تحذير: الأفكار والأحداث في هذا الفصل خيالية بالكامل ولا تمت للواقع بأي صلة. 
هي لأغراض الترفيه فقط ولا تعكس أي معتقدات أو وقائع حقيقية.
* * *

استيقظتُ من النوم بسبب أشعة الشمس التي دغدغت عينيّ. 

هل نمتُ طويلاً؟ شعرتُ بإرهاق يعمّ جسدي، وخدر في يديّ وقدميّ. 

فركتُ عينيّ بصعوبة ونظرتُ إلى السقف. 

“آه، سقف غريب.” 

لكن عندما دققتُ النظر، لم يكن غريبًا على الإطلاق؟ ورق الجدران المزخرف بالزهور الريفية، والتفاصيل الخشبية بلون الكرز، كلها مألوفة. 

ما هذا؟ إنها غرفة الإيجار التي كنتُ أعيش فيها في سيول! 

نهضتُ بسرعة ونظرتُ من النافذة. كانت الشمس في كبد السماء، يبدو أن الوقت منتصف النهار. 

“حلم؟” 

أمسكتُ بغرتي وأطلقتُ أنينًا خافتًا. 

حلم أنني خُدعتُ لشراء قصر، عذّبني فيه شبح مصاب بهوس النظافة، ثم بدأتُ بتوظيف رجل وسيم كخادم، وأضفتُ المزيد من الوسيمين كخدم، وكلفتُهم بأعمال المنزل، حتى أصبح لديّ أربعون خطيبًا، ثم انقسمت ذاتي، وبعد أن عاقبتُ الخادم الوسيم باعتراف حب، كادت البشرية تنقرض، فقلتُ: “سأختفي أنا، ها!” وأنقذتُ العالم؟ 

“…ما هذا الحلم الغريب؟” 

كان حلمًا عجيبًا متقلّبًا، لكنه بدا وكأنني عشتُ فيه بالفعل، مع ذكريات حية بشكل مذهل. 

“آه! صحيح، العمل!” 

بدأتُ أتذكر تفاصيل الحلم خطوة خطوة، لكن الواقع اقتحمني فتوقفتُ. 

نهضتُ من مكاني، ونظرتُ إلى هاتفي، ثم تنفستُ الصعداء واستلقيتُ على السرير مجددًا. 

“اليوم السبت، الحمد لله.” 

عالم يوجد فيه مدير أصلع بدلاً من شيطان عظيم، لسبب ما، شعرتُ بغرابة.
كأنني زرتُ مسقط رأسي بعد غياب طويل، ولم أجد أحدًا أعرفه. 

شعرتُ بالجوع، فتمطّيتُ بكسل ونهضتُ، وملأتُ قدرًا بالماء. بما أنني متعبة، سأطهو رامن فقط. 

فتحتُ الثلاجة، فرأيتُ حاويات الطعام مكدّسة بعناية. 

عندما رأيتُ الكيمتشي الذي أعدّته أمي، اجتاحتني موجة من التأثر. ألم يكن ضمن أفضل خمسة أطعمة كنتُ أشتاق إليها بشدة في الحلم، وكان عليّ تناولها قبل الموت؟ 

هوروروك، بمجرد أن تناولتُ الرامن المتصاعد منه البخار مع الكيمتشي الناضج اللذيذ، انفجرتُ بالإعجاب. 

هذا هو طعم الكوريين الحقيقي. طعم يُدمع العينين حقًا. 

“سيدتي، اتركي أعمال المنزل كلها لي.” 

بينما كنتُ أتناول الرامن بشراهة، ظهر أمام عينيّ خيال شخص يرتدي مئزرًا بأناقة. 

“سيدي، أفكر في تعليق أرجوحة جميلة في الحديقة. أعتقد أنها ستنال إعجابك.” 

“ميا، هذا الخبز الذي تدربتُ على إعداده اليوم. كيف هو؟ هل لا يزال ناقص النضج؟” 

“الاستثمار الحقيقي هو أن تضعي المال وتنسي أمره، سيدتي.” 

اشتقتُ إلى القصر الصاخب الذي عشتُ فيه، إلى الحياة اليومية التي كنا فيها جميعًا معًا. هل هذا بسبب واقعية الحلم؟ 

حتى الابتسامة الدافئة التي وُجهت إليّ في اللحظة الأخيرة، والشعور بالدفء الذي تلاشى تدريجيًا، كانا واضحين لدرجة أنني ارتجفتُ دون قصد. 

“أؤمن أنكِ ستنجحين.” 

هل قال ماتياس، مالك القصر، كلامًا حنونًا كهذا؟ لا بد أنها ذاكرة مزيفة. 

كنتُ أعمل كنملة، أعيش في غرفة إيجار، وأتناول الرامن، لكن شعورًا بالوحدة والحزن غمرني. 

“سأشتري تذكرة يانصيب. كان حلمًا ممتعًا.” 

رغم أن النهاية كانت حزينة، إلا أن الحلم كان ممتعًا بشكل عام، إذن هو حلم جيد. 

لكن، هل كل ذلك كان مجرد حلم فارغ ينتهي عند الاستيقاظ؟ 

“الكذب لطيف، والحقيقة قاسية. لكن يجب أن تقبليها.” 

في البيت الهادئ، كان صوت الساعة يتكتك هو الصوت الوحيد. 

نظرتُ حولي في ذهول، وصُدمتُ من منظر المنزل. 

“هل دخل لص إلى المنزل، ولم يتحمل فوضى، فقام بتنظيفه قبل أن يغادر؟”
 
الغسيل الذي لم أُخرجه بعد انتهاء الغسالة، الفراش غير المطوي، الأطباق المتراكمة، والأغراض المكدّسة بعشوائية. 

كان المنزل، الذي كان سيُصيب دانتي بالإثارة والألم معًا، مرتبًا ونظيفًا تمامًا. 

وعلى الأرضية الخالية من شعرة واحدة، كانت هناك بطاقة. التقطتُها وفحصتُها بعناية. 

[ملك الشياطين الخالد المُحرر] 

القدرة – ملك الشياطين، سلطة سيد الجحيم 

كانت بطاقة الملك آرثر التي كان يلعب بها أطفال الملجأ. 

بغض النظر عن أن قدرات هذه النسخة المحررة مذهلة، هل هذه البطاقة موجودة فعلاً؟ ولمَ هي هنا؟ 

أصابني الارتباك، ونظرتُ حولي، فرأيتُ مكنسة قديمة ملقاة عند المدخل. 

“وما هذا أيضًا…؟” 

زاد ارتباكي عند رؤية أداتي الخاصة. هل هذا الواقع حقًا؟ 

“أنتِ الآن تعرفين العالم الحقيقي.” 

فجأة، سمعتُ صوت ريلكه تيريزا دي بيازا، فابتلعتُ ريقي ونظرتُ إلى التقويم المعلق على الحائط. 

16 سبتمبر – يوم إعلان نتيجة الاشتراك في الشقة + لقد نجحتُ!!!!! 

20 سبتمبر – دفع العربون 

23 سبتمبر – زيارة البنك وهيئة الإسكان الحضري لمناقشة قرض الدفعة المتوسطة. 

قلّبتُ التقويم، لكن الصفحات بعد هذا التاريخ كانت فارغة.

أدركتُ شيئًا فجأة، وأطلقتُ ضحكة جوفاء، ثم التقطتُ هاتفي واتصلتُ بشخص ما. 

بعد رنين طويل، سمعتُ صوتًا مشتاقًا. 

– ابنتي، هل أنتِ بخير؟ 

كان صوت أمي، لم أسمعه منذ زمن. ضحكتُ بطبيعية وبدأتُ أتحدث كالمعتاد.
 
“اتصلتُ فقط لأنني اشتقتُ لصوتك. كيف حال أبي وأخي؟” 

– الجميع بخير. هل تأكلين جيدًا؟ ماذا عن الأطباق الجانبية؟ هل تنظفين؟ 

“بالطبع لا أنظف. لكن، أمي، حاولتُ تحضير الكيمتشي بنفسي، لكنه لم يكن مثل الذي تحضّرينه.” 

– لمَ تحضرينه بنفسك؟ كان بإمكاني إعداده لكِ. 

ساد صمت ثقيل للحظة. ثم جاء صوت أمي، مليء بالقلق. 

– هل حدث شيء؟ هل يزعجك أحد؟ أخبريني، سأذهب إليهم مع طبولي وأعاقبهم! كنتُ في فرقة السامولنوري، تعرفين! 

«فرقة السامولنوري (Samulnori) هي فرقة موسيقية كورية تقليدية تعتمد على أداء أربعة آلات إيقاعية رئيسية. تُعرف بعروضها النشيطة والإيقاعات القوية.»

ضحكتُ بهدوء وهززتُ رأسي. 

“لا، ليس هذا. لكنني لن أتمكن من القدوم في عيد تشوسوك.” 

«عيد تشوسوك (Chuseok) هو أحد أهم الأعياد التقليدية في كوريا الجنوبية، ويُعرف أيضًا بعيد الحصاد أو “عيد الشكر الكوري”. »

– لمَ؟ أنا وأبوكِ سنعدّ فطائر اللحم والجمبري المقلي الذي تحبينه. لدينا أيضًا الكعك، المشروب المخمّر، الحلويات، والفواكه. هل لن تأتي حقًا؟ 

“أمي، ستقولين إنكِ ستُقطّعين البطيخ أيضًا، أليس كذلك؟” 

– سأشتري البطيخ أيضًا، فتعالي لتأكلي. تشوسوك هو عيد ميلادك، يجب أن ننفخ الشموع معًا. هل هناك شيء آخر تريدينه؟ 

“أريد الكثير. توكبوكي، نودلز حارة، كيمتشي أوراق السمسم، دونغتشيمي…”

لديّ الكثير مما أريده، شعرتُ بغصة في حلقي. 

– سأعدّ كل شيء. تعالي لرؤيتي، ابنتي. 

مع صوتها المليء بالتوسل، ثقل قلبي، وفركتُ عينيّ وأكملتُ: 

“أمي، كانت أمنيتي أن نعيش جميعًا معًا في بيت واحد.” 

– لكنكِ كدتِ تحققينها، أليس كذلك؟ حصلتِ على شقة بنفسك دون مساعدة والديكِ، وأنجزتِ كل شيء ببراعة. هل تعتقدين أنني لا أتباهى بكِ أمام السيدات؟ يسألنني كم أنتِ ابنة بارّة. 

“…آسفة.” 

– لمَ تعتذرين لأنك لن تأتي في تشوسوك؟ نحن من يجب أن نعتذر. لم نقدّم لكِ شيئًا، وتركناكِ تعانين… هل أنتِ بخير هناك، لا تمرضين؟ 

شعرتُ برعشة في صوت أمي وهي تحاول التظاهر بالقوة. كلما فعلت، جعلتُ صوتي أكثر مرحًا. 

“ورثتُ قوتكِ، لم أمرض أبدًا، على عكس أخي الضعيف. ومؤخرًا، كوّنتُ الكثير من الأصدقاء.” 

– هذا جيد. ابنتنا صحيحة ومبهجة، لم تُقلقنا يومًا. حتى أخوكِ، رغم تظاهره بالعكس، يشتاق إليكِ. فتعالي للقائنا، ولو للحظة. 

كلمات أمي المتكررة “تعالي للقائنا” جعلت دموعي تتفجر من أعماق صدري.

حاولتُ الظهور بمظهر قوي، لكنني أفرغتُ الحزن والدموع التي كتمتُها طويلاً، وقلت: 

“أمي، آسفة لأنني رحلتُ أولاً.” 

في 23 سبتمبر، متُ في حادث مفاجئ أثناء ذهابي إلى البنك. إذن، هذا أيضًا ليس الواقع. 

اختلطت أنفاس ثقيلة بنشيج عبر الهاتف. 

– ألا تشتاقين إليّ؟ أنا أشتاق إليكِ. 

لن أتمكن من لقائكم مجددًا. لأنني لم أعد موجودة في أي عالم. 

“أشتاق إليكم. أمي، أبي، أحبكما. أخي، أحبه أقل قليلاً.” 

ابتسامة أمي التي كانت تضع الطعام في فمي أولاً، أبي المتفائل الذي كان يضحك ويقول إن الخسارة هي الفوز عندما أحلّ الأخيرة في سباق المدرسة، وأخي الذي كان يتشاجر معي دائمًا لكنه شاهد معي الرسوم المتحركة للفتيات التي أحبها. 

بفضل حبهم، أصبحتُ شخصًا يستطيع الضحك حتى في أحلك اللحظات. 

– أنا أيضًا أحبكِ أقل، تعرفين؟ المتروكون يحزنون، لكن الأخت التي تُترك وتغادر هي الأكثر حزنًا. لا تبكي، وتجسّدي كابنة أصغر لعائلة ثرية. عندها، سأكون الأخ الأكبر. 

سمعتُ صوت أخي المزعج المميز. الآن أفكر في الأمر، كان إيجي يشبه أخي.
يتذمر لكنه يهتم. 

كان أخي الضعيف يشعر دائمًا بالذنب لأنني كنتُ أعمل مبكرًا لتغطية نفقات المعيشة ومستشفاه. 

– نحن أيضًا نحبكِ. ابنتي، هل ستعودين إلينا في الحياة القادمة؟ سأكون أبًا ثريًا حينها، وسأشتري الدجاج يوميًا. 

انقطع الهاتف مع صوت أبي الحنون. 

شكرًا لأنكم علمتموني الحب. لم أقلها، لكنهم يعرفونها بالتأكيد. 

بينما كنتُ أهدئ حزني بهدوء، نظرتُ حول الغرفة. 

لكن، هل هذا غرفة الزمن والعقل، عالم اللاوعي أو شيء من هذا القبيل؟ هل سأبقى محبوسة هنا إلى الأبد؟ 

شعرتُ بالوحدة الشديدة عند هذا الفكر، لكن إذا كان هذا هو ثمن إلغاء كل شيء وإعادة الجميع… 

“هذا المكان صنعه ماتياس، أليس كذلك؟ لقد منع اختفائي وحبس الروح الفاسدة في قصر جارسيل لإنقاذها. هذا المكان له نفس الغرض.” 

كانت ريلكه تيريزا دي بيازا جالسة على السرير، تنظر إليّ بوجه هادئ. 

“آه؟” 

هل هو مكان تخزين القلادة؟ الأطفال مروا من هنا، لذلك وجدتُ بطاقة الملك آرثر. وعندما دخل دانتي ليتفقد، لم يتحمل فوضى، فنظّف المكان…

“ألا تشعرين بالظلم لأن تنتهي الأمور بحزن وفراغ هكذا؟” 

عند سؤال ريلكه، أومأتُ وشددتُ قبضتي. 

“بالطبع، اللعنة على هذا العالم. كنتُ أتمنى أن ينهار الجميع ما عداي.” 

بالتأكيد، أنا غاضبة وحزينة وممتعضة. هذه مشاعر إنسانية طبيعية. 

“لكن هذا هو النهاية. لا يمكنني أن أقول إن الحياة كانت مؤلمة بسبب ألم مؤقت. كانت هناك لحظات سعيدة كثيرة.” 

أكملتُ بمرح، وأمسكتُ يد ريلكه، وابتسمتُ بقوة. 

“سأقبله. قلبك السلبي، الجوانب المظلمة، والذكريات الحزينة، كلها. أنتِ أنا.” 

قبول الشر لا يجعلني كائنًا مختلفًا. مثلما لا نُسمي العالم بحرًا لأن المطر يهطل لبعض الوقت، فهو جزء من العالم فقط. 

“إنها مجرد قصة مضت. سأستمر في المضي قدمًا.” 

“لقد وجدتِ الجواب.” 

ابتسمت ريلكه، أنا في حياتي السابقة، ببريق لأول مرة. كان خاتم يُدعى حجر الحكيم على إصبعها. 

“هل لا تزالين لا تعرفين ما كان إيدن يريد قوله في النهاية؟” 

عند سؤالي، نظرت ريلكه إلى خاتمها وهزت رأسها. 

“الآن أعرف.” 

أمسكنا أيدينا، وفتحنا الباب، وركضنا نحو الضوء الساطع بالخارج.

المترجمة:«Яєяє✨»