كانت عينا أساد الزرقاوان المتقدتان مثبتتين عليّ بلا انقطاع.
يبدو أن كلمتي المستفزة التي رميتها قبل قليل قد أيقظت فيه روح التحدي.
تجاهلت ذلك بهدوء ورفعت بصري نحو الإمبراطورة.
“طلبٌ، تقولين…؟”
ابتسمت قائلة:
“فقط، عندما تلتقين بولي العهد، اصطحبي السيد أساد معكِ. ألن يكون من الأفضل لولي العهد أن يكون لديه المزيد من الأصدقاء؟ إنه يبدو وكأنه يعاني من الوحدة الشديدة.”
كانت نبرة الإمبراطورة تحمل قلقًا صادقًا على ليوبولد، وكأنها تفكر حقًا لأجله.
لم يكن ابنها الذي أنجبته، ومع ذلك تحدثت وكأنها أماً تخشى على ولدها.
“…صاحب السمو ولي العهد؟”
“ذلك الفتى؟”
لم أكن الوحيدة التي شعرت بالغرابة.
أنا وأساد تبادلنا النظرات بدهشة، غير مصدقين ما سمعناه.
ليوبولد، يعاني من الوحدة؟ لم يصدق أحد هذا الكلام.
*يعني هذا اللي ركزتي عليه بدل ما تنتبهين لفكرة أن الامبراطورة مستحيل تقلق عليه؟ انت بفمك قلتي انها ارسلت له قتلة*
“نعم.”
أجابت الإمبراطورة بوجه واثق، بينما نظر أساد نحوي كأنه يسأل بعينيه: “أأنتِ موافقة على هذا الهراء؟”
لكنني تجنبت النظر إليه.
الإمبراطورة حقًا لم تفهم ليوبولد.
حتى حجر مرمي على الطريق قد يشعر بالوحدة أكثر منه.
حتى لو كان حقًا في الثالثة عشرة، لما تغير ذلك، فكيف وهو يملك عقل شاب في الثامنة عشر؟
لقد قضيت خمس سنوات كـ صديقة سيئة له، ولم أره يومًا يعبّر عن شعور بالوحدة أو بالعزلة.
على العكس، كان يمقت بشدة كل من يحاول أن يقترب منه مدعيًا الصداقة.
لذلك كنتُ حذرةً دائمًا حتى لا أتخطى حدوده.
لكن الإمبراطورة، غير عابئة، تابعت بابتسامة مشرقة:
“لهذا السبب فكرت أنه سيكون جيدًا أن يتقرب أساد منه. فهو أصغر أبناء دوقية وينترشيستر، أليس مناسبًا تمامًا ليكون صديقًا لولي العهد؟ وبالطبع، سيكون هناك مكافأة مناسبة!”
“…عفوًا؟”
شعرت بالارتباك، فحدّقت فيها بدهشة. لكنها استمرت في النظر إليّ بتلك الابتسامة الوديعة.
كانت تتحدث وكأنها امرأة طيبة، لكن الحقيقة واضحة.
أرادت وضع أساد كعينٍ مراقبة على ليوبولد.
لم يكن من الصعب إدراك أن ذلك هو السبب الذي جعلها تضمه إلى بيت الدوقية.
نظرت إلى أساد. لم يبدُ عليه الاستغراب.
يبدو أن الأمر نوقش مسبقًا قبل أن أصل إلى هنا.
عاجلاً أم آجلاً كان سيصبح مراقبًا لليوبولد، ولاحقًا حارسًا مرافقًا لإيبلين عندما تستقر في الإمبراطورية.
فلماذا أستعجل أنا هذا الدور؟
في الحقيقة، كنت أريد تأجيل لقائهما قدر الإمكان.
فكلما اجتمعا، لم يفعلا سوى التناحر. والوساطة بينهما أمر مرهق.
ومع أن قراري كان محسومًا، تظاهرت بالتردد وسألت:
“هل يمكنني أن أرفض؟”
“ماذا؟”
لم تصدر النبرة المستنكرة من الإمبراطورة، بل من أساد.
تجاهلته، وحدّقت بالإمبراطورة مجددًا.
“إن رفضتِ، فلن يكون أمامي خيار آخر…”
رفعت يدها لتغطي فمها وكأنها تتحسر، ثم تابعت:
“سأضطر أن آمركِ كإمبراطورة.”
…كلماتي السابقة باطلة إذن. صحيح أنهما ليسا متشابهين شكلاً، لكن طباعها نسخة طبق الأصل من ليوبولد!
كلاهما إذا أرادا شيئًا، فلا بد أن يناله بأي وسيلة.
“أرجوكِ، حسنا؟”
قالتها بصوت لطيف مصطنع، بينما ترمقني بعينين باردتين، مشددة على كلمة “أرجوكِ”.
“…نعم.”
لم أستطع سوى إخفاء امتعاضي والرد.
فما أن نطقت حتى أشرقت ابتسامتها.
“حقًا؟ يا لفرحتي أن الآنسة تينا لبت طلبي.”
كانت قد رأت وجهي الكئيب، لكنها تظاهرت بعدم ملاحظته.
بالنسبة لي، كلماتها لم تكن سوى: “كيف تجرئين أن ترفضي طلبي؟”
“لا… إنه واجب طبيعي، جلالة الإمبراطورة.”
لم يكن أمامي خيار. فهي ثاني أقوى شخص في الإمبراطورية بعد الإمبراطور نفسه.
ما علي إلا الانصياع.
لكن عاجلاً أو آجلاً ستكتشف أنها حتى لو أحاطتني بالمراقبين، فلن ينالوا شيئًا.
ربما أرادت أن تستغلني وأساد لاستخراج نقاط ضعف ليوبولد، لكنها ستفشل.
ذلك الفتى لم يكن ليُظهر ضعفًا أبدًا. وإن كان له ضعف، فلن يكشفه أمام أساد… ولا حتى أمامي.
بمعنى آخر، لا مشكلة.
باستثناء شيء واحد…
كانت عينا أساد الزرقاوان المشتعلتان بالتحدي لا تزالان مغروستين بي، وهذا وحده كان يزعجني بشدة.
“…سيكون بيت البارون صاخبًا لفترة.”
تنهدت خفية وأنا أتجنب نظراته.
ربما كان من الخطأ أن أدعو ليوبولد إلى بيتنا.
فها هو ولي عهد الإمبراطورية، ومعه أصغر أبناء دوقية وينترشيستر.
شخصيات تجعل قصر البارون يبدو تافهًا أمامهم.
لو التقينا في القصر الإمبراطوري لكان بإمكاني إيجاد ذريعة والانسحاب من المشهد.
لكن في بيتنا، لم يكن هناك مهرب.
…بصراحة، لم أستطع التفكير إلا في أنني حفرت قبري بيدي.
***
“شكرًا جزيلًا لكِ، آنسة تينا.”
“لا، يا جلالة الإمبراطورة.”
قالت ذلك وهي تمد يدها نحوي، فانحنيت قليلًا لأصافحها.
لكن في اللحظة التي لامست فيها يدي يدها، خُيِّل إليّ أن وجهها قد انقبض قليلًا.
…ما هذا؟
رمشت سريعًا، لكنها عادت فورًا إلى ابتسامتها الهادئة، فظننت أنني كنت أتخيل.
…هل كان مجرد وهم؟
أفلتت يدي برفق، وبمجرد أن ابتعدت عني مسحت يدها خفية على مفرش الطاولة.
“…….”
حدّقت فيها بدهشة، غير مصدقة ما رأيت.
كنت أشعر بذلك منذ يوم لقائنا الأول… الإمبراطورة لم تكن تحبني.
ربما لأنني مجرد صديقة لولي العهد، لكنني كنت واثقة أن السبب الثاني هو أن شكلي الحالي لم يكن يلائم معاييرها الجمالية العالية.
في تلك اللحظة، قال أساد بنبرة ضجرة وهو يربّت على المقعد الفارغ بجانبه:
“إلى متى ستبقين واقفة؟ اجلسي هنا.”
“آه، أنا لا—”
تذكرت أنني قطعت جلستهم لشرب الشاي.
لم أشأ أن أجلس معهما؛ لو فعلت، لشعرت بالاختناق من أول رشفة.
لكن وقبل أن أكمل رفضي، سبقتني الإمبراطورة وهي ترفع فنجانها برشاقة قائلة:
“صحيح. من الأفضل للآنسة تينا ألّا تجلس.”
“…….”
“؟”
قالتها وهي تمسحني بنظراتها من رأسي حتى قدمي.
بدا أن أساد لم يفهم مقصدها، لكنه لم يكن غامضًا بالنسبة لي.
كانت الإمبراطورة تهتم اهتمامًا مبالغًا فيه بالجمال.
رجال، نساء، جواهر، أزهار، حيوانات… أي شيء جميل كانت تجمعه بشغف، وكأنها تبني حرَمًا خاصًا بها.
ولهذا السبب رغبت حتى في أساد.
ماذا عني؟ لم يكن لي مكان في ذلك الحرم.
اليوم استدعَتني لغرض محدد، وما أن نالت ما تريد حتى لم تعد ترى ضرورة في التظاهر.
ولأنني فتاة صغيرة، لم تجد حاجة لأن تُخفي احتقارها.
لم يكن غافلا في هذا الجو سوى أساد، الذي جلس بيننا بوجه حائر كأنه يقول: “لماذا استدعيتِها إذًا إن كنتِ سترسلينها فورًا؟”
…سأنتقم.
منذ البداية لم تحاول أن تخفي كراهيتها لي، والآن صارت أكثر وقاحة.
ربما ما زالت تحمل ضغينةً من المرة التي تعاملتُ معها وكأنها ميتة بالنسبة لي.
كنت أعلم ذلك، لكن مواصلة تحمّل هذا الشعور بالاحتقار أشعل فيّ غضبًا مكتومًا.
وقفتُ وكأنني اتخذت قرارًا:
“جلالة الإمبراطورة، أشعر بتوعك… هل يمكنني أن أنسحب؟”
“بالتأكيد، تفضلي.”
“هكذا فقط؟”
سمعت صوت أساد المتفاجئ من ورائي، لكنني تجاهلته.
انحنيت تحيةً ثم أسرعت بخطاي مبتعدة.
“…تِس،” تمتمتُ ساخطَة.
في المرة القادمة، سأحطم أنف كبريائها.
حتى لو جثت على ركبتيها ورجتني أن أجلس في حرمها بين تحفها الثمينة، فلن أنظر إليها ولو بطرف عيني. حسناً!
***
غادرتُ حرمها بخطوات سريعة غاضبة، والقهر يغلي في صدري.
منذ ذلك اليوم، انغمست في التدريب بجنون.
كنت أتدرّب بجد منذ البداية، لكني هذه المرة تخطيت حدود الجنون.
قلّصت ساعات نومي، وصرت أنهض قبل الفجر لأتمرن.
لاحظ راسل ذلك وسألني بقلق:
“…هل حدث شيء في القصر الإمبراطوري؟”
“…لا.”
ابتلعْتُ إجابتي بكبرياء، لكن من نظرته عرفت أنه أدرك الحقيقة.
لم يوقفني، بل ظل بجانبي يمد لي يد العون حتى لا أنهار.
ومضت الأيام… يوم، يومان، ثلاثة… أسبوعان كاملان.
بدأت أشعر بخفة جسدي أكثر من أي وقت مضى.
حتى في المرآة، كنت أرى أنني فقدت نحو خُمس حجمي تقريبًا منذ آخر زيارة إلى القصر.
…نعم. الكراهية هي أعظم قوة تدفع الإنسان.
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 19"