظ قدرتها بعد، فأنا قلق إن كانت ستذهب حقًا إلى بيت جيّد.*
شعرتُ بألم في صدري عند رؤية عينيه الكئيبتين.
نعم. يجب أن أتحقّق من ذلك. ليس أمرًا صعبًا، أليس كذلك؟
إذا كانت الطائفة تحتفظ بالأطفال ذوي القدرات المستيقظة فقط لتخطّط لشيء ما، فإلى أين يذهب غير المستيقظين؟
فجأة، تذكّرتُ كلمات دانتي الحزينة:
“أتمنّى ألّا يصبح هناك شخص بالغ مثلي مجدّدًا.”
كنتُ أشعر بالمثل.
* * *
قبل مغادرة الدار والعودة إلى المنزل بعد التطوّع، أخبرتُ المديرة أنّني أريد “التطوّع المنتظم”.
“التطوّع المنتظم كوعد مع الأطفال. إذا قلتِ إنّكِ ستأتين بانتظام ولم تفعلي، سيتأذّى الأطفال.”
عند نبرتها القلقة، أظهرتُ وجهًا واثقًا لأطمئنها وقُلت:
“لن أخيّب أمل الأطفال، سأحضر باستمرار.”
“فهمتُ نواياكِ جيّدًا، أيتها المتطوّعة. لكن أوّلاً، يجب دفع تبرّع سنويّ كرمز للالتزام. يُستخدم التبرّع للدار والأطفال.”
كنتُ قد ادّخرتُ بعض المال من بيع الأشياء ومصروف القصر من ذلك الموظّف اللعين. إنّه لأجل الأطفال، فأنا مستعدّة لدفعه.
هكذا فكّرتُ، لكن…
“التبرّع السنويّ للتطوّع هو 10 ملايين.”
يا إلهي.
كيف يقولون كلامًا قاسيًا لفقيرة تكسب 4 ملايين شهريًا وتنفقها على رواتب الخدم؟
“هل هو مبلغ لكلّ شخص؟”
“نعم. السيد القائد والجنرال لا يحتاجان للدفع لأنّهما من ذوي القدرات الذين يخدمون الإمبراطوريّة، لكنّكِ، يا سيّدتي، مواطنة عاديّة.”
“ليس لديّ قدرة على دفع هذا المبلغ الكبير… هل يمكنكم تخفيضه؟ رغبتي في التطوّع تساوي 20 مليون على الأقل.”
ضحك المدير بمرح عند طلبي المهذّب وقال:
“تخفيض التبرّع؟ هذه نكتة ممتعة لم أسمعها منذ 30 عامًا.”
أليس مضحكًا أنّه لم يطلب أحد التخفيض لمدّة 30 عامًا؟ كان طلبي جدّيًا!
مهما نظرتُ، هذه الدار فاسدة بلا شكّ. من الواضح أنّ الطائفة تأخذ معظم التبرّعات. تحول شكّي إلى يقين في تلك اللحظة.
في هذه الأثناء، حافظ المدير على ابتسامة ودودة وقال:
“في الحقيقة، إنّه يستحقّ ذلك. سواء كنتِ عاديّة أو ذات قدرات، عند التبرّع بـ10 ملايين غ، تحصلين على شهادة بلاتينيوم المؤمن من الطائفة.”
تحدّث كأنّ ذلك ميزة كبيرة، ثمّ أخرج من جيبه دفترًا صغيرًا مزخرفًا بحروف لامعة وأراه لي:
“مع شهادة البلاتينيوم، تحصلين على مشاهدة مسرحيّة مجانيّة 3 مرّات شهريًا، حضور قدّاس الفجر الخاصّ، مقاعد VIP في فعاليّات الطائفة، خصم 15% في المتاجر والفنادق المتعاونة…”
كأنّها بطاقة ائتمان بلاتينيوم للـVIP. تابع المدير عرضه المتمرّس:
“إذا تجاوزتِ الحدّ الأدنى للتبرّع، تحصلين على شهادة المؤمن السوداء، تُصدر حصريًا لـ140 ألف شخص فقط حول العالم. معها، تُمنحين أولويّة النجاة في حالة كارثة مثل نهاية العالم. لكن إذا تبرّع شخص آخر بمبلغ أكبر، تتراجعين في الترتيب، لذا يجب زيادة التبرّع للحفاظ على رتبتكِ الإيمانيّة.”
“ما الحدّ الأدنى لشهادة المؤمن السوداء؟”
سأل كيليان، الذي كان يستمع بصمت، المدير الذي يشرح بطلاقة. فمدّ المدير أصابعه العشرة وابتسم بلطف وقال:
“الحدّ الأدنى هو مليار . ثمن رخيص للنجاة من نهاية العالم.”
أليس الحدّ الأدنى لدخول دار رعاية فاخرة مليار ايضًا؟
شهادة المؤمن السوداء… حادّة جدًا.
يمكن شراء حزمة النجاة من نهاية العالم بمليار؟ للحصول عليها، ستُدمّر حياتي قبل العالم.
حتّى لو اختلفت العصور، هذا دين من عالم آخر لا أفهمه. إن لم يكن هذا طائفة مضلّلة، فما هو؟ إذا كان الحاكم حقيقيًا، لما أنقذ الأغنياء مقابل المال فقط.
تراجعتُ بنفور وقُلت:
“سأفكّر في الأمر أوّلاً.”
ليس لديّ 10 ملايين أصلاً. أصبح المال الذي جمعته بصعوبة بلا قيمة.
التفت دانتي أوّلاً بوجه خالٍ من التعبير. لم يقل شيئًا، لكنّ انزعاجه كان واضحًا.
حتّى الغنيّ الأصيل يراها باهظة، أليس كذلك؟
“لنعد بسرعة، يا سيّدتي. يجب جمع الغسيل.”
“نعم…”
ناداني كسيّد، وأجبتُ كخادمة انهزمت أمام المال وتتلقّى أوامر جمع الغسيل.
“إذن، عودوا بحذر.”
حافظ المدير على ابتسامته الثابتة من البداية للنهاية. بدت ودودة في البداية، لكنّها أصبحت كزهرة اصطناعيّة مصنوعة بعناية مع الوقت.
هل بدت مختلفة بسبب حديث المال؟ لم أكن أراه هكذا.
في تلك اللحظة،
“شكرًا لجهودكم جميعًا. ما عدا الجنرال دايك.”
اقتربت غالاتيا، مرتدية مئزرًا من الكتّان وتحمل طفلاً، وابتسمت.
“القدّيسة لاتيه، شكرًا لجهودكِ أيضًا.”
رددتُ التحيّة ولمستُ أصابع الطفل الصغيرة في حضنها. لكن عندما رأيتُ ابتسامتها الطيّبة، شعرتُ باضطراب في ذهني. هل غالاتيا أيضًا جزء من فساد الطائفة؟
هل كان تعاملها الصادق مع الأطفال مجرّد تمثيل؟ ظلّ الشكّ المؤلم يتصاعد بداخلي.
* * *
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 68"