1
يوم سيّئ الحظ
“لحظة! لا تشرب!”
تردّد صدى صرخة إليانا عبر نسيم الرّبيع الكسول.
تحت أشعّة الشّمس المتفرّقة، لمعت الحافة الذّهبيّة لفنجان الشّاي في يد الرّجل.
‘أيّها الوغد، هذا لم يُحضَّر لك!’
صرّت على أسنانها بغيظ.
كان ذلك مُعدًّا لخطيبها الذي تُحبّه بشدّة.
كان نخبها النّبيل للأمير الإمبراطوري ألبرت ماكسميليان، الذي أعمته امرأةٌ أخرى.
لقد سكبت فيه جرعةً سحريّةً تجعل شاربها يقع في حبّ من يراه أوّلًا بمجرّد رشفةٍ واحدة.
لذلك، كانت هذه فرصتها الأخيرة.
لكن أن يشربها شخصٌ آخر؟
كان ذلك كافيًا لتفقد صوابها وتقفز من الغيظ.
نهضت إليانا بسرعة، ومدّت يدها نحو الرّجل.
لكن قبل أن تصل أطراف أصابعها، أفرغ الرّجل الشّاي في فمه دفعةً واحدة.
بلع الشّاي بنزق، ووصل صوت بلعه الخفيف إلى أذنيها بوضوح.
شحب وجهها، الذي كان باهتًا أصلًا، تمامًا.
“آه…!”
أصدر الرّجل أنينًا قصيرًا، وهو يمسك صدره.
كلانغ-.
سقط الفنجان الفارغ على الأرض وتحطّم.
ارتجفَت قبضةُ الرّجل المشدودة.
اقتربت إليانا منه مذهولة، مرتبكةً من ردّة فعله غير المتوقّعة.
يبدو أنّ شيئًا ما قد حدث بشكلٍ خاطئ.
“الدّوق الأكبر، هل أنت بخير؟ استفق! دوق!”
“…”
“الدوق! سيد ريهارد!”
في اللحظة التي نطقت فيها صوتها الحادّ باسمه، رفع ريهارد، الذي ظلّ صامتًا طوال الوقت، رأسه أخيرًا.
مثل لقبه “ذئب الشّمال”، تألّقت عيناه العنبريّتان بنورٍ حادّ.
ما إن التقت أعينهما، حتّى ذاب تعبيره كالثّلج.
أدركت إليانا أنّ الأمور سارت بشكلٍ خاطئ بطريقةٍ مختلفة.
لكن عندما أدركت، كان قد فات الأوان بكثير.
—
إليانا غرايستون.
بدأت حاجتها المفاجئة لجرعةِ الحبّ منذ حوالي شهر.
“أنهي خطوبتنا، إليانا.”
تألّق شعره الأبيض البلاتينيّ بنورٍ ساطع.
حدّقت عيناه الزّرقاوان، اللّتان تشبهان السّماء الصّافية، إلى الأمام دون أيّ اهتزاز.
أدركت إليانا، من خلال النّظرة الباردة التي وُجّهت إليها، أنّ ما يحدث لها ليس مزحةً سيّئة ولا نزوةً متأخّرة.
“ها…”
فسخ الخطبة، فسخ الخطبة؟
تسرّب أنينٌ من بين شفتيها.
بعد ثلاث سنوات من الدّراسة في الخارج، عاد خطيبها أخيرًا إلى الوطن، وكانت أوّل كلماته هي طلب فسخ خطبتهما؟
أين ذهب الرّجل الذي كان يعانقها وهو يودّعها، ويرسل لها رسائل وهدايا مليئة بالعناية كلّ موسم؟
“هل يمكنني معرفة السّبب؟”
حرّكت شفتيها المتصلّبتين بصعوبة لتنطق.
أدار ألبرت عينيه ببطء وهو يعقد ساقيه.
لم تُحسّ منه بأيّ أسف.
“أظنّكِ تعرفين بالفعل.”
انقبضت قبضتها تلقائيًّا.
غرزت أظافرها المشذّبة بعمق في جلدها النّاعم.
نعم، لم تكن تجهل. بل لم تستطع أن تجهل.
كانت الشّائعة قد انتشرت في كلّ أرجاء المجتمع الرّاقي.
لقد وجد الأمير الإمبراطوري امرأة جديدة.
يقال إنّه يتجوّل مع ابنة كونت فقيرة وصلت لتوّها إلى العاصمة.
توسّلت أن تكون كذبة.
أرادت أن تصدّق أنّها مجرّد إشاعات سخيفة اختلقها أشخاص فارغون يريدون تشويه سمعة العائلة الإمبراطوريّة ودار الدّوق.
لكن تلك الأمنية تحطّمت اليوم.
“إذا كان هذا هو السّبب، فليس هناك داعٍ لسماع المزيد.”
نهضت إليانا من مقعدها.
تلامست نهاية فستانها بقدميها بثقل.
لماذا ارتدت كلّ هذا التّرف لتسمع كلامًا كهذا؟
“أنهِ الأمر قبل الزّواج الإمبراطوري.”
“علاقتنا ليست شيئًا يمكن إنهاؤه بهذه البساطة.”
إذًا، أنا علاقة يمكن إنهاؤها بسهولة؟
عبست إليانا وأبدت استياءها بصراحة.
ما هذا الحبّ العظيم الذي يجعل شرارة عابرة تدفعه لرمي خطيبته، التي كانت معه منذ الولادة، كحذاء قديم؟
“سأعتبر أنّ حديث اليوم لم يحدث. لذا، أنهِ الأمر بنفسك قبل أن تتفاقم الأمور.”
لم ترغب في مواصلة الحديث.
رمقت إليانا ألبرت ثمّ استدارت.
“إليانا.”
ناداها ألبرت.
لكنّها لم تستجب لندائه.
“ليا.”
أوقفها صوت أكثر نعومة.
عضّت إليانا شفتها السّفلى.
ليس هذا الاسم الحميم الذي يُطلق في موقف كهذا بطريقة مخادعة.
‘ما الذي يحاول فعله؟’
مع غضبها المتصاعد، استدارت إليانا لتواجه ألبرت.
فجأة-.
انفتح باب المكتب المغلق بإحكام على مصراعيه.
“صاحب السّمو الإمبراطوري-.”
تردّدت ضحكة رقيقة في الأرجاء.
عندما استدارت، رأت وجهًا أبيض ناعمًا يبتسم.
كانت امرأة صغيرة، مغطّاة بالبياض من رأسها إلى أخمص قدميها، كما لو كانت ملاكًا تجسّد في صورة بشريّة.
“شارلوت!”
مثل صبيّ واقع في الحبّ، أشرق وجه ألبرت فجأة.
ردّت شارلوت بخطوات خفيفة واندفعت إلى أحضان ألبرت.
“لقد اشتقتُ إليكَ حقًّا.”
“وأنا كذلك، شارلوت.”
كأنّ إليانا غير مرئيّة، غرقا في عالمهما الخاصّ، يتبادلان الأحاديث بأصوات عذبة.
‘هل هذا ما يسمّونه منظرًا مقزّزًا؟’
حدّقت إليانا في ألبرت، الذي يعانق امرأة أخرى أمامها بلا خجل.
شعر ألبرت بنظرتها، فتصلّب تعبيره ونظر إليها.
تبع ذلك رأس شارلوت، الذي استدار نحو إليانا.
حدّقت عيناها الحمراوان كالدّم في إليانا.
توسّعت حدقتا شارلوت، التي أدركت وجودها أخيرًا، وارتجفتا.
“آه… أم… أنا…”
ارتسمت على وجه شارلوت تعبير بائس.
ربت ألبرت على ظهرها بلطف، كما لو كان يهدّئ طفلة.
“لا بأس. لا داعي للقلق.”
عبست إليانا.
ممّن يطلب منها ألّا تقلق؟
من دخولها دون إذن بحضرة زائر؟
من تصرّفاتهما العاطفيّة أمام الآخرين؟
أم من وجود إليانا غرايستون، خطيبة ألبرت ماكسميليان الشّرعيّة؟
مهما كان الأمر، أثار موقف ألبرت، الذي بدا وكأنّه لا يهتمّ…
استدارت إليانا وغادرت المكان.
“الآنسة غرايستون.”
ناداها ألبرت مرّة أخرى.
ربّما بسبب شارلوت، تمّ بناء جدار من التّباعد بينهما، حيث اختفت أيّ ألفة متبقّية.
عندما استدارت إليانا، أغلق فمه وحدّق بها فقط.
كان طلبًا صامتًا. طلب فسخ الخطبة.
علمت إليانا أنّ هذا الصّمت ليس نابعًا من تأنيب الضّمير، بل مجرّد مراعاة بائسة لحبيبته الرّقيقة.
رأت يد ألبرت تمسك بيد شارلوت.
اندلع الغضب، الذي كانت تكبته بكلّ قوتها، للحظة.
رفعت إليانا زاوية فمها بسخرية وقالت:
“ألبرت، إذا أردتَ فسخ خطوبتنا، فلا تتوسّل إليّ، بل اركع أمام جلالة الإمبراطور مباشرةً.”
رمقت شارلوت، التي كانت تختلس النّظر من أحضان ألبرت، وقالت:
“وأخبره أنّكَ تريد وضع ابنة كونت فقيرة بلا قوّة بدلًا من ابنة دوق في منصب الإمبراطورة القادمة.”
بردت عينا ألبرت.
لم تتراجع إليانا، بل قابلته بنظرة باردة مماثلة وغادرت المكان.
—
فركت إليانا كفّها، حيث تركت أظافرها علامات واضحة.
اهتزّت العربة مع صوت حوافر الخيول.
“الوغد.”
تذكّرت وجه ألبرت وهو يضحك كطفل وهو يعانق شارلوت.
كان يقول إنّه يحبّني. كان يتمنّى لو أنهى دراسته مبكّرًا ليعود إليّ.
لقد تخرّجتُ مبكّرًا بدافع العاطفة، والآن يريد فسخ الخطبة؟
“ماذا أفعل الآن…”
تذكّرت نظرة ألبرت الباردة وهي تتّجه نحوها.
شعرت بالاختناق كلّما فكّرت. كان عليها أن تصرف انتباهها.
لحسن الحظ، رأت لوحة مألوفة عبر النّافذة.
كانت متجر الشّوكولاتة الذي كانت تزوره كثيرًا قبل سفرها للدّراسة.
أدركت أنّها كانت صائمة طوال الوقت بسبب انشغالها بلقاء ألبرت.
“توقّف.”
أوقفت إليانا العربة دون تردّد وتوجّهت إلى المتجر.
عندما فتحت الباب، اجتاحتها رائحة الشّوكولاتة اللّذيذة.
لكن، على عكس الرّائحة الحلوة المنتشرة، كانت الرّفوف فارغة تمامًا.
لم يبقَ سوى صندوق شوكولاتة مُغلّف للأطفال.
كان قليلًا بالنّسبة لبالغة مثلها، لكنّها لم تكترث الآن.
مدّت إليانا يدها.
في اللحظة التي لمست فيها السّطح النّاعم، وضعت يد كبيرة فوق الصّندوق.
أثار عطر الأيريس البارد حاسّة شّمها.
أظلمت الرّؤية قليلًا، وظهرت يد سميكة بعروق زرقاء بارزة في نهاية رؤيتها.
“يا للأسف. أنا من أمسكتُ به أوّلًا.”
رنّ صوت مرح لكنّه ثقيل فوق رأسها.
رفعت إليانا رأسها ببطء.
على الرّغم من طولها، كان عليها أن تمدّ رقبتها كثيرًا لترى وجه الرّجل.
عندما استقرّت عيناها أخيرًا على وجهه، ابتلعت ريقها غريزيًّا.
ألم تكن عيناه الذّهبيّتان، التي تذكّر بالذّئب، تنظران إليها بنورٍ لامع؟
“حظّ سيّئ، أيّتها الآنسة.”
طوى الرّجل، الذي لا يتناسب مع حجمه الكبير، عينيه بهدوء.
بدت عيناه المنحنيتان كالهلال وكأنّهما ثعلب الآن.
وقف أمامها رجل يجمع بين الذّئب والثّعلب في هيئة دبّ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "1"