حقًّا، لم يكن غريبًا أن يكون ليوبولد كالشوكة في عين الإمبراطورة. فمنذ أن عيّنه الإمبراطور فجأة وريثًا للعرش، وهي لا تكنّ له إلا الكراهية.
قالت الإمبراطورة بنبرة تحمل الامتنان أكثر مما تحمل التصديق:
“في يومٍ جميل كهذا يظهر مغتالون؟ شكرًا لك على إنقاذ ولي العهد.”
لكن عينيها لم تُخفيا شكوكها، وكأنها لا تصدق أنني أنا من أنقذ ليوبولد. كان بصرها مسمَّرًا عليّ.
“سأصدر أمرًا بتشديد الحراسة على القصر الإمبراطوري. على كل حال… لقد أنقذت ولي العهد من يد القتلة، وهذا عمل عظيم منك.”
شعرت بنظرتها الحادة كحد السيف وهي تتفحّصني من رأسي حتى أخمص قدمي. في حمرة عينيها شيءٌ من الازدراء، وكأنها تسخر من ضعفي.
جسدي الحالي يبدو بالكاد قادرًا على رعاية نفسه، فكيف يُصدَّق أنني أنقذت ليوبولد الذي أظهر منذ صغره براعته في فنون السيف؟
“… لا، لم أفعل سوى ما كان ينبغي فعله.”
قرأتُ في عينيها احتقارًا مبطنًا، فقررت أن أساير ليوبولد في حديثه. فمهما يكن، فليوبولد أكثر إنسانيةً منها.
وما إن أنهيت كلمتي، حتى التفت ليوبولد إلى الإمبراطورة وكأنه كان ينتظر اللحظة:
“مولاتي الإمبراطورة، هل لي أن أدعوها أحيانًا إلى القصر الإمبراطوري؟”
“ماذا؟!”
“هاه؟!”
انفلتت الكلمة من فم الإمبراطورة وفمي في آن واحد. أمّا ليوبولد، فقد بدا في غاية البرود والوقاحة.
“لقد كنت دائمًا وحيدًا بلا أصدقاء من عمري.”
ماذا؟! هذا كذب صريح!
أنا لا أعرف ليوبولد معرفة عميقة، لكن في هذا الأمر بالذات، أجزم أنه يكذب.
حتى الإمبراطورة أعادت السؤال بوجهٍ متشكك:
“… ولي العهد؟”
“نعم.”
أجاب بملامح جامدة لا تمتّ إلى الوحدة بصلة. وقاحة بحتة.
أليس من المعتاد أن يتظاهر المرء بالحزن والضعف ليستدرّ الشفقة عندما يقول مثل هذا الكلام؟
لكن هذا الفتى صاحب الثالثة عشرة يتكلم وكأنه يقول: “أطلب إذنك فقط مجاملة، لكن سواء وافقتِ أم لا، فسأفعل ما أريد. ألديكِ اعتراض؟ تعالي وجربي تحديَّ إن شئت.”
يبدو أن القصر يعلّم أبناءه كيف يجمّلون الكلام بالمجاملة، لكنه لا يعلّمهم التوافق بين القول والفعل.
ثم خطرت ببالي فكرة: ربما كان ليوبولد يدرك أن محاورته الآن هي نفسها من أرسلت القتلة إليه للتو، فكيف يمكنه أن يبتسم في وجهها؟ لو فعل، لكان سايكوباثًا* بحق.
*نوع من الشخصيات المعتلة نفسيا طبعا هذا شرح مبسط من عندي، و هو اشد برودا و شرا و تحكما في غيره من النرجسي*
الإمبراطورة بدت هي الأخرى وقد فهمت ذلك، فشدّ وجهها قليلًا. رفعت يدها الرقيقة لتغطي فمها، وكأنها تُخفي اندهاشًا، ثم تظاهرت بالشفقة قائلة:
“لم أعلم أن ولي العهد يحمل مثل هذا الشعور. أجل، قد يكون محقًا في شعوره بالوحدة… فولي العهد بلا أم.”
“….”
مهلًا، ألم تكن قد وجّهت له للتو إهانة مبطّنة؟
“حسنًا إذن، ادعُ أصدقاءك كما تشاء.”
كان كلامها يوحي بالقلق، لكن ليوبولد عبس قليلًا بين حاجبيه. وحين رأت الإمبراطورة ذلك، بدا على وجهها ارتياحٌ خبيث، وكأنها تفرغ بعض غلّها عليه بعدما صدّ هجوم قتلتها.
لقد كان تصريحًا فظًّا، أشبه بالانتقام الصغير.
تذكّرت فجأة أن كِلاهما في حياتي السابقة كانا يُعرفان بالعدوَّين اللدودين. وليوبولد لم يكن يومًا قادرًا على مجاراتها في الكلام.
“….”
قلت في نفسي: ليكن، بما أنني قررت مساعدته، فلأفعلها مرة أخرى. ثم إن نظرة الإمبراطورة التي ما زالت تحمل الشك نحوي كانت تُثير ضيقي.
فتقدمت بخطوة، وقلت بملامح بريئة أقحم نفسي بينهما:
“ماذا تقولون! لا تقولوا مثل هذا الكلام!”
*هي قاعدة تخاطبها بالجمع كنبرة احترام، يعني مثل الواحد يقول للملك جلالتكم بدل جلالتك، صيغة الاحترام هذي
غير موجودة بالعربية كمعلومة، و اللغة اللي اعرف انها موجودة فيها هي الفرنسية*
رفعت الإمبراطورة حاجبها وحدّقت بي بازدراء، وكأنها تقول: “وما شأن هذه الصغيره لتتدخل بين الكبار؟”
قلت باندفاع طفولي:
“مولاتي الإمبراطورة، أنتِ أم الأمة جمعاء، وبالذات الأم الروحية لولي العهد. فإذا قلتِ إن ولي العهد بلا أم، فمعنى ذلك أنكِ ميتة! و هذا شيء مشين! عيشي طويلًا يا مولاتي، ولا تقولي مثل هذا بعد اليوم!”
“….”
شُلت الإمبراطورة لحظة وهي تحدّق بي بوجهٍ ذاهل، ثم احمرّ وجهها فجأة بعدما أدركت المعنى الخفي في كلماتي.
“ماذا قلت…؟!”
“نعم؟”
يبدو أنّ الإمبراطورة قد غضبت بعدما أدركت أنني أتعامل معها وكأنها شخص ميّت.
رفعت بصري نحو جلالتها بعينين بريئتين وكأنني لا أفهم شيئاً.
طفلة *في الثالثة عشرة من عمرها، لم تدخل بعدُ عالم الصالونات الاجتماعية، وتبدو بلهاء حتى بالقاء نظرة سريعة … من المستحيل أن تتصور أن مثل هذه الصغيرة قد تحمل في كلامها أي سوء نية.
*مدري وين الطفولة بعمر ١٣ و احنا اغلبنا بالغين نصلي و نصوم بهذا العمر*
“هاه….”
لكن في نظر ليوبولد، الذي يعرف كل شيء، كان المشهد مثيراً للضحك لدرجة أنه لم يستطع أن يتمالك نفسه.
لقد أدار رأسه للجهة الأخرى وهو يهز كتفيه.
‘إنه يضحك، صحيح؟ لا يكون بكى تأثراً…؟’
وفي هذه الأثناء، كان وجه الإمبراطورة الذي احمرّ فجأة من الغضب يعود شيئاً فشيئاً إلى هدوئه المعتاد.
“…حسناً. أرجو أن تعتني بولي العهد. أعني…”
بدت وكأنها قررت التراجع خطوة، فتركت جملتها معلّقة وهي ترمقني بعينيها الحمراوين. بدا أنها لا تعرف من أكون.
وللحظة خطرت لي فكرة: إذا كانت لا تعرف اسمي، أليس من الأفضل أن أفرّ هكذا؟
لكن لا جدوى، فالأمر سيُكشف قريباً على أي حال.
“أنا تينا فالنتاين. أبي هو الكونت فالنتاين.”
“حسناً، آنسة تينا.”
مدّت الإمبراطورة يدها لمصافحتي وكأنها توكل إليّ وصية ثمينة. بدا واضحاً أنها لم تسمع يوماً باسم أسرة فالنتاين، تلك النبيلة الصغيرة من الأقاليم.
ابتسمت ابتسامة مشرقة وهي تشد يدي بقوة للحظة ثم أطلقتها. لم يكن من الصعب أن أفهم أن تلك المصافحة تحمل تهديداً مبطّناً.
“كوني الصديقة الأولى لولي العهد، واعتني به جيداً.”
“…نعم.”
‘صديقة لليوبولد؟! يا للفظاعة. أهذا أمر لأنك الإمبراطورة؟’
كتمت تلك الكلمات في صدري وأجبتها بوجه متجهّم.
“وسيسرّني أن تخبريني بأخباره من حين لآخر.”
“…حسناً، كما تشائين يا جلالة الإمبراطورة.”
وافقت ظاهراً، لكنني كنت واثقة أنني لن أجتمع معها على انفراد مرة أخرى.
فكلامها لم يكن سوى تلميح: إن عثرتِ على نقطة ضعف لولي العهد، فبوحي بها على أنها زلة لسان طفلة.
لكن… أي نقاط ضعف تلك؟ حتى في حياتي السابقة لم أعرف لليوبولد نقطة ضعف واحدة.
ومن يراقبه عن كثب سيدرك أن الضعف ليس له وجود عنده أصلاً.
“إذن، أستأذنكم الآن…”
وغادرت الإمبراطورة لتلقي التحية على الآخرين، بعد أن مرّت العاصفة.
“هــووف…”
أطلقت نفساً طويلاً بعدما انزاح عنها ظلها.
ربما بالغتُ قليلاً، لكن مصير سقوطها كان محتوماً منذ البداية. لم يكن عليّ أن أتدخّل، فبعد سنوات قليلة ستنهار وحدها.
“…ماذا؟”
لكن سرعان ما شعرت بنظرات حادّة تحرق وجنتي.
سألت بحذر وأنا أرمق ليوبولد بطرف عيني.
قبل قليل كان يهز كتفيه من الضحك، والآن عاد إلى ملامحه الباردة المعتادة.
“ِلا شيء. فقط ارتحت لأنكِ ما زلتِ كما أنت.”
“…ما الذي يدور في بالك بالضبط؟”
سألته بصدق، فأنا لم أفهم.
ينصحني دائماً بأن أختار أصدقائي بعناية، ثم فجأة أمام الإمبراطورة يعلن أنني صديقته! أي منطق هذا؟
كنت أعلم أنه شخص يصعب فهمه، لكن اليوم بدا الأمر مبالغاً فيه.
أما هو، فاستدار بخفة وقال بنبرة لا مبالية:
“ألستِ تحبين لعب دور الصديقة؟”
“…”
لعبة؟
لم أفهم قصده تماماً، لكنني كنت متأكدة أنها ليست كلمة إيجابية.
ولم يطل بي الوقت حتى خمّنت أنه يقصد علاقتي مع إيفيلين.
فقد كان دائماً يتدخّل كلما هممت بقضاء وقت وحدي مع إيفيلين، وكان يردّد باستمرار أن عليّ أن أختار أصدقائي بعناية…
لا يكون…
وبينما أستعيد أفعاله الماضية، خطرت لي فرضية جريئة.
“أنت… لا تقل لي أنك…”
“…”
“كنت تغار؟”
أجل، كان يغار.
تدخّلاته المتكررة كلما رآني مع إيفيلين، كل ذلك لم يكن إلا بدافع الغيرة.
لقد عرفت أنه شديد التملّك، لكن… هل كان يتمنى لو يكون هو أيضاً صديقاً قريباً مني؟
“…من يدري.”
أجابني بكلمات مبهمة تركت في نفسي شعوراً غامضاً.
وهكذا، وللمرة الأولى، أصبحت بيني وبين ليوبولد علاقة تحمل اسم “الصداقة”.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"