لم يجب. بل ظل يحدّق في يده التي كنت قد أمسكت بها، كأنّه شارد الذهن على غير عادته.
كانت يده قد احمرّت قليلًا، ربما لأنني قبضت عليها بقوة أثناء الركض.
لكن لماذا يحدّق هكذا؟ هل يتألم؟ أم… أيمكن أن يتخذ من هذا ذريعة ليحمّلني جرمًا ما؟
إيذاء جسد أحد أفراد العائلة الإمبراطورية كان جريمة عظمى.
لا أظنه سيذهب إلى هذا الحد، لكن بما أنّ أفكار ليوبولد عصيّة على الفهم، كنت أشعر بالقلق.
فحتى لو قضيت وقتًا طويلًا معه، لا يعني أنني فهمت شخصيته حق الفهم.
فالتفتُّ إليه بخفة، أختبر ردة فعله:
“ليو، لا تنوي أن تُدينني بسبب هذا، صحيح؟ نحن أصدقاء، أليس كذلك؟”
“…….”
لم أتخيل قط أنني سأكون أنا من يستند إلى كلمة “أصدقاء” تلك، التي كان هو قد فرضها عليّ سابقًا وكأنه يُعلنها أمام الإمبراطورة.
كنت أعني بوضوح: “لا تكن ضيّق الأفق إلى هذا الحد، حسنا؟”
صحيح أن ليوبولد كان عادةً باردًا وقاسيًا كالثلج، لكنه أحيانًا كان يتهور بشكل مخيف—كما حدث حين خسر أمام آساد في مبارزة السيوف.
لكنه الآن لم يقل شيئًا، بل ظل يحدّق في يده متأملًا وهو يتمتم:
“…لا، بل بدا الأمر وكأنه هروب من أجل الحب. ما كنتُ أظن أنك أنت من سيبدأ—”
“ماذا؟”
توقّف فجأة عند كلماته. وجهه متورد، وصوته كان شبيهًا بهذيان حالم.
هروب من أجل الحب؟
أي كلمات غريبة هذه؟
نظرت إليه مذهولة، بينما بدا هو كأنه نسي حتى كيف يتنفس، ثم همس بعد لحظة:
“لا… لا شيء.”
“…….”
وكأنّه استعاد رباطة جأشه أخيرًا. بدا كأنه زلة لسان، لكنني كنت قد سمعتها بوضوح.
ارتسم على وجهه مزيج من الارتباك والحرج، وهذه ليست المرة الأولى مؤخرًا التي يتفوه فيها بكلمات غريبة لا تشبهه.
بدأت أفكر أنه إن واتتني الفرصة لزيارة القصر لاحقًا، ربما يجدر بي أن أتفحص مكتبته. لعلها مليئة بكتب غريبة.
ثبتُّ نظري عليه بعيون مرتابة.
“…إذن، كان لديك ما تريدين قوله لي، أليس كذلك؟”
“آه.”
سبقني بالكلام بسرعة، وكأنه يتعمد تغيير الموضوع ليخفي زلة لسانه.
لكنني كنت أعلم أنني أنا أيضًا مضطرة لقول ما عندي، فاخترت التغاضي عن هفوته الصغيرة.
“نعم…”
“…….”
ترددت قليلًا قبل أن أتكلم. كان هناك أمر لا بد أن أوضحه له، لكنني لم أدرِ كيف أصوغه ليقتنع.
فهو لا يعرف أن آساد كان في طفولته خادمًا وفيًّا للإمبراطورة.
“بشأن… آساد.”
“…….”
بمجرد أن ذكرت اسمه، تجمد وجه ليوبولد.
كان باردًا عادة، لكنه الآن بدا وكأن ملامحه ازدادت قسوة خمسين ضعفًا.
واضح أنه كان يحاول التظاهر باللامبالاة، لكن الأمر أثار شيئًا في داخله.
فتابعت ببطء:
“هناك ظروف معقدة وراء وجوده هنا.”
“…….”
“لم أطلب حضوره لأنني أريده، أبدًا! في الحقيقة، أفضل لو يعود من حيث أتى فورًا.”
“…….”
“الحقيقة أنني تعرضت لتهديد ما، ولهذا—”
“…….”
كنت أتكلم مترددة وأنا أراقب ملامحه بحذر.
لكنه ظل صامتًا، لا يفعل سوى التحديق بي، وكأنه يقرأ ما وراء كلماتي.
…يا للعجز. كيف يمكن معرفة ما يدور في ذهنه أصلًا؟
ثم أدركت فجأة: لماذا أنا من يبرر موقفي أصلًا؟
هو لم يقل كلمة واحدة، ومع ذلك شعرتُ كأنني ارتكبت ذنبًا جسيمًا في حقه.
وكأنني حقًا أسأت إليه كثيرًا…
“لا ترتكبي الخطأ نفسه مرتين.”
ذاك الحوار الأخير في الخط الزمني السابق مع ليوبولد أخذ يرنّ في أذني بلا انقطاع.
عضضت شفتَيّ وأنا أبحث عن الكلمات، بينما عيناه ما زالتا مثبتتين عليّ، بلا تعليق.
آه، لو أنه فقط يقول شيئًا، أي شيء! رفعت بصري إليه برجاء خفي.
“…هاه.”
وفجأة، أطلق ليوبولد تنهيدة عميقة، لا تليق أبدًا بملامح فتى صغير.
ثم قال بصوت بدا كأنه يعرف النتيجة مسبقًا:
“على كل حال، لا بد أن تكون مؤامرة من الإمبراطورة.”
“هاه؟ كيف عرفت؟”
… هل يملك هو الآخر قدرة على التنبؤ بالمستقبل؟
*لا بس هو انسان طبيعي عنده قدرة على الاستنتاج *
لم أقل شيئًا بعد، ومع ذلك بدا ليوبولد وكأنه يعرف كل شيء مسبقًا.
سألته بدهشة، فأجاب بصوت أشبه بالتنهيدة:
“كنت أرمي الكلام فقط، لكن اتضح أنه صحيح.”
“…….”
يا له من جبان.
يبدو أنه اعتاد استخدام هذه الخدعة أكثر من مرة.
أدركت أن عليّ أن أكون حذرة أكثر في كلامي أمامه مستقبلًا. على كل حال، لم أكن أنوي إبقاء هذا الأمر سرًا.
“هَم، هل غضبت؟”
“…….”
من وجهة نظر ليوبولد، فقد بدا الأمر وكأنني كنت على وشك التواطؤ مع خصمه السياسي من غير قصد.
كان بإمكانه أن يغضب بحق.
راقبت ملامحه بقلق.
ليوبولد حدّق في وجهي دون أن يرمش. بدت عيناه الذهبيتان وكأنهما تخترقان أعماقي.
بعد وقت طويل أجاب عن سؤالي:
“ما دام الأمر ليس بإرادتك، فلا بأس.”
“……نعم.”
لم يغضب، بل بدا وكأنه شعر بالارتياح لسببٍ ما.
لكن لماذا؟ مع أن الإمبراطورة زرعت جاسوسًا بالقرب منه لمراقبته، فإنه لم يُظهر أي ردة فعل مميزة.
“شكرًا لأنك أخبرتني.”
“آه… أجل.”
ما الداعي للشكر أصلًا؟ لم أقل له شيئًا يُذكر، هو من استنتج الأمر بنفسه.
حككت رأسي بخجل. أليس من المفترض أن يكون غاضبًا؟
يبدو أنه لا يمانع طالما أنني لم أستدعِ أساد بإرادتي.
“على كل حال، جيد أنك لست غاضبًا!”
“…….”
قلت ذلك بارتياح وكأني تحررت من عبء ثقيل.
ربما لأنني بحت بالسر، شعرت براحة أكبر.
فمهما حاولت التظاهر بعدم الاهتمام، الحقيقة أن إخفاء سر أثقل عليّ.
“لنعد إذن!”
وبعد أن أنهيت حديثي معه، استدرت بخفة وبدأت السير بمحاذاة ضفة البحيرة.
لكن بعد بضع خطوات، سمعت صوتًا رقيقًا يناديني من الخلف:
“تينا.”
“نعم؟ ماذا هناك؟”
هل ما زال لديه أمر يريد قوله؟
استدرت بخفة… ثم تجمّدت في مكاني.
ليوبولد كان يحدق بي بعينيه الجادّتين على غير عادته.
بدا شديد الجدية لدرجة أنني شعرت بالتوتر بدوري.
“… ماذا هناك؟”
سألت بصوت مرتبك. كان واقفًا متصلبًا في مكانه.
ربما بسبب انعكاس ضوء البحيرة، بدت عيناه كأنهما تلمعان باضطراب.
هبت نسمة دافئة من جهة البحيرة، فحرّكت خصلات شعرنا ولامست جبينينا بخفة.
قال ليوبولد بصوت مبحوح قليلًا:
“… من الآن فصاعدًا، لا تخفي عني أي أسرار.”
كلامه المفاجئ جعلني أميل برأسي بتعجب.
“ولماذا؟”
“ذلك لأن…”
كان يوشك على قول شيء ما، لكن—
“يا صاحب السمو ولي العهد!”
جاء صوت من بعيد ينادي ليوبولد.
كانوا الفرسان الذين يحملون شعار القصر الإمبراطوري.
يبدو أنهم قلقوا بعدما لم نعد منذ مدة طويلة، فتتبعوا أثرنا.
ربما لأنني كنت صديقة في سنّه، تساهلوا قليلًا، لكن في العادة لا يمكن ترك ولي العهد الصغير وحده طويلًا.
أنا في حياتي السابقة كنت أعرفه منذ زمن طويل، لكن في الحاضر أنا مجرد شخص غريب ومثير للشك بالنسبة له.
ليوبولد ألقى نظرة سريعة نحوهم ثم قال:
“… لا شيء. لنعد.”
“؟”
قبض على يده الفارغة وكأن فيها شيء ثم استدار. … لم يكن وجهه أبدًا وجه شخص لا يحمل شيئًا في قلبه.
كنت أرغب أن أسأله أكثر، لكنه سبقني بخطوات سريعة.
فاكتفيت بتأمل خصلات شعره الفضي وهي تتمايل مع نسيم البحيرة، ثم تبعته بصمت.
***
عندما عدت مع ليوبولد إلى غرفتي، وجدت أساد ينتظر هناك.
كان جالسًا على الأريكة، وقد عقد ذراعيه وساقيه بتبرم، وكأنه غاضب.
يبدو أنه ظل طوال الوقت يترقب فتح الباب وهو على تلك الحال.
“تأخرتم.”
قال متذمرًا عندما التقت عيناه بعيني.
بدا تصرفه وكأنه صاحب المكان نفسه.
… ما زال هنا إذن.
كتمت تنهيدة كانت على وشك أن تفلت مني، وفتحت فمي قائلة:
“آس—”
كنت أنوي أن أقول “آسفة على التأخير” على مضض، فمهما يكن فقد تركته وحيدًا.
لكن قبل أن أنطق، قطع ليوبولد حديثي وتقدم خطوة أمامي قائلًا:
“ظننت أنك رحلت.”
“ماذا؟”
“آه، أم أنك لا تستطيع العودة خالي الوفاض؟”
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 28"