**الفصل 104**
اقتربَ ألكسندر النّابحُ منّي، يرمقُني بنظرةٍ تتوسّلُ إيقافَ هؤلاءِ البشر. فجأة، صرخَ شرطيٌّ يحملُ مجرفة:
“هنا عظمُ ساقٍ بشريّ!”
هرعَ الشّرطيُّ محبُّ القططِ بسرعةٍ كالسّحرِ ليفحصَ العظم. بعدَ تأمّله، مسحَ شاربَه وقال:
“كلّها عظامُ مواشٍ! تساءلتُ من يجمعُ عظامَ الجزّارِ بهذه السّرعة، فكانَ هذا المنزل.”
‘إذن، ألكسندر هو من دفنَها!’
تنفّستُ الصّعداءَ وسألتُه:
“هل تربّي كلبًا؟”
“زوجتي تربّي واحدًا. على عكسي، هي من فريقِ الكلاب. كنتُ أذهبُ لأخذِ عظامٍ من الجزّار، لكنّني دائمًا أعودُ خائبًا.”
استمرَّ التّفتيشُ بعدها.
كانَ كيليان، مرتديًا قبّعةَ قشٍّ فوقَ خوذته، يراقبُ بغضبٍ من يعبثونَ بحديقتِه المعتنى بها. تنفّسَ بحنقٍ حتّى سمعتُ أنفاسَه من هنا.
“هل يمكنُني معرفةُ تفاصيلِ البلاغِ بدقّة؟”
سألَ دانتي بلا تعبير. توقّفَ شرطيٌّ كانَ يركضُ ووضعَ يدَه على صدرِه ليستعيدَ أنفاسَه.
“كانَ هناكَ شهادةُ شاهدٍ عن اختفاءِ أشخاصٍ هنا. قالَ إنّه مرَّ عندَ الفجر، ورأى امرأةً بنيّةَ الشّعرِ تُخرجُ رأسًا مدفونًا من الحديقة، وتلعقُ أصابعَها الملطّخةَ بالدّمِ بنهم.”
‘ماذا؟ أحداثٌ مرعبةٌ كهذه في قصري؟’ ارتجفتُ وانكمشتُ من الرّعب.
“يا إلهي!”
سُمعَ صراخٌ حادٌّ من شرطيٍّ بعيد. عندَ حفرةٍ أمامَ حديقةِ الورود، رأيتُ شرطيًا شاحبًا يسقطُ متعثّرًا.
“رأس! هناكَ رأسٌ مدفون! أوغ!”
هرعَ النّاسُ نحوَ الشّرطيِّ المتمتمِ المغثيّ. ‘ما هذا؟ ما الذي يحدث؟’ ركضتُ نحوهم.
“آه!”
في وعاءٍ مفتوح، ظهرَ كتلةٌ مغطّاةٌ بسائلٍ أحمر.
‘هذا… أليسَ ذاك؟’ الشّيءُ الذي كنتُ أصنعُه سرًا كلَّ ليلةٍ منذُ وصولي إلى القصر.
“أيّها السّادة، هذا طعامٌ مخمّرٌ من الملفوفِ المتبّلِ بمسحوقِ الفلفلِ الأحمر.”
شرحتُ بهدوء. كنتُ قد نخّلتُ ملفوفًا غربيًا بمسحوقِ الفلفلِ والثّومِ والبصلِ الأخضرِ لصنعِ الكيمتشي. كلُّ ما أردتُه هو كيمتشي ناضجٌ لذيذ.
‘من بعيد، قد يُساءُ فهمُه.’
“لم أكنْ أتناولُ رأسًا، بل كنتُ أتحقّقُ من نضجِه. انظروا إلى هذا السّائلِ الأحمر.”
رفعتُ ملفوفةً حمراءَ بابتسامةٍ مشرقة، فتراجعَ الشّرطيُّ المسقطُ مذعورًا أكثر، كأنّني جلّادٌ أمامَ منصّةِ الإعدام. بدأَ يتذمّرُ وهو يبكي:
“لمَ تدفنينَه وتأكلينَه؟”
‘لأنّه لا توجدُ ثلاجةُ كيمتشي هنا!’
“دفنُه في الأرضِ يجعلُه ألذَّ علميًا.”
حاولتُ التّفسيرَ بعلميّة، لكنّ ذاكرتي خانتني.
فحصَ الشّرطيُّ محبُّ القططِ الوعاءَ وأكّدَ أنّه ملفوف، ثمّ تنهّدَ قائلًا:
“كانَ مجرّدَ سوءِ فهم. بحثنا كلَّ شيءٍ ولا شيءَ مشبوه. سنغادرُ الآن. لم يُذكرْ شيءٌ عن داخلِ القصر، وفي زيارتِنا السّابقةِ لم يكنْ هناكَ مشكلة.”
بدَوَ وكأنّه يثقُ بي جدًا، بنظرةٍ تقولُ: ‘كنتُ أعلمُ أنّكِ بريئة!’
فجأة، تقدّمَ كاهنٌ آخرَ ولوّحَ بأداةٍ مقدّسةٍ أمامي.
“لكن، هناكَ قولٌ إنّكِ بعتِ أغراضًا تسكنُها أرواحٌ شرّيرة. يجبُ أنْ ترافقينا إلى دائرةِ التّحقيقِ المقدّس.”
رسمتُ تعبيرًا متأسّفًا.
“عندَ فحصِ الأغراضِ قبلَ البيع، لم تكنْ هناكَ مشكلة. ربّما حدثَ خللٌ أثناءَ التّوزيع. لو استفسرَ المشتري منّي أوّلًا، لكنتُ حللتُ المشكلة. هذا محزن.”
“وافقتِ سابقًا على زيارةٍ تعاونيّةٍ بشأنِ مشكلةِ الوحوش. بما أنّنا هنا، فلنذهبْ الآن.”
شعرتُ أنّه يحاولُ جرّي إلى الطّائفةِ بأيِّ طريقة. ‘إمّا التّرغيبُ أو التّلاعبُ أو التّهديد.’
أشرتُ إلى كيليان ودانتي وقالت:
“كانَ هذانِ حاضرينَ أيضًا، فيجبُ أنْ نذهبَ جميعًا، أليس كذلك؟”
“كما تشائين.”
وافقَ الكهنةُ بسهولةٍ مفاجئة، وبدأوا يجمعونَ أغراضَهم للرّحيل.
تبادلتُ النّظراتِ سرًا مع دانتي وكيليان، عندما ظهرَ إيجكيل، مرتديًا بروشَ جوهرةٍ وقميصًا وشورتًا بأحزمةٍ أنيقة.
“ما هذا؟ يشبهُ مسرحَ جريمة!”
“اسمعني! أنا غاضبة جدًا!”
أمسكتُ إيجكيل وأفرغتُ ظلامتي وشكواي. لكنْ لم يتغيّرْ أنّنا جميعًا يجبُ أنْ نذهبَ للتّحقيقِ في الطّائفة، بما في ذلكَ إيجكيل.
—
توجّهنا أنا وإيجكيل ودانتي وكيليان إلى دائرةِ التّحقيقِ المقدّسِ في الطّائفة.
شعرتُ بقلقٍ خفيفٍ عندَ قولِهم إنّ المقابلاتِ ستكونُ فرديّة، لكنّهم لن يجرؤوا على فعلِ شيءٍ صريح. رفضُ التّحقيقِ سيجعلُني أكثرَ ريبة.
“الآنسةُ ميا فورتونا، أليس كذلك؟”
سألَ محققٌ كبيرٌ بالسّنٍّ مرتديًا زيَّ كاهن، بينما كنتُ جالسةً على كرسيٍّ حديديٍّ قاسٍ في غرفةِ التّحقيق. الجوُّ جعلَني أشعرُ بالذّنبِ رغمَ براءتي.
“هل سمعتِ الشّائعاتِ الأخيرةَ عنكِ؟”
“لا أعرف. أنا مجرّدُ مواطنةٍ خجولة.”
نظرتُ إليه بعيونٍ بريئة، لكنّه حدّقَ بجديّةٍ وقال:
“سلاحُ قتلٍ يهدفُ إلى قتلِ 444 شخصًا. حديقةُ قصرٍ ملعونٍ مدفونٌ فيها ضحايا كائنٍ شرّير. ساحرةٌ مرعبةٌ تسحرُ 40 رجلًا وسيمًا بسحرٍ ليصبحوا عبيدًا، وتُقدّمُ القبيحينَ كقرابينَ بلا رحمة.”
‘ماذا؟’
‘أنا بهذا المستوى كارثةٌ من الدّرجةِ الأولى؟’
أيُّ إنسانٍ يُحيطُه كلُّ هذا الغموض؟
‘واتّهامي بالتّعصّبِ للمظهرِ ظلمٌ كبير!’
“لستُ صاحبةَ قدراتٍ خارقة، ولا أملكُ مثلَ هذه القدرات. أينَ الأدلّة؟”
حاولتُ إظهارَ أنّني إنسانةٌ عاديّة. تفحّصني المحقّقُ بنظرةٍ حادّة.
“لا أظنُّ أنّ شائعاتٍ كهذه تظهرُ من فراغ. في السّوق، تغلّبتِ على عصابةٍ بمفردِكِ، أليس كذلك؟”
فكّرتُ كيفَ وصلتُ إلى هنا. ربّما بسببِ حادثةِ السّوقِ القديمة. ‘تلكَ الفوضى الصّغيرةُ أثارتْ عاصفة!’
“لم أتغلّبْ عليهم، بل هربتُ بدهاء. بدَوا كمن يحاولونَ الابتزازَ بانتحارٍ مزيّف. رأيتُ أحدهم يتعمّدُ السّقوط.”
نظرَ إلى أوراقٍ وأومأ، لكنّ عينيهِ لم تُصدّقاني.
“تحقّقتُ، لستِ مسجّلةً كصاحبةِ قدراتٍ خارقة. لكنْ إخفاءُ القدراتِ يُعاقبُ بالسّجنِ لمدّةٍ تصلُ إلى 10 سنواتٍ أو غرامةٍ تصلُ إلى مليارِ جيب.”
‘عشرُ سنوات؟ مليار؟’
ارتعبتُ.
‘هل عقدي مع ماتياس واستخدامُ قدراتِ المديرِ السّابقِ يُعتبرانِ قدرةً خارقة؟’
حتّى لو كانَ كذلك، لن أعترف. هززتُ رأسي بقوّة.
“سجلّاتُ اختباري من الطّفولةِ موجودة. كانت النّتيجةُ صفرًا تامًا.”
“تحقّقنا منها، لكنْ نحتاجُ إلى إعادةِ الفحص.”
‘ماذا لو ظهرَ شيءٌ في الفحصِ الجديد؟’
تبلّلتْ يداي من التّوتّر.
مالَ المحقّقُ الشّديدُ الهيئةِ نحوي، متكئًا بذقنِه على يديه.
“آنسةُ ميا فورتونا، يجبُ أنْ تثقي بي تمامًا. إنْ أخفيتِ شيئًا، لن أستطيعَ مساعدتَكِ.”
‘أثقُ بمن؟ شخصٌ قابلتُه منذُ 10 دقائق؟’ ابتسمتُ ببراءةٍ وقحة.
“لا شيءَ أخفيه.”
“التّحقيقُ سيكشفُ كلَّ شيء.”
“افعلْ ذلك. لكنْ إجباري على شهادةٍ معيّنةٍ أو التّعذيبُ أو التّهديدُ غيرُ مقبول. طائفةٌ تقيّةٌ تعلّمُ محبّةَ النّاسِ لن تفعلَ شيئًا كهذا، أليس كذلك؟”
‘حتّى لو أحبّوا المالَ والسّلطة، فإنّهم يهتمّونَ بالرّأيِ العام.’
رفعتُ رأسي بثقةٍ مفرطةٍ حتّى بدوتُ وقحة. ارتبكَ المحقّقُ قليلًا.
“هذا القصرُ كانَ محلَّ اهتمامِ الطّائفة. قبلَ سكنِكِ، منعَنا حاجزٌ غامضٌ من الاقتراب. كيفَ استطعتِ العيشَ هناك؟”
“دخلتُ عبرَ وكالةِ عقارات.”
تجنّبتُ ذكرَ دعمِ إدارةِ التّراثِ الثّقافيِّ أو دانيلوف، الذي تظاهرَ بأنّه وسيطٌ عقاريّ. كانتْ تلكَ كذبةُ دانيلوف لجعلي مديرةَ القصر.
“ليسَ هذا المقصود! كيفَ نجوتِ مع وجودِ كائنٍ غريبٍ هناك؟”
“ربّما لأنّه لا يوجدُ شيء، فأنا بخير.”
عبسَ المحقّقُ من حديثِنا الذي يدورُ في متاهة، بينما كنتُ هادئةً ومرتاحة.
“هاه… قد يكونُ هناكَ شيطانٌ عظيمٌ في القصر، لذا تتدخّلُ الطّائفة. أنتِ تعيشينَ هناك، وهناكَ قضايا اختفاء.”
‘صحيحٌ أنّ إليورد شيطانٌ يتظاهرُ بالبشريّة، لكنّهم لا يقصدونَه.’
ربّما يتحدّثونَ عن الشّيطانِ العظيمِ الذي استدعتهُ ريلكه.
“لا أعرفُ عن شياطينَ أو غيرها. ربّما مؤامرةٌ لخفضِ قيمةِ القصر. مع إمكانيّةِ إعادةِ التّطوير، يعملونَ سرًا للمضاربة.”
ضغطَ المحقّقُ على صدرِه كمن يعاني الحرقة. يتحدّثُ عن شيطانٍ خياليّ، وأجيبُ بجريمةٍ واقعيّة، فلا عجبَ أنّه يغضب.
نهضَ وتنهّدَ بعمق.
“حسنًا. أحدُ القدّيسينَ الاثني عشرَ يريدُ مقابلتَكِ الآن. إنّه بارعٌ في طردِ الأرواحِ والتّطهير. اذهبي.”
‘القدّيسونَ الاثنا عشر؟ هل هو غيرُ غالاتيا؟’
“هل يهزمُ أيضًا مضاربي العقاراتِ الذينَ يؤذونَ الفقراء؟ بالنّسبةِ لي، هم أسوأُ من الشّياطين.”
لم يُجبْ.
‘حسنًا، إنْ واصلتُ استراتيجيّةَ التّجاهلِ هذه، حتّى زعيمُ الطّائفةِ لن يستطيعَ فعلَ شيء!’
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 104"