بهذا القدر، يمكن القول أنني قد جددت جلدي وولدت من جديد.
لكن بما أنني أحمل ذكريات حياتي السابقة، كنت أعلم أن هذه ليست هي هيئتي النهائية ولا صورتـي المكتملة.
عليّ ألّا أركن إلى الرضا!
في حياتي الماضية لم أنهِ حميتي إلا حين بلغت السابعة عشرة.
لذا فمشاهدة جسدي وقد بدأ يكتسب ملامحه الجديدة في هذه السن كان أمرًا مثيرًا للاهتمام .
فـتينا فالنتاين في سن الثامنة عشرة كانت من الجمال بحيث لا تقل تألقًا عن البطلة إيفيلين نفسها، فكيف لا تتلألأ حتى في طفولتها؟
تماسكتُ في داخلي ثم سألتُ الخادمة التي كانت منهمكة في إصلاح ثوبي خلفي، بصوت خافت:
“… ألا ترين أنني تغيّرت قليلاً؟”
“نعم! آنستي، كأنك على وشك أن تصعدي إلى السماء وتتحولي إلى ملاك!”
قبل بضعة أشهر فقط كنّ يقلن إن جسدي مناسب تمامًا، والآن وقد نحفت قليلًا يقلن إنني على وشك الصعود إلى السماء؟! حقًا، خادمات بيتنا لا يعرفن الوسط ولا الاعتدال.
وبينما تدور هذه الخواطر في رأسي، نهضت الخادمة التي كانت تصلح ثيابي وقالت:
“ها قد انتهيت، آنسة تينا. هل تقفين لتدوري قليلًا؟”
“نعم!”
قفزت واقفة مع كلماتها، ثم استدرت بخفة.
تطاير فستاني الأصفر – وهو فستان يومي يصل طوله إلى الركبتين، يزين أعلاه شريط ضخم، وأسفله كشكشات بيضاء من الدانتيل – فانتفخ قليلًا ثم انسدل برقة.
لقد أصبح الفستان الفضفاض بالأمس ملائمًا تمامًا لجسدي اليوم.
يبدو أن تغيّر مقاسي يومًا بعد يوم قد جعل خادمات البارونية يتقنّ فن الخياطة أكثر فأكثر.
ولأن قصر البارون ليس كقصر الإمبراطورية حيث تترصد العيون، فقد كنت أستطيع ارتداء هذا النوع من الفساتين اليومية بحرية.
“آنستي! إنك في غاية الروعة! جمالك يخطف الأبصار!”
“انظري إلى هنا أيضًا! آه، لا أصدق! كياااا!”
أمطرتني الخادمات بفيض من المديح المعتاد، فابتسمت وشاركت لعبتهن، ولم أشعر إلا والوقت يُفلت من بين يدي كخيط ضوء.
حتى أنني لم أسمع وقع طرقات الباب.
“آنسة تينا!”
بينما أنا منغمسة في لعبة عارضة الأزياء، جاءني صوت يناديني بعجلة.
التفتُّ باستغراب، فإذا بالمربية تقف عند الباب ووجهها مفعم بالتوتر.
التقطت أنفاسها سريعًا قبل أن تقول:
“آنستي… لقد وصل الضيف.”
“بهذه السرعة؟”
نظرت إلى الساعة بدهشة.
لم يكن قد تجاوز الوقت منتصف النهار، أي قبل الموعد المحدد بساعتين.
من عساه يجيء بهذه العجلة؟ ليوبولد؟ هل تحمس للمجيء إلى قصر البارون إلى هذا الحد فجاء باكرًا؟ … لا، هذا مستبعد جدًا.
وما أن أفسحت المربية الطريق وانحنت قليلًا، حتى ظهر خلفها شخص جعل الخادمات اللاتي كن معي ينحنين بدورهن بعمق.
“……”
اصطدمت عيناي مباشرة ببحر عميق من الزُرقة، عينان كالصفير الأزرق النقي.
تجمد لساني في فمي ونُسيت التحية.
سادني دوار مفاجئ. ما الذي جاء بهذا الرجل إلى هنا؟ ومتى بدأ يراقبني؟ لو كان قد وصل بمركبة، لسمعنا جميعًا أصواتها، فكيف دخل دون أن يشعر به أحد؟
لقد كان أساد واقفًا هناك منذ مدة، مستندًا إلى الجدار وذراعاه متشابكتان، يرمقني وأنا ألهو أمام المرآة.
ولم يكن حوله خادم ولا تابع ولا حارس.
يبدو أنه جاء بلا حراسة، بل وربما حتى بلا عربة.
… لم يمضِ على دخوله بيت الدوق أكثر من شهر واحد، ويبدو أن وعيه بذاته كنبيل ما يزال ناقصًا للغاية.
“… أتيت باكرًا.”
تمتمت أخيرًا بكلمات متكلفة. وكانت الخادمات قد انسحبن بهدوء، وكأنهن يتركن لي فرصة خاصة.
ما هذا الحرص الزائد؟! أن أُترك وحدي معه بين أربعة جدران، أهذه مزحة أم كابوس؟ آه…
وفجأة، انبثق من ذاكرتي مشهد ثقيل لم أكن أرغب في استحضاره.
***
لم يحدث أن وُجدتُ مع أساد في غرفة واحدة على انفراد منذ ليلة الزفاف الأولى.
تلك الليلة التي يمكن القول أنها كانت الأسوأ في حياتي على الإطلاق.
ليلة زفافي مع أساد.
صحيح أنه لم يحدث شيء يُذكر في النهاية، لكن ما جرى قبلها كان بحد ذاته مأساة.
فقد أُجريت مراسم الزواج في غاية البساطة وعلى عجل، ثم وجدت نفسي في تلك الليلة نفسها أنقل إلى قصر الدوق.
لكنني كنت أعلم أنهن لا يقصدن سوى استرضاء سيدة القصر الجديدة.
أما أنا، فلم أكن سوى عروس دمية، وأما أساد فلم يكن ليُبدي أدنى اهتمام بي حتى مماته.
فقد ظلت إيفيلين تسكن قلبه حتى النهاية.
إذن فكل تلك الجهود لم تكن إلا عبثًا.
جلست في الماء الساخن، وجهي غارق في الحزن، أبعد ما أكون عن صورة عروس في ليلة زفافها.
… وفي تلك الليلة، غمر نور الشموع الهادئة غرفة النوم الكبرى في قصر الدوق، وانتشر عطر لطيف في الأجواء.
أما جسدي فقد طُلي بزيوت عطرية أحلى رائحة من العطر المتصاعد نفسه.
وكنت مرتدية الزي التقليدي للإمبراطورية، ثوبًا لا يكاد يقوم بوظيفته كلباس، إذ يكفي شد خيط واحد حتى يُحل كله.
جلست على السرير، في انتظاره.
“إذن، سنبعد كل الحرس من هذا الطابق الليلة. تفضلي بالراحة، سيدتي.”
“… شكرًا لك.”
قالت إحدى خادمات الدوق ذلك، ثم انحنت بعمق وانسحبت، تاركة المكان وقد أُكمل فيه الاستعداد لليلة الزفاف.
طرد الحرس كلهم؟ لم يكن لذلك أي داعٍ. لأنني كنت أعلم أنّه لي يحدث شيء الليلة على الإطلاق…
لكنني لم أقل شيئًا، فقط تركت الوصيفة تغادر.
طق.
أُغلِق الباب وعدتُ وحيدة في الغرفة الفسيحة على نحو مبالغ فيه.
هذه الغرفة ستكون على الأرجح مقرّنا المشترك.
سُمّيت غرفة الزوجين، لكنني كنت أعلم أنها ستتحول إلى جناحي الخاص.
فآساد لم يطأ هذه الغرفة حتى وفاته.
هذه الليلة كانت الأولى… والأخيرة.
اليوم كان يوم الزفاف، لذا كتب في الرواية أنّه اضطر للحضور مجبرًا تحت أعين الناس.
ربما أيضًا بسبب طلبٍ من إيفلين.
“هاااام…”
بمجرّد أن بقيتُ وحدي، زال التوتر المتراكم، فسقطت بجسدي على السرير الضخم.
شعري الكستنائي الفاتح، الذي بدا ناعمًا بعد الاستحمام، تناثر على الملاءة.
في الإمبراطورية، جرت العادة أن يلتقي العريس والعروس بعد الزفاف في ساعة متأخرة من الليل، بعد أن يتزيّنا بأكثر هيئاتهما أناقة.
تأخرُه يعني أنه يستغرق وقتًا طويلًا في الاستعداد… أو أنه يماطل لأنه لا يريد المجيء أصلًا.
كلا الاحتمالين لم يكن يهمني كثيرًا.
“هااااام-“
في تلك الليلة التي كان كل خدم الدوقية يحبسون أنفاسهم مترقّبين، كنت أنا أكتفي بالتثاؤب على السرير الكبير.
كانت هذه أول ليلة زفاف لي، ومع ذلك لم أشعر بأي توتر.
فأنا أعرف القصة: في تلك الليلة، لم يحدث شيء بيني وبين آساد.
ذلك ما سمح لي بأن أبقى هادئة تمامًا.
لكن مهما تأخر الليل، لم يظهر له أثر.
فتيلة الشموع ذوت، والعطر الذي أُوقد بدأ يخبو، ومع ذلك لم يفتح أحدٌ ذلك الباب.
عندها فقط بدأ ينتابني شعور غريب.
أيمكن أن… لا يأتي؟
كنت أظن أنه سيظهر كما في الأصل، لكن ربما تغيّرت الأمور.
فمنذ أن تجسدت هنا، بعض التفاصيل خرجت عن مسارها المعتاد.
جلستُ، أحاول مقاومة النوم، لكن جفوني كانت أثقل من أن تصمد.
“!…”
طَق.
بينما كنت أغفو متمايلة، سُمع صرير الباب يُفتح.
قفزت واقفةً على الفور، أحدّق بعينين نصف نائمتين نحو الصوت.
هناك، عند المدخل، وقف شاب وسيم ذو شعرٍ أحمر وعيون زرقاء لامعة، متجمّدًا في مكانه كتمثال.
كان يرتدي زي الفرسان، وسيفه يتدلّى من خاصرته.
لا بد أنه جاء مباشرة من القصر الإمبراطوري.
“…….”
فتح الباب نصف فتحة، وما أن وقعت عيناه على هيئتي فوق السرير حتى تجمّد مكانه، كأنه فقد وعيه لبرهة.
ملامحه كانت أشبه بالصبي الذي التقيته أول.
ذلك الرد فعل أعاد لي شيئًا من المزاج الذي أفسدته حفلة الزفاف الكئيبة.
“…تبا.”
لكن ما إن استعاد وعيه، حتى ارتسم على وجهه تعبير انزعاج شديد.
“تفاهات لا داعي لها…”
تمتم بصوتٍ خافت، بنبرة حادة، وكأنما يلوم شخصًا ما غير محدّد.
لكن في غرفة لا يسكنها سوانا، لم يكن عسيرًا عليّ أن أسمعه.
نادرًا ما حدّثني آساد.
بل لم أره يتبادل الكلام مع أحد أصلًا… سوى إيفلين.
كانت هي وحدها عالمه بأكمله.
“…….”
“…….”
ساد الصمت.
وقف طويلًا عند الباب متجمّدًا، ثم كأنه اتخذ قرارًا ما، أغلقه ببطء.
طَق.
صوت اغلاق الباب دوّى عاليًا على نحو غير مبرَّر، فارتجف قلبي قليلًا.
لكنني رفعت رأسي أتصنّع الشجاعة، أحدّق في وجهه.
خطا بخطوات ثابتة نحوي، يقترب أكثر فأكثر.
“…أعلم أنك أيضًا ضحية في هذا الزواج. ولكن…”
قالها بصوت منخفض، وعيناه ثابتتان عليّ وهو يقترب.
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 25"