فتحتُ عيني وأنا ألهث كما لو أنني سُحبت فجأة من أعماق البحر.
نظرت حولي، فوجدت نفسي في الغرفة التي قضيت فيها طفولتي في قصر آل البارون. ستائر بيضاء ناصعة، الدمية المحببة لدي على السرير، وواجب اللغة القديمة الذي تركته نصف منجز…
شعور غريب بالقلق دفعني للركض مباشرة نحو المرآة.
“……”
انعكس أمامي وجه فتاة صغيرة ذات عينين خضراوين وشعر بني مجدول على شكل ضفيرتين سميكتين، ترتدي بيجاما على شكل دب صغير. كانت ممتلئة الخدين، بريئة الملامح.
حينها أدركت أنني عدت خمس سنوات إلى الوراء، إلى الفترة التي لم يمضِ وقت طويل على تجسدي في هذا الجسد.
“ما كان ذلك للتو…؟”
أهو حلم؟ أم رؤيا استباقية؟
لكن… الحلم لا يمكن أن يكون بتلك الدقة والوضوح، والرؤيا لا يمكن أن تكون بذلك الطول والتفصيل.
“هل يعقل… أنني عدت بالزمن؟”
لا أعلم أي الاحتمالات هو الصحيح، لكنني أعلم أن هناك شخصًا واحدًا فقط قادرًا على كشف كل ما يحدث…
ولي عهد هذه البلاد، سيّد السيف، ليوبولد. صحيح أنه الآن ليس سوى طفل، لكن ربما يعرف شيئًا.
حسمت أمري وفتحت باب غرفتي.
“آنسة تينا، لقد استيقظتِ مبكرًا.”
“صباح الخير.”
عند فتح الباب، رأيت الخادمات اللواتي كنّ في القصر حين كنت صغيرة، وكذلك مربيتي وهي في شبابها. عندها أدركت أنني لست الوحيدة التي عادت في الزمن.
لكن لم أملك وقتًا طويلًا للاستغراق في الذكريات، فقلت بحزم:
“يجب أن أذهب إلى القصر الإمبراطوري. حضّري كل شيء فورًا!”
“ماذا؟”
نظرت إليّ مربيتي بدهشة، وكذلك الخادمات اللواتي لم يتحركن، بل تبادلن نظرات مستغربة، ثم… انفجرن بالضحك.
“هل شاهدتِ مسرحية مضحكة، آنستي؟”
“لا يمكنك الذهاب إلى القصر لمجرد أنك تريدين ذلك.”
“ماذا؟”
حدقت بهنّ، ثم أدركت فجأة الحقيقة: آه… أنا الآن لستُ سيدة نبيلة متزوجة، بل أصغر أبناء البارون، طفلة في الثالثة عشر فقط.
بالطبع سيبدو الأمر مضحكًا حين تتحدث طفلة صغيرة بنبرة آمرة عن الذهاب فورًا للقصر.
وفوق ذلك… أنا لست صديقة لزوجة ولي العهد المستقبلية، ولا أعرف حتى حارس بوابة القصر. ولي العهد شخص لا يمكن مقابلته بمجرد الرغبة في ذلك.
“لكن… يجب أن أذهب!”
بدأت أشعر بالقلق وبدأت أتحرك في مكاني باضطراب، فظنّت مربيتي أنني أتصرف بدلال، فرفعتني بين ذراعيها.
“هوب!”
أحسست بالذنب قليلًا، فهي تحملني رغم أن وزني الآن ثقيل، ولم تُبدِ أي إشارة تعب. تذكرت فورًا أن بعد خمس سنوات ستعاني من مشاكل في ظهرها.
قالت وهي تبتسم:
“لا داعي للعجلة، بعد عشرة أيام ستذهبين بنفسك إلى القصر.”
“حقًا؟!”
كان ذلك خبرًا سارًا. تذكرت أنه في مثل هذا الوقت كانت الإمبراطورية تحتفل بانتصار عظيم في الحرب، وكان القصر يقيم حفل نصر، وقد تلقيت حينها دعوة رسمية… كانت أول حفلة في حياتي.
إذًا، لا مفر من الانتظار عشرة أيام.
لكن… هل سأظل هنا حتى بعد تلك الأيام العشرة؟ ماذا لو لم أعد إلى حيث كنت أبدًا؟
ذلك سيكون مشكلة.
فحتى عائلتي… آه، لم يتواصلوا معي بعد أن باعوني تقريبًا في زواجٍ عقدوه مع أساد.
أما صديقتي المقربة إيفلين… فلم أرها بعد الزواج أبدًا. بينما كان أساد… كنت أراه كل يوم تقريبًا.
أساد… أستطيع تخيله الآن يحتفل باختفائي، وربما يعلق لافتة على قصره تقول: “مبروك الطلاق!” كي تراها إيفلين.
“… تبا.”
مجرد التفكير في ذلك يجعلني أغلي من الغضب، ثم فجأة شعرت بالإنهاك.
لماذا لا يوجد حولي سوى هؤلاء الأشخاص؟ لم أؤذِ أحدًا في حياتي، فلماذا حدث كل هذا؟
إذا لم تبحث عني عائلتي ولا أصدقائي ولا حتى زوجي… فهل هناك سبب للعودة أصلًا؟
يا لحقارة حياتي السابقة… ربما كانت هذه المرحلة، حيث لا هموم ولا أعباء، هي أسعد أوقاتي على الإطلاق.
“……”
“آنسة تينا؟”
شعرت فجأة بمرارة في صدري، فنزلت من حضن المربية ونظرت بعيون خاوية إلى صورتي المنعكسة في النافذة.
لم يكن هناك أثر لتلك الدوقة ذات الشعر البني والعينين الخضراوين والنظرة الحزينة… بل ظهرت أمامي فتاة عادية في الثالثة عشرة من عمرها، بملامح ريفية بعض الشيء، ممتلئة الجسد قليلًا.
حينها أدركت بوضوح أنني قد عدت بالفعل إلى اللحظة التي تجسّدت فيها داخل القصة.
… لا، انتظري لحظة. هل يعني هذا أن عليّ إعادة الحمية من جديد؟
تجهم وجهي فجأة. لمجرد تخيل أنني سأمر بتلك المعاناة المروعة مرة أخرى شعرت بدوار.
هذا وحده كان كافيًا ليجعلني أرغب في العودة إلى خمس سنوات لاحقة من حياتي.
هل يمكن أن يكون هذا ما أراده لي ذاك المجنون، ليوبولد؟! أن أعيش مجددًا كل تلك الأيام المؤلمة؟! هل أعاد الزمن فقط ليعذبني؟! هل كرهني إلى هذه الدرجة؟!
ذلك الرجل قادر تمامًا على فعلها…!
“…”
وضعت يديّ على النافذة ونظرت بتمعّن إلى انعكاسي.
صحيح أن مظهري الآن قد يبدو لطيفًا بحكم صغر سني، لكن “تينا فالنتاين” في القصة الأصلية حافظت على هذا الجسد الممتلئ منذ طفولتها وحتى كبرت. ولو استمر الأمر، فصحتي ستكون في خطر.
“… من الأفضل أن أبدأ بإنقاص وزني أولًا.”
شيئًا فشيئًا بدأت أتقبل فكرة أنني عدت إلى سن الثالثة عشرة.
قلت ذلك بلهجة أشبه بالهمس المستسلم، لكن ما إن سمعت الخادمات كلامي حتى تجمّد الضحك على وجوههن وتغيرت ملامحهن إلى الجدية.
“ماذا تقولين يا آنسة؟”
“آنسة تينا، هل أنتِ جادة؟ لقد قلتُ لك مرارًا، مظهرك الآن مثالي تمامًا.”
“…”
لم يكن في كلامهن أي مزاح، وكأنهن يعتقدن فعلًا أنني لطيفة هكذا.
في صغري كنت أصدق ذلك، لكن هذه المرة… لن أنخدع.
“حسنًا، حسنًا. من الآن فصاعدًا أريد طعامًا صحيًا فقط.”
“آآانسةةة!”
تجاهلت احتجاجاتهن وتابعت سيري. كانت أصواتهن الباكية خلفي، لكنني لم ألتفت.
كان هناك شخص واحد أريد أن أراه فورًا بعد عودتي إلى الماضي. وإن كان هذا حقًا قبل خمس سنوات، فلا بد أنه لا يزال في القصر.
تسارعت خطواتي، حتى كدت أركض.
“هاه… هاه…”
لم أكن قد ركضت سوى قليلًا وأنا أفتش بين أرجاء الحديقة، لكن أنفاسي أصبحت لاهثة بسرعة. تبا… عليّ أن أعود للحمية فورًا.
وبينما شعري البني يلتصق بجبيني من العرق، لمحته أخيرًا: ظل صغير نائم داخل نافورة في زاوية الحديقة.
“راسل!”
صرخت باسمه بصوت دوّى في المكان، فأفاق ببطء من كان نائمًا في الماء.
كنت أمتلك في طفولتي قدرة نادرة على رؤية الأرواح، و”راسل” كان روح الماء التي قضيت معها جزءًا من طفولتي.
على عكس الأرواح الأخرى الودودة، كان هذا غريب الأطوار… لا يأكل مما أقدمه له، لا يبتسم، ولا يتحدث كثيرًا. كنت أظن أن علاقتنا لم تكن جيدة.
لكن في النهاية… هو من حمَاني بجسده من سهم مسموم، ثم رحل عن العالم بمفرده. ومنذ تلك اللحظة، فقدت قدرتي على رؤية الأرواح.
لم أتخيل قط أنني سأراه مرة أخرى.
لو بقي بجانبي في الماضي، ربما لم تكن حياتي ستنتهي بتلك الطريقة. فهو، رغم بروده، كان أكثر من اهتم بسلامتي حتى آخر لحظة.
“هاه… هاه…”
اقتربت بخطوات بطيئة، وكأنني أرى طيفًا.
وقفت أمام النافورة ونظرت إلى جسده الغارق في الماء.
كان لدي الكثير من الأسئلة التي أردت طرحها عليه:
لماذا فعلت ذلك؟ ماذا كنت تفكر؟ لماذا ضحيت بي؟ ألم تكن تكرهني؟
لكن… لم أستطع قول أي شيء.
وفجأة بدأت دموعي تتساقط في الماء، لتشوّه موجاتها ملامح وجهه.
“… راسل، أنا آسفة.”
كان يحدق بي بصمت، ثم نهض ببطء من الماء.
مع رشة ماء لطيفة، ظهر أمامي طفل صغير بشعر وعينين بلون الماء.
لم يبدُ عليه أي أثر للبلل رغم أنه كان مغمورًا فيه حتى لحظة مضت، تذكير واضح بأنه لم يكن بشرًا.
فتح فمه أخيرًا وقال:
“مالح.”
“…”
… أجل، هذا هو راسل الذي أعرفه.
بدل أن يسأل عن سبب دموعي، كان يشتكي من أن دموعي زادت ملوحة الماء حوله.
لكن… بفضل ذلك، اختفت دموعي. مسحت وجهي بقوة، ثم قلت بلهجة حاسمة:
“… هذه المرة، أنا من سيحميك.”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
آسفة نسيت ما حطيت لكم صورة كيس الخيش الفصل اللي فات، هذي صورته
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"