لم ينطق بما تبقّى، لكن على الأرجح كان يريد أن يقول: “هو من بدأ باستفزازي.”
عندها، بدا لي واضحًا كم أنّ أساد في هذه اللحظة طفل صغير.
نظرتُ إلى الاثنين بالتناوب، ثم قلت بصوت حاسم:
“هذا بيتنا. إن كنتما ستتشاجران، فارجعا فورًا.”
“…….”
على عكس القصر الإمبراطوري، أنا هنا صاحبة البيت.
كنت أظن أن الأمر لن ينفع بالكلام، لكن المفاجأة أن أساد عضّ شفته بصمت وكتم غضبه.
أما ليوبولد، فعاد إلى ملامحه الهادئة وكأن شيئًا لم يحدث، يحتسي الشاي بلا اهتمام.
جلس أساد متذمرًا وهو يتكئ بعمق على الأريكة.
بدا وكأنه جرو صغير عوقب ظلمًا.
فكرتُ أنّه يعاني الكثير بسبب الإمبراطورة.
زفرتُ ونظرت إلى ليوبولد:
“ليو… وأنت أيضًا، لماذا تتصرف كالأطفال؟”
“…….”
رفع ليوبولد عينيه الذهبيتين وحدّق بي قليلًا، ثم حاد عنهما بصمت من غير رد.
كنت أعرف منذ زمن أنّه لا يطيق أساد، لكن أن يبادر هو بالاستفزاز، فهذا كان نادرًا.
أساد على الأقل يمكن تبريره: عقله عاد إلى عمر الرابعة عشرة.
أما ليوبولد، فعقليًا عمره ثمانية عشر عامًا. لم يكن من المفترض أن يتصرف هكذا.
أم أنّ الثامنة عشرة تُعدّ صغيرة فعلًا؟
حسنًا… قانون الإمبراطورية يعتبر من بلغ الثامنة عشرة بالغًا. لكن في عيني، الاثنان كانا سواء.
غير أن أساد، وقد لاحظ أنني وبّخت ليوبولد، التفت إليّ محتجًا:
“كلامك غريب!”
“……غريب؟ بأي معنى؟”
كنت لا أريد أن أجيب، فأجبتُه بفتور واضح.
فتجهم أساد وضاقت ملامحه، ثم أشار إلى ليوبولد، الجالس بجانبي يحتسي الشاي ببرود، وقال:
“أنا أكبر سنًا، فلماذا تقولين له أن يتوقف عن التصرف كالأطفال، ولا تقولينها لي؟!”
“يا لك من… كيف تجرؤ أن تشير بيدك إلى أحد أفراد العائلة الإمبراطورية؟!”
“لا يوجد من يرانا أصلاً!”
هل أنا زينة في المكان إذن؟
مهما كان ليوبولد يعاملنا ببعض البساطة، فهو يظلّ أميرًا، ولا يجوز تخطي الحدود. لكن ليوبولد لم يُبدُ أيّ انزعاج.
عمري أنا وليوبولد الآن ثلاثة عشر عامًا، نحن في نفس السن.
بينما أساد في الرابعة عشرة.
الفرق في الميلاد لم يكن كبيرًا، لكنه يظل أكبر بعام واحد.
ويبدو أن ما يزعجه هو أنني أتعامل مع ليوبولد وكأنه أنضج منه.
لكن هذا طبيعي. فمهما كان عمر أساد، تصرفاته الآن طفولية للغاية.
“الفرق أن مستوى النضج العقلي—”
كُنت على وشك أن أشرح ذلك ببساطة، لكن عندها حصل ما لم أتوقعه.
ليوبولد، الذي كان يراقب حديثنا، تكلم فجأة:
“……لا بأس، هذه فرصة جيدة.”
“هاه؟”
توقفت والتفتّ إليه بدهشة، وكأنني أسأله بعيني: “ماذا قلت للتو؟”
عيناه الذهبيتان المتجمدتان لمعت فيهما رغبة في التحدي، وهو ينظر مباشرة إلى أساد:
“هل تسمحين لي بطلب مبارزة؟”
“مبارزة؟”
رددتُ كلمته بدهشة.
المكان الطبيعي لتنافس أساد وليوبولد كان محددًا سلفًا: بطولة السيف الإمبراطورية في الشتاء القادم.
فلماذا يطلب فجأة مبارزة هنا؟
هل ينوي فتح ساحة قتال داخل بيتنا؟
حتى قبل عودتي، كان هذان الاثنان يتشاجران متى التقيا.
لكن هل يعقل أنهما ينويان فعلها الآن أيضًا؟
رفعت بصري إلى ليوبولد بغير تصديق، لكنه بدا وكأنه قد عقد عزمه تمامًا.
فنقلت بصري إلى أساد. لا… لن يقبل، أليس كذلك؟
“بالطبع! كنت أنتظر هذه اللحظة منذ فترة. يدي تحكّني شوقًا لمواجهتك!”
أجاب أساد بحماس، وكأنها فرصته الذهبية.
ثقته بنفسه كانت كاملة، لم يخطر بباله أبدًا احتمال الخسارة.
ولم يكن ذلك غريبًا.
فآخر مواجهة له مع ليوبولد في بطولة السيف لم يمر عليها سوى شهرين.
ومهما كان ليوبولد، فمن الصعب أن يحقق قفزة هائلة في مستواه خلال شهرين فقط.
خاصةً وأن أساد لم يكن جالسًا مكتوف اليدين طيلة تلك الفترة.
…لكن لماذا؟
كنت أرى في مخيلتي بالفعل صورة آساد وهو مطروح أرضًا في ساحة التدريب.
فالنتيجة كانت محسومة من البداية.
مهما بلغت براعة آساد، فلا يمكنه أن يتغلب على ليوبولد ذي الثمانية عشر عامًا بقوته الكاسحة.
“جيّد.”
ما أن أجاب آساد، حتى نهض ليوبولد وكأن الأمر قد حسم بالفعل، ثم التفت إليّ يسأل موافقتي:
“لا بأس، أليس كذلك؟”
“أه؟”
أجبتُ متلعثمة، فلم يخرج من فمي سوى “أه”.
لكن ليوبولد بدا وكأنه اعتبرها موافقة.
ذلك الوغد المتفائل.
استأذن شكليًا، لكنه في الحقيقة، بصفته ولي العهد، لم يكن ثمة شيء أستطيع فعله سواء قرر أن يقيم معركة أو حتى حفلة رقص.
وما أن نطقتُ بالكلمة حتى خطا خارج الغرفة على الفور، ثم توجّه إلى خادم تابع لقصر البارون كان ينتظر في الخارج وقال:
“خلف قصر البارون ساحة تدريب، أليس كذلك؟ قديمة لكنها صالحة للاستعمال. أريد استعارتها قليلًا.”
“كيف…؟ هل سبق لجلالتكم أن زار القصر من قبل؟”
سأل الخادم بدهشة، فقد بدا أن ليوبولد يعرف تفاصيل بيت البارون أكثر مما ينبغي.
لكن ليوبولد أجاب بلا مبالاة:
“سمعتُ من تينا.”
“آه!”
لو كنت مكانه لاحمرّ وجهي فورًا من هذا التعليق الحاد، لكنه لم يتردد لحظة، بل اخترع قصة مقنعة في لحظتها.
“فلنذهب إذن.”
قال ذلك وهو يرمق آساد بنظرة باردة حادة، ثم بدأ السير أولًا.
رأيتُ آساد يشدّ قبضته وكأنه عقد عزمًا ما، قبل أن يتبع خطواته ببطء.
ليت ساحة التدريب لا تتحطم فقط…
فكرتُ وأنا أراقب اشتعال العزيمة في عيونهما، وفي عقلي أحسب تكلفة إصلاح الساحة مسبقًا.
* * *
ساحة التدريب كانت صغيرة لدرجة أنه من المحرج أن يُطلق عليها اسم ساحة تدريب.
ولمّا أُهملت طويلًا، غطّاها الغبار والأتربة، وامتلأت بالأعشاب التي نبتت بلا ترتيب، حتى صار منظرها شبيهًا بالخراب.
وهو أمر طبيعي. فالقصر لم يكن يضم فرسانًا ولا قوة عسكرية خاصة، لذا لم يكن ثمة من يستخدمها أو يهتم بالعناية بها.
بالنسبة لي، صارت مجرد ملعب سري أقضي فيه وقتي، غالبًا مع راسل حين نلعب أو نتمرن.
حتى مع أن الخدم نظّفوا القصر بعناية استعدادًا لليوم، لم يتخيل أحد أن ساحة التدريب ستُستخدم في جلسة شاي كهذه.
فبقيت على حالها الرديء.
ما كان يجب أن أوافق…
تمتمت في نفسي وأنا أتأمل المكان المتهالك.
خفتُ أن يظن آساد أو ليوبولد أنّ بيت البارون يعاني فقرًا يجعله عاجزًا عن إدارة ممتلكاته.
لكن يبدو أن كليهما لم يلقِ للأمر بالًا.
“…….”
ابتعدت قليلًا ووقفت جانبًا وكأن الأمر لا يعنيني، حين سمعت صوتًا مألوفًا خلفي.
كانت المربية التي هرعت مسرعة بعد أن وصلها الخبر.
“آنسة تينا، ما الذي يحدث هنا؟”
“لا أعلم.”
بدت مرتبكة للحظة، لكنها فتحت مظلتها لتقي رأسي من أشعة الشمس، ثم وقفت بجانبي وهي تعقد حاجبيها بقلق:
“أتمنى ألا يُصاب أحد.”
“أجل. لو أصيب أحدهم، فلن يستطيع بيت البارون التهرب من المسؤولية.”
“……!”
قلت ذلك ببرود، لكن المربية شهقت وقد أدركت للتو خطورة الأمر.
ففي المستقبل كان عداء الاثنين أمرًا شائعًا معروفًا، وكان اشتباكهما لا يثير قلق أحد لأنه يتكرر دومًا.
أما الآن، فالموقف مختلف.
لو أصيب أحدهما هنا، وخاصة ولي العهد ليوبولد، فإن بيت البارون لن ينجو من العقاب.
نظرت إليّ المربية باضطراب، تدور حول نفسها كأنها على وشك الاندفاع للتدخل.
“ما العمل؟”
“…….”
هززت رأسي بلا حول ولا قوة.
فقد عرفت هذين الاثنين منذ زمن طويل.
حين يصلان إلى هذه المرحلة، لا يتوقفان حتى يَحسما الأمر تمامًا.
لا أعرف ما الذي أشعل الأمر هذه المرة، لكن بما أن ليوبولد هو من طلب المبارزة أولًا، فلن يتراجع حتى النهاية.
هكذا كان دائمًا.
فكرت قليلًا، ثم ابتسمت قائلاً:
“على الأقل… فلنُشجّع ليو قدر المستطاع.”
“…….”
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 30"