“ميا، لا يجب أن ترغبي بقتل أحد. أبدًا.”
تلاشت نصيحة جدّي الراسخة في أعماق قلبي.
“ما هذه القوة؟ ما هذا! أنقذيني! أنا آسف!”
أدرك جيورجي الخطر أخيرًا، وبدأ يتوسل مذعورًا. ‘يا له من إنسان يصبح جبانًا أمام القوة!’
“مثلك…”
كأن قفلًا محكمًا قد فُتح، اندفعت كراهية لم أشعر بها من قبل.
عضضتُ على أسناني ورفعتُ المكنسة، لكن يدًا كبيرة أمسكت ذراعي فجأة.
سُحبتُ بقوة إلى حضن صلب.
“سيدتي.”
تكلم رجل ضخم يعانقني بصوت عميق.
“لا داعي لتلويث يديكِ.”
كان الرجل الذي قيّد حركتي هو دانتي.
حاولتُ التملص من حضنه بكل قوتي.
“لا تمنعني. يجب أن أفعل هذا.”
“تنظيف الأوساخ هو عملي.”
ضربتُ صدره بجبهتي مرتين.
“اتركني. تحملتُ طوال هذا الوقت بنصيحة جدّي، لكنني الآن غاضبة…”
“أعلم.”
كان صوته رقيقًا كمن يهدئ طفلًا. ربتت يده الكبيرة على ظهري بلطف.
“أعلم أنكِ تحملتِ كثيرًا من أجل حياة عادية.”
أغمضتُ عينيّ وأنا أضع خدي على صدره القوي.
لا أعرف إن كان ذلك بسبب دفء حضنه أم لأن ابتسامة جدّي عادت إلى ذهني، لكنني شعرتُ كأنني أعدتُ ضبط موجة راديو مشوشة، فعدتُ إلى رشدي.
“حياة عادية؟”
عادةً، أنا من يحل الأمور بالكلام والإقناع.
لكنه الآن يمنعني، وهذا جعلني أشعر بشيء غريب وحزين.
رفع دانتي رأسه ونظر إلى قلادتي. كان الحجر الأحمر المتصدع قد بدأ يتفتت قليلًا.
‘إذن، صوت الزجاج المتكسر كان من هذا؟’
“كلما استسلمتِ للمشاعر السلبية، ضعفت قوة القلادة.”
‘إذا تحطمت القلادة، هل ستسيطر ريلكه على جسدي تمامًا؟’
لكن من عاش دون أن ينكسر ولو مرة؟ الجميع يعيشون مبتسمين، يلصقون شظاياهم المكسورة.
الحزن والجروح يجب أن أتقبلها بنفسي. أن يتحمل أحدهم تعاستي أو يرتكب ذنبًا نيابةً عني؟ لا أريد ذلك.
“أردتُ حماية جسدكِ وقلبكِ أيضًا.”
شعرتُ بقلقه من صوته المنخفض وتنفسه غير المنتظم، ومن يده التي تضغط على ظهري ثم ترتخي.
‘تريد حمايتي من الأذى، يا له من شخص لطيف.’ ابتسمتُ له عمدًا بمرح.
“لا تقلق. أنا قوية الإرادة، أليس كذلك؟ لا أريد أن تحزن أنتَ لأي سبب، وبالطبع لا أريد أن أحزن أنا أيضًا.”
وضعتُ يدي على صدره، فانتفض وابتعد قليلًا. دفعته برفق ورفعتُ مكنستي.
“الآن، أريد فقط أن يكون هو التعيس.”
*ضربة!*
هويتُ بالمكنسة بقوة على ظهر جيورجي.
“لن أقتله، سأضربه بقلب إيجابي.”
‘سأضربه. إن لم أفعل، لن أنام الليلة. طالما لا أقتله، فلا بأس. بقانون حفظ الكتلة، يجب أن يحزن هو لأكون سعيدة. سأضربه حتى يغبر في يوم ممطر!’
“قال الكبار: عيشي في عالم مستدير…”
تمتمتُ بكلمات أغنية طفولتي وأنا أرفع المكنسة عاليًا.
*ضرب، ضرب، ضرب!*
“لكن العالم مليء بالمربعات!”
“آه! لمَ تغنين وأنتِ تضربين؟”
تكور جيورجي كحشرة وتوسل.
“آخ! توقفي! أنا آسف!”
“هذا لا يكفي. ألم تُهدد الأطفال؟ سأضربك حتى تنتهي أغنية المربعات!”
شعرتُ براحة بعد أن ضربت مؤخرته كالعصا. ‘لا يُضرب الأطفال حتى بالزهور، لكن هذا البالغ السيئ يستحق.’
كانت عيناه مقلبتين وفمه يزبد، يبدو أن الضربات مؤلمة رغم تخفيفي لها.
اقترب دانتي وأنا ألهث، وأضيق عينيه.
“إن تعبتِ، سأحل محلكِ.”
ارتجف جيورجي واتسعت عيناه عند رؤية ذراعي دانتي القويتين وبنيته التي تبدو قاتلة بضربة واحدة.
“آه، أخطأت! حقًا!”
حدق دانتي فيه بشراسة وتقدم.
“قُدنا إلى المقر الرئيسي لمعهد الأبحاث العسكرية.”
“حسنًا… آه، آخ!”
بدأ جيورجي، الذي كان يومئ بسرعة، ينتفض فجأة ويتألم.
نظر دانتي إليه وهو محاط بسحر أحمر داكن كاللعنة، وقال:
“يبدو أن آثار تجارب التحول قد بدأت.”
‘يستحق!’ لكن… بدا الألم قاسيًا جدًا.
هل هذه عقوبة طمعه المفرط؟ أم كفارة ذنبه بإيذاء الآخرين؟
“لا مفر. من الأفضل إنهاؤه سريعًا قبل أن يصبح وحشًا كاملًا.”
كانت كلماته مثل كلمات كيليان، لكن بنبرة مختلفة تمامًا، جافة كمن يقتلع عشبًا من حديقة.
مد دانتي يده نحو جيورجي بوجه خالٍ.
“لا! ليس هذا النوع من الآثار! لا تقتلني!”
صاح جيورجي بيأس وتراجع متعثرًا.
‘إذا سيطرت ريلكه عليّ وأصبحتُ شيطانة تدمر العالم، هل سينظر إليّ دانتي بهذا الوجه البارد؟’
“دانتي، إن اضطررتَ يومًا للتخلص مني بسرعة ودقة، سأتأذى إن نظرتَ إليّ بهذا الوجه.”
حاولتُ التحدث بجدية، لكن الأمر بدا مضحكًا. ‘لمَ أنا هكذا دائمًا؟’
ابتسم دانتي بطرف شفتيه.
“لمَ تفكرين هكذا وأنتِ دائمًا إيجابية؟ لن يحدث ذلك.”
“هل ستبكي إن متُ؟”
“لمَ تموتين؟”
‘هذا الرجل بالتأكيد لطيف.’
استفاد جيورجي من حديثنا القصير ومدّ عمره قليلًا، وبدأ يبكي بحرقة على الأرض. توقف الألم والنوبة، لكنه كان يعاني من ألم وعذاب آخر.
“اختفى! لقد سُلب مني…!”
‘ما الذي اختفى؟’ كانت يدا جيورجي تمتدان نحو ما بين ساقيه وهو يبكي كطفل.
“هل الآثار… أصابت مكانًا حساسًا؟”
يبدو أن هذا ما حدث.
تنهد دانتي بهدوء وأنزل يده.
“إذن، عِش هكذا.”
كان هناك نبرة أسف كرجل.
لم يصبح وحشًا كاملًا، لكن أن يفقد رجولته كأثر جانبي… فكرتُ في قرار دانتي بدهشة.
‘حسنًا، العيش هكذا أشد إيلامًا.’
“دانتي، هل هذا شائع؟”
“نعم. قد تتشوه أو تختفي أجزاء من الجسم بسبب التحول أو تجارب الوحوش.”
“ليس لديكَ شيء اختفى، أليس كذلك؟”
سألتُ بقلق حقيقي، لكنه نظر إليّ بعينين محرجتين.
“أنا بخير.”
“حقًا؟”
أنزل بصره للحظة ثم رفع رأسه بسرعة.
“لا أستطيع إثبات ذلك الآن، لكن لن تكون هناك مشاكل في الحياة الزوجية. إن أردتِ التأكد مسبقًا…”
أدركتُ متأخرة أنني بدوتُ كأنني أشك في رجولته من وجهه الجاد.
“أوه، حسنًا. أصدقك دون رؤية.”
لوحتُ بيدي واستدرتُ.
في هذه الأثناء، كان كيليان يهز الأطفال لاستعادة وعيهم. اقترب إسايا بحذر وأمسك بكمي.
“السيدة فورتونا، اشتقتُ إليكِ.”
“إسايا، هل أنتَ بخير؟ هل أصبتَ؟ ألستَ خائفًا؟”
أمسكتُ خديه الناعمين بيديّ لأتفقده. تحركت شفتاه الصغيرتان كسمكة.
‘يبدو أنني منعته من الكلام.’
“كنتُ أثق أنكم الثلاثة ستأتون لإنقاذنا، فلم أخف.”
عندما خففتُ قبضتي، احمر خداه. عانقني إسايا بقوة ودفن وجهه فيّ. كتفاه ترتجفان، يبدو أنه يبكي.
“الآن كل شيء بخير.”
تكلم دانتي بصوت خشن لكنه حنون، فجرى إسايا وعانق ساقه.
تفاجأ دانتي بعناق الطفل غير المألوف، وربت على رأسه بحركة خرقاء. ربت بقوة زائدة، فارتفعت زاوية عيني إسايا كالقط.
“حقًا، كل شيء بخير.”
نظر كيليان إلى إسايا بوجه حنون.
كان قد فتح ذراعيه وانخفض، ينتظر الطفل ليقفز إلى حضنه.
“نعم، سيد السيف.”
ركض إسايا واندفع إلى حضن كيليان.
بدا على وجه كيليان، وهو يعانق الطفل بحذر، لمسة من التأثر والحزن وهو يشعر بدفء الطفل أخيرًا.
“كل شيء بخير.”
ربت دانتي على كتفي. نظر إليّ بعينين زرقاوين تحملان توقعًا غريبًا.
“ماذا؟”
أمسك يدي وشبك أصابعه بأصابعي، وهمس:
“…سيكون بخير.”
شعرتُ بأنفاسه تدغدغ رقبتي وهو يعانقني بحذر.
رائحة الغسيل النظيف منه جعلتني أشعر كأنني عدتُ إلى البيت. معه، خمدت النيران التي أحرقت أعماقي.
خلف كتفيه العريضتين، رأيتُ كيليان ينتظر دوره بعينين محمرتين.
‘لمَ ينتظر دوره؟’
“دوري أنا، الاحتياطي رقم واحد.”
فجأة، ظهر إليورد وخطفني كفريسة. دفن وجهه في رقبتي وهمس بنعاس:
“آه، يا للأسف.”
استنشق بعمق كأنه يتذوق عبيرًا، ثم رفع رأسه وتقابلت عينانا. شعرتُ أن عينيه الحمراوين المغريتين شيطانيتان.
“كان يجب أن أرى سيدتي غاضبة.”
أدركتُ وهو يتحسر أن إليورد ربما يرغب في غضب وحزن ريلكه المحبوسين بداخلي.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 135"