أكمل الثلاثة نقلهم بسرعة، وبدأوا في التخطيط لبناء مبانٍ جديدة على الأرض الواسعة الملحقة بالقصر. 

“هنا سيكون دار الأيتام، وهنا مبنى لتعليم كبار السن صناعة الخبز والعمل. أما الباقي، فكيليان يمكنه الزراعة كما يشاء…” 

شرح إيجكيل بحماس وهو يحمل مخطط التصميم. 

بدا دانتي وكأنه يستمع بجدية، لكن أفكاره كانت في مكان آخر تمامًا. 

توقفت عيناه الزرقاوان على مقعد قديم. ثم رأى خيالًا: هو يضع دلوًا تحت المقعد، ويسكب الماء على شعر بني لامرأة مستلقية فوقه. فرك عينيه. 

“مشنقة؟” 

“يا عميد، ما هذا الهذيان المنفرد؟” 

تذمر إيجكيل من عدم تركيز دانتي على شرحه. 

“هذا القصر، لا أعلم لمَ، يبدو مألوفًا.” 

مالت رأس كيليان، الذي كان يداعب كلبه “ألكسندر الثاني عشر”، وسأل: 

“في العاصمة الكثير من القصور التي يزيد عمرها عن مئة عام. ألا يبدون متشابهين؟” 

“…لا، هناك شيء غريب.” 

“ربما متلازمة البيت الجديد؟ دعني أرى، سمعت أن ماء شجرة الصنوبر مفيد.” 

أضاف إيجكيل بلا مبالاة وهو يلف مخطط التصميم. 

“يا عميد، من الأفضل أن ترى طبيبًا. تشتتك الدائم يبدو لي كآثار ما بعد الحرب.” 

استمر إحساس دانتي بالألفة بعد ذلك. 

أثناء تنظيفه النوافذ بحماس، لاحظ بصمات على زجاج النافذة الشفاف. 

“أرنب؟” 

انحنى، ونفث على الزجاج، فظهر رسم أرنب واضح على الجزء المغشى. يبدو أن أحدهم رسمه مازحًا. 

لم يرد محوه لسبب ما، فمسح الزجاج متجنبًا الرسم. 

“ههه، لم تكتشف العلامة المخفية؟ يا لها من خيبة أمل…” 

سمع صوت امرأة تثرثر، فاستدار بسرعة، لكن لم يكن هناك أحد. فرك أذنيه وأمال رأسه. 

“هل هي حقًا آثار الحرب؟” 

لم يكن دانتي يؤمن بالأشباح. بينما كان يفكر في زيارة طبيب كما اقترح إيجكيل، أدرك أن الصوت مألوف. 

أين سمعته؟ ذلك الصوت الصغير الضئيل، كسنجاب تافه. 

غرق في التفكير، رفع رأسه إلى ما وراء النافذة. شعر وكأن أحدهم يقف في الحديقة تحت أشعة الشمس الصيفية، يبتسم ببريق. 

عند التفكير، لم يكن هذا وهمًا، بل شوقًا. 

شعر بنفس الإحساس عندما رأى الشفق القطبي الأخضر. 

لكن شوق؟ هو، الذي لم يعجب بشخص بعقلانية قط، كيف يشعر بهذا؟ 

تأمل شعوره الغريب والجديد بهدوء، ثم أنهى تنظيف النافذة، ونزل إلى القبو حاملًا أدوات التنظيف.

* * *

“لا تعودوا لنسج خيوط العنكبوت هنا. هذا التحذير الأخير.” 

مع تحذير دانتي المخيف وهو يحمل المكنسة، بدأت العناكب القافزة بالهروب.

“كيك كيك كيك!” 

أمسك بخفاش لص كان يهرب معهم، ونظر إلى القلادة الذهبية حول عنقه. 

على الرغم من عويل سرب الخفافيش، التي بدت كعائلته، وتمزيقهم شعره، لم يتحرك. 

“من أين سرقتَ هذا؟” 

“كيي، كيي…” 

تأكد دانتي أن خاتم عائلة ڤان المفقود من فعل هذه الخفافيش، فواصل استجوابه. 

“أخبرني عن مخبأك.” 

“كيينغ…” 

“هنا؟” 

لم يفهم لغة الحيوانات، لكن شعر بذلك، فقرر تفتيش القبو أثناء التنظيف. 

كان القبو مليئًا بالتحف والأغراض الثمينة، حتى إن من المدهش ألا يسرقها أحد. 

يبدو أن الشائعات عن الأشباح كانت متعمدة للأمن. كان المالك السابق ذكيًا. 

أومأ دانتي، الواقعي، موافقًا. 

ثم رفع دمية متربة من زاوية، ونفض الغبار عنها، ولف زنبركها. 

“مرحبًا! أنا تشوكي!” 

بدأت الدمية تتكلم. فحصها دانتي من كل الجهات. 

“لنلعب الغميضة! إذا قبضت عليك، سأقتلك، يا XX!” 

بوم-! 

ضرب رأس الدمية التي شتمت، فانقلب رأسها. 

“عديم الحياء.” 

“قتل، قتل، حقًا!” 

هدأت الدمية بعد ضربتين أخريين. عندما لم يبدُ دانتي خائفًا، تحدثت بصوت خافت: 

“أنا، شيطان…” 

كان للمالك السابق هواية غريبة بالفعل، ليضع مثل هذه العبارات. حاول دانتي إعادة رأس الدمية إلى مكانه. 

“آه! آخ! أيها المجنون!” 
“…” 

لا شك أنها دمية متقدمة تقنيًا. تمتم بهدوء وهو يفحصها: 

“يجب أن أطلب من إيجكيل تفكيكها.” 

“مرحبًا! أنا تشوكي!” 

تظاهرت الدمية بالبراءة بسرعة، لكن انتهى بها المطاف في كيس القمامة. 

تحدثت الدمية إليه مجددًا وهو يكنس القبو ويمسحه: 

“هل هذا عصر رون كانا؟” 

“عن أي زمن تتحدث؟” 

“استيقظت بعد ختمي، فوجدت العالم قد تغير. لا أشعر بالسحر كالسابق.” 

“السحر؟ تقصد قوة المحرك؟” 

صمتت الدمية، ثم تكلمت: 

“لا يوجد مفهوم للسحر؟ اللعنة، ذلك الجشع. لقد فشل في إعادة تطوير الجحيم.” 

لم يجب دانتي، واكتفى بمهامه، فأضافت الدمية بسرعة: 

“لكني أشعر بهالة سحرية خفيفة منك. قوة الشيطان العظيم للفراغ، الذي يحكم نهاية العالم.” 

في المدرسة، تعلم أن الجحيم يضم سبعة شياطين عظام، لكنه لم يؤمن بوجودهم. 

لكن الدمية، المصممة على نمط شيطاني، واصلت الثرثرة: 

“اعقد صفقة معي للسيطرة على البشر. ماذا عن ذلك؟ أنا الآن هكذا، لكن بعقد، سأمنحك مواهب وقوة وثروة وشهرة هائلة.”

كان عرضًا عديم الفائدة لدانتي، الذي يملك كل ذلك. 

“اسمع! القانون يقول إن الحكام والشياطين يتدخلون في المجتمع عبر البشر فقط!” 

لم يجب دانتي. 

“كما يستمد الحاكم القوة من خير البشر وإيمانهم، يستمد الشياطين القوة من شر البشر والعقود. لدي خطة رائعة: كن زعيم دولة، أشعل الحروب والمذابح لتغرق العالم في البؤس، ضع قديسًا كاذبًا يقول إن الشيطان حاكم والحاكم شيطان، وقدم البشر، باستثناء 140 ألفًا، كقرابين لاستدعاء الشياطين العظام. فلنحارب الحاكم!” 

تنهد دانتي بضعف، متجاهلًا ثرثرته. 

“كان لمالكك أفكار نجسة.” 

أيقن دانتي أن المالك السابق كان مهووسًا بالخوارق والشياطين، هرطوقيًا، يصنع دمى تتكلم ويلعب بها وحده. 

أخرجت الدمية رأسها من كيس القمامة وقالت: 

“أحب فراغك وهوسك. الهوس يولد الجنون والقتل. أنت إنسان مثالي للسقوط. يمكنك أن تكون وعاءً رائعًا لاستدعاء شيطان عظيم…” 

“كثرة كلامك تزعجني.” 

كلانغ-! 

ضرب رأس الدمية المزعجة للتنظيف، فصمتت تمامًا. 

عندما أنهى تنظيف القبو وخرج، كان كيليان يضج وهو يحتضن تنينًا صغيرًا. 

“وما هذا؟” 

“وجدته مهجورًا في الغابة. يرتدي قلادة، فلا شك أنه تنين مهجور من المالك السابق. التنانين الصغيرة المروضة لا تعيش وحدها، يا لقسوة ذلك الشخص…” 

قال كيليان، وهو يعانق تنينًا صغيرًا من سلالة مونستيل، بوجه يكاد يبكي. كان مكتوبًا على القلادة الزرقاء اسم “توتو”. 

“هل ستربيه؟” 

“بالطبع. أخطط لإنشاء مأوى للحيوانات المهجورة. لدي شعار: ‘لا تشترِ، تبنَّ’.” 

رمش توتو بعينيه المستديرتين، ونظر إلى دانتي، وبدأ يزمجر بشراسة. داعبه كيليان ليهدئه، وابتسم راضيًا. 

“يبدو أن توتو لا يحبك. يفضلني فقط، على ما يبدو.” 

“أنا أيضًا لا أحبه.” 

تتبع إيجكيل نظرة توتو، وأشار إلى كيس القمامة في يد دانتي. 

“أعتقد أن السبب ما بداخله.” 

“آه، صحيح، وجدت دمية تتكلم.” 

أخرج دانتي الدمية وناولها لإيجكيل. 

عبس إيجكيل عند رؤية الدمية برأس مشوه ومقلوب. 

“مقززة جدًا. تخلص منها بسرعة.” 

“لكنها دمية مصنوعة جيدًا. كانت تتحدث.” 

حاول إيجكيل التحقق من الشركة المصنعة، وسحب سروال الدمية، فصرخت مذعورة وهي تلوح بأطرافها: 

“توقف! أيها المنحرف!”

دمية تستجيب للموقف؟ أمال إيجكيل رأسه، وخلع ملابس الدمية لفحصها. 

“لا توجد علامة الشركة المصنعة؟ سأفككها لأتحقق.” 

“لا!” 

توجه إيجكيل، بفضوله الاستثنائي، إلى مكان ما بالدمية، بينما كانت تصرخ مذعورة.

* * *

في المساء المتأخر، بعد يوم حافل بالتفريغ والتنظيف، استلقى دانتي على سريره ببيجامة مرتبة. 

فجأة، اكتشف كيس حلوى مخفيًا بين السرير والحائط، فقفز واقفًا. 

“ظننتِ أنكِ لن تُكتشفي؟ قلتُ إنه عادة سيئة…” 

اتسعت عينا دانتي مندهشًا من كلامه اللاواعي. 

شعر وكأن هذا حدث كثيرًا. 

مع إحساس آخر بالألفة، جال بصره في الغرفة، وأمسك رأسه. صداعه المعتاد، الذي بدأ بعد الحرب، هاجمه. 

لم يعرف سببه، فافترض أنه من آثار الحرب. 

أخرج دواءً وابتلعه، ثم استلقى وأغمض عينيه. 

“تبحث عن شخص لا تتذكره، أليس كذلك؟ يبدو أن هوسك أيقظني. أظن أنني أستطيع مساعدتك.” 

فتح دانتي عينيه عند سماع صوت الدمية، واستدار ليرى دمية تشوكي جالسة على طاولة السرير.

المترجمة:«Яєяє✨»