… ما أغرب الأمر، كأنّ الأدوار بينهما عُكست تمامًا عن حياتي السابقة.
أذكر جيّدًا أنّه في مثل هذا التوقيت، كان ليوبولد قد هُزم في مسابقة السيوف بالقصر الإمبراطوري، ومنذ ذلك الحين اجتهد بجهدٍ بالغ ليلحق بأساد.
آنذاك كان يخفي قلقه ومنافسته تحت ستار بروده المعتاد، لكن علامات التوتر بدت رغمًا عنه، بحكم سنه الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة.
لكن في داخله، كان ليوبولد الآن ذا عقلية شاب في الثامنة عشرة، لا ذاك الفتى المتعثر بعد هزيمة مُذلّة.
صحيح أن الخاسر في بطولة المبارزة كان لا يزال هو، لكن هذه المرة كان في ملامحه شيء من سكينة الأقوياء.
أما آساد هذا…
فهو الوحيد الذي يمكنه، أمام كل هذه العيون، أن يتجرأ علنًا على تحدّي ولي عهد هذه البلاد.
كنت على وشك أن أتحرك لاعتراض طريق آساد ومحاولة تهدئة الوضع، لكن—
“…تينا.”
“نعم؟”
في تلك اللحظة، التفتت عينا ليوبولد الذهبية إليّ فجأة.
التفتُّ نحوه بلا تفكير، لأجد نظراته الغريبة تُربكني.
كانت نظرة مشوبة بالضيق… بل وفي أعماقها شيء من العتاب، كأنه يلومني.
…لماذا ينظر إليّ هكذا؟
آه.
لابد أنه يظن أنني أحضرت آساد إلى مكان لقائنا من دون أن أخبره.
وبالطبع، كان وجود آساد يثير ضيقه.
فهو أيضًا واحد من الرجال الثلاثة الذين تنافسوا على قلب إيفلين في الخط الزمني السابق .
أن يكونا على وفاق كان أمرًا غير وارد.
“لا ترتكبي الخطأ نفسه مرتين.”
لكن… لماذا الآن بالتحديد يخطر ببالي ذلك التحذير الذي قاله ليوبولد في ذلك الخط الزمني؟
“…….”
لا، لا يُعقل. بدا وكأنه غاضب لمجرّد وجود آساد هنا، لا أكثر.
شعرت فجأة أنني ارتكبت خطأً في حقه من دون أن أدري.
لكن لماذا؟ لم يكن بيني وبينه عهد أو ميثاق يستوجب ولاءً.
“آنستي، أليس من الأفضل أن تدخلي إلى الداخل مع أصدقائك؟ الجو بارد في الخارج.”
“آه… نعم. فلندخل إذن.”
بينما كنت شاردة، همس الخادم باقتراح مهذب.
لم يكن يليق إبقاء ولي العهد واقفًا طويلًا هكذا أمام البوابة.
أما آساد، فيمكن تركه ثلاثة أيام واقفًا ولن يتأثر شيئًا.
“من هذا الطريق، تفضلوا.”
“نعم.”
قادنا الخادم إلى الداخل، فاتّبعته. وليوبولد وآساد مضيا بدورهما على مضض.
لكنني، طوال الطريق، لم أستطع طرد ذلك الشعور الكريه من صدري.
“…….”
أحسست بحرارة غريبة تلسع مؤخرة رأسي.
توقفت والتفت فجأة، لأجد أعين الرجلين كلها مسلّطة عليّ.
“تينا؟”
“ما الأمر؟”
ثبتُّ نظري عليهما لحظة، ثم اقتربت صامتة وأمسكت بذراع ليوبولد.
اتسعت عيناه الذهبية بدهشة خفيفة، كأنه لم يتوقع ذلك.
أما أنا فاستدرت بحدة نحو آساد.
“…هل تمانع أن تسبقنا قليلًا؟”
“…….”
أطلق ليوبولد نظرة متفحصة غامضة نحوي، كأنه يحاول قراءة ما يجول في داخلي.
كان شعوري بحرارة نظرته يحرق وجنتَي.
“ماذا؟”
قال آساد باستياء صريح، والاعتراض يشتعل في عينيه الزرقاوين.
لكنني لم أمهله وقتًا، إذ شددت على يد ليوبولد وانطلقت به جريًا.
خلافًا لتوقعي، لم يقاوم، بل ترك نفسه ينقاد بخطواتي.
“هيه! مجددًا تتركانني وحدي!”
صوت آساد ارتفع من خلفنا، ممتلئًا غيظًا كالنار.
كان واضحًا أن إبعاده هكذا أشعل غضبه.
“سألحق بك حالًا! آسفة!”
“…….”
التفتُّ وأنا أركض لأهتف له بذلك.
لمحته يتوقف لحظة، وقد كان على وشك أن يلحق بنا، لكنه جمد في مكانه.
عندها، استدرت إلى الأمام من جديد، وغادرت المكان بخطى حاسمة من غير أن أعود إلى الخلف.
* * *
لم تكن لي وجهة محددة، لكنني اخترت الطرقات الأقل ازدحامًا حتى وصلت في النهاية إلى ضفاف البحيرة حيث أمارس الجري كل صباح.
مكان لا يكاد أحد يقصده.
“هاه…”
أطلقت نفسًا طويلًا أثقلني.
شعرت بحرارة تتصاعد من جسدي بعد الجري.
نظرت خلفي، فوجدت أنني ابتعدت مسافة كبيرة في لحظة واحدة.
لا أثر لآساد، ولا حتى لحرّاس ليوبولد.
لحسن الحظ أنني لم أتوقف عن الركض في صباحاتي.
“…….”
التفتُّ، فإذا بليوبولد يقف هناك، على غير عادته، ملامحه شاردة قليلًا.
كان واضحًا أنه لم يفهم سبب ما حدث للتو.
بينما كنت ألهث من الجري، واقفة بعرقٍ خفيف، كان هو ثابتًا لا يتنفس بصعوبة، ولا حتى قطرة عرق تلمع على جبينه. وجهه لا يزال جامدًا.
“…….”
لكن الغريب أنّ وجهه بدا محمّرًا قليلًا.
هل أرهقه الركض؟ لا، هو ليس من النوع الذي ينهك هكذا.
نظرت إليه باستفهام، وعندها، صرف بصره عني وقال بصوت منخفض بالكاد يُسمع:
“…يدك.”
رغم همسه، وصل صوته واضحًا إلى أذني.
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 27"