على رد فعل الإمبراطورة الذي كان أكثر قوة مما توقعت، فقدتُ القدرة على الكلام.
ألم تكن هذه هي الشخصية التي كانت تتردد حتى في مصافحتي؟
“ها، هاها…”
درتُ عيني بهدوء وتسلل ونظرتُ مرة أخرى إلى أساد الواقف خلف الإمبراطورة.
بالطبع، أساد أيضًا كان متجمدًا بتعبير وجه يدل على الارتباك.
في تلك اللحظة، أمسكت الإمبراطورة بيدي فجأة وقوة.
وقربت وجهها مني بتعبير يشبه الفتاة المشرقة وهي تقول:
“أيتها الآنسة تينا، كدليل على الشكر والاعتذار، أرغب في دعوتكِ رسميًا إلى حديقتي.”
“ماذا؟”
ما هذا الفخ الجديد؟ تفحصتُ تعابير وجه الإمبراطورة بدقة.
في عينيها الحمراوين اللتين تبدوان متلهفتين، لم يكن هناك أي أثر للتخطيط لشيء ما.
نظرتُ إلى أساد مرة أخرى.
كان هذا الوغد يقف بتعبير وجه بدا عليه أنه مصدوم أكثر بكثير من ذي قبل.
هل تعتزم دعوتي حقًا بحسن نية خالصة؟
هذه المرأة التي تتصرف بناءً على حسابات دقيقة في كل شيء؟
لم يكن هناك مفر من الشعور بالشك.
لكن لم يكن لدي أي قيمة يمكن استغلالها.
بقيتُ صامتة بينما كانت الإمبراطورة تمسك بيدي بحرج.
وفجأة، أشرقت تعابير وجه الإمبراطورة بوضوح، وكأنها فسرت صمتي بشكل معين.
“إذًا، سأجهز لكِ دعوة بمجرد انتهاء مهرجان التأسيس.”
“نعم؟”
الإمبراطورة، بوجه سعيد، أمسكت بيدي وهزتها مرارًا صعودًا ونزولاً وكأنها تصافحني.
لم أستطع أن أقول لها بصراحة:
‘الأمر ليس كذلك’.
في النهاية، أومأتُ برأسي رغماً عني وتبادلت معها ابتسامة محرجة.
“إذن، إلى اللقاء في المرة القادمة.”
“آه، نعم. جلالتكِ.”
لحسن الحظ، أبدت الإمبراطورة نية المغادرة، فنهضتُ بسرعة وخفضتُ رأسي بشدة.
عندما رأتني الإمبراطورة، سُمع صوت ضحكة خفيفة، وكأنها ضحكت بخفة.
“لنتفق على عدم استخدام اللقب الرسمي ‘جلالتكِ’ في المرة القادمة.”
“…”
ماذا؟ ألا أستخدم لقب “جلالتكِ”؟ إذًا بماذا يجب أن أناديها؟ أثناء تفكيري، كانت الإمبراطورة قد استدارت وخرجت من الغرفة.
تردد أساد قليلاً ثم تبع الإمبراطورة وغادر.
“هيووه.”
بعد أن اختفى صوت خطوات أساد والإمبراطورة، أطلقتُ تنهيدة.
ما هذه الزيارة للمريض الشرسة والمجهدة؟ شعرتُ بالإرهاق الزائد بلا داعٍ.
“إييه.”
ربتُ على كتفيّ بخفة ونهضتُ.
بسبب الإرهاق الشديد، ألقتُ بجسدي وغطستُ في السرير.
بينما كنت مستلقية أنظر إلى السقف، أصبح الموقف الذي حدث للتو أقرب إلى الواقع تدريجيًا.
“…”
يا إلهي، سأتلقى دعوة فعلية إلى حديقة الإمبراطورة.
حريم الإمبراطورة، إذا جاز التعبير… كان المكان الذي تتجمع فيه أجمل الأشياء في الإمبراطورية، بل في هذا العالم.
المكان الذي رأيته سابقًا كان مجرد مدخل للعرض أمام الآخرين.
وكلما تعمقتُ أكثر، كلما وجدت أشياء أكثر روعة مخبأة.
بالإضافة إلى المجوهرات والفساتين، قيل أن فيه كنوزًا من دول أخرى أيضًا.
وحتى أشخاصًا موهوبين.
هل يمكنني حقًا الذهاب إلى مثل هذا المكان؟ هل يا تُرى تقصد إهانتي أو السخرية مني بنية خفية؟
لا يبدو أن الإمبراطورة ستكذب الآن، ولكن بما أنني كدت أن أتعرض للاستغلال من قِبلها في قضية ليوبولد سابقًا، لم يكن هناك مفر من الشعور بالشك.
كان لا بد لمن يدخل حريم الإمبراطورة أن يمتلك الكفاءة، وليس فقط جمال المظهر، بل والكمال في كل من المعرفة وفنون القتال.
لم يكن مسموحًا بالدخول إلا للإنسان الكامل في كل شيء.
أن تدعوني إلى مثل هذا المكان… هل تريد السخرية مني برؤية مظهري الحائر والمرتبك بينما أتظاهر بالغباء؟
“أُو-أُو…” بدا وكأنني سأحلم بكابوس لو نمت على هذه الحال.
ذلك الحلم الذي أُهان فيه في حريم الإمبراطورة…
* * *
في ذلك المساء.
“أُو-أُو-أُو.”
كنتُ أحلم بكابوس.
في الحلم، كنتُ في الحديقة مع الإمبراطورة وأساد.
كان ذلك لأن الإمبراطورة قد دعتني إلى حريمها.
ولكن، لسبب ما، كنت أرتدي كيس سماد.
*أنفال: يعني طول الرواية متمسكة بكيس السماد و كيس الخيشة؟؟*
وسرعان ما تحولت إلى موضع سخرية للجميع في الحريم.
“أُواك!”
أنا التي استيقظتُ من النوم وأنا أصرخ، كنتُ أتعرق عرقًا باردًا وأنظر حولي.
يبدو أن الظلام قد بدأ يخيّم، وأنه وقت المساء.
كان بالإمكان رؤية الشمس وهي تغرب تمامًا من خلال النافذة الزجاجية الكبيرة.
“هُو-أُو…”
أطلقتُ زفيرًا عميقًا في محاولة لتهدئة نفسي.
كنتُ أرغب في النوم مرة أخرى، لكنني لم أستطع الاستلقاء خوفًا من أن أحلم بذلك الكابوس مجددًا.
جلستُ مستندة بظهري إلى الحائط.
أين ذهب راسل؟ لم يكن هناك أحد حولي سواي.
في تلك اللحظة، سُمع صوت خشخشة من خارج الباب، ثم طُرق الباب.
طرق، طرق.
“راسل؟”
سألتُ برد فعل انعكاسي، لكنني أدركتُ فورًا أن الشخص ليس راسل.
ذلك الوغد، الروح الحرة، ليس لديه مفهوم الطَّرق.
“تفضل بالدخول.”
عندما أجبتُ على الطَّرق باقتضاب وأنا جالسة على السرير، فُتح الباب ببطء.
وظهر الشخص الواقف خلف الباب.
شعر أشقر طويل ومستقيم يلمع كالذهب المشرق مثل الشمس حتى في الغرفة المظلمة، فتاة جميلة بعينين خضراوين، كانت تقف أمام الباب بتردد.
فتحتُ فمي بتعبير وجه مرتبك: “إيفي… سمو الأميرة؟”
سألتُ وأنا أتداركُ الكلمات التي كدتُ أنطق بها بشكل غير رسمي كالعادة.
لماذا إيفيلين هنا؟ ألم تكن قد غادرت؟
بينما كنت أفكر في ذلك، كانت إيفيلين قد جاءت ووقفت بالقرب من جانب سريري دون أن أشعر.
“كيف وصلتِ إلى هنا بحق الجحيم…؟ ألم تكوني قد غادرتِ؟”
“آه، حسناً-“
عندما رفعتُ نظري وسألتها بفضول، فتحت إيفيلين فمها بتعبير وجه مرتبك قليلاً.
لكنها اكتفت بتحريك شفتيها فقط، وكأنها تتردد باستمرار بشأن شيء ما، وفتحت فمها بعد فترة طويلة:
“كان يجب أن أغادر… لكن مهما فكرت، بقيت حسرة واحدة فقط…”
“حسرة؟”
سألتُ بتعجب.
هل يمكن أن يكون لدى إيفيلين تعلّق باقٍ بهذا الإمبراطورية؟
آه، هل هو ندم على عدم إنقاذ الإمبراطور؟
ولكن، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا أتت تبحث عني أنا بالتحديد؟
“أنا سأغادر الآن، لكن…”
فتحت إيفيلين فمها وهي تتردد.
يا تُرى ما هي الكلمات الصادمة التي تنوي قولها وتجعلها تتباطأ هكذا.
وبينما كنت أفكر كذلك، فجأة أمسكت إيفيلين بيدي بقوة.
“؟”
هل تحاول طلب شيء ما؟
بينما كنت حائرة، فتحت إيفيلين فمها بعد فترة وكأنها اتخذت قرارًا:
“في المرة القادمة التي نلتقي فيها، يجب عليكِ حتمًا أن تصبحي صديقتي!”
“…”
شعرتُ بالذهول وكأنني ضُربتُ على رأسي. …هل يا تُرى تلك الحسرة الوحيدة المتبقية هي عدم قدرتها على مصادقتي؟
“…”
“…”
امتلأت الغرفة بالصمت المطبق للحظات.
شعرتُ بالتردد بشأن ما يجب أن أقوله.
لم تكن سمو الأميرة تبدو وكأنها تنوي المغادرة قبل أن تسمع إجابتي.
عندما بقيتُ صامتة لفترة طويلة، بدأت تعابير وجه إيفيلين تتشوه تدريجيًا.
“…هل ترفضين ذلك؟”
“…”
كانت عينا إيفيلين الخضراوان تحملان بالفعل شعورًا باليأس والاستسلام.
كان رأسي يميل للأسفل من تلقاء نفسه استجابة لطلب هذه الفتاة الصغيرة.
وكانت شفتاي جاهزتين للنطق بـ: “لا! أنا لا أرفض!” كان أمرًا لا مفر منه .
كانت تلك هي اللحظة التي كدتُ فيها أستسلم لتلك القوة القاهرة.
“…لا أظن أن ذلك سيحدث.”
أجاب أحدهم على كلام إيفيلين قبلي.
كان صوت صبي صغير.
“!”
فزعتُ ودرتُ رأسي نحو مصدر الصوت.
كان صبي بمظهر غير واقعي يقف عند الشرفة.
شعره الفضي كان يلمع كالثلج الأبيض تحت ضوء القمر، وعيناه الذهبيتان الجميلتان لدرجة الخطورة كانتا تبدوان وكأنهما لكائن ليس من هذا العالم.
بينما كنتُ مذهولة للحظة، كان ليوبولد قد دخل الغرفة دون أن أشعر.
على الرغم من أن انتباهي كان مشتتًا بسبب إيفيلين، فمن غير المعقول أنني لم أره يدخل.
متى دخل؟ هل تسلل خفية؟ أم أنه كان هنا حتى قبل أن تأتي إيفيلين؟!
في كلتا الحالتين، لم يكن الأمر مرحبًا به بالنسبة لي.
لا، بل الأهم، ماذا قال هذا الوغد للتو؟ لماذا يقطع الإجابة هكذا؟!
“…”
نظرتُ إلى ليوبولد بتعبير وجه مذهول.
ولكنه لم يبالِ، واقترب بخطوات واسعة، ودخل بيني وبين إيفيلين.
ثم نظر إلى إيفيلين التي كانت على وجهها علامات الارتباك، وقال:
“أيتها الأميرة، حرسكِ يبحثون عنكِ بلهفة.”
“آه…!”
عندئذٍ فقط، تحدثت إيفيلين بتعبير مفاجئ وكأنها تذكرت الأمر للتو.
يبدو أنها تهربت من الحراس وجاءت هذه المرة أيضًا.
لا بد أنها اعتبرت هذه فرصتها الأخيرة.
حتى تلك الفرصة أصبحت بلا فائدة بسبب ظهور ليوبولد…
بالحديث عن ذلك، هل هذا الوغد مزود بجهاز استشعار ما؟
بدا أن تدخله يأتي في كل توقيت حاسم نحاول فيه أنا وإيفيلين التحدث.
هل هذه عادة من حياته السابقة؟ لأنه كان يتدخل دائمًا في كل مرة أكون فيها مع إيفيلين.
“…”
نظرت إيفيلين بعينيها الخضراوين المرتعشتين إليّ وإلى ليوبولد بالتناوب.
“ذا…”
“…”
الأميرة، التي كانت على وشك أن تقول شيئًا، ارتعشت وفزعت بشدة عندما واجهت عيني ليوبولد الذهبيتين.
وفجأة خفضت رأسها بشدة.
“إذن، سأعود إلى المملكة الآن. سمو الأمير، أتمنى لك السلامة.”
“أتمنى السلامة لسمو الأميرة أيضًا.”
تحدثت إيفيلين بسرعة كبيرة كأنها تغني الراب، ثم حركت خطواتها وغادرت الغرفة.
قبل أن يُغلَقَ الباب، نظرت إليّ إيفيلين بنظرة مليئة بالحسرة، لكنها كانت للحظة وجيزة فقط.
طَقّ.
أُغلق الباب، وخيّم الصمت المطبق على الغرفة المظلمة.
♬♪~♬♪~♬♪~♬♪~♬♪~♬♪~♬♪
ترجمة : حبيبتي ميس الريم
التعليقات لهذا الفصل " 49"