حدقتُ مذهولة، فاتحة فمي، إلى الظل الضبابي للرجل أمامي. 

دانتي؟ هل هذا حلم؟ 

لكن قبل أن أشعر بفرحة اللقاء، تجمدت من هالة قاتلة جعلت جلدي يرتجف. 

كلانغ-! 

فزعت عندما ارتدت رصاصة سحرية وانفجرت، فاستدرت. 

كان إليورد مستلقيًا على جانبه، يسند ذراعه، يبتسم بثقة وهو يحرك إصبعه.
تدحرجت خرطوشة فضية من يده على الأرض. 

“دانتي ڤان دايك. تطلق النار فور رؤيتي؟ يبدو أن وجودي مع سيدتي في سرير واحد لا يروق لك. هل تغار الآن؟” 

مع تبدد الغبار، اتضحت صورة دانتي وهو يحمل بندقية طويلة. 

وجه مخيف لم أره من قبل، عينان مليئتان بالسم بلون الدم، وملابسه ووجهه ملطخان بدماء متفرقة. 

ربما بسبب آثار المذبحة التي ارتكبها في طريقه إلى هنا، بدا كشخص آخر تمامًا.
 
إلى جانبه، شيطان برأسين كالطير، وتوتو. 

هل فقد ذكرياته، وأصبح بطلًا، وشكّل فرقة لقتل الشيطان ووصل إلى هنا؟ 

بينما أتخيل علاقة عداء بين الشيطان والبطل، تكلم دانتي: 

“قلتُ إنني سأتبعكِ إلى الجحيم. سواء محوتِ ذكرياتي أو هربتِ واختبأتِ، سأجدكِ حتى النهاية.”

“ماذا؟” 

لمَ يتحدث كبطل مهووس يطارد بطلة هاربة؟ لاحظتُ أنه ناداني “سيدتي” في البداية. هل عادت ذكرياته؟ 

“كيف وصلتَ إلى هنا؟” 

ضحك الشيطان ذو رأسي الطير بصخب. 

“هاهاها! هوس هذا الإنسان ذو الشعر الأسود أيقظني، أنا مامون! كمكافأة، أعدتُ ذكرياته! أمراء الجحيم الذين التهمهم الجشع لم يستعيدوا قوتهم بعد، وواحد غائب. فوضى الجحيم جعلت الوصول سهلًا. علاوة على ذلك، هذا الإنسان امتص قدرًا كبيرًا من قوة سيدة الجحيم الخالدة!” 

“شكرًا على الشرح الودود، لكن لا تستخدم هذا اللقب المحرج! نادِني مديرة!” 

صرختُ ووجهي يحمر. 

لكن قوتي السحرية لا تزال فيه؟ استخدامها بجسد بشري قد يسيطر عليه الشر. ماذا لو أصبح ريلكه ثانٍ متسخًا؟ 

وعادةً، لا ينبغي للبشر البقاء طويلًا في الجحيم. أرواحهم تتآكل، وعقولهم تنهار! 

“ارجع إلى البيت! هذا المكان مضر بصحتك!” 

“لن أذهب وحدي.” 

حاولتُ التهديد كشيطان، لكنه لم يتحرك. كلمة “لن أذهب وحدي” بدت مخيفة.
 
“حسنًا وصلتَ إلى هنا.” 

جلس إليورد على حافة السرير، ومرر يده في شعره، وأضيق عينيه. 

جالت نظرة دانتي الحادة على ملابس إليورد المفتوحة، وعلى وضعيتي الغامضة بين الجلوس والاستلقاء على السرير. 

“سيدتي.” 

اقترب دانتي بخطوة، ورفع عينيه ببرود، وأكمل: 

“طلبتِ يدي مرات لا تُعد.” 

اقترب أكثر، وصدر منه همهمة خشنة. 

“قلتِ إنكِ تحبينني حتى في أحلامك، لا تنسينني.” 

“أنا؟ حقًا؟” 

رددتُ بخجل، متقلصة. 

تنهد وأكمل: 

“أخذتِ أولى لحظاتي، ثم تركتِني بلا مسؤولية.” 

“ماذا؟ لم آخذ شيئًا!” 

ما الأولى التي يتحدث عنها؟ بينما أتظاهر بالجهل، أشار إلى شفتيه بصمت. 

هل يقصد القبلة؟ كانت مجرد قبلة وداع! هل هي مسؤولية عظيمة تدمر الجحيم؟ 

“ثم انتقلتِ إلى شيطان وسيم؟ سيئة.” 

نقر مامون لسانه، ينظر إليّ وإليورد بالتناوب. 

عاد النظر الأحمر لدانتي إليّ، بعد أن حدق بإليورد المبتسم بسخرية. 

“ظننتُ أن ملك الجحيم احتجزكِ، لكنكِ هنا تفعلين هذا…” 

“أنا ملك الجحيم!” 

صرختُ بثقة ظاهريًا، لكنني كنتُ مضطربة داخليًا. أنا سعيدة برؤيته، لكن ماذا أفعل؟ مصيرنا لا يسمح لنا بالبقاء معًا. 

قررتُ التصرف كشيطان، وليس كميا فورتونا. 

“لا أعرفك! كيف تجرؤ على اقتحام  غرفة مديرة الجحيم دون إجراءات؟ سأستدعي الحراس!” 

رفع زاوية فمه. 

“حراس؟ لم يعد هناك حراس.” 

ألقيتُ نظرة من النافذة، فرأيت المنطقة السابعة مشتعلة كما لو قُصفت، والشياطين ملقاة على طريق القصر كفتات الخبز التي رشها هانسل وغريتل. 
هكذا دمر الجحيم ليصل إليّ؟ 

“كيف لم أسمع هذا الضجيج؟” 

تمتمت، فمال إليورد رأسه وابتسم. 

“هذه الغرفة عُزلت صوتيًا قبل وصولكِ. سجلكِ المثير جعلهم يهتمون.” 

استدرت مرتبكة، فوجدت وجه دانتي البارد قريبًا جدًا. 

“هل ظننتِ أنكِ تستطيعين العيش بدوني؟ لا تجدين جواربكِ بدوني.” 

“الشياطين الصغار يفعلون ذلك…” 

“لم يعد هناك شياطين صغار.” 

اللعنة، هل قضى عليهم؟ كانوا مخلوقات مجتهدة رغم مظهرهم. هززت رأسي بحزن. 

“للأسف، لم أعد ميا فورتونا. الشخص الذي عرفته لم يعد موجودًا. احترامًا لعلاقتكِ بصاحبة هذا الجسد، سأتغاضى مرة واحدة، فارجع.” 

حاولتُ تقليد نبرة ماتياس المتعجرفة، لكن دون جدوى. 

“شيطان يرتدي بيجاما بنقش القطط؟ ذوقكِ لم يتغير.” 

كان كقلعة لا تُخترق، لا شيء يؤثر فيه. 

أضاف بنبرة جافة: 

“هل تعلمين؟ ألكسندر أنجب صغارًا من أنثى الجيران.” 

“واو، حقًا؟ سيكونون لطيفين!” 

أوه! تفاعلتُ كميا فورتونا، فأعدتُ تعبيرًا شرسًا. 

“هه، أنا أحب الكلاب دائمًا.” 

“لم أقل كلابًا.” 

لقد انكشفتُ تمامًا. 

نظر إليّ بعيون مليئة باللوم وأنا أتلعثم مرتبكة.

“لا تجيدين الكذب، فلمَ تتظاهرين؟” 

عادةً أجيده، لكن أمامه لا أستطيع… 

“بيي.” 

أصدر توتو، التنين، صوتًا جادًا كأنه يؤيدني، منتفخ الخدين بحزن. 

عبثتُ بأصابعي قلقة. كيف أرده؟ لم يعد لدي حجج، والتهديدات لا تنفع. 

فجأة، اندفع مسؤولو شياطين في حالة يرثى لها مع صوت ارتطام. 

“مديرة! يجب معاقبة مامون الأمير وهذا الإنسان لإفسادهم الجحيم! أصدري أمر تعبئة عسكرية!” 

“هذا الإنسان يمتلك جزءًا من قوتكِ، فهُزمنا! اقتليه واسترديها قبل أن يسبب فوضى أكبر!” 

كانت أجسادهم مليئة بثقوب الرصاص والجروح، دليل على هزيمتهم أمام دانتي. 

“ربما إذا دمرنا الجحيم بالكامل، نستردها.” 

وقف دانتي، يده في جيبه، وطافت خلفه أسلحة نارية تستهدف الشياطين. 

إذا استمر هكذا، سينهار الجحيم، مما يعطل توازن العالم، أو سينهار دانتي. لا فائدة من الاستمرار. نظرت إليه بوجه جاد. 

“لنتقاتل واحدًا لواحد، بنزاهة.” 

كنتُ أريد محادثة خاصة معه. 

صفق المسؤولون وأومأوا. 

“مديرة، سنختبئ بشكل خسيس ونهاجم عند الفرصة!” 

من سيُخدع إذا تحدثتم بصوت عالٍ؟ لوحت بيدي، وأضفت ثقلًا لصوتي: 

“إذا أظهرتُ قوتي الحقيقية، ستموتون جميعًا. اخرجوا، إذا لم تريدوا الموت.” 

“آه، شكرًا!” 

هرب المسؤولون مسرعين. لكن إليورد بقي جالسًا على حافة السرير، لا نية للخروج. 

“يمكنني البقاء. أنا الأكثر تفضيلًا، وسأصبح قريبًا الزوج الرسمي…” 

“آه! لنغير المكان!” 

دانتي متعصب بالفطرة، والآن كقنبلة موقوتة. أي استفزاز إضافي خطير. قبل أن يثير إليورد دانتي أكثر، يجب تغيير المكان. 

أمسكتُ ذراعه، وركزت، متخيلة أعمق غابة في الجحيم. 

* * *

هاه، أخيرًا بقينا وحدنا. 

انتقلت أنا ودانتي إلى وادي الكوارث، موطن الوحوش. شعره الأسود يتمايل تحت ضوء القمر الأحمر. 

“ميا.” 

نظرت إليه عندما نادى اسمي بهدوء. عيناه، كوحش هدأ قليلًا، فقدت بعض الشراسة. 

“سأناديكِ باسمكِ من الآن. لا أريد مشاركة ألقابكِ مع الآخرين.” 

“حسنًا، لم يعد أحد يناديني بهذا الاسم.” 

ساد الصمت بيننا للحظات. 

خلال الوقت القصير ونحن نتعارض عن بُعد، تداخلت أفكار كثيرة، لكن النتيجة واحدة. 

“دانتي، لن أطالبك بتعويض ما دمرته، فارجع إلى عالم البشر.” 

“ألا تعلمين حقًا لمَ جئتُ إلى هنا؟” 

بدا تعبيره حزينًا. 

ربما لأنه لا يطيق تركي وحدي هنا، أنا التي أخاف كثيرًا وأكره الوحدة. صحيح أنني أفاجأ بمظهر الشياطين المخيف… 

“هل جئتَ للرد على كلامي عن حبي؟ يكفيني أنكَ بخير. أعيش بسعادة بدعم الشياطين، لدي قدرة تكيف ممتازة، وعقل قوي، لذا…” 

رغم ألم قلبي، كان عليّ أن أكون قاسية. 

“لستُ بحاجة إليكَ بعد الآن. أستطيع تدبر أمري بمفردي.” 

هذا أفضل خيار لحمايته. 

تنهد دانتي، شفتاه مشدودتان. 

“أعلم أنكِ لستِ ضعيفة.” 

مسح وجهه كمن يغتسل، وأكمل بصوت خافت: 

“الضعيف هو أنا. بعد استعادة ذكرياتي ومشاعري، أول ما أدركته هو-” 

تبددت الهالة الشيطانية القاتلة حوله فجأة. رفع جفنيه ببطء، كاشفًا عن عينين باردتين كبحر متجمد. 

“أنني أكثر هوسًا وتملكًا مما ظننت.” 

ثبتت عيناه الزرقاوان الباهتتان عليّ. 

“كلامكِ عن حبكِ لن ينتهي برد فحسب.”

المترجمة:«Яєяє✨»