كان ليوبولد يعامل أساد وكأنه مجرد دخيل غير مرحَّب به.
وأساد بدوره لا بد أنه فهم ما قصده ليوبولد بكلامه: “هل أمرتك الإمبراطورة بهذا؟”
عند سماع كلمات ليوبولد، رمقني أساد بنظرة دهشة، وكأنه يقول بعينيه: “هل أفشيتِ أمري لولي العهد؟”
وبما أنني كنت أشعر بالذنب قليلًا، تجنبت نظره.
“هاه، بما أنكِ كشفتِ أمري، فلا حيلة لي.”
قال أساد بعد أن مرّر يده في شعره عدة مرات وتنهد بضيق:
“كما قلت، لا أستطيع العودة هكذا فحسب. فقد أمرتني الإمبراطورة بأن أحضر لها نقطة ضعف تخصك.”
“…….”
تأملت ملامح ليوبولد، لكنها لم تتغير مطلقًا. حتى عندما سمع أن الإمبراطورة أمرت بإيجاد نقطة ضعفه، لم يبدُ عليه أي انزعاج.
بالنسبة له، لم تكن هذه أول مرة يحاول فيها أحد الاقتراب منه بهذه الطريقة. بل ربما عاش مئات المرات من هذا النوع من التجارب. إضافةً إلى ذكرياته قبل عودتنا بالزمن، فليس غريبًا ألا يُظهر أي انفعال أو دهشة.
“سواء اكتُشف أمري أو لم يُكتشف، فمهمتي لن تتغير. فقط، لا تضحكا معًا بعيدًا عني.”
“لم يحدث أن ضحكنا معًا أصلًا.”
أجبت على الفور وبنبرة باردة حتى أنا استغربت من حدتها. ولو نظرتُ في المرآة لوجدت وجهي صارمًا مخيفًا.
كيف يجرؤ على القول أننا ضحكنا معًا؟! كل ما في الأمر أنني أردت التحدث معه على انفراد.
لم أتذكر أننا تبادلنا الضحك أو المرح أبدًا. لم تكن علاقتنا وثيقة إلى ذلك الحد.
لو سمع أحد بهذا لكان الأمر خطيرًا.
رددت بعصبية أكثر من اللازم، فرفع أساد حاجبيه بدهشة وكأنه لم يتوقع هذا الرد.
“إن لم يكن كذلك، فلا بأس.”
“…….”
بدا أنه اقتنع أن ردّي الحاد كان بسبب سوء فهم منه.
لكن… ماذا كان يقصد بقوله “في المستقبل”؟
على الرغم من اكتشاف هويته كجاسوس للإمبراطورة، إلا أنه بدا مصرًا على البقاء.
بدا أكثر وقاحة مما توقعت.
“على أي حال، لنجلس.”
“…….”
دفعت ظهر ليوبولد بخفة ليجلس، فقد بقي واقفًا بوجه متجمد.
أجلسته على الأريكة الداخلية، وجلست أنا على الأريكة اليمنى.
لم أكن أتخيل أنني سأشاركهما وقت شاي كهذا نحن الثلاثة معًا.
قبل ثلاثة أيام، كنت قد كتبت في ردّي على رسالة ليوبولد مازحةً:
أحضر معك مثلجات بالشمام.
لم أكن أتوقع أنه سيفعلها. ظننت أنه سيتجاهل الأمر تمامًا. لكنّه أحضرها فعلًا.
بما أن إيفلين لم تكن هنا الآن، لم أكن واثقة من أنه سيجلبها.
ربما فعل ذلك بدافع المودة القديمة…
أو ربما لأنني كتبت في الملاحظة أنني لن أفتح له الباب ما لم يجلبه.
مع ليوبولد، الاحتمال الثاني أقرب للحقيقة.
“لم أظن أنك ستحضره. شكرًا لك.”
شكرتُه وجلست على الطاولة، ومددت يدي لآخذ حصتي.
لكن فجأة، قدّم لي ليوبولد حصته أيضًا. نظرت إليه باستغراب.
“لا أحب الحلويات.”
قالها سريعًا وكأنه يبرر نفسه تحت نظراتي.
بدا ليوبولد اليوم أكثر لطفًا من المعتاد. لا بد أنه مرّ بأمر سرَّه قبل أن يأتي.
قلت له وأنا متأثرة بصدق:
“شكرًا يا ليو.”
“… ليس شيئًا يستحق اصدار كل هذه الضجة.”
وأدار وجهه إلى الجهة الأخرى. فلم أرَ ملامحه جيدًا.
بالنسبة له، كولي عهد، ربما كان الأمر تافهًا بالفعل.
وفي النهاية، هو ضيف في بيتي، ومن الطبيعي ألا يأتي خالي الوفاض.
يبدو أن رد فعله المتهرب كان نابعًا من هذا التفكير.
“…….”
لكن أساد، الذي كان يجلس في الجهة المقابلة ورأى وجه ليوبولد وهو يدير رأسه، أخذ وجهه يشحب تدريجيًا.
“ما هذا التظاهر المقيت؟!”
صرخ بلهجة مصدومة، وكأنه رأى أمرًا مريعًا.
ملامحه كانت مزيجًا من الاشمئزاز والصدمة، كمن أوشك على التقيؤ من المنظر.
“آه!!! هذا مقزز!!! مقرف!!!”
نهض فجأة وهو يرتجف، وبدأ ينفض ياقة ثيابه كما لو أن شيئًا نجسًا التصق به.
لماذا يبالغ في ردة فعله هكذا؟
آه، ربما بسبب اضطرابه النفسي.
صحيح أنه عندما كبر أصبح أكثر رزانة، لكن في هذا العمر كان أساد شخصًا متقلب المزاج بشدة.
كان يغضب من أتفه الأمور، ثم يعود في اليوم التالي متظاهرًا وكأن شيئًا لم يكن.
أو فجأةً يحمرّ وجهه كما لو أنّه غضب بلا سبب. أحيانًا يلتصق بي بإزعاج، ثم يرمي كل شيء بعيدًا كما لو أنّه غاضب.
كنت أظنّ حتى في ذلك الوقت أنّ أساد يعاني قليلًا من عدم الاستقرار النفسي.
ففي عمر الرابعة عشرة، يكون المرء في فترة حسّاسة للغاية.
هكذا أنهيت استنتاجي، فلم أرغب بالتفكير بعمق أكبر.
الأهم بالنسبة لي الآن هو المثلّجات الموضوعة أمامي.
أخذت ملعقة من مثلجات الشمّام ووضعتها في فمي، وأنا أراقب أساد وهو يرتجف وكأنّ مشهد ذلك صار مجرّد تسلية لي.
“فوو…”
بعد فترة ظلّ فيها يهتزّ وكأنّ القشعريرة تسري في جسده، هدأ أساد أخيرًا واتكأ بثقله على الأريكة.
وكنت أنا قد أنهيت حصّتي من المثلجات، وبدأت أمدّ يدي نحو نصيب ليوبولد.
وفجأةً التقت عيناي بعيني أساد.
شعرتُ وكأنني أُمسكت متلبسة بالسرقة.
لا، لكن ليوبولد هو من أعطاني إياه.
سحبت المثلجات بخجل وجذبتها أمامي.
نظر أساد إليّ باستغراب، و ارتفع حاجبه قليلًا.
ثم نظر إليّ وأنا أتناول المثلجات وقال:
“هل يعجبك إلى هذه الدرجة؟ ها، أنا أيضًا لا أحب الأشياء الحلوة.”
ومدّ لي صحن المثلجات الموضوع أمامه.
“لا أريده.”
خرج الردّ من فمي عفويًا بلا تفكير.
يبدو أنّ أساد لم يتوقع أن أرفضه بهذا الوضوح، فتجمّد وهو ممسك بالصحن بيده، وكأنّ دماغه توقف للحظة.
ثم استعاد وعيه فجأة ونهض غاضبًا:
“لماذا تأخذين منه وتأكلين، بينما ترفضين ما أعطيكِ إياه؟!”
“لقد تذوقتَ من نصيبك بالفعل. ثم إني شبعتُ الآن.”
“هاه…”
في الحقيقة، حتى لو أعطاني واحدًا جديدًا لم يلمسه، لكنت رفضته.
لم تكن لدي أي نية لأخذ شيئ من أساد.
لو كنت على وشك الموت جوعًا لربما فكرت في الأمر، لكن ليس الآن.
لدي حصتي، وحصلت على واحدة من ليوبولد.
لو أخذتُ نصيب أساد كذلك، فسأقضي الغد بأكمله أعاني من ألم في المعدة.
“ثم إنك تحب هذا الشيء.”
قلت ذلك وكأنني أعرف كل شيء.
ليس أنا وإيفلين فقط، بل أساد أيضًا كان يحب هذه الأشياء.
على عكس مظهره، كان له ذوق طفولي في الطعام، يحب الحلويات.
لم يكن ذلك فقط في صغره، بل حتى بعد أن كبر ظل على حاله.
لكن عند سماع كلامي الواثق، عقد أساد حاجبيه بدهشة، وأمال رأسه ساخرًا:
“عن أيّ كلام تتحدثين؟ لم أتذوق شيئًا فاخرًا مثل هذا في حياتي.”
أه… صحيح. لم يمضِ وقت طويل على دخوله بيت الدوق بالتبنّي. نظر إليّ بريبة.
أنا أعرف طبعه وأذواقه منذ زمن بعيد، سواء أردت ذلك أم لا.
لكن في هذه المرحلة من الزمن، من الطبيعي ألا أعرف.
“هُم، حسنًا. على الأقل أنت لا تكرهه.”
“…….”
احمرّ وجه أساد قليلًا وسعل متصنّعًا. نظرتُ إليه بوجه مرتبك.
“ظننتُ أنّك لا تهتمّين بي على الإطلاق، لكن يبدو أنني كنت مخطئًا؟”
“هاه…”
وجهه بدا عليه الفرح بشكل واضح، وأنا تساءلت في داخلي إن كنت ارتكبت أكبر خطأ منذ عودتي بالزمن.
لكنني لم أظهر شيئًا، وحافظت على ملامح هادئة وغيّرت الموضوع:
“على أي حال، لستُ بحاجة لمثلجاتك.”
“…….”
حين رفضتُ بحزم، أطلق أساد زفرة طويلة، ثم مرّر أصابعه مرارًا عبر شعره الأمامي بملامح منزعجة، وأعاد الصحن إليه.
وكان ليوبولد يراقب المشهد بصمت بعينيه الذهبيتين الهادئتين.
“……فوو.”
جلس أساد مرهقًا على الأريكة من جديد، وكأنّ طاقته نفدت.
وأنا تناولت آخر لقمة من المثلجات وأنا أنظر إليه.
بعد أن اعتدت على رؤية أساد في الماضي، بدا لي شكله وهو صغير مثيرًا للاهتمام.
ردود فعله المبالغ فيها جعلت المشهد ممتعًا للمشاهدة.
“هل كل النبلاء هكذا؟”
سأل أساد بلهجة ملل، وهو ينظر إليّ بطرف عينيه ثم توجه بكلامه إلى ليوبولد.
لكن ليوبولد لم يلتفت إليه، وأجاب ببرود:
“لا أفكر في التحدث مع كلب غبي.”
“ماذا؟”
كلب غبي.
حتى قبل عودتنا كان ليوبولد ينادي أساد بهذا اللقب دائمًا.
لم يكن أساد غبيًا حقًا.
بل في بعض النواحي كان أذكى حتى من ليوبولد.
لكن بعد فقدانه للذاكرة، ظلّ ليوبولد يصفه بـ الكلب الغبي.
والسبب لم يكن صعبًا أن يُفهم.
فبعد فقدان ذاكرته، أول من التقى به كان إيفلين، وكأنّ قلبه خُتم بها، فأقسم لها بالولاء.
ليوبولد رآه مثل كلب يطيع سيده، وأما الغبي فهي إشارة إلى فقدانه للذاكرة.
…… حقًا، كان أسلوب تسمية في غاية الغرابة.
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 29"