### الفصل 62
ضيّق دانتي عينيه وسأل:
“كيف؟”
ابتسم إليورد بابتسامة ماكرة وقال:
“إذا كنتَ حسودًا، فكن شيطانًا. سأعلّمك جيّدًا كأستاذ. سأجعلك تتدرّب كعبد في قاع الجحيم لمدّة مئة عام تقريبًا.”
“تشه، لا يهمّني شيء مثل القدرات.”
تمتم دانتي بلا مبالاة، ثمّ أطلّ بجسده خارج الجدار وصوّب مسدّسه نحو مكان ما.
طاخ طاخ طاخ!
مع صوت الطلقات المتتالية، تركت علامات الرصاص آثارًا متساقطة على الجدار المقابل.
تراجعتُ بعينين متسعتين كعيني أرنب مذعور وقُلت:
“يا إلهي… ألا يخاف السيد دانتي؟ ماذا لو أصابته رصاصة…”
“سأستيقظ من النوم، هذا كلّ شيء.”
أجاب دانتي بلا مبالاة وهو يعيد تعبئة مسدّسه.
بينما كنا نخوض معركة بالأسلحة النارية ونخرج من الزقاق، صوّب رجال غامضون يرتدون ملابس سوداء داخل سيارة فوهات أسلحتهم نحونا في وقت واحد.
“حلم مزعج حقًا.”
“السيد إليورد، بما أنّك شيطان ذو قدرات ممتازة، افعل شيئًا ما!”
تحت إلحاحي، شكّل إليورد بيده شكل مسدّس وتظاهر بإطلاق النار. فاندلع على الفور صوت انفجار هائل، وارتفعت السيارة التي كان يستقلّها الغامضون في الهواء وتدحرجت مرّة واحدة.
“الآن هو الوقت. لنتحرّك بسرعة.”
تبعتُ تعليمات دانتي، منحنيةً الظهر، ودخلتُ الفندق بسرعة.
“آه…”
في هذا الحلم الواقعيّ جدًا، كان قلبي يخفق بقوّة.
لم أكد أشعر بالراحة حتى شعرتُ، فور دخولي مدخل الفندق الفاخر والأنيق، كما لو أنّني غُمرتُ فجأة تحت الماء العميق.
ارتجّت الأرضية التي أقف عليها، ثمّ تحوّل المكان في لحظة إلى داخل منزل مظلم ومتهالك.
* * *
“ما هذا؟”
رمشتُ بعينيّ ونظرتُ حولي.
إنّه منزل عمّتي الذي كنتُ أعيش فيه عندما كنتُ صغيرة. حتّى لو كان حلمًا، لم أتوقّع أن يكون بهذا القدر من انعدام السياق.
“السيد دانتي؟ السيد إليورد؟”
أدركتُ الآن فقط أنّهما اختفيا.
يا لسوء الحظ، تُركتُ وحدي في المكان الذي أكرهه أكثر من أيّ شيء. هل فكّرتُ في الماضي للحظة؟
“أيتها الفتاة عديمة الفائدة! هل تعرفين كم يساوي هذا؟”
في تلك اللحظة، سمعتُ صراخ عمّتي الحادّ. أدرتُ رأسي نحو مصدر الصوت. كان أوّل ما لفت انتباهي تمثالًا محطّمًا.
آه، هل كان ذلك عندما كسرتُ التمثال المشبع بالسحر أثناء تنظيفه؟
“كنتُ أنظّفه برفق، لكنّه تصدّع ثمّ تحطّم…”
أصابتني القشعريرة من صوت الطفلة المرتبكة والخائفة. لأنّه كان صوتي عندما كنتُ صغيرة.
“كلّ ما تلمسه تلك الفتاة يتلف، خاصّة الأغراض الباهظة التي تحمل قدرات. إنّها ملعونة بالتأكيد.”
صوت زوج عمّتي وهو يحرك لسانه كان تمامًا كما كان حينها.
يا للأمر، قد يحدث أن تكسر طفلة صغيرة شيئًا بيديها غير الماهرتين أثناء التنظيف. أليس من خطأكما أنّكما أوكلتما لي العمل مع علمكما أنّني أكسر كلّ شيء ألمسه؟
لكنّني كنتُ غير مرئيّة في أعينهما، فلا فائدة من الغضب.
تعمّدتُ عدم النظر إلى هناك. لم أرد رؤيتهما. أكثر من ذلك، أردتُ إيجاد الشيء الذي سيكون الوسيط للخروج من هنا بسرعة.
“لا أطيق رؤيتها، اخرجي من أمام عيني! كيف انتهى بنا المطاف بتحمّل مثل هذه؟”
حاولتُ الحفاظ على رباطة جأشي رغم صوت عمّتي المزعج.
أنا مجرّد متفرّجة تشاهد ذكريات مضت، لا يمكنني تغيير الماضي الذي جرحني. الانزعاج لن يكون سوى إهدار للمشاعر.
صعدتُ السلالم نحو غرفتي القديمة، العلّيّة المتواضعة. شعرتُ بطريقة ما أنّ عليّ الذهاب إلى هناك.
صرير.
صوت فتح الباب القديم كان مألوفًا.
ما إن دخلتُ الغرفة حتى رأيتُ دانتي، لا يزال بزيّ العميل السريّ، جالسًا على سرير حديديّ صدئ. نظر إليّ بوجه خالٍ من التعبير.
هل سمع كلّ شيء؟ لقد أخبرته بملخّص قصّتي من قبل، لكنّني لم أرد أن يرى التفاصيل بهذا الشكل…
“منذ متى وأنت هنا؟”
عندما سألتُ بصوت خافت، ظهرت ابتسامة خفيفة على وجه دانتي وقال:
“وصلتُ للتّو.”
لم أشعر في نبرته الهادئة بأيّ شفقة أو أسف.
“والسيد إليورد؟”
“لا أعلم. ماذا لو بدأنا بالبحث عن الشيء أوّلاً؟”
أومأتُ برأسي ونظرتُ حول الغرفة. سقف مغطّى بشباك العنكبوت، أرضيّة تصدر أصواتًا، إطار نافذة متراكم عليه الغبار، مدفأة باردة، وأغراض متراكمة كالمخزن. كلّ شيء محفوظ تمامًا في ذاكرتي.
“لا أرى شيئًا يمكن أن يكون وسيطًا.”
“إذن، ماذا لو خرجنا للخارج؟”
قال دانتي وهو يمسح زجاج النافذة الضبابيّ بإصبعه. ظهرت سماء الليل المظلمة من خلال الفجوة التي نظّفها.
“نعم، لنخرج.”
لم أرَ أحدًا حتى خرجنا من المنزل معًا. هل اختفوا لأنّني فكّرتُ أنّني لا أريد رؤيتهم؟
في تلك اللحظة،
“حريق!”
سمعتُ صيحة شخص مذعور، ثمّ أضاء المكان فجأة وتلألأت ألسنة اللهب الحمراء.
آه، لقد اندلع حريق في ذلك اليوم، أليس كذلك؟ توقّف دانتي ونظر إلى المنزل المحترق.
كان السقف يحترق بشدّة، وانتشرت النيران المتأجّجة إلى العلّيّة.
“لنذهب فقط، السيد دانتي.”
أمسكتُ بذراع دانتي وسحبته.
المكان الذي كان ينظر إليه، داخل نافذة العلّيّة المفتوحة على مصراعيها، ظهرت طفلة بوجه مليء بالخوف.
إنّها أنا. يا لسوء الحظ، كابوس كهذا.
عضضتُ على أسناني وأغمضتُ عينيّ بقوّة. في ذلك الوقت، قفزتُ من هناك لأنجو، وبالرغم من أنّني لم أُصب بأذى، فقد ترك ذلك جرحًا بداخلي بمعنى آخر.
أبقيتُ عينيّ مغلقتين وتضرّعتُ فقط ليتغيّر الحلم إلى شيء آخر.
لا أريد أن يرى اضطرابي. أريد أن أبدو كشخص قويّ يتخلّص من الجروح بسهولة ويتحدّث عن الماضي بلا مبالاة وكأنّه شيء عاديّ.
“أعلم أنّه حلم، لكنّني لم أستطع الاكتفاء بالمشاهدة فقط.”
سمعتُ صوت دانتي الهادئ من خلف جفوني المغلقة. ما إن فتحتُ عينيّ حتى رأيتُ دانتي يحتضن فتاة صغيرة ذات شعر بنيّ.
كانت الطفلة فاقدة للوعي ومتراخية. هل أمسك بها وهي تقع من المنزل المحترق؟
“لن يغيّر ذلك الماضي.”
تراجعتُ دون وعي عند كلمات دانتي. هل يعلم أنّ تلك الطفلة هي أنا؟
عندما واجهتُ نفسي الصغيرة في حضنه، شعرتُ كما لو أنّ شيئًا كان متراكمًا في أعماق قلبي انسكب فجأة.
كأنّ صورتي الصغيرة تُغرق في عينيه العميقتين كالبحر.
“مثل هذا…”
بينما كنتُ أحاول قول شيء، اختفى المشهد المحيط كما لو أنّ ستارًا رُفع، وكذلك الطفلة التي كان يحتضنها.
تحوّل المكان إلى منزلنا، قصر غارسيل. هل خرجتُ أخيرًا من حلمي العشوائي؟
يبدو أنّني الصغيرة التي ظهرت في الكابوس كانت الوسيط.
“لقد وصلتِ مبكرًا. يبدو أنّه كان حلمًا فظيعًا أكثر ممّا توقّعتُ. كافيًا ليجعل قلبكِ ضعيفًا.”
في داخل القصر، كان إليورد جالسًا على كرسيّ هزّاز خشبيّ، يضع ساقًا فوق الأخرى بأناقة مغرية.
“السيد إليورد؟ أين كنتَ؟”
سألتُ بوجه متفاجئ، فابتسم برفق وحرّك ساقه المرفوعة قليلاً وقال:
“لقد نزلتِ أنتِ والجنرال دايك إلى الهاوية. لم أكن هناك، لذا لم أستطع الدخول معكما. ذلك المكان لا يستطيع حتّى الشياطين الوصول إليه بسهولة.”
لم يكن هناك فلم يستطع الدخول؟ ما معنى هذا؟ قام من مكانه بعد أن قال كلمات غامضة.
“أخيرًا دخلنا إلى ذكريات صاحبة اليوميّات.”
أشار إليورد برأسه نحو مكان ما. أدرتُ رأسي لأنظر إلى الجهة التي يشير إليها.
رأيتُ شخصين يجلسان متقابلين على أريكة أمام المدفأة.
امرأة جميلة ذات شعر بنيّ طويل وكثيف، ريلكه.
وعندما رأيتُ الرجل الجالس أمامها، ذو الشعر الأسود القاتم وعينين زرقاوين كالبحيرة ومظهر وسيم، تفاجأتُ كثيرًا.
دانتي؟
لا، كان رجلاً يشبه دانتي تمامًا.
دقّقتُ النظر في الرجل.
هل هذا “إيدن ڤان جارسيل”؟ لا عجب أنّ جدّتي ليليانا ظنّت أنّ دانتي هو حبّها الأوّل. ليس مجرّد تشابه، بل هو مطابق له تمامًا.
إذن، هل الرسالة الغراميّة التي وصلت قبل 150 عامًا كانت من جدّتي ليليانا؟
تلك الرسالة التي تحتوي على عتاب شديد حول لماذا لم يتمّ الطلاق بعد اتّفاقهما على ذلك؟
“هذا الرجل يشبه السيد دانتي تمامًا.”
نظر إليّ دانتي من الأعلى وسأل:
“أنا أشبه هذا الشكل؟”
“نعم. يشبه السيد دانتي بملابس كلاسيكيّة وشعر مرفوع.”
دانتي المغطّى ودانتي المكشوف… لا شيء يمكنني اتّخاذ قرار بشأنه بسهولة.
الملابس القديمة تلائمه جيّدًا أيضًا.
“أعتقد أنّني أفضل.”
رفع دانتي زاوية فمه بتعبير متعجرف.
هذا الرجل، كما شعرتُ من قبل، لديه رغبة شديدة في التفوّق بمظهره. هززتُ رأسي وأشرتُ إلى ريلكه قائلة:
“لكنّ السيدة ريلكه لا تشبهني أبدًا. لون الشعر ولون العينين فقط متشابهان. لا أفهم لماذا ظنّت جدّتي ليليانا أنّني السيدة ريلكه.”
“ربّما رأت شيئًا آخر.”
هل أصبح لديّ طاقة مشابهة بسبب أنّني أصبحتُ مديرة القصر؟ ربّما الجوّ أو الشخصيّة.
خدشتُ رأسي ونظرتُ إلى دانتي وإليورد وقُلت:
“لا يستطيعون رؤيتنا، أليس كذلك؟”
أومأ دانتي برأسه وأبقى عينيه على الشخصين اللذين يُفترض أنّهما ريلكه وإيدن وقال:
“نعم، إنّها مجرّد ذكرى. على عكس الحلم الذي يمكننا التدخّل فيه، فإنّها تعيد فقط الكلمات والأفعال المسجّلة في الماضي.”
مرّر إليورد يده على جبهته وقال:
“لكن يبدو أنّ التسلسل عشوائيّ. كما لو أنّنا فتحنا صفحة عشوائيّة.”
إذن، مثل التشغيل العشوائيّ؟
في تلك اللحظة، بدأ صوت حوار الشخصين في ذكريات ريلكه يتّضح.
* * *
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 62"