لم أشعر بالوقت إلا وقد أصبح يوم التأسيس على الأبواب، يحلّ غدًا.
الإمبراطورية كلها كانت تضجّ بأجواء احتفالية صاخبة، بينما كنت أعيش يومي العادي بلا تغيّر.
وفي اليوم السابق ليوم التأسيس ، وجدت نفسي مجددًا تُسحب قسرًا على يد أمي إلى صالون الإمبراطورة.
“يا ابنتي، هذه الفرصة لا تتكرر! عليكِ أن تكوني الأكثر تألقًا في احتفال الغد!”
“هاه…”
لكن من المفترض ألا أتألق… لقد وعدت ليوبولد أنني لن أجذب الانتباه.
إلا أن أمي كانت مصمّمة على استغلال دعوة صالون الإمبراطورة إلى أقصى حد.
في صالون الإمبراطورة كان هناك الكثير من السيدات، جميعهن مشغولات بالتحضيرات الخاصة بيوم التأسيس.
كل ما كان عليّ فعله اليوم هو استلام الفستان الذي فُصّل خصيصًا لي، وأخذ الحُليّ التي طلبنا صنعها مسبقًا.
لكن والدتي لم تُبدِ أي نية للعودة سريعًا.
“…….”
فجلست وحدي في ركنٍ قصيّ على أريكة صغيرة، أحدّق بفتور في صينية الحلويات الموضوعة أمامي.
طَرق… طَرق.
فجأة، جاء صوت خفيف من خلفي، من ناحية النافذة الزجاجية الكبيرة.
“؟”
كان الصوت خافتًا لكنه واضح.
استدرت بسرعة، وما أن وقع بصري على الوجه المألوف حتى قفزت من مقعدي فرحة.
“إيان!”
“مرحبًا، آنسة تينا.”
التقت عيناي بعيني إيان خلف الزجاج، فابتسمت له بحرارة.
ثم نظرت حولي سريعًا، وحين رأيت أنه لم يلاحظنا أحد، فتحت النافذة على عجل.
“ماذا تفعل هنا؟”
“كنت… أقوم ببعض التنظيف.”
كان، كما توقعت، يعمل على تنظيف الحديقة. مسكين هذا الفتى…
لكن لم تتبقَّ إلا أيام قليلة وسينتهي عقده مع الصالون، لينتقل بعدها إلى بيتنا نحن آل فالنتاين.
مددت يدي وربّت على كتفه تشجيعًا.
لكن النافذة كانت تحول دون وصولي، فانتهى الأمر وكأنني أطرق صدره بخفة كمن يستفزه.
“آه، صحيح! طلبت منك أن تناديني آنسة!”
“…نعم، آنسة.”
أجابني بصوت منخفض لا يكاد يسمعه سواي.
سيعتاد على الأمر قريبًا.
ابتسمت برضا وقلت له:
“هل أنت مشغول الآن؟ أيمكنني أن أطلبك؟”
“بالطبع. انتهيت للتو من التنظيف.”
جيد جدًا! كنت في الأصل جئت فقط لاستلام الفستان والحُليّ، لكن لا يمكنني أن أضيّع هذه الفرصة.
قلت له بلهفة:
“تعال بسرعة! هيا!”
“نعم، آنسة.”
“آنسة تينا.”
أفقت من غفوة قصيرة على لمسة ناعمة تهزّ كتفي برفق.
فتحت عيني لأتفاجأ بفتاة جميلة تبتسم نحوي… قبل أن أدرك أنها لم تكن سوى انعكاسي في المرآة!
“واو!”
“هل يعجبك المظهر؟”
“طبعًا! وهل يُسأل عن ذلك؟”
أجبت بحماس وكأن السؤال لا يحتاج إلى جواب.
بالفستان الحريري الفضفاض والقبعة الكبيرة المزيّنة، بدوت وكأنني دمية حيّة.
من المؤسف أن أعود هكذا مباشرة… ليتني أقنع أمي بأن نمرّ على السوق أولًا.
كنت أفكر في ذلك، عندما جاء صوت أحد العاملين في الصالون ينادي بإلحاح:
“إيان! تعال بسرعة، لدينا أكوام من الغسيل!”
“آه… إذن…”
“اذهب، لا بأس.”
قلت له مسرعة وكأنني أدفعه بيدي، فركض على الفور.
لكنني شعرت بالذنب قليلًا، لم أشكره كما يجب… سأعوضه لاحقًا.
وفجأة، تقدم إليّ أحد موظفي الصالون بابتسامة مترددة:
“آنسة تينا فالنتاين.”
“؟”
نظرت إليه متسائلة، فقال بحماس وهو يرفع آلة غريبة تشبه الكاميرا:
“هل تسمحين لنا بالتقاط صورة لك؟ تبدين مثل دمية جميلة!”
لم تكن آلة تصوير حديثة كالتي في عالمي السابق، بل جهاز سحري يحبس اللحظة داخل حجرٍ سحري، لكنها تتلاشى مع مرور الوقت.
تذكرت أن هذه الآلة من اختراع أحد أبطال الرواية الثلاثة، الساحر الأعظم إلْوين.
لم أتوقع أن أراها هنا بالذات.
“همم… حسنًا، لكن بشرط أن أحصل على نسخة منها.”
فكرت أنها ستكون ذكرى جميلة، فوافقت.
وقفت مبتسمة أمام العدسة، متخذة وضعية خفيفة.
وما أن فعلت ذلك حتى بدأ المحيطون بي يثيرون جلبة وكأنهم يشجعونني.
ما أروع حماستهم…
لكن بينما كنت أستعد لالتقاط الصورة، جاءني من الخلف صوت مألوف جدًا:
“…هيه.”
هل… ناداني؟
استدرت ببطء، وإذا بشخص لم أتوقعه يقف هناك، يحدّق فيّ بثبات.
إنها نظراته الزرقاء… أساد.
هذه أول مرة ألتقيه منذ أن تلقى عقابًا شديدًا على يد ليوبولد.
“…….”
ما الذي يفعله هنا…؟ آه، صحيح. غدًا يوم التأسيس.
ربما جاء لقياس بزة الحفل التي طُلبت خصيصًا له من أجل غدٍ.
أسرعت باستجماع الابتسامة المصطنعة التي كنتُ أُظهرها أمام آلة التصوير.
مع هذا الفتى دائمًا ما أجد نفسي في مواقف مُحرجة لا أدري كيف تحدث.
“…….”
عندها، تلاشى الوجه المذهول الذي كان على محيّا أساد، وظهر على وجهه شرخ من الضيق.
بدا وكأنه يُكتم غضبًا، ثم قال لي بامتعاض:
“لماذا في كل مرة ترينني تُبدين هذا الوجه الجاد؟”
“أنا لم أفعل.”
قلتُها بوجه جاد، الأمر الذي أسقط مصداقية كلامي تمامًا، لكن لم يهمني.
ازداد عبوسه وهو يطوي ذراعيه أمام صدره متذمرًا:
“لكنك كنتِ تبتسمين منذ قليل.”
“كنتُ أفعل؟”
أجبتُه وكأنني لا أتذكر شيئًا.
منذ متى كان يراقبني إذن؟ الموقف ذكّرني بمشهدٍ سابق، لكن هذه المرة أحسست أن نظرته أثقل وأشدّ.
ألا يملك هذا الفتى أي عمل آخر؟
وكالعادة، جاء بلا حراسة، تمامًا كما حدث حين زار قصرنا.
ثم تذكرت… لقد اشترطت الإمبراطورة أن يُسمح له باستخدام الصالون مقابل أن يتعلم آداب النبلاء.
أخذت أتأمله من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه، ثم أعطيت نفسي وقتًا إضافيًا لأتفحصه مرة أخرى.
“…….”
“…….”
“…….”
“ماذا؟ لماذا تنظرين إليّ هكذا؟”
ارتبك قليلًا وهو يسأل، رغم أن نبرته المتذمرة لم تُخفِ أنه لم يكن في مزاج سيئ حقًا.
“لا شيء، فقط بدا لي أن الطريق أمامك طويل.”
“هاه؟”
تنهدت وأنا أحدق به. مظهره يوحي بأنه نبيل وسيم، لكنه يفتقر إلى الهيبة.
قامته مائلة، ملامحه متجهمة، وصوته قاسٍ، وكل ذلك يُذكّر أكثر بعامة الناس لا بنبيل.
أما ملابسه الأنيقة، فقد شوّهها إهماله: ربطة العنق مرتخية نصفها ساقط، وزران من قميصه مفتوحان.
“…….”
“؟”
أطلقتُ نظرة مُتعَبة نحوه، بينما هو حائر يفتح شفتيه ويغلقهما بلا كلمة.
وأنا مُكلّفة بإصلاحه؟ لا، شكرًا.
شعرت فجأة بالإرهاق.
كدت أتجاهله وأغادر، لكنني توقفت في منتصف الخطوة.
غدًا ستكون الإمبراطورة نفسها حاضرة…
وأمي استنزفت كل امتيازات الصالون منها.
إن لم أُظهر لها أننا ملتزمون بالاتفاق، سيصعب الأمر لاحقًا.
زفرتُ بعمق، ثم استدرت نحوه وأمطرته بالكلمات دفعة واحدة:
“اربط ربطة العنق جيدًا، وأغلق الأزرار كما ينبغي.
وإلا ستصبح حديث الناس في الحفل غدًا.
أعلم أن الأمر ممل، لكن لكل مقام مقال.
وأيضًا، لا تجلب سيفك إلى مثل هذه الأماكن! إنه يخيف الناس.
إن كنت قلقًا، أحضر حارسًا معك.”
“ماذا؟”
تجمد في مكانه، مذهولًا من هجوم مفاجئ لم يترك له فرصة للرد.
على الأقل، أديتُ واجبي في إسداء النصيحة.
سواء أخذ بها أم لا، فهذا شأنه.
“همف.”
استدرت عنه ببرود.
لن ينجح إصلاحه الآن على أي حال… بعد فترة قصيرة سيفقد ذاكرته، وسيتغير طبعه من تلقاء نفسه.
لا داعي لأن أجهد نفسي.
في تلك اللحظة، دوى صوت أمي وهي تناديني:
“تينا! تينا، أين أنتِ؟”
نظرتُ إلى أساد، فوجدته ما زال مذهولًا يحدق بي.
“سأذهب الآن.”
ودّعته بجملة قصيرة وغادرت مسرعة.
شعرت بعينيه تحرق ظهري، لكنني تجاهلتها.
“آنسة تينا، الصورة التي التقطناها لكِ للتو–”
ناداني الموظف فجأة.
استدرتُ لأراه، وإلى جانبه كان أساد… يقف ممسكًا بالحجر السحري بيده!
لا شك أنه انتزعه بالقوة.
كان هو نفس الحجر الذي سجّل صورتي منذ قليل.
رمقت الحجر في يده ثم قلت ببرود:
“لا أحتاجه.”
“ماذا؟”
بدا الارتباك على وجهه.
“وماذا أفعل به إذن؟”
“احتفظ به أو ألقِه. الأمر عائد لك.”
“…….”
أطرق للحظة نحو الحجر في يده بتعبير معقد.
تركته خلفي وغادرت.
كنت واثقة من أنه سيرميه، فما قيمة صورة لي بالنسبة له أصلًا؟
لكن بعد خطوات قليلة، جاء صوته من ورائي، مترددًا وكأنه يختبرني:
“إذن… هل حقًا يمكنني الاحتفاظ بها؟”
“؟”
توقفت بدهشة والتفت إليه.
ظننتها مزحة، لكن لم يكن في عينيه زرقة البحر تلك سوى الجدية…
ممزوجة ببصيص غريب من الترقب.
“…….”
ما الذي يراه ذا قيمة في صورتي؟
الحجر السحري لا يمكن إعادة استخدامه، والصورة الوحيدة المحفوظة فيه ستتلاشى مع الزمن. فما الفائدة؟
ثم خطرت لي فكرة: ربما استغرب فقط من خاصية التصوير…
فهو ليس شيئًا مألوفًا بعد، خاصةً بالنسبة لشخص عاش عمره كطفل من العامة.
“……افعل ما تشاء.”
أجبته بلامبالاة، ثم واصلت طريقي نحو أمي التي ما زالت تبحث عني بجنون.
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"