—
الفصل 58
بينما كانت تهم بالرد وشفتاها تتحركان، لوّح لنا مساعد رعاية آخر في قاعة الطعام.
“سيدتي، أحضري الجدة إلى هنا. الطعام جاهز.”
“نعم.”
دفعت ليلي الكرسي المتحرك بسرعة فلم أسمع ما تبقى من كلامها. تبعتها بخطوات متسارعة على أية حال.
رأيتُ المسنين جالسين حول طاولة طويلة في القاعة، يرتدون مرايل الطعام.
ربتت ليلي على كتفي وأشارت إلى أحد الجدود.
“خذي صينية الطعام وساعدي ذلك الرجل في تناوله.”
“منذ متى تعلميني؟ شكرًا.”
حملتُ الصينية كما أرشدتني ليلي وجلستُ بجانب الجد. عبس بشدة عند رؤية الطعام الذي أحضرته.
“لا أريد أكله!”
رنّ صوت ارتطام عالٍ-
ألقى الصينية بعيدًا مع صرخة قوية جدًا.
“يا إلهي، لقد وقعتِ مع الجد الذي يرهق حتى مساعدي الرعاية ذوي خبرة 20 عامًا. كان طباخًا في القصر الإمبراطوري، وذوقه صعب للغاية.”
“ما العمل؟ إنه يتصرف بقسوة أكبر مع المتطوعين.”
سمعتُ همهمات من حولي. لمحتُ ليلي تبتسم من بعيد. ‘يبدو أنني وقعتُ في خطتها لتعكير مزاجي.’
لكن لن أظهر الانزعاج أو أرد بقوة. حافظتُ على ابتسامة اجتماعية بصبر.
“يا جدي، يجب أن تأكل وجباتك.”
أحضرتُ طعامًا جديدًا بلا مبالاة، لكن…
ارتطام آخر-!
شعرتُ بالذهول وأنا أرى الطعام يتدحرج مجددًا.
‘لا بد أن هناك سببًا لهذا التصرف.’
‘تذكرتُ أن جدي قال إن الشهية تقل في الشيخوخة.’ حاولتُ الحفاظ على ابتسامة هادئة.
“هل تشعر بانعدام الشهية؟”
“مهارة الطبخ رديئة! هذا اللحم الغزال ناقص النضج لدرجة أنه يصلح لاستضافة مسابقة صيد للمسنين الآن!”
‘هل أنتَ جوردون رامزي؟’
(جوردون رامزي هو طاهٍ بريطاني شهير، يُعد واحدًا من أبرز الطهاة في العالم. وُلد في 8 نوفمبر 1966 في اسكتلندا، وهو معروف بأسلوبه الصارم والحاد في المطبخ، إضافة إلى مهاراته الاستثنائية في الطهي.)
طلبتُ طهي اللحم أكثر وأحضرتُ طعامًا جديدًا، لكنه حاول رميه مجددًا فأمسكتُ الصينية بسرعة.
“أرجوك! إن لم تأكله، أعطنيه فقط! سآخذه للبيت!”
لكن رغم توسلي، ظل الجد يصرخ بغضب:
“لماذا تتعلقين بهذا القمامة؟ أدفع رسوم إقامة باهظة، وظهور طعام مقزز كهذا لا يُعقل، يجب أن نثور!”
‘لماذا أنا من يثور؟ الطعام يبدو راقيًا جدًا بالنسبة لي. البيئة هنا ممتازة، والمرافق الترفيهية كذلك. هل يقصد أن الجودة لا تتناسب مع التكلفة؟’
‘ظننتُ أن الخدمة التطوعية لمساعدة المحتاجين حقًا.’ بدأت أشعر بالإحباط وأنا أنظف الطعام المسكوب.
“يا لحسرة هذا اللحم الثمين…”
ارتفع حزني فجأة وأنا أرى اللحم على الأرض.
‘جدي لم يأكل مثل هذا. كان يعيش على عصيدة الشوفان والخضروات فقط.’
‘يقولون إنك في الجحيم تأكل ما أهدرته في حياتك. هل يأكل الأغنياء اللحم هناك بينما أتضور جوعًا أنا التي تأكل كل شيء بدافع روح الأكل الكورية؟’
‘يا له من عالم ظالم!’
بدأ الجد يلوّح بيده نحوي وأنا أبدو محبطة تمامًا.
“إن فهمتِ، استسلمي.”
“نعم.”
‘أنا بارعة جدًا في الاستسلام. لستُ مساعدة رعاية محترفة، ومواصلة الإحضار ستؤدي فقط إلى إهدار المزيد من الطعام.’
أدركتُ أن هذه الطريقة لن تنجح، فأزلتُ الطعام الملقى ونهضتُ لأنظر إلى الجد.
“حتى لو كنتَ متجهمًا، أعلم أنك شخص طيب في الأصل.”
“ما هذا الهراء فجأة؟ ما الذي تعرفينه؟”
“المسنون هنا يتبرعون بأموال طائلة للقصر الإمبراطوري والكنيسة للعيش هنا.”
رغم كلامي اللطيف، ظل وجهه متجهمًا.
“ثم ماذا؟”
“تبرعاتكم تُستخدم لمساعدة الفقراء والمحتاجين، أليس هذا عملًا طيبًا؟”
“هل تصدقين ذلك فعلًا؟ يا لكِ من ساذجة. تظنين أن هذا يمنحهم غفرانًا…؟”
خلع المريلة بغضب ورماها وقال:
“هذا مجرد مبرر منافق مغلف بالخير.”
“نعم؟”
نظر إليّ بضجر وأنا أقف متعجبة. تحركت عيناه يمينًا ويسارًا كأنه يتفحص المكان، ثم استقرت عليّ.
“هل قلّ الفقراء في الإمبراطورية ولو قليلًا خلال هذا الوقت؟”
انخفض صوته الخشن أكثر.
“أوه؟”
‘يوزعون الإرث لأبنائهم مسبقًا، ويضمنون حياة مستقرة هنا مقابل التبرع بما تبقى للقصر والكنيسة.’
‘يقال إن هذا المال يساعد المحتاجين، لكن كم يصل فعلاً إليهم؟’
“أنا وجدي… لم نحصل على مثل هذه المساعدة.”
تمتمتُ بهدوء وأنا أتذكر أيام الفقر.
‘يبدو كتعاون متبادل يرضي الجميع، لكنه في النهاية نظام احتكار يستولي فيه الدولة والدين على ثروات الشعب.’
بينما كنتُ أقف مذهولة أعيد التفكير في عبارة “تنظيف الإمبراطورية الفاسدة” من سيرة دانتي، قال الجد:
“هذه الدار هي الخيار الأفضل للمسنين. حتى لو عاشوا في قصر فاخر مع خدم، سيظلون يشعرون بالعزلة والوحدة. يأتون هنا لراحة البال.”
‘كثيرون لا يقاومون ضغط أبنائهم الخفي لتوزيع الإرث ويقومون بالانتقال إلى هنا بسرعة.’
نظرتُ إلى ليلي بعيدًا تساعد جدتها ليليانا على الأكل، وشعرتُ بإحساس غريب.
‘بيئة لا يمكن إلا اعتبارها الأفضل.’
‘حتى من يملكون يُسلبون في النهاية، فكيف بالذين لا يملكون؟’
في تلك اللحظة:
“أنهيتُ مهمتي بسرعة وجئتُ. وجهكِ لا يبدو جيدًا، ما الخطب؟”
سمعتُ صوت دانتي وهو يقف بجانبي باستقامة.
‘جاء بسرعة حقًا. ظننتُ أن كلمة ‘بسرعة’ غير موجودة في قاموس هذا الرجل.’
هززتُ رأسي.
“لا شيء. كنتُ فقط أساعد الجد في تناول طعامه.”
“قلت إنني لن أكل، سألقي بكل ما تحضرينه مهما كررتِ.”
زمجر الجد وهو يعتصر المريلة في يده.
تحولت عينا دانتي الزرقاوان نحو الجد في لحظة.
‘مشكلة كبيرة. حلول هذا الرجل غالبًا بدنية! ماذا لو أجبره على الأكل؟’
استعددتُ للتدخل، لكنه قال:
“حسنًا، لا تأكل إن لم ترغب.”
‘كيف يكون الأمر بهذه البساطة؟’
على عكس توقعي أن يوبخه، بدا الجد راضيًا.
“نعم، أنتَ تفهمني. سآكل لاحقًا. الطباخ المسؤول عن العشاء أفضل نسبيًا.”
غادر المكان بخطوات خفيفة.
‘هكذا يُحل المشكل؟ كان يريد فقط طعامًا لذيذًا لاحقًا…؟’
صرير-
سمعتُ صوت جر الكرسي المتحرك بصعوبة، واقتربت ليليانا نحونا. تبعتها ليلي تحمل ملعقة وتركض خلفها.
أمسكت ليليانا، وهي تحدق في دانتي، طرف كمه بيدها المرتجفة.
“أنتَ… لماذا… تأخرتَ كل هذا الوقت؟”
كان صوتها مليئًا بالحزن، كأن مشاعر متراكمة تفجرت.
مالت رأس دانتي قليلًا بوجه خالٍ من التعبير.
“لقد جئتُ منذ قليل.”
كان صوته الهادئ منخفضًا رغم الموقف المفاجئ.
بدأت الدموع تتراكم في عيني الجدة وهي تحدق في دانتي.
“انتظرتُ… أكثر من مائة وخمسين عامًا…”
“تقصدينني؟ لم يكن لدي خطة لأولد في ذلك الوقت.”
ظهر على وجه دانتي تعبير الجهل التام. اقتربت ليلي بسرعة وبوجه قلق، وأمسكت يد جدتها.
“عذرًا، السيد دايك الجنرال. جدتي تعاني من خرف خفيف. تتحدث دائمًا عن رجل، حبها الأول منذ أكثر من مائة وخمسين عامًا. أرجو تفهم ذلك.”
“نعم، لا بأس.”
في تلك اللحظة، نهضت الجدة التي تمسك يد ليلي فجأة. كانت سرعتها كالبرق، على عكس ما قبل، حتى كادت ليلي تترنح من الارتداد.
“شعر أسود حالك! عينان زرقاوان كالبحر! وجه وسيم كما هو!”
لكن بعد لحظة، استنفدت قوتها وهبطت في الكرسي ببطء.
“قال بالتأكيد… إنه سيعود للقائي…”
“يا جدتي، هذا السيد دانتي بان دايك، سيد أسرة دوق دايك والجنرال. الشخص الذي تبحثين عنه قد…”
ترددت ليلي في قول “توفي”، وبينما كانت تلهث، رفعت الجدة رأسها لتنظر إليّ وإلى دانتي بالتناوب.
“رؤيتكما… تذكرني بذلك الوقت… كنتُ أريد أن أسأله لو التقيته مجددًا…”
مسحت دموعها بمنديل وأكملت:
“في الحقيقة… هل أحببتَ القديسة؟”
“لا أحب اشخاص الدين، بغض النظر عن جنسهم.”
هزت الجدة رأسها رداً على جواب دانتي الحاسم.
“لا، كان دائمًا يقول إنه يكرهها… لكن جسده كان صادقًا…”
“نعم، عندما أرى ما أكره، تسبقني يدي لكنني أتحمل وأكتفي بالرفض بالكلام.”
‘يتحدثان عن شيئين مختلفين تمامًا.’
انخفضتُ لأواجه الجدة.
“ذلك الحب الأول، ما اسمه؟”
“من عائلة ڤان جارسيل…”
تفاجأتُ بشدة من رد الجدة.
‘عائلة ڤان جارسيل؟ هل تقصد ماتياس إيوارد ڤان جارسيل، مالك القصر؟ عينان زرقاوان وشعر أسود، ويعيش طويلاً ليعد باللقاء بعد مائة وخمسين عامًا، لا يمكن أن يكون سوى ماتياس!’
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 58"