في اليوم التالي، طلع صباح يوم مهرجان التأسيس المنتظَر أخيرًا.
فتحتُ عيني في وقت الفجر، قبل أن يسطع ضوء الشمس.
ما أن نهضتُ حتى أسرعت أنظر من نافذة الغرفة، بين ستائرها.
“……لقد جاء فعلًا.”
في الرسالة الأخيرة التي أرسلتها لي الإمبراطورة، كتبت أنها ستبعث بعربة لأجلي في يوم المهرجان، وطلبت مني أن أعتني بـ أساد جيدًا في ذلك اليوم.
‘في يوم المهرجان سأرسل عربة، فلتأتِ مرتاحة البال.’
كنت أظن أنها نسيت ربما، إذ مر وقت طويل، لكن كما وعدت، العربة كانت بالفعل بانتظاري.
كانت عربة تحمل ختم القصر الإمبراطوري واقفة منذ الفجر، وكأنهم توقعوا أنني قد أحاول الفرار.
“هاه…….”
وبالقرب من العربة، وقف حرّاس مشدّدون الحراسة.
بدا أن الفرار من أنظارهم مستحيل.
كنت قد وعدتُ سابقًا ألا أجذب الانتباه قدر المستطاع، لكن إن ركبتُ تلك العربة، فسوف أصبح محطّ الأنظار منذ لحظة دخولي.
لقد اتفقتُ قبل فترة مع ليوبولد أن نتجنّب لفت الأنظار في المهرجان، خصوصًا أمام إيفيلين، التي قررنا أن نتصرف كأننا لا نعرفها إطلاقًا.
لقد أراد التخلص من أي منافسة منذ البداية.
فلدى ليوبولد بالفعل عدد لا يُحصى من المنافسين، وإزاحة واحدة منهم كانت مكسبًا.
مع أن ذلك لم يكن ضروريًا في النهاية، إذ أن ليوبولد وإيفيلين سيتزوجان، وينالان خاتمة سعيدة مثالية كما في الرواية.
لكن على ما يبدو، لم يكن مطمئنًا تمامًا.
خطتي في المهرجان كانت أن أبقى متخفية قدر الإمكان، بعيدًا عن عيني ليوبولد وإيفيلين.
وأخيرًا، وصلت إلى القصر برفقة السائس، الذي ساعدني على النزول من العربة.
أمام عيني امتدّ القصر الإمبراطوري بكل فخامته.
كان القصر في أبهى حلّة له خلال العام، مزيّنًا بأروع الزينة ليبهر مبعوثي الدول الأخرى، ويُظهر عظمة الإمبراطورية.
كان المنظر تمامًا كما رأيته في طفولتي يوم المهرجان الأول.
هذا المشهد إذن للمرة الثانية.
كل شيء كما هو… وحده مظهري تغيّر.
في المرة السابقة، لم يكن لدي فستان جديد لهذا اليوم، بل ارتديتُ فستانًا قديمًا قاتمًا باللون الأزرق الداكن، ورثته عن أختي الكبرى.
أما اليوم، فكنت مرتدية فستانًا ناصع البياض، من الرأس حتى القدمين.
“…….”
ابتسمتُ بخفة وأنا أنظر برضا إلى ثوبي.
لقد كان عمل إيان رائعًا بالفعل.
فستان بهذا اللون جميل، لكنه حساس لأي بقعة، ويحتاج إلى عناية باهظة التكاليف، لذلك لم يكن من المفترض أن أرتديه أبدًا.
لكن اليوم كان يومًا خاصًا.
وفجأة سمعتُ أصوات أختي وأخي يثرثران بتوتر بجانبي.
“أنا متوتر جدًا. أووه، سأستفرغ.”
“أحمق! ابتلعها!”
ضحكتُ بخفة وأنا ألتفت إليهما.
تذكرت أنني كنت مثلهما تمامًا في أول مهرجان لي.
كانت أختي في الرابعة عشرة وأخي في الخامسة عشرة.
لذا فمن الطبيعي أن يشعرا بالتوتر، فهما لم يعتادا مثل هذه المناسبات الكبيرة.
أما أنا… فقد حضرت مثل هذه الاحتفالات مرات عدّة، فلم أعد أشعر بالتوتر أو حتى الحماس الكبير.
آه، لا.
كان هناك شيء واحد أتطلع إليه.
بسيط جدًا… فقد تذكرت أن فطيرة الكريمة بالليمون هنا لذيذة للغاية.
مهرجان اليوم كان حدثًا كبيرًا حتى في الرواية نفسها، لذلك كنتُ أحفظ كل ما سيحدث تقريبًا.
مثلاً، كان أمامنا أحد النبلاء الذي اشترى شعرًا مستعارًا جديدًا خصيصًا لهذا اليوم، لكنه سيسقط عنه عند دخوله فيثير سخرية الجميع.
وتلك الآنسة هناك ستتعثّر بثوبها وتسقط أمام الجميع، في موقف محرج.
وحتى الساعة الكبيرة في القصر، كانت متقدمة بساعة كاملة، مما جعل الجميع يسيء حساب الوقت… ها؟
“……مهلاً؟”
هل أمر ليوبولد بإصلاحها؟ لقد كانت الساعة مضبوطة بشكل صحيح، مع أنها في الماضي كانت دائمًا متقدّمة بساعة.
كنت أظن أن كل شيء سيتكرر تمامًا كما في الماضي، لكن يبدو أن هناك متغيرًا واحدًا.
نعم… كان هناك شخص آخر يتشارك معي ذكريات ما قبل العودة. ليوبولد.
“تدخل الآن أسرة الفيسكونت فالنتاين: الفيسكونت وزوجته، وأبناؤهما!”
في تلك اللحظة، ارتفع صوت الحاجب ليعلن دخولنا.
حان وقت الظهور.
سويتُ ظهري، ونظرتُ أمامي بتركيز.
“آه!”
“هاه!”
أختي وأخي كانا شاحبين من التوتر، يكادان ينسَيان كيف يتنفسان.
رؤيتهما جعلتني أنا أيضًا أشعر بشيء من التوتر على غير العادة.
دخل والدي ووالدتي أولًا إلى قاعة الحفل، ثم تبعهما أخي وأختي.
كنت أنا، الابنة الصغرى للفيسكونت، آخر من يدخل.
وما أن فُتحت الأبواب أمامي، حتى مسحت القاعة سريعًا بعيني.
لحسن الحظ، لم أرَ ليوبولد هناك بعد.
بطبيعة الحال… فظهوره سيكون متأخرًا، بعد أن يجتمع كل النبلاء والوفود الأجنبية.
فالأبطال دائمًا ما يظهرون متأخرين.
على أي حال، بما أن ليوبولد لم يكن هناك، كان بإمكاني الدخول بارتياح.
زال ما كان يثقلني، فدخلت قاعة الحفل بخطوات واثقة.
“أووو!”
“تلك الآنسة هي…!”
لكن في اللحظة التي دخلت فيها، تعالت أصوات الإعجاب هنا وهناك.
كان رد الفعل مختلفًا تمامًا عمّا حصل مع أختي وأخي حين دخلا قبلي.
ما قبل عودتي بالزمن، حين دخلت القاعة في هذا اليوم، لم يلقِ أحد نظرة تجاهي.
كان رد فعل الناس أشبه بـ: “هاه؟ ما الذي مرّ للتو؟”
كنت مجرد شخصية هامشية، وكان ذلك طبيعيًا.
لكن ما هذا الآن؟ دارت عيناي بسرعة أبحث عن تفسير.
كل الأنظار—سواء من الوفود القادمة من الدول الأخرى، أو من ملوكها، أو من نبلاء الإمبراطورية—كانت مركّزة عليّ، أنا التي دخلت في النهاية.
وكانت تُبدي نظرات إعجاب.
بعد لحظات من الصمت، بدأ الحاضرون يتمتمون بدهشة.
“هل كان هذا هو مظهر الآنسة في بيت الفالنتاين؟”
“آه! إنها الابنة الصغرى لبيت الفالنتاين!”
ارتبكت قليلًا، لكنني تماسكت بسرعة ونظرت إلى الأمام بوجه ثابت.
كنت أبدو كمن لا يسمع شيئًا، لكن أذنيَّ كانتا مصغيتين بكل انتباه.
“اسمها… أظن تيكي؟”
“لا، ربما تاكا؟”
…حتى اسمـي لا يعرفونه.
مع أن العكس كان هو الغريب.
فأنا مجرد شخصية ثانوية.
لكن تيكي تاكا؟! اسمي تينا! رغبت بشدّة أن أصرخ بذلك، لكنني كتمت الأمر.
*كيف اصارحكم اني انا نفسي كنت ناسية اسمها و حسبته تيتا؟*
حينها، تدخل أحدهم مصححًا كلامهم:
“لا، تلك الآنسة تُدعى الآنسة تينا. لقد قابلتها قبل عام. لكنها تغيّرت كثيرًا… حتى أنني لم أتعرف عليها. الأطفال فعلًا يكبرون بسرعة.”
“ما أروع أن تكون في بيت الفالنتاين مثل هذه الآنسة الراقية.”
“حقًا، ما كل هذا الجمال؟”
السبب في بروز صورتي الآن، هو لمسة إيان. فبصمات المصمّم الأفضل في القارة كلها قد تركت أثرها على مظهري من الرأس حتى أخمص القدمين.
طبيعي إذن أن ألفت الأنظار.
… لكن هذا سيزول بعد قليل.
كنت أعلم أن بريق دخولي مؤقت، وسرعان ما سينطفئ.
لأن أجمل نساء هذا العالم، البطلة المحظوظة إيفلين، ستظهر بعد قليل لتسحر كل نبلاء الإمبراطورية.
وسأُمحى أنا، كشخصية إضافية، من ذاكرتهم سريعًا.
فاليوم خُلق من أجل إيفلين آشـفورد. كل شيء هنا ملك لها.
“كونت فالنتاين، مضى زمن طويل.”
“آه، السير هيلتون. فعلًا، مضى وقت.”
بدأ النبلاء يلتفون حول والديّ ويتبادلون معهم الأحاديث.
أختي وأخي انسجما مع أقرانهما من أبناء العائلات الأخرى.
فكلاهما كان قد ظهر بالفعل لأول مرة في المجتمع الراقي.
أما أنا، فوجدت نفسي وحيدة.
“….”
هل يوجد أحد أعرفه هنا؟ مستحيل تقريبًا.
تبادلت النظر مع بعض الوجوه المألوفة، لكنهم جميعًا كانوا في هذه المرحلة مجرد غرباء.
حتى أولئك الذين كنت أظنهم أصدقائي قبل عودتي بالزمن، تخلوا عني لاحقًا بعدما اكتشفوا أنني بلا فائدة تُذكر بعد زواجي من دوق.
شعرت بأن بعض النبلاء يرمقونني باهتمام، لكنني أطرقت برأسي وتجنبت عيونهم.
كان يجدر بي أن آتي مع راسل.
لقد حاولت إيقاظه منذ الفجر ليذهب معي، لكنه بقي نائمًا بعمق.
أو ربما كان يتظاهر بالنوم حتى لا يضطر إلى لمجيء.
“….”
لا بأس. على الأقل يمكنني تناول بعض الحلويات.
كنت قد عزمت أن أستمتع في أيام المهرجان بالأكل والشرب واللعب بحرية.
أمسكت بطرف فستان أختي المشغولة بالحديث وقلت:
“أختي، أريد عصير فاكهة.”
“هاه؟ ماذا قلتِ؟ اهتمي بنفسك. آه، آنسة سيرين، مر وقت طويل.”
لا مبالاة تامة.
أظن أن الفتيات في هذا العمر يهتممن أكثر بأقرانهن من العائلة.
لكنها قالت لي أن أتصرف كما أريد، لن ألومها إذا.
اتجهت بخفة نحو الطاولة الممتلئة بالوجبات الخفيفة.
أمسكت كأس عصير الكرز الشهي وارتشفت رشفة صغيرة.
… لكن، ما هذه النظرات؟ أستشعر عيونا تلاحقني أكثر من المعتاد؟
“هاه؟ أليست هذه الآنسة تينا؟”
“مم؟”
ناداني شخص ما وكأنه يعرفني.
لكنني بالكاد أعرف أحدًا هنا… من يكون؟
وأنا أضع الكأس عند فمي، التفتُّ ببطء نحو مصدر الصوت.
“آه…”
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 34"