بعد أن أنهيت تدريب اليوم، رميت جسدي بجانب البحيرة وزفرت تنهيدة طويلة.
لم يكن السبب التعب من التمارين التي اعتدت عليها منذ زمن، بل شيء آخر أثقل صدري.
“راسل، ألا يوجد طريقة لنكسب المال؟”
“المال؟”
“نعم. مثلاً لو تساقطت علينا عملات ذهبية من السماء—”
ما أن نطقت بذلك، حتى سقطت عملة ذهبية واحدة من السماء أمامي.
قفزت واقفة ونظرت إلى راسل مذهولة.
“من أين جئت بهذه؟”
“من خزانة سرية لأحد بيوت النبلاء.”
ابتلعت ريقي وأنا أحدّق في الذهب الذي استقر بين يدي.
يا لها من مخلوقات مدهشة هذه الأرواح…
نظر إليّ راسل بعينين غامضتين وقال:
“…على كل حال، الخزانة مليئة عن آخرها، ولن يلاحظ أحد فقدان شيء بهذا القدر. بل إن هذه الأموال جُمعت بطرق غير مشروعة. إن أردتِ، يمكنني إعادتها بعد خمس سنوات فقط. وإن أحببتِ… سأجلب لكِ المزيد.”
“…”
اهتز قلبي قليلًا. في يدي الآن عملة واحدة فقط، لكن بكلمة مني يستطيع راسل جلب ما لا يُحصى.
لو أخذنا القليل من كل خزانة، ربما لا يُكتشف الأمر أبدًا.
وحتى لو كُشف، فالقانون الإمبراطوري لا يسري على كائن غير بشري مثل راسل.
“…”
وأنا أُقلّب الأمر في رأسي، نطقت بحزم وكأنني اتخذت قراري:
“يكفي. دعنا نتوقف.”
ما أن قلت ذلك وأنا أتماسك، حتى انطلقت من حلق راسل ضحكة منخفضة.
وفي اللحظة نفسها اختفت العملة من كفي، كما لو أنها عادت إلى مكانها.
“…”
حدّقت في الفراغ حيث كانت العملة قبل قليل، ولساني يلعن ترددي.
يا للخسارة. هل كنت غبية بتركي إياها؟
عملة لا أستطيع أن أجمع مثلها حتى لو عملت سنة كاملة…
ضاعت بدافع ضمير سخيف.
“أنتِ صالحة.”
تمتم راسل بابتسامة نادرة وهو يربّت برفق على شعري.
أما أنا، فتنهدت بخيبة ورددت:
“…لا بأس. سأبحث عن عمل إضافي.”
هل يوجد هنا عمل مثل لصق عيون الدمى؟ ذاك العمل يناسب جسدي البالغ ثلاثة عشر عامًا.
تساءل راسل بنبرة مستغربة:
“لماذا أنتِ مهووسة بالمال إلى هذا الحد؟”
“…في الحقيقة—”
تفحّصت المكان سريعًا، وحين تأكدت أن لا أحد حولنا، انحنيت وهمست:
“لأني أعرف طريقة سأضاعف بها المال مئة مرة بعد خمس سنوات…”
“…”
تبدّلت نظرات راسل في لحظة، من الإعجاب بي إلى النظرة التي يرمق بها أحدهم محتالًا.
“أنا جادة!”
قبل مدة، بينما كنت أستعيد ذكريات حياتي السابقة، تذكرت أفضل طريقة لجمع الثروة.
ليست بعملة “البتكو—” لا، بل شيء آخر.
هنالك جزيرة صغيرة في طور النمو لا يلتفت إليها أحد الآن.
لكنني وحدي أعرف أن باطنها يزخر بالثروات الطبيعية.
…لا، “ليوبولد” يعرف أيضًا. لا بد أن أسبق ذلك اللعين وأشتري الأرض.
الآن هي بلا مالك وتُباع برخص التراب، لكن قريبًا ستُشعل حروبًا دامية.
“لا تُخبر أحدًا مطلقًا. أنا أقول لك لأني أثق بك فقط.”
“حسنًا.”
حتى وأنا أقولها، بدوت كأي محتالٍ رخيص يحاول استمالة روح بريئة.
لم أستطع منع نفسي من الشعور بأني محتالة تحاول خداع راسل الطيب.
***
في تلك الليلة، راودني حلم قديم. حلمت بطفولتي البعيدة—رغم أنني الآن طفلة بالفعل.
في الحلم، كنتُ في الخامسة عشر من عمري.
أطول قليلًا من الآن، وجسدي ممتلئ بعض الشيء، لكني بدوت لطيفة على طريقتي.
المكان كان ضفة البحيرة خلف قصر البارون.
أذكر أننا خرجنا في نزهة لأن إيفلين ألحّت بذلك.
كنت جالسة على بساط، أحتضن إيفلين الصغيرة بين ذراعي.
أمامي جلس آساد، بينما جلس ليوبولد بعيدًا بملامح باردة وكأنه لا يريد أن يختلط بنا.
فجأة، قررنا أن نمدح بعضنا ونذكر مزايا بعضنا البعض. بالطبع، إيفلين كانت صاحبة الفكرة.
“هممم…”
“…”
البداية كانت على آساد. حدّقت فيه إيفلين مطولًا بعينيها الكبيرتين الخضراوين، ثم بدأت تتلعثم.
“آساد هو… هممم… أُووم…”
“لا تضغطي على نفسك، إيفلين.”
تنهد آساد برفق وهو ينظر إليها، بينما ضحكت إيفلين بارتباك محاولة التخفيف من الموقف.
ثم فجأة استدارت إليّ بعينيها الواسعتين وكأنها تستنجد.
“تينا، هل تريدين أن تبدأي أنتِ أولًا؟”
“أنا؟”
“…”
هكذا ألقت الكرة في ملعبي فجأة. نظرت إلى آساد بارتباك، فالتقت عيناه اللامبالتان بعيني لوهلة.
حينها كان آساد قد فقد ذاكرته بالفعل، وصار يتبع إيفلين كالكلب الوفي.
“…”
وبمجرد أن نطقت إيفلين بسؤالها، التفت ليوبولد البعيد فجأة ونظر إليّ. بدا مهتمًا بما سأقوله.
هكذا وجدت نفسي فجأة محور أنظار ثلاثة أشخاص.
وأنا، مجرد شخصية هامشية لا أحتمل لفت الانتباه.
تظاهرتُ للحظة بأنني أفكر، ثم التفتُّ نحو آساد وقلت:
“سأفكر في الأمر… فقط انتظر يومين.”
“…….”
في النهاية، أياً يكن ما سأقوله فلن يصل إلى أذن آساد الذي لا يرى في الدنيا غير إيفلين الآن.
اجابتي الباردة جعلته يقطب حاجبيه صامتًا.
“إذن، الدور التالي… ليو!”
“…….”
وبذلك انتهى دور آساد دون أي نتيجة تُذكر، وانتقل الدور إلى ليوبولد.
راحت إيفلين تنظر إليه بعينين تلمعان ببريق خاص.
ما زالت إيفلين مغرمة بليوبولد، وقد مضى على إعجابها ذاك قرابة العام. ولم تكن تبذل أي جهد لإخفاءه.
“أنا لا أحتاجه.”
“…….”
يا له من متعجرف! رميته بنظرة حادّة.
رأيتُ كيف انطفأ بريق ابتسامة إيفلين فجأة، فتقدمتُ منها معتذرة بنظرة، ثم وقفت واقتربت من ليوبولد.
“قم، ليو. بسرعة.”
“…….”
تنهد بعمق، لكنه بالنهاية تبعني وجلس أمامها.
وما أن جلس حتى انطلقت إيفلين تتحدث بلا توقف عن مزاياه وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة:
“بصراحة، مميزات ليو لا تنتهي. مثلًا، رغم أنه يتظاهر بالبرود إلا أن قلبه دافئ في الحقيقة، وطريقة تعامله مع شؤون الدولة، وأيضًا—”
“…….”
على النقيض تمامًا من محاولتها اليائسة للعثور على ميزة واحدة في آساد، راحت المزايا تنهمر كالسيل حين تعلّق الأمر بليوبولد.
حتى أنني شعرت بالحرج من كثرتها.
تقول أنها لم تعترف بعد، لكن اعترافها خرج بالفعل بين سطور كلماتها.
ومع ذلك، بقي ليوبولد صامتًا.
وجهه خالٍ من أي تعبير، ينظر إليها كما يفعل دائمًا ببروده المعتاد.
لا احمرار خد، لا ارتباك، لا حتى حركة بسيطة تُناسب عمره.
صحيح أن هذا ما يجعله ليوبولد الذي نعرفه… لكن مع ذلك! إيفلين تتدفق حبًا أمامه، وهو جالس كجدار صامت.
لو كنت مكانه لكان أغمي عليّ نصف الطريق!
“…….”
حولت بصري نحو آساد.
كان يراقب الاثنين بملامح حزينة لا يلحظها أحد سواي.
…آه، مسكين. إنه بوضوح الطرف الثالث الخاسر في روايتنا هذه. لا مفر له من الخسارة.
أحسستُ بتعاطف للحظة، لكنه ما لبث أن تلاشى.
من أنا حتى أتعاطف؟ مجرد شخصية ثانوية لا قيمة لها.
شعرت فجأة أن وجودي بين هذه الدراما غير مريح.
“…لنكتفِ بهذا القدر؟”
انتهى “وقت مدح ليوبولد” — أو بالأحرى “جلسة تمجيد ليوبولد” — بعد ثلاثين دقيقة كاملة.
كانت إيفلين تتحدث وكأنها تقرأ من نص مكتوب مسبقًا. ومع ذلك، بدا أنها تملك المزيد، لكنها أوقفت نفسها وكأنها تقرر إنهاء العرض مؤقتًا.
وبينما أثارت هي إعجابي بقدرتها على الحديث نصف ساعة متواصلة، أثار هو دهشتي أكثر ببروده التام رغم تلقيه اعترافًا متخفيًا تحت قناع المديح. أي حجر هذا الفتى؟
…لا، بالتأكيد كان سعيدًا في داخله. لكنه فقط لا يُظهر شيئًا.
ارتشفت إيفلين قليلًا من عصير البرتقال، ثم التفتت فجأة:
“آساد، وأنت؟”
“…….”
نظر آساد نحو ليوبولد بوجه متردد، ثم هز رأسه نافيًا.
…لم يجد أي ميزة فيه. لم أتفاجأ.
قبل فقدان ذاكرته وبعده، ظل آساد على كرهه لليوبولد. الفرق الوحيد أنه توقف عن العداء العلني.
أما ليوبولد، فلم يهتم قط. هل كرههما لبعضهما شيء غريزي؟
“همم…”
“…….”
نظرت إيفلين إلى آساد بخيبة، لكنه بقي صامتًا.
والأدهى أن ملامحه غدت منهكة كما لم أرها من قبل.
بدا كمن يتمنى لو يختفي فورًا.
وله الحق. فالفارق في تعامل إيفلين معه مقارنة بليوبولد يكفي ليُشعره وكأنه رُفض للتو.
مع أنه في الحقيقة يتلقى الرفض كل يوم.
رمقته بعينين مشفقتين مجددًا.
“تينا؟”
“ها؟ أنا؟”
“…….”
أنا؟ التفتُّ نحو ليوبولد. لا أدري متى، لكن عينيه الذهبيتين كانتا مثبتتين عليّ. منذ متى يراقبني؟
…هل كان متوتّرًا؟ أم أنه مجرد خيالي؟ بدا وكأنه ينتظر كلماتي بفارغ الصبر.
مميزاته… مميزاته، ها؟ كيف يمكن أن أجد له ميزة الآن؟ هل أتهرّب كعادتي وأقول “لاحقًا”؟
“بعد شهر—”
لكن ما إن بدأت أتكلم حتى قطعتني إيفلين:
“لا! لا يمكنك التأجيل! عليكِ أن تقولي شيئًا الآن. إن لم نقُلها كلنا فلن يكون للعبة أي معنى!”
“…….”
كانت تحدق بي بوجه مفعم بالتوقعات.
بعد أن أفلت آساد من الإجابة، أصبح عليّ أن أقول شيئًا… أي شيء.
كان لا بد من إيجاد ميزة واحدة لليوبولد.
“…….”
“…….”
ميزة… ميزة… لا بد أن لديه شيئًا جيدًا، لكني لم أرغب أصلًا في التفكير به.
حاولت تذكّر واحدة من الـ 1024 ميزة التي عددتها إيفلين قبل قليل، لكنني كنت قد تركتها تدخل من أذن وتخرج من الأخرى. لم يبق شيء في ذاكرتي.
وبعد طول تردّد، فتحت فمي أخيرًا:
“…وجهه.”
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 20"