بما أن إلوين في المستقبل سيكون ساحرًا عظيمًا، خطرت لي فكرة مجنونة:
ماذا لو كان هو السبب في عودتي بالزمن أو في امتلاكي ذكريات حياتي السابقة؟
أمسكت ذراعيه بقوة، وكأنني أخشى أن يفرّ، وسألته:
“لماذا أنت هنا أيضًا؟ لا تقل لي أن كل هذا من فعلتك؟”
“صحيح.”
كلمة واحدة سقطت بخفة من فمه، كإجابة بريئة لا تعي ثِقَل ما تعنيه.
لكنني كنت أعرف أنه ليس بريئًا كما يبدو.
وبينما أحدّق فيه مصدومة، قال بصوت بدا وكأنه تذكّر شيئًا:
“لا بأس، لا داعي لشكري. بالنسبة لي كان أمرًا بسيطًا جدًا!”
…ولماذا يظن أصلًا أن عليّ أن أشكره؟
إذًا لم أُسحب في دوامة عودة ليوبولد، بل في خطط هذا الفتى؟
كلامه يوحي وكأن كل ما فعله كان من أجلي.
“ألا يمكن العودة مجددًا؟”
سألته بلا نية حقيقية في العودة، بل بدافع الفضول.
أطرق رأسه بتفكير عميق وقال وكأنه مهموم بصدق:
“يمكنني أن أعيدك، لكن خلال العودة سيتفتت جسدك، وتتحولين لشبح ينزف دمًا من كل جسدك… ستتألمين كثيرًا. ثم ستلومينني أنا لأنني أعدتك. وأنا لا أريد أن تكرهيني.”
“شكرًا على الوصف المفصل. على أي حال، لم أرغب بالعودة أصلًا.”
قلت ذلك بحزم.
لم تكن لدي أي نية بالعودة، والآن صار السبب أوضح.
فلا ذكريات الماضي تستحق أن أتحمل مثل هذا الألم لأجلها.
انبعثت في رأسي صور من الماضي، وارتسمت على وجهي ابتسامة مريرة.
فقال إلوين بسرعة وهو يلوّح بيديه:
“لا تقلقي! لن أفعل ذلك. ثم إن ليو طلب مني هذا أيضًا.”
“…”
عاد اسم ليوبولد مرة أخرى.
ماذا يعرف هذا الرجل بالضبط؟ وما الذي يخطط له؟
ولماذا أنا هنا أصلًا؟
“ما الذي يفكر فيه بحق الجحيم…”
تسلل فكري إلى لساني دون قصد.
فتوقف إلوين عن حركته وكأن كلمتي صدمته، ثم ابتسم برفق وقال:
“أنا أيضًا لا أعرف ما يفكر به ليو. لم أعرف من قبل، ولن أعرف لاحقًا. لكن شيئًا واحدًا أكيد… لقد قالها بنفسه.”
“ماذا قال؟”
“كل شيء من أجل إنقاذ تينا. لهذا وافقت على مساعدته.”
إنقاذ… من؟
أنا؟!
أي هراء هذا؟ إنقاذي أنا؟
ليوبولد، الذي كان يكرهني، يريد إنقاذي؟
هل خلط إلوين بيني وبين إيفيلين؟ لا… هذا غير منطقي.
“…”
وفجأة، مرّ بخاطري مشهد آخر لقاء مع ليوبولد في حياتي السابقة.
أجل… قال شيئًا مشابهًا حينها أيضًا.
كل هذه الأفكار المعقدة جعلت رأسي يؤلمني وكأن شقوقًا تنفتح فيه.
“ليو…”
عاد إلوين إلى ابتسامته البريئة كطفل صغير وقال:
“ثم، بصراحة… كنت أريد أن أراكِ مجددًا يا أختي، لهذا فعلت كل هذا.”
“…أنا؟”
في تلك اللحظة بدا حقًا وكأنه في التاسعة من عمره.
ليوبولد أيضًا كان جسديًا في الثالثة عشرة، لكنه لم يُشبه أبدًا طفلًا في الثالثة عشرة.
لكن مضمون ما يقوله إلوين لم يكن بريئًا على الإطلاق.
…كل هذا فقط لأنه أراد أن يراني مجددًا؟
لم أستطع تصديق كلماته وحدّقت به طويلًا.
أما هو فاكتفى بابتسامة مشرقة.
“لا يليق أن يمزح طفل مع الكبار.”
قلت ذلك متظاهرة بالغضب.
كنت متأكدة أنه يكذب.
فهو كثيرًا ما كان يعبث معي في الماضي.
وهذا بالتأكيد مزاح آخر.
“…ثم، كان يمكنك أن تراني.”
على عكس أساد الذي ظل يائسًا بعد ارتباط ليوبولد بإيفيلين، إلوين كان الأسرع في تقبّل الأمر والتخلي عن مشاعره.
لكن يبدو أنه تألم بدوره، فبعد النهاية اختفى داخل برج السحر ولم يظهر حتى في زفاف إيفيلين.
مع ذلك، بقيت علاقتنا طيبة دائمًا.
لو أراد أن يراني، لكان جاء ببساطة.
لكن عند كلماتي، ارتسمت على وجهه ابتسامة مريرة لا تشبه طفلًا.
“…هل تعتقدين أن كل ما تتذكرينه صحيح فعلًا؟”
“ماذا؟”
أي معنى لهذا الكلام الآن؟
سألته بدهشة، فأجاب مبتسمًا بمرارة:
“الذاكرة البشرية ناقصة، وقد يغيّرها الزمن حتى تشوّه الحقيقة. أحيانًا، عندما تستعيدين الماضي، ألا يصبح الحد الفاصل بين الواقع والخيال غائمًا؟”
“ما الذي تعنيه…”
كنت سأقول “ما الذي تعنيه؟” لكن فجأة شعرت وكأن إبرة اخترقت رأسي.
“…آه!”
شهقت وأمسكت رأسي، وسقطت جالسة على الأرض.
عندما حاولت استرجاع الماضي كما قال، هاجمني ألم مبرّح قطع أنفاسي.
“أختي!”
ركض إلوين نحوي مذعورًا.
“آسف… قلت كلامًا غريب. من الأفضل أن تستريحي قليلًا.”
تنهّد وهو يتفحّصني بعين القلق، ثم قال ذلك وكأنه معتاد على الأمر.
بعد كلماته الأخيرة، فقدت وعيي وسقطت أرضًا.
***
“آنسة تينا، آنسة تينا. استيقظي.”
سمعت صوتًا يناديني من بعيد.
هذا الصوت المألوف… هل هو مربيتي؟
فتحت جفنيّ بصعوبة، لكن نور الصباح القوي دفعني للغوص أكثر تحت الأغطية.
شعرت بملمس سرير غريب.
آه… صحيح، كنت في القصر الإمبراطوري.
“الآنسة، الشمس وصلت كبد السماء.”
هزّتني المربية مستعجلة.
الشمس… في كبد السماء؟
“ماذا! أوه!”
قفزت من السرير بسرعة، لكن الألم جعلني أسقط فورًا.
جلست نصف مستلقية، قابضة رأسي المتألم.
وعاد كل شيء إلى ذاكرتي:
لقد قابلت إيفيلين وإلوين البارحة…
ثم تحدثت مع إلوين، وفجأة انهرت.
كان يتكلم عن ذكرياتي…
حتى تلك اللحظة شعرت بالتعب فقط، لكن بمجرد سماع كلماته انفجر الألم في رأسي وأغشي عليّ.
كأن ما جرى كان حلمًا.
“آنسة تينا، هل أنت بخير؟”
ركضت المربية نحوي قلقة بعدما كانت تحضّر ماء الغسل.
“…ماذا حدث بالضبط؟”
“لقد لعبتِ مع صديقك حتى غلبك النوم.”
“صديق؟”
أملت رأسي بدهشة. آه… تقصد إلوين.
يبدو أنه أوصلني لغرفتي وغطّى على الأمر بهذا العذر.
“صحيح…”
“يا آنسة، حقًا.”
ضحكت وكأنني تذكرت فجأة، فتجاوزت المربية الأمر دون شك.
لو علمت أنني انهرت، لكانت المشاكل تذداد.
“على كل حال، هناك ضيف بانتظارك.”
“ضيف؟”
قالت المربية فجأة.
منذ بلغت الثالثة عشرة، لم يكن لي أي ضيوف مرحّب بهم.
فكلمة ضيف لم تبشّرني سوى بالقلق.
لكن توقعي سرعان ما خاب.
فقد دخل ضيفي من الباب بعد لحظات.
“راسل!”
وقف هناك فتى وسيم بشعر وعيون زرقاء فاتحة، وعلى وجهه تعبير بارد كعادته.
انطلقت نحوه بملابس النوم، وعانقته بقوة من شدة شوقي.
كان يبدو بشريًا، لكن برودته الغريبة التي لا تشبه حرارة البشر جعلتني أشعر بالراحة.
“لماذا تأخرت كثيرًا!”
ضممته بقوة تكاد تؤلمه وتذمرت.
فهو كان يكره الازدحام، لذلك وعدني أنه يأتي بعد رحيل الموكب.
التعليقات لهذا الفصل " 41"