2
الفصل الثاني
الكرة الصغيرة التي أطلقتها علبة الشوكولاتة
“مَن، مَن الذي أمسك بها أولًا؟”
تحدثت إيليانا بعد لحظة من التحديق في وجه الرجل.
كان واضحًا للجميع أنها كانت أول من أمسك بها، ثم تبعها الرجل.
وكانت أصابع الرجل الموضوعة فوق ظهر يدها شاهدةً على ذلك.
لكن الرجل أمال رأسه وكأنّه يتساءل عمّا تسأل عنه، ثم فتح فمه قائلًا:
“أنا طبعًا.”
شعرت إيليانا بالذهول وهي تنظر إلى الرجل الذي أشار إلى نفسه بكل برود.
“يبدو أنّك مُخطئ يا هذا… لا، يا حضرة اللورد، لقد أمسكتُ بها قبلك. انظر، إصبعك موضوع فوق يدي.”
حدّقت سريعًا في هيئته وملابسه، ثم غيّرت نبرة خطابها على عجل، مصطنعةً ابتسامة لطيفة.
رغم بساطة زيه العسكري، فإنّ المجوهرات والإكسسوارات التي كان يضعها كانت ثمينة للغاية.
ولم يكن نبيلًا ثريًّا وحسب، بل كان يتمتع برقيٍّ ظاهر، وأسلوبه المتعجرف امتزج بأريحية وأناقة راقية.
إيليانا، التي قضت حياتها على مائدة المجتمع الأرستقراطي، كانت خبيرة في قراءة الآخرين من خلال إيماءة بسيطة.
وكان واضحًا لها أنّه نبيل، بل من أصحاب الرتب الرفيعة.
‘لكن من يكون؟ لم أره من قبل.’
شعره الأسود المائل للتموّج وعيناه الكهرمانيتان… كان شابًا من الطبقة الأرستقراطية العليا.
وكان وسيمًا بدرجة كافية ليُصبح وجهًا معروفًا في المجتمع الراقي، ومع ذلك لم تره من قبل، ولم تسمع عنه.
بدأت إيليانا تتفحّص وجهه ببطء.
وكان هناك شعور غريب بالألفة في ملامحه.
“هل هناك شيء على وجهي؟ لماذا تحدقين بي هكذا؟”
“لا، أعتذر، لم أقصد. على أيّ حال، أنا مَن أمسكت بها أولًا، فلو سمحت، دعها لي.”
سحبت إيليانا العلبة ناحيتها.
لكن الرجل لم يُبعد يده حتّى النهاية.
“بالمناسبة يا آنسة، هل تعلمين أن هذه مخصصة للأطفال؟ لا أظن أنها تكفيكِ حتى كوجبة خفيفة.”
أحسّت إيليانا بوخزة في صدرها من ملاحظته.
ابتسم الرجل بخفة وهو يراقب تغيّر تعبيراتها.
‘وأنتَ؟ لا تكفيك حتى لتعلق بأسنانك قبل أن تختفي!’
تماسكت إيليانا وكبتت رغبتها في الردّ، ثم ابتسمت بأدب.
“أظن أنّ الكمية لن تُناسبك أنت أيضًا يا لورد، فلماذا لا تعود غدًا وتشتري ما يناسبك؟”
“ولماذا أشتريها لنفسي؟ هذه هدية طبعًا.”
“…وأنا أيضًا كنت سأُهديها.”
“كذبة سيئة، آنستي.”
ضحك الرجل بخفّة.
احمرّ وجه إيليانا على الفور.
ومع ذلك، لم تترك العلبة.
فقد كان يومًا متعبًا للغاية، وكانت جائعة، وقد فقدت كبرياءها بالفعل، ولم يكن بوسعها التخلّي عن الشيء الوحيد الذي حصلت عليه.
“سواء كنت أكذب أم لا، على الأقل أنا من أمسـ…”
“بالمناسبة، هل تقابلنا من قبل؟ وجهك مألوف.”
لم تكد تُكمل جملتها حتى اقترب الرجل منها أكثر.
وبدأ يُمعن النظر في ملامحها.
من تراه يخلط بينها وبينها؟
ضاقت إيليانا عينيها في وجه هذا الغريب المتطفّل.
“ما الذي تفعلـ…؟”
“آنسة؟”
وقبل أن تنفجر فيه، ناداها صوت من خلفها.
“ميلا؟”
كانت مَن نادتها هي ميلا، خادمتها الخاصة.
وكان بجانب ميلا رجل يبدو كأحد العاملين في المتجر.
بسبب هذا اللقاء غير المتوقع، ارتخت قبضتها للحظة.
“شكرًا لتنازلكِ عن العلبة، آنسة.”
تبًّا!
استغلّ الرجل الفرصة وخطف العلبة من أمامها.
تحركت بسرعة وأمسكت بطرف الشريط المربوط حول العلبة.
لكن ذلك لم يُجْدِ نفعًا، إذ انزلق من بين أصابعها بسهولة.
“أيها البائع، الحساب!”
صرخ الرجل بمرح، وألقى قطعتين من الذهب إلى العامل الواقف بجانب ميلا.
صدرت من القطع المعدنية رنّة واضحة وهي تسقط في يد البائع بدقة.
“أيّها الوقِح!”
“لقد دفعت ثمنها بالفعل، لذا أصبحت لي، يا آنسة.”
كان يُلوّح بالعلبة عمداً لاستفزازها، وتلك الابتسامة المرسومة على وجهه كانت تدعو للّكم.
تحرك سريعًا وخرج من المتجر.
“لا تُضيّعي وقتك في التأسف على ما فقدته، آنسة.”
قال كلماته الأخيرة وكأنّه يضع خاتمة لانتصاره.
في تلك اللحظة، خطرت في بال إيليانا صورة ألبرت.
‘من قال إنني فقدتُها؟’
اشتعلت عاطفتها فجأة، وهمّت بملاحقته.
لكن يا لسوء الحظ، داس أحدهم على طرف فستانها، فتعثرت.
‘آه، يا له من يوم!’
رفعت تنورتها بعصبية، وانطلقت خلفه إلى الخارج.
لكن عندما وصلت إلى الشارع، لم يكن للرجل أثر.
‘جسمه كبير، فكيف يركض بهذه السرعة؟’
أدارت رأسها يمينًا ويسارًا وهي تستنشق رائحته العالقة في الهواء.
لم يكن هناك أسوأ من هذا اليوم.
خطيبها أعلن فسخ الخطوبة بسبب فتاة شاحبة اللون، والعلبة الوحيدة المتبقية من الشوكولاتة سُرقت على يد لص متغطرس.
“أتمنّى أن يحترق منزلك وتُطرد إلى الشارع.”
زمّت شفتيها وغمغمت بصوت منخفض.
“كل هذا بسبب قطعة شوكولاتة، هل الأمر يستحق كل هذا الغضب؟”
قالت ميلا بنبرة هادئة وهي تلحق بها.
“ألم تقولي إنك ذاهبة إلى القصر الإمبراطوري؟ ماذا حصل هناك؟ تبدين متوترة اليوم.”
سكتت إيليانا بعد سماع نبرة ميلا المطمئنة.
“لا شيء. فقط لم آكل شيئًا طوال اليوم، فأصبحت متوترة.”
“يا إلهي، كيف لخطيفة وليّ العهد أن تكون بهذه الهشاشة أمام الجوع؟ هذا أمر مقلق.”
ابتسمت ميلا بعينيها الضيقتين.
ثم ناولتها قطعة حلوى صغيرة بلطف كما لو كانت طفلة.
“سأطلب من رئيس الطهاة إعداد حساء خاص لك عندما نعود إلى القصر.”
“توقفي عن معاملتي وكأنني طفلة، رجاءً.”
تدلّت شفتا إيليانا بانزعاج.
ولأن ميلا كانت بجانبها منذ أن كانت في العاشرة، فقد اعتادت معاملتها بهذا الشكل.
“بالمناسبة، ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟”
“كنت في طريقي للعودة بعد تسليم فستانكِ للخياطة، ثم تذكرت أن أحد معارفي يعمل في هذا المكان.”
“تتسلّين إذًا.”
ضحكت ميلا بدلًا من الإجابة.
“هل ستخبرين رئيسة الخادمات؟”
سألت وهي تضمّ يديها وتتظاهر بالبراءة.
تنهّدت إيليانا ونظرت إلى الحلوى في يدها.
هل كانت هذه رشوة؟
“لا.”
“آه، كم أنتِ كريمة.”
ابتسمت ميلا برقة.
وضعت إيليانا الحلوى في فمها.
مع الحلاوة التي ذابت بسلاسة، خمدت نار الغضب في قلبها.
—
بعد أن خرج سالمًا من السوق، وقف الرجل أمام نافورة الساحة.
نظر إلى المياه المنسابة بهدوء من التمثال الحجري في المنتصف، ولوّح بيده.
“الجوّ حار.”
رغم أن الفصل كان لا يزال في بدايات الربيع والبرد باقٍ، فإن الرجل كان يتصبّب عرقًا، وقد ارتدى ثيابًا أخف بكثير من غيره.
“سيدي!”
عندما فكّ أزرار قميصه قليلاً، اقترب منه رجل ذو شعر أحمر وهو يلوّح بيده.
“أهلاً بك، جيرارد. كنت بانتظارك.”
ابتسم الرجل وهو يستقبل جيرارد بعينين ضاحكتين.
مسح جيرارد العرق من جبينه، ثم أخرج ورقة متجعّدة من جيبه.
“ما هذا بحق السماء؟ هل تدرك كم أقلقتني؟”
قال جيرارد بنبرة ملؤها الظلم.
كانت الورقة مكتوبة باللون الأحمر وعليها عبارة: “سأكون بانتظارك أمام النافورة.”
“ما المشكلة؟ المكان واضح، والرسالة وصلت، أليس كذلك؟”
أمال رأسه ببراءة.
زفر جيرارد بعمق وكأنّه فقد الأمل.
“رجاءً، إذا أردت الذهاب إلى مكان ما، أخبرني بذلك. أو على الأقل اترك رسالة طبيعية.”
“ولمَ؟”
“كيف لم؟ هذا الشكل يبدو كرسالة تحدٍّ أو تهديد، من يراها سيظن أنك ذاهب لقتال!”
قرّب جيرارد الورقة من أنف سيّده.
“دفعتُ ثمن الطعام وعدتُ لأجدك مختفيًا، والورقة مغروسة في الطاولة بخنجر، ومكتوبة بحبر أحمر! كيف لا أقلق؟”
“أنت محق. يبدو الأمر كذلك عندما أسمعه منك.”
ضحك الرجل بصوت عالٍ.
بينما كان جيرارد ينظر إليه بيأس.
“هل ظننتَ أنني اختُطِفت؟”
“لا، لا يُمكن اختطافك، سيدي. ذئب الشمال لا يُختطَف.”
ابتسم الرجل وهو يُظهر أسنانه.
ذئب الشمال.
كان هذا لقبًا شريفًا يُطلق على مَن يحرس حدود الشمال التي تتعرّض دائمًا لغزوات الأجانب.
وصاحب هذا اللقب كان ريتشارد نوربير.
الذراع اليمنى للإمبراطور، وسيد الشمال.
“إذًا، أين كنت؟”
“كنت أشتري هذا.”
أخرج ريتشارد علبة الشوكولاتة.
“شوكولاتة؟ هل ستُهديها للأميرة؟”
“نعم.”
ابتسم بلطف وهو يتذكر الأميرة الصغيرة.
“لكن الغلاف هنا ممزق قليلًا.”
“حصل ذلك بسبب موقف بسيط…”
توقف ريتشارد فجأة، وأخذ ينظر إلى العلبة، ثم إلى جيرارد.
في شعره الأحمر المجعّد وعينيه الزيتونيتين، تراءت له صورة إيليانا.
“آه، تذكّرت… لهذا بدت مألوفة. لقد مرّ وقت طويل حتى نسيت تمامًا.”
“هاه؟”
“لا شيء. هيا بنا.”
لوّح بيده ومشى.
وكانت ابتسامة هادئة تتسرّب من بين شفتيه.
بينما كان جيرارد ينظر إليه بتعجّب وهو يلحق به.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"