* * *
“أتقول أن أصبح ملكة الجحيم؟”
ليس فقط قائدة المتمردين، بل زعيمة الجحيم أيضًا؟
امتلأت عينا ميا فورتونا الدائريتان بالحيرة وهي تنظر إلى إليورد. تحولت ملامح دانتي ڤان دايك، الذي كان يحيط ميا بأجنحته ليخفيها، إلى تعبير شرس.
“إذن، كنتَ طوال الوقت تخطط لأخذ سيدتي إلى الجحيم من خلال عقودك.”
أخرجت ميا رأسها من بين أجنحة دانتي وسألت:
“لمَ أتحمل أنا هذا الدور الثقيل في الجحيم؟”
“لأن سيدتنا كانت الملكة أصلًا. غيابها جعل الجحيم فوضى. مثل شركة يختفي مديرها التنفيذي، فيتقاتل المديرون فيما بينهم.”
انخفض رأس إليورد الأسود الضخم إلى الأرض. دحرج عينيه الحمراوين الضخمتين كالقمر، وأكمل:
“إذا استمر الوضع هكذا، قد تفقد سيدتنا ذاتها، ويبقى فقط الدمار، فتُفني كل شيء. لكن إذا اختارت بنفسها بإرادتها…”
توقف إليورد عن الكلام، لاحظ شيئًا، وهز رأسه مبتعدًا.
“دانتي، حتى لو كنتَ إنسانًا تافهًا، هجومك مؤلم.”
ضيّق دانتي عينيه ببرود، وظهرت مئات البنادق خلف ظهره، تستهدف إليورد.
كم كافحت ميا من أجل حياة عادية. لا يمكن أن تُحبس إلى الأبد في الجحيم.
“كنتُ أتغاضى من أجل إيجي وكيليان، اللذين استفادا من عقودك، لكن هذا السبب زال الآن.”
على الرغم من علمه باختفاء الاثنين، لم يستطع دانتي الشعور بالحزن أو الخسارة الحقيقية.
في عالم مظلم خالٍ من المشاعر، كان الغضب، إحدى الخطايا، هو الشعور الوحيد الذي يحسه بوضوح.
“لمَ نقاتل فجأة؟”
خرجت ميا من بين أجنحة دانتي، محاولة تهدئته. بدأ توتو أيضًا بالنعيق كأنه يوبخهم.
“يجب أن نحل الأمور بالحوار خطوة خطوة…”
“سيدتي، حتى أنا، الشيطان، أعرف ما يعني أن أكون ثمينًا. إنه السبب الأكبر لعقد البشر صفقات مع الشياطين.”
غطت جفونه عيني إليورد الحمراوين، فبدتا كأهلّة قرمزية.
“قريبًا، ستأتي لحظة الاختيار.”
مع كلماته الهادئة، انشق عنقه المغطى بقشور سميكة، وبدأت هالة سوداء وذباب الجحيم ينفثان منه.
لم تعرف ميا مصير الأموال التي أوكلتها إليه، ولا إذا كان يؤدي مهام الخادم بجدية، لكنها كانت قد ألفت إليورد بعد قضاء وقت معه. شحب وجهها.
“السيد إليورد؟”
رأت عيناها الخضراوان جسده الأسود الضخم يتحلل تدريجيًا إلى رماد متطاير.
شعرت زعيمة الكنيسة، القريبة، بشيء غريب، ونظرت إلى يدها. كان جسدها يتحول إلى رماد أيضًا.
حدقت القديسة أوفيليا، بوجه خالٍ، إلى الجهة المقابلة.
“إنزالنا في أجساد بشرية كان مخططًا منذ البداية لهذا الغرض.”
أمسكت زعيمة الكنيسة خديها بذهول.
“هل ينوي التهام كل الشياطين العظام، بمن فينا؟”
“لذلك هو الجشع والطمع. انظري، فُتحت ستة أختام، لكن لا يوجد سوى هذا الأفعى ونحن.”
الباقون جميعًا في بطنه. ابتلع الطمع كلمات أوفيليا الأخيرة.
“هه، لقد خُدعنا ببراعة.”
مع كلماتها، سقط تاج الإشراق الذي كانت ترتديه زعيمة الكنيسة على الأرض وتدحرج.
لم يكن هناك من يستطيع هزيمة شيطان امتص أرواح أصحاب القوى والشياطين العظام.
والآن، كان ينوي التهام ملك الشياطين المختوم في جسد بشري.
“بهذا، التهمتُ خمسة شياطين عظام. إذا التهمتُ الأخير، سأستطيع التهام كل العوالم.”
مع صوت بعل، ظهر شكله الحقيقي: كائن غريب برؤوس ضفدع، خروف، وقطة، يحمل رمحًا بيده.
“لا أستطيع التنفس…”
أمام كائن من بعد آخر، لم تستطع ميا التنفس من الضغط. أرسلت غريزتها إشارات خطر مستمرة.
نظرت، مغمورة بالعجز، إلى العالم الذي تحول إلى جحيم.
كانت الشياطين والوحوش تتساقط من السماء المظلمة، واختفى كل من كانوا عزيزين عليها.
“أنتِ مصدر كل المآسي.”
ضحك رأس القطة لبعل موجهًا إلى ميا.
“قوى أصحاب القوى وثمنها كلها قوانين صنعتِها أنتِ.”
تحدث رأس الخروف هذه المرة.
اتسعت عينا ميا، التي كانت تمسك يد دانتي بقوة، من الصدمة.
“أنا؟”
“ما لم يُفنَ صانع القوانين.”
تذكرت ميا فجأة كلام إليورد، ونظرت إلى دانتي.
إذا كان هذا صحيحًا، فإذا أفناني دانتي حسب مهمته…
“لا أريد ذلك.”
نظر دانتي إلى ميا بصمت، عيناه الزرقاوان تعكسان صورتها فقط.
فجأة، بدأت ميا ترى الأرواح. بدت كأسماك فضية تسبح نحوها بآخر قوتها.
كانت العديد من تلك الأرواح تُسحب إلى بوابة تحمل الختم السادس.
“ملكي، هل أعجبتك تضحيتي؟”
تضخم ضحك بعل.
شعرت ميا بالفراغ. لقد كان هذا هو الثمن الذي تحدث عنه ماتياس. قوة لا تُكتسب إلا بعد خسارة كل من تحب.
أدركت الحقيقة، وأطرقت برأسها، ثم نظرت إلى توتو. عند رؤية الأرواح الصغيرة التائهة حولها، أدركت أن توتو ليس تنينًا عاديًا.
“توتو.”
“بي؟”
“أعلم أنك تستطيع الكلام، لكنك تتكاسل عن ذلك.”
عند كلام ميا، غطى توتو وجهه بقدمه الأمامية، بوجه محرج.
“أنت كائن مقدس أرسله الحاكم، أليس كذلك؟”
“بيي.”
أغلقت ميا عينيها، عانقة عنق توتو، وأكملت:
“احمِ أرواح أطفال أصحاب القوى. إرشاد أرواح الأطفال هو مهمتك.”
“بيي…”
داعبت ميا رأس توتو المتردد.
“أروع تنين في العالم، توتو. تستطيع ذلك، أليس كذلك؟”
“بي.”
تراجع توتو، منخفض الرأس.
ثم تحول إلى تنين ضخم، ونشر أجنحته، وطار إلى السماء السوداء.
ارتفع توتو عاليًا، مطلقًا زئيرًا مدويًا، ينادي أرواح الأطفال التي تُسحب إلى البوابة.
طارت الأرواح البريئة، التي لا تعلم أنها ماتت، نحو توتو، ضاحكة بمرح طفولي.
“السيدة القوية والرائعة التي تنقذ حتى النهاية، ميا فورتونا.”
سمعت ميا صوت ألكسي، الأميرة الإمبراطورية، المهيب والحنون، فاستدارت.
رأت خيال ألكسي تبتسم لها. خلفها، كان الثلاثي المشهور، أطفال الملجأ، وكل من قابلتهم.
“لا يزال هنا حاكم يحب البشر.”
فوق الجميع، ظهرت كأس التضحية المقدسة، تحمل قوة الإله الوحيد الذي يريد حماية هذا العالم.
“الكذب لطيف، والحقيقة قاسية. لكن يجب أن تقبليها.”
أدركت ميا حقيقة قاسية.
كنتُ حاكمة الشر التي تتظاهر بأنها بشرية.
وجودي نفسه كذبة فارغة.
“ومع ذلك، أحبك. نحن أصدقاء.”
ابتسم الثلاثي المشهور.
مدت ميا يدها نحو ضوء كأس التضحية المقدسة.
تلاشت ابتسامات الجميع كالضباب، وتحولت الكأس إلى مفتاح.
عندما حاولت إمساكه، وقف دانتي أمامها.
“لا يجوز.”
استدار دانتي ببطء، وتوسل:
“حتى لو كانت كذبة، لا تختفي.”
لفّت طاقته السحرية المفتاح اللامع، فتلاشى.
ضحك رأس الخروف لبعل، محدقًا إلى دانتي.
“آه، لقد خنت مهمتك بحرق حياتك. تحملت قوة ثقيلة نيابة عنها، ونفد عمرك. يا له من خيار أحمق.”
تذكرت ميا تضحية إيدن من ذكريات ريلكه، ونظرت بقلق إلى ظهر دانتي.
بدأت أجنحته تتحول إلى رماد.
هل سنكرر الماضي مرة أخرى؟
“دانتي.”
أمسكت ميا يده المغطاة بالسواد، وجذبته نحوها، وسألت:
“هل كنتَ جادًا عندما قلتَ إنك لا تحبني؟”
ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي دانتي وهو ينظر إليها.
“كانت كذبة. كذبتُ كثيرًا بحجة مصلحتك.”
لفّت يده الدافئة خدها.
“في الحقيقة، كان طمعًا بأن أبقى بجانبك. أخفيتُ الحقيقة حتى النهاية.”
“أنا أيضًا كذبتُ كثيرًا، فلنعتبرها تعادلًا. لكن ما الجدوى الآن؟ العالم على وشك الانهيار.”
ضحكت ميا كطفلة شقية، وغطت يده على خدها بيدها.
“لن تُضحي بنفسك مجددًا، أليس كذلك؟”
“ليس تضحية، بل نتيجة طمعي. حتى لو أطالت حياتي حياتك، لا أظنكِ ستكونين سعيدة وحدك. لذا، ما سأفعله الآن…”
عانق دانتي جسد ميا الصغير، وأضاف بهدوء:
“ميا، أن أكون معكِ حتى النهاية.”
كان يعاني نيابة عنها، ومع ذلك يقول إنه سيزول معها.
داعبت ميا شعره الأسود، الذي دفن وجهه في كتفها.
“كنتَ تعاني كثيرًا، أليس كذلك؟ الجندي الصغير الوحيد الذي بدا وحيدًا كان اسمه دانتي. من كان يظن أنه سيكبر هكذا؟”
عند كلمات ميا الحنونة، اتسعت عينا دانتي الزرقاوان قليلًا، ثم انحنيا برفق.
“دانتي، في الحقيقة، كنتُ أحبك. كنتَ نوعي المثالي، لا أنساه حتى في أحلامي.”
عانقت ميا جسده المتلاشي، مبتسمة ببراءة. قبّلته على خده بلطف، وحفرت وجهه وعينيه الزرقاوين كالبحر في قلبها، وقالت:
“لذا، انسني. إلى الأبد.”
هذه آخر فرصة لتسامح قدرنا القاسي.
تلألأت الدموع في عيني ميا الخضراوين، وتساقطت. تحول الدفء في يدها إلى رماد، وطار بعيدًا مع الريح.
“إنه حزن.”
أمسكت ميا خدها المبلل، تشعر بالريح المغادرة، وابتسمت ممسكة بقلادتها.
كانت الدموع تتساقط بلا توقف.
“جدي، لقد وجدتُ الجواب أخيرًا.”
هل ستكون هذه آخر نكتي؟
وقفت ميا شامخة وسط الخراب، تنظر إلى بعل بابتسامة. لم تستسلم لليأس حتى النهاية. لم تكره العالم الذي اختفى منه الجميع.
بل أحبت القدر البائس والعالم الذي جمعها بهم.
“سأختفي أنا.”
على عكس توقعات اليأس، بدا صوتها مرحًا، فبدت رؤوس بعل مرتبكة.
“ماذا تفعلين الآن…”
“واحد، اثنان، ثلاثة.”
انبعث ضوء ساطع من يد ميا، التي تمسك القلادة، يحمل قوة الإبطال.
“ها!”
مع صوت نقي، تحطم جوهرة القلادة إلى شظايا، تلألأت كالنجوم وتلاشت في الظلام.
كل شيء سيصبح قصة لم تكن موجودة. بما في ذلك أنا.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 163"