### الفصل 66
“لا تقلقوا. يمكنني التعامل مع تربية الأبناء بنفسي.”
ابتسم دانتي براحة وشمّر عن كمّ قميصه.
حسنًا، أمام أب عسكريّ، إذا أظهر المرء تمرّد المراهقة، فقد يواجه عقوبة عسكريّة.
“ميا ذلك الرجل الأسود الكئيب سوف يخيف الأطفال ما رأيك ان اجد زوجًا لكِ…”
أطلّت غالاتيا فجأة وألقت رأيها الغريب حول الزواج.
لماذا تحاولين استمالتني بأفكار تقدّميّة؟
لكن لا يمكنني إظهار نزاعات الكبار حول التربية أمام الأطفال، فأمسكتُ بذراع دانتي وسحبته بلطف وقُلت:
“إذن، سنذهب للتنظيف الآن. هيّا، يا أبّ المستقبل. كيليان، أراك لاحقًا.”
تبعني دانتي مطيعًا وابتسم بخفّة. بهذا يبدو أنّنا كعاشقين لطيفين، أليس كذلك؟
لوّح كيليان بيده نحوي وقال:
“مفهوم. سأبذل جهدي كأبّ ثانٍ مستقبليّ.”
لا! أنا ممتنّة لموافقتك، لكنّك إذا قلتَ ذلك، فماذا سأصبح أنا؟
في تلك الأثناء، تبعني إسايا، مرتديًا مئزرًا كبيرًا مقارنة بحجمه، وأمسك بيدي وقال:
“خذيني معك، أنا الابن المستقبليّ. لا يهمني أن يكون لديّ عدّة آباء. لكن بالطبع، سأفضّل القائد أكثر.”
نعم، هكذا أصبح الأمر غريبًا.
في هذه الأثناء، تابع إسايا بوجه رزين:
“كلّما زاد عدد الإخوة، كان ذلك أفضل. أنا واثق من قدرتي على رعاية إخوتي الصغار.”
انحنى دانتي لينظر إلى إسايا وقال:
“فتى رائع. إذا أردتَ أن تحظى بحبّ زوجتك في المستقبل، فعليك أن تجيد التربية والتدبير المنزليّ.”
“نعم، سيدي القائد!”
“من الباكر أن تتعلّم الآن، قم بمتابعتي وشاهد فقط.”
“مفهوم!”
وهكذا، ذهبنا نحن الثلاثة إلى غرفة الطعام بمودّة. تجاوزنا مرحلة العشّاق لنصبح عائلة متّفقة.
ساعدنا إسايا، الذي تبعنا إلى غرفة الطعام، في التنظيف بجدّ. كان يجلب الممسحة أو الدلو دون أن نطلب، ويرتّب الأدوات المستخدمة. في الحقيقة، بدا أنّه يعمل أفضل منّي.
“إسايا، أنتَ تجيد الدراسة أيضًا، أليس كذلك؟”
عند سؤالي، رفع إسايا رأسه وأصدر سعالاً خفيفًا وقال:
“كنتُ دائمًا الأوّل في المدرسة. وحصلتُ على جائزة الامتياز كلّ عام.”
“رائع. ذكيّ، وسيم، ولطيف الطباع. أنتَ طفل ممتاز.”
كما توقّعتُ، إسايا طفل يمكن لأيّ شخص أن يفتخر به.
“سأصبح أفضل… بعد زواجكما، ألا يمكنكما أخذي معكما؟”
كان في صوته النقيّ شوق واضح.
شعرتُ بتأثّر دون وعي ونظرتُ إلى دانتي. نحن لسنا مخطوبين حقًا، فكيف أشرح له؟
بدا أنّ دانتي يفكّر أيضًا فيما يقوله.
ثمّ نظر إلى إسايا بعينين حنونتين وقال:
“ربّما يظهر والدان أفضل قبل أن نتزوّج.”
رفع إسايا، الذي كان ينظر إلى قدميه، رأسه ببطء. محتفظًا بابتسامته المعتادة وقال:
“لا أريد سوى سيدي القائد والسيّدة. أنا مفيد جدًا. في الحقيقة، أنا ذو قدرات خارقة.”
ما إن انتهى كلام إسايا حتى اختفت الابتسامة من وجه دانتي فورًا.
“ذو قدرات خارقة؟ هل هناك أطفال آخرون بقدرات خارقة هنا؟”
كان في صوته الهادئ برودة كالجليد.
فرك إسايا مؤخّرة رأسه، وكأنّه مرتبك قليلاً، وأجاب:
“هناك أطفال لم يستيقظوا بعد، لكن المديرة قالت إنّ هذا المكان يجمع الأطفال المباركين فقط، لذا سيستيقظ معظمهم. أمّا الذين لم يستيقظوا، فقد تمّ تبنّيهم في بيوت جيّدة.”
القدرات الخارقة غالبًا تكون فطريّة. تظهر قبل سنّ العاشرة على أقصى تقدير، وتتأثّر بالوراثة.
لكن أن يتوقّعوا الاستيقاظ، ألا يعني ذلك أنّهم يعرفون والدي الأطفال؟
وعادةً، ألا يفضّل الناس تبنّي الأطفال ذوي القدرات الخارقة؟ كثير من النبلاء غير المستيقظين يتبنّون أطفالاً بقدرات خارقة.
لا يمكن أن يتركوا طفلاً ذكيًا وخارقًا كهذا دون تبنّي.
هناك شيء غريب. ألقيتُ نظرة خاطفة على وجه إسايا. تلك الابتسامة… يبتسم، لكنّه يبدو مضطربًا أحيانًا ويراقب الخارج.
“إسايا! أين ذهبتَ؟”
في تلك اللحظة، سمعنا صوت المعلّمة تنادي إسايا من الخارج.
في صمت قصير، كان صوت نقر أصابعه على الطاولة هو الشيء الوحيد المسموع.
عندما رأيتُ وجه دانتي يزداد جديّة، شعرتُ أنّ شيئًا ما خطأ.
ثمّ وضع إسايا سبّابته على شفتيه كإشارة للسرّيّة وقال:
“هذا سرّ بيننا. سأذهب الآن.”
ثمّ غادر المكان كأنّه يهرب.
* * *
بعد مغادرة إسايا، ظلّ دانتي صامتًا وهو يمسح سطح المطبخ، غارقًا في القلق.
هل شعر هو أيضًا، مثلي، بشيء غريب في حديث إسايا؟
“إسايا هذا يبدو ذكيًا مثل إيجيكل.”
كسرتُ الصمت أخيرًا بعد فترة طويلة.
توقّفت يد دانتي التي تمسك المنشفة. أدار رأسه نحوي ونقر على الطاولة بأصابعه وقال:
“لقد نقر ذلك الفتى على الطاولة هكذا. ثلاث مرّات قصيرة، ثلاث طويلة، ثلاث قصيرة.”
“نعم. لم أعدّها، لكن…”
ضيّقت عيناه الزرقاوان بجديّة وهو ينظر إلى أصابعه وقال:
“هذا رمز مورس يُستخدم في الجيش. طلب استغاثة.”
إشارة SOS؟
هل كان الطفل يطلب مساعدتنا؟ هل يتعرّض للإساءة؟
نظرتُ إلى دانتي بقلق وقُلت:
“ربّما تكون صدفة أنّه نقر بنمط معيّن وأخطأنا في فهمه كإشارة استغاثة؟”
“إنّه طفل ذكيّ. هناك سبب لكشفه عن قدراته الخارقة وإرسال الإشارة. عدم قوله مباشرة قد يكون للتأكّد ممّن يستطيع مساعدته حقًا.”
حقًا، لم يكشف عن قدراته بسهولة. يمكننا أن نرى أنّه حذر جدًا.
لم تظهر علامات إساءة واضحة، لكن هناك إساءات لا تُرى بالعين.
إذا كان سوء تفاهم، سينتهي الأمر بتدخّل فضوليّ بسيط، لكن إذا تجاهلناه، سيُترك الطفل دون مساعدة.
كيف يمكننا مساعدته؟ جلس دانتي على سطح المطبخ وطوى ذراعيه وقال:
“يبدو أنّ الأميرة ألكسي أرسلتنا للتطوّع هنا كذريعة لهذا السبب. على عكس الإمبراطور الذي يؤمن بطائفة كاليكس بشدّة، تعتبر الأميرة الطائفة هرطقة. علينا معرفة لماذا طلب إسايا المساعدة.”
هل أُرسلنا للتفتيش تحت غطاء التطوّع؟ حقًا، إذا استُخدمت قوّة شيطان عظيم للوصول إلى السلطة في الماضي، فهي هرطقة.
إذا أمرت الأميرة بالتفتيش، فمن المؤكّد أنّ الطائفة ترتكب مخالفات عبر دار الأيتام.
“لكن الإمبراطوريّة لا يمكن فصلها عن الطائفة، أليس كذلك؟ لماذا تريد الأميرة معاداتهم؟”
“نحن في عصر الجماهير الآن. سلطة الإمبراطور ليست مطلقة، وحتّى الأقارب المباشرون ينقسمون حسب القيم. مع تقدّم الإمبراطور في السنّ وتدهور حكمه، أصبحت الطائفة مسيطرة جدًا، فهي تحاول كبحها.”
آه؟ بما أنّ الإمبراطوريّة والطائفة فريق واحد، إذا ارتكبت الطائفة خطأً كبيرًا، سينهاران معًا؟
هناك دول ألغى مواطنوها الإمبراطوريّة والنظام الطبقيّ عبر ثورات، لذا لا يمكن تجاهل من يتربّصون بفرصة تغيير النظام. وقد يحدث ذلك فعلاً في المستقبل.
أومأتُ برأسي للحظة، ثمّ عدتُ إلى الواقع. الآن، أولويّتي هي القلق على الأطفال.
“لا أعرف ما يمرّ به إسايا، لكنّه يعاني بما يكفي لطلب المساعدة، ربّما يريد الهروب فورًا.”
“هل تريدين إنقاذه؟”
“كشخص بالغ، أريد مساعدته. لا أريد للأطفال أن يكونوا تعساء. وأنت، السيد دانتي؟”
انحنى دانتي ليتقابل مع عينيّ. انحنت عيناه بلطف، لكن كان هناك أثر خفيف للأسى وقال:
“أتمنّى ألّا يصبح هناك شخص بالغ مثلي مجدّدًا.”
لا أعرف القصّة الأصليّة كاملة، لكنّني أتذكّر أشياء عن دانتي. تدرّب بقسوة منذ صغره، وعاش الحروب.
سألتُ بحذر:
“هل كنتَ تعيسًا، السيد دانتي؟”
كانت عيناه عادةً كبحيرة جليديّة متجمّدة، لكنّها الآن تحمل لونًا دافئًا كما لو أضاءتها شمس الظهيرة وقال:
“يبدو أنّني كنتُ كذلك قبل أن ألتقي بكِ.”
شعرتُ بشعور غريب عندما دعاني “بكِ” بدلاً من “سيّدتي”. أردتُ مواساته، لكن لا يمكنني قول إنّني أعرف ماضيه.
فجأة، شعرتُ برغبة في سماع قصّة حياته منه مباشرة.
حجر الحكيم، ريلكه المتوفاة منذ زمن، ومعلومات عن مدير القصر صعبة المنال، لكن يمكنني معرفة ظروفه عبر حوار الآن. سأسأله بشكل طبيعيّ في هذه الفرصة.
ربّما أصبح لديّ الآن بعض الحقّ في التدخّل؟ أردتُ مساعدته ولو قليلاً.
فتحتُ فمي بجديّة وقُلت:
“هل في الجيش… منعوك من التنظيف فحاولتَ الاستقال- لا، التسريح؟”
حسنًا، كان ذلك متكلّفًا.
بينما كان دانتي يحاول الردّ،
“سيّدتي، حالة طارئة.”
ظهر كيليان، الرجل بالدروع، بطريقة متكلّفة أيضًا.
* * *
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 66"