اقترب آساد بخطوات ثابتة حتى صار أمامي مباشرة، يعلو جسدي الجالس على السرير بنظراته الباردة.
شعرت بتوتّر حاد يجفّف حلقي، فابتلعت ريقي بصعوبة.
…….
عيناه الزرقاوهن، الخاليتان من أي دفء، كانتا تحدّقان بي بسكون جليدي.
صحيح أنّه فقد ذاكرته، لكن لا بدّ أن شيئًا من المشاعر ظلّ عالقًا بداخله… غير أنّه بدا وكأنّ جزءًا من روحه قد تعطّل نهائيًا.
*حسب اللي فهمته، قبل عودتها بالزمن، هو فقد الذاكرة و تغيرت شخصيته و صار كلب ايفلين، يعني غالبا البنت سحرته*
وفجأة، ارتعشت نظراته الباردة للحظة، ثم قبض يده بقوة، وقال وهو يحدّق بي من علو:
“لكنني لن أذعن طائعًا لإرادة دوقٍ ليس أبي. بل حتى لو كان أبي الحقيقي… فلن يغيّر شيئًا. سيدتي… سأختارها بنفسي.”
“…….”
عندما قرأتُ هذا المقطع في الرواية، بدا لي في غاية الرومانسية.
ذلك الفارس الذي لا ينسى حبيبته الأولى إيفلين، رغم الزواج، أبكى قلوب القرّاء… وأنا كنتُ منهم.
وكم ازداد المشهد تأثيرًا يومها، حين رفض آساد أن يكون دمية بيد الدوق، وأعلن أنّ سيدته الوحيدة هي إيفلين، لا صفقات السياسة.
… لكن ذلك كان حينها.
لم يفكر أحد يومها بما شعرت به تينا فالنتاين.
لا، لم يكن أحد بحاجةٍ للتفكير أصلًا.
من بعيد بدا المشهد ملحمة رومانسية، لكن من قريب لم يكن سوى مأساة خالصة.
شَراخ–
“آه!”
ارتجفت حين سمعت صوت النصل وهو ينسلّ من غمده.
رفعت عيني مذهولة لأراه وقد أشهر سيفه الطويل بوجه صارم.
ليلة الزفاف، وهو يدخل بسيف؟! أفي هذا العالم جنون أكثر من هذا؟
“تـ… تمالك نفسك–”
هل ينوي قتلي؟! لم ترد في الرواية أي إشارة إلى هذا!
ارتددت إلى الوراء على السرير، أرفع يدي لأحجب وجهي.
لكن… بدلًا من أن يوجّه سلاحه نحوي، شقّ آساد كفّه بحدّ السيف.
…….
تقطق… تقطر…
بقع دم قرمزية تناثرت فوق الشراشف البيضاء، تتسع رويدًا رويدًا.
وأنا، التي أعاني رهاب الدم، لم أتحمّل رؤية الدم وهو يسيل من أصابعه، فغشي عليّ على الفور.
***
وفي اليوم التالي، أفقتُ لأجد نفسي وحيدة في السرير.
لم يبقَ من تلك الليلة إلا بقع الدم فوق الملاءة، لتشهد أنها لم تكن حلمًا.
“هل استيقظتِ، سيدتي؟”
منذ تلك اللحظة، أصبحت رسميًا سيدة دوقية وينترتشيستر.
لم يحدث شيء في ليلة الزفاف… لكن الجرح الرفيع الذي تركه آساد في يده ظلّ شاهدًا خالدًا.
ذلك الجرح… كان العلامة الوحيدة على جسد أقوى فرسان الإمبراطورية.
ومنذئذٍ، كلّما أبصرتُ يده من بعيد، عادت إليّ تلك الذكرى.
لم أستطع أن أنساها أبدًا.
كنت أتمزّق كلّما تساءلت:
هل كرهني لدرجة أنّه لم يتردّد في جرح يده بحدّ السيف، فقط ليهرب منّي؟
كم كان ذلك جارحًا لكرامتي.
***
“بدوتِ سعيدة قبل قليل.”
“…….”
شهقت حين اخترق صوته المنخفض أفكاري.
انتشلتني كلماته من دوامة ذكرياتي.
ربما كان يتحدث قبل ذلك، لكنني لم أسمع شيئًا.
ما الذي قاله للتو…؟ نظرتُ إليه بوجه متوتّر.
ولما لم أجب، أمال رأسه قليلًا وسأل من جديد:
“ألن تكملي؟”
“……ماذا؟”
“اللعب مع وصيفاتك كما فعلتِ قبل قليل.”
…منذ متى كان يراقبني إذن؟
أعدتُ شريط اللحظات في ذهني.
نعم، ربما ضحكتُ أكثر مما ينبغي.
“…انتهى الأمر. لقد تعكر مزاجي الآن.”
عندها قال آساد بصوت بدا مزيجًا من الخيبة والندم:
“هكذا؟ كان يمكنك الاستمرار أكثر.”
“…….”
استمرار؟ مع من؟ الوصيفات غادرن جميعًا. أنا لست دمية للفرجة.
أدرت له ظهري بوجه متحفّظ.
“جئتَ أبكر مما توقعت. اجلس هناك مؤقتًا.”
أشرتُ إلى الأريكة الوحيدة في غرفتي.
كم كان الأمر محرجًا أن يحضر إلى غرفتي نفسها.
وفوق ذلك، لم تظهر أي من الوصيفات لتقديم الشاي أو الحلوى، كما هي العادة مع الضيوف.
لا شك أنّ الأمر من تدبير المربية التي جاءت به.
تبا، كان عليّ أن أنكر بحدّة أكبر في المرة السابقة حين أطلقت تلك التلميحات السخيفة عنا.
“…….”
جلس آساد على الأريكة كما طلبت، بينما ابتعدتُ أنا إلى أبعد ركن ممكن وجلست بثقل.
عمّ الصمت الغرفة للحظات.
لماذا جاء باكرًا إلى هذا الحد؟ ألا يعرف معنى الالتزام بالمواعيد؟
جاء قبل ساعتين كاملتين من الموعد المقرّر… ولأجل ماذا؟ انتظار ليوبولد؟
لا أدري ما شعر به هو، لكنني أنا اختنقت من شدّة الانزعاج، حتى كدتُ أن أفرّ من الغرفة.
وبعد أن ظلّ جالسًا بهدوء لبعض الوقت، بدا أنّ الملل تسلّل إليه، فالتفت إليّ متسائلًا:
“هل أستطيع أن أشاهد؟”
“لا.”
خرجت الكلمة من فمي قبل أن أفكّر، رفضًا تلقائيًا أسرع من ومضة برق. ردّة فعل انعكاسية. لوهلة شعرت أنني كنتُ قاسية جدًا، لكنّها انفلتت دون وعي.
“……”
“……”
بدا أنّ أساد شعر بالحرج هو الآخر، فرفع نظره إليّ بملامحٍ أقرب إلى الدهشة.
كان على وشك النهوض، ثمّ ما لبث أن جلس من جديد وغاص بجسده في أعماق الأريكة، وكأنّه قد خاب أمله.
“هم؟”
“؟”
وفجأة لمح شيئًا فوق الأريكة، فمدّ يده وأمسكه بنظرةٍ مستغربة.
وبمجرّد أن رأيت ما بين يديه، ارتجف جسدي بلا إرادة.
“آه، ذلك…!”
“يبدو أنّه لكِ، أليس كذلك؟”
“……نعم.”
كان ذلك قرطي الصغير المزيّن بجوهرة صفراء، أحد أكثر الحُليّ المحبّبة لديّ.
على الأغلب سقط منّي عندما كنت ألهو بلعبة عرض الأزياء قبل قليل.
لمست أذني لا شعوريًا فوجدت إحداهما فارغة.
لا بد أنّه وقع حين كنت أدور وألتفّ.
“هذا مزيف. على ما يبدو أنهم خدعوكِ. من أيّ صائغٍ اشتريته؟”
“…….”
كان قد نهض من مجلسه واقترب من النافذة، ثمّ رفع القرط نحو ضوء الشمس وهو يتفحّصه.
… في الحقيقة لم يُخدعني أحد، بل أنا من قصدت شراء تقليدٍ عالي الجودة من الفئة A، لأنّني لم أملك ثمن الحقيقي.
لكن، وما حاجتي لأن أقول ذلك له؟
ففي عُرف النبلاء، مجرّد الإشارة إلى أنّ مجوهراتهم مزيّفة يُعدّ إهانة جسيمة.
وها هو لا يكتفي بذلك، بل يسأل عن اسم الصائغ أيضًا! وإن علم به، فما عساه يفعل؟
لم يكن أساد ذلك النوع من الأشخاص الذين يتدخّلون في شؤون غيرهم… أو هكذا ظننت.
اقتربت منه بملامح جادّة، ومددت يدي لانتزاع قرطي من قبضته.
“ما الذي تفعله؟ أعده إليّ.”
لكن فارق الطول بيننا حال دون وصول يدي إليه.
سنة واحدة فقط تفصل أعمارنا، لكن في سنوات النموّ تكفي لتصنع فرقًا ملحوظًا.
ولو أنه فقط أنزل يده قليلًا لانتهى الأمر.
لكنه لم يبدُ راغبًا بذلك.
رفعت عينيّ نحوه بنظرات حادّة، فيما هو يرفع يده أعلى ليبعده عن متناولي.
“لماذا تتصرّف هكذا؟”
“وأنتِ، لِمَ تتصرّفين هكذا؟”
قطّب حاجبيه، وردّ بنبرة ضجر كأنّه هو المظلوم.
حدّقت فيه بدهشة بالغة.
ثم قال بوجهٍ يحمل شيئًا من الاستياء:
“ألا يمكنني فقط أن أحاول التقرّب منكِ؟ كنت أظنّك صاحبة طبعٍ بارد، لكن حين رأيتكِ تضحكين وتلعبين مع وصيفاتك، أدركت أنّك لستِ كذلك.”
“…….”
… يا للعجب. إذًا هذا ما كان يشغل باله!
لم يخطر ببالي أنّ مشهد لهوي مع الوصيفات قد ترك فيه أثرًا كهذا.
“كنتُ أفكّر منذ فترة…”
وفجأة تقدّم نحوي خطوةً واسعة، حتى غدا على مقربةٍ خطيرة.
عيناه الزرقاوان تراقبان وجهي عن قرب، وتحملان شيئًا من الضيق والشكوى.
“أليس غريبًا أنّكِ تعاملينني بعدائية مبالغ فيها؟”
“ماذا… ماذا تعني؟”
“هل فعلتُ بكِ شيئًا؟ تتصرّفين كأنني ركلتكِ بعيدًا أو جرحتكِ في السابق. هل التقينا من قبل؟ أم أنّي أسأتُ إليكِ بطريقةٍ ما؟”
“…….”
… هل يمتلك هذا الفتى قوّة التنبؤ؟
يبدو أنّ أساد في هذه الحياة لم يمتلك مهارات ليكون فارس إيفلين، بل ليكون كاهنًا عظيمًا.
والأدهى من ذلك أنّ المعابد لن تخشى الخراب أبدًا بوجود من يملكون مثل هذه البصيرة الحادّة!
“أنا من النوع الذي يجمع الأعداء أينما ذهب. لذا قد أكون نسيت وجوه كثيرين ممن أُدين لهم. لكن إن أخطأتُ بحقكِ فعلًا، فأنا أعتذر. هل كان ذلك حين كنتُ من عامّة الناس؟ أم مؤخرًا؟”
“…….”
تجمّدت ملامحي وأنا أستمع إلى كلماته.
“ذلك…”
كنت على وشك أن أطلق ردًّا لاذعًا، لكنني أطبقت شفتيّ فجأة.
فأساد هذا لا يذكر شيئًا من ماضيه، فكيف عساه يعرف أنّ كل هذا ليس سوى دينٍ من خط زمني مختلف؟ لم أرَ ضرورة لأن أفسّر له.
رفعت يدي بلطف ودفعته قليلًا لأبعده عني.
“… لا، لم نلتقِ من قبل. أنا فقط لا أجيد مخالطة الناس.”
“…….”
بدت على وجهه خيبة واضحة، وكأنّه لم يقتنع قط.
وبلا شك شعر أنّ هناك ما أخفيه، لكنّه لن يواصل السؤال بعد هذا الجواب المباشر.
“آنسة تينا، صاحب السمو وليّ العهد ليوبولد قد وصل.”
“…….”
كانت مربّيتي هي من أعلنت الخبر. وصل ليوبولد أخيرًا.
توقيتٌ سيّئ… أم جيّد؟ لا أعلم.
لكن على الأقل يعني أنّ هذه اللحظة المزعجة أوشكت على الانتهاء.
حتى ليوبولد بدا قدومه مبكرًا عن المتوقّع.
أيا يكن، لقد شعرت ببعض الارتياح لكوني سأتحرّر أخيرًا من هذا الجو الخانق.
“آه… حسنًا، سآتي حالًا.”
ابتسمتُ ابتسامة خفيفة مطمئنة وأنا أجيب.
“…….”
لكن أساد، الذي كان يراقبني بصمت، انتفض واقفًا فجأة، ومشى بخطواتٍ واسعة ليتجاوزني.
“آه!”
“…….”
اصطدم بكتفي عمدًا وهو يمرّ بجانبي، ولم يتفوّه حتى بكلمة اعتذار. بل خرج من الغرفة قبلي بخطًى سريعة.
كان في تصرّفه الكثير من التعمد الواضح.
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 26"